حين يتوهم الإنسان أنه يري ما لا يمكن للآخرين رؤيته، ويشعر أنه يسقي عطشي الوعي من وعيه، ويحيّ موات الفكر بفهمه..!! هنا.. يبدأ المسكين في الهذيان بالمتناقضات التي يظنها الحكمة الخالصة، بينما تبدو عوراته النفسية لكل ذي لُب..
حين يتوهم الإنسان أنه يري ما لا يمكن للآخرين رؤيته، ويشعر
أنه يسقي عطشي الوعي من وعيه، ويحيّ موات الفكر بفهمه..!!
هنا.. يبدأ المسكين في الهذيان بالمتناقضات
التي يظنها الحكمة الخالصة، بينما تبدو عوراته النفسية لكل ذي لُب..
أتدري لماذا يصل الإنسان إلي هذه الحال؟..
إنها ألاعيب الـ "أنا" التي توهمه
أنه "متميز" عن كل من حوله، ثم من خلال هذا الإحساس بـ
"التميز" المزعوم توسوس له أنه شلالٌ من ماء العلم ينزل إلى الآخرين من
أعلى إلى أسفل.. ثم تسحبه إلى أبعد من
ذلك؛ فتشعره أنه في غاية التواضع لأنه يتحمل جهلهم.!
ولذلك فأنا وأنت في أمس الحاجة إلى خوض
معركة شاقة حول "الإيجو" أو الـ "أنا" لمعرفة تأثيره على
مناحي الحياة المختلفة، ليتوفر لدينا من الوعي ما يقوم بـ " تفعيل رحمة الله
في قلبنا" تجاه أنفسنا بـأن "نَعْلم الحق" وتجاه خلق الله بأن
"نَرْحم الخلق"..
وهذا الحوار مع نفسي أطرح من خلاله بعض
التساؤلات، وأعرض عليك بعض إجاباتي التي تحتمل الصواب والخطأ، فما رأيتَه منها
صواباً فهو لك، وما رأيتَه غير ذلك؛ فاتركه وأبحث عن إجابات أخرى..
كل ما أتمناه أن تأخذك الإجابات خطوة إلى مزيد من
التساؤلات التي تنقلك من مربع الغفلة إلى مربع الوعي حتى لا تخدعك الـ
"أنا".
•أُحِبُكِ
يا نفسِ.!
لقد أمعنت التفكير
فيكِ يا نفسِ؛ فاسمعيني:
أنا: أحياناً أشعر أني
أكرهك.. هل تصدقين أن أحداً يكره نفسه؟
نفسي: نعم أصدقك، ولست
وحدك في هذا الأمر.. كثيرون هم الذين يكرهون أنفسهم ويحملونها مسؤولية كل قرار خطأ
أو تصرف معيب أو اختيار غير موفق.. أو.. أو..
أنا: وكيف ترين أنت
التعامل الأصوب معك؟
نفسي: اقبلني وحاول أن
تراني مستحقة للخير، فإذا قلتُ شيئاً أو أخذتُ قراراً أو قمتُ بعمل، لا تنتظر أن
يثني عليّ الآخرون، بل كن أنت مقدراً لي ومؤمناً بما أحمله من خير..
أنا: هل تقصدين أن
أقبلك كما أنت؟.. أقبل قدراتك كما هي؟.. لا أهتم بعلاقاتي بالآخرين؟.. أهتم فقط
بعلاقتي معك ونظرتي لك؟
نفسي: نعم.. هذا ما
قصدته..
أنا: وماذا عما مضى؟..
ماذا عن لحظات الإخفاق والفشل؟.. ماذا عن أوقات الألم والخذلان؟.. ماذا عن الرفاق
الغائبين والأحباب الراحلين؟.. ثم ، ماذا عن أخطاء الماضي وعثراته؟!
نفسي: تصالح معها، وابدأ
من حيث أنت الآن.. ولا تقسُ عليّ يا صديقي.. سامحني واحنُ عليّ وطيّب خاطري..
أحبني وعانقني!!
لا أقصد أن تلف
ذراعيك حولي، ولكن حاول أن تمنحني دفء العناق؟!
أنا: ولكني أريد أن
أجلس معك لأتفق معك على الندم على الأخطاء والعزم على عدم العودة، فالندم يطهر
الروح، والعزم على عدم العودة خطوتك الأولى للتحليق في القمة السامقة.
نفسي:
لا بأس يا صديقي، ولكن إياك أن تشك فيّ أو تقلل
من قدري.. وإياك أن تتأثر بأحد ممن يقللون من قدري أو يشككون في طهري..
أنا: لا تقلقي يا
حبيبتي.. أنا أحبكِ وأقدركِ وسيكون انطلاقي بك محققاً حلمك وحلمي في الحياة الطيبة..
• كن
أنت كما أنت.!
أنا: أشعر ثقلاً في
روحي..
نفسي: هذا ثقل الأقنعة
التي وضعتها على وجهك..
أنا: ليس على وجهي
أقنعة.!
نفسي: بل على وجهك أقنعة
كثيرة بعضها فوق بعض، وأنت وضعتها لتلعب أدوراً كثيرة يوماً بعد يوم.. هل تريد أن
تقنعني أنك وضعتها ونسيتها؟
لا بأس.. أنا
أصدقك يا صديقي، ربما تكون قد نسيتها، فأنا أذكرك بها، وأحذرك منها لأن
"أنت" الحقيقي مدفون تحتها.!
أنا: ماذا تعنين؟.. هل
أنا لست أنا؟.. هل وجهي هذا ليس حقيقياً؟
نفسي:
نعم، لقد ضاع وجهك الذي جئت به إلى هذا العالم
تحت هذه الأقنعة الزائفة.!
أنا: وكيف العودة إلى
"أنا" الحقيقي؟
نفسي: أول خطوة تصنع
طريق العودة هي "الوعي" يا صديقي.
أنا: الوعي بـ
"ماذا"؟
نفسي: الوعي بالأوهام
التي تعيش فيها، والأقنعة التي ترتديها، لتدرك أنك لست ما تظنه أو تتمناه، بل أنت
هو ما أنت عليه الآن!!
أنا: نعم لقد فهمتُكِ..
أنت تريدين أن أكون أنا كما أنا وكفى.. أليس كذلك؟
نفسي: نعم
أنا: ولكنها مهمة صعبة
بالفعل مع كل هذه الأقنعة..
نفسي: حاول.. فقط أطلب
منك المحاولة..
• الإحسان
يليق بك..
أنا: تطلبين مني نزع
الأقنعة عن وجهي؟
نفسي: نعم
أنا: ألا يمكن أن يكون
هذا سبباً في إيذاء الناس لي؟
نفسي: ربما يحاولون
فعلاً إيذاءك، فهم منغمسون في أداء أدوارهم ولهم في كل دور قناع ولو نزعت قناعك؛
سقطت أقنعتهم.!
أنا: ماذا أفعل إذن؟
نفسي: لا تترك لهم
الفرصة.. أغلق في وجوههم أبواب المحاولة!
أنا: ولكنهم قد ينجحون
في إيذائي؟
نفسي: أبعدهم عن حياتك
حتى لا يكرروا فعلتهم.. فارقهم وحاول أن تسامحهم، فهم لا يعلمون.
أنا: لا سبيل إلى
المفارقة فلي معهم تعاملات ضرورية.!
نفسي: دعهم ينغمسون في
أدوارهم التي يلعبونها.. تعامل معهم كأطفال لا يعرفون صالحهم، وحاول أن تتقبلهم
وتتفهم..
أنا
"مقاطعاً": أتَفَهم ماذا؟.. أتفهم خداعهم!!.. أتفهم كذبهم!!.. أتفهم ضحكهم
الكاذب!!.. أتَفَهم ماذا أيتها النفس الساذجة؟
نفسي: تَفَهم أنهم
يشعرون بالخوف.. تَفَهم أنهم يملؤهم القلق.. يخافون الماضي، ويقلقون بشأن المستقبل..
وهم بين هذا وذاك يحزنون لأجل حاضرهم التعيس.
يا صديقي الطيب..
حين أطالبك بالتقبل لهم والتفهم لمشاعرهم والعطف على ضعفهم، فأنا في الحقيقة
أطالبك بما يليق بك.. الإحسان يليق بك وإن لم
يستحقه من أمامك.
• تأثير
لا تغيير..
كنت أجلس مهموماً..
انتظرت من نفسي
سؤالاً عما بي..
ولكنها تجاهلتني
ولم تعرني اهتماماً..
بدأتها
أنا بقولي: أهلي يلاحظون تغيّراً قد طرأ على طريقتي في التواصل معهم..
أحاول جاهداً أن
أغير قناعتهم بأنني أنا كما أنا.. لكنهم لا يغيرون قناعاتهم!
نفسي: لا تحاول تغيير
قناعاتهم.. لا تفرض عليهم قناعاتك.. دع لهم حرية الاختيار فهي حقهم، وليس من حقك
أن تسلبهم إياها.
أنا: لكني أراهم بعيدين
عن أنفسهم، بل ربما نسوا هذه الأنفس.!
نفسي: هم اختاروا أن
ينسوا.. هذا اختيارهم الذي لا تملك حق تغييره..
ربما تنصحهم وفقط،
أمّا تغيير اختيارهم فليس عليك أن تفعل.!
أنا: لكني أحبهم وأتمنى
لهم الخير الذي سيصلون إليه حين يتغيرون.
نفسي: هذه مشاعر طيبة،
ولكني أخشى أن يكون حرصك على تغييرهم لوناً من ألوان الانتصار لنفسك حين ترى ندمهم
على اختياراتهم مخالفة نصائحك!!
أنا: سأتركهم كما هم ما
دام هذا ما يريدونه.. سأدعو لهم بالخير والهداية.
نفسي: نعم.. أحسنت يا
صديقي الطيب، فهذه تجربتهم ومن حقهم أن يخوضوها وفق اختياراتهم دون تدخل من أحد..
وإن كان لنا من دور فهو التأثير لا التغيير.
• أحسن
ضيافة الحزن..
استيقظت منقبض
القلب، تغلف أحاسيسي مشاعر حزن لا أدري لها سبباً.
وعدم معرفة سبب
هذا الحزن زاد ضيقي واختناقي..
قلت
لنفسي: حين تنتابني هذه المشاعر أشعر أنك بعيدة عني..
قالت
نفسي: بل أنت من تكون بعيداً عني.. أنا لا أبتعد عنك يا صديقي..
قلت
لنفسي: أبتعد بحثاً عن أسباب تلك المشاعر، وحين لا أجد لها أسباباً أحاول
وأدها.!
قالت
نفسي: لا تبحث عن أسبابها ولا تحاول وأدها..
قلت
لنفسي: ماذا أفعل إذن؟
قالت
نفسي: أحسن استقبالها ولاطفها حتى ترحل عنك بسلام..
قلت
لنفسي: أفعل ذلك مع مشاعر حزن وغضب.!!
قالت
نفسي: نعم.. علمتني تجاربي ألا أسأل تلك المشاعر لماذا جاءت، ولا متى
سترحل، فليس من حسن الأدب أن أسأل ضيفاً ـ وإن كرهته ـ ماذا جاء بك؟
قلت
لنفسي: هل تقصدين أن أسلّم لمشاعري لتقصر ضيافتها أو تطيلها حسب الظروف ثم
تنصرف هي عندما تريد؟!
قالت
نفسي: أعطها حقها في الوجود، ثم اتركها ترحل.. حين تحزن، احزن.. حين
تتضايق، تضايق.. لا تنكر ما تعاني فهذا يزيد الأمر سوءاً لأنه يضيف إلى أقنعتك
قناعاً جديداً.!
قلت
لنفسي "مدافعا": ليس لدي أقنعة قديمة أو جديدة.. أنا أعيش بلا أقنعة.
قالت
نفسي "وهي تبتسم ابتسامة ذات معنى": لم أتهمك حتى تدافع، ولست أنا عدوة لك..
أنا أحبك، ونصيحتي سأكررها لك ما بقينا..
كن أنت أنت كما
أنت، ودع عنك الآخرين، فلن ينفعوك.
• اختياراتك
هي عالمك..
أنا: حين أراقب هذه الحياة؛
أشعر الكثير من الحيرة؟!
في نفس المكان
والظروف أناساً يرون الحياة صعبة ومحبطة إلى أبعد حد، وآخرين يرونها سهلة ومبهجة.!..
لا أدري أيهما يرى الحياة على حقيقتها؟!
نفسي: كلاهما يراها بشكل
صحيح.
أنا
"متعجباً": كيف؟!!.. كيف يجمعنا مكان واحد وتكون نظرتنا مختلفة؟
نفسي: إنها اختيارات
الإنسان، هذه الاختيارات هي ما تصنع عالمه وتصف حياته.
أنا: كيف؟.. لم أعد
أفهمك.!
نفسي: ألم ترَ أنك في
بعض اختياراتك كنت عبقرياً، وفي بعضها الآخر كنت في غاية البلاهة؟
أنا: وما علاقة ذلك بـ
"التناقض" الذي أراه في اختيارات من حولي؟
نفسي: العلاقة وثيقة يا
صديقي الطيب.. هذا الاختلاف الذي رأيتَه أنت "تناقضاً" هو في الحقيقة
جزء من الحياة..
أنا: وبم تنصحيني؟
نفسي: لا تحاول أن تجعل
الآخر مثلك.. لا تغضب عندما تكون آرائهم مختلفة عما لديك.
أنا: كيف لي بهذا.. أليس
هذا أمراً في غاية الصعوبة؟
نفسي: ربما تجد صعوبة في
هذا بالفعل، ولكن هذه الصعوبة تتضاءل كلما اقتربت مني لأنك كلما عرفتني؛ عرفت
خياراتي، وكلما قبلت خياراتي، ستحترم خيارات الآخرين.
· سامح أو صارح..
أنا: ما زلت متقلب
المزاج بين الطمأنينة والقلق، وبين السعادة والحزن؟!
أشعر أني متعب يا
نفسِ، فهل لديك ما يطمئن قلبي ويهدئ روحي؟
نفسي: سامح.. سامح
الجميع.
أنا: كيف لي ذلك؟.. كيف
أسامحهم بعد كل ما فعلوه بي؟
نفسي: هل تحب العيش في
انتظار التشفي ممن آذوك؟.. هل تشعر بالراحة عندها؟
أنا: أنت تطلبين مني
المستحيل.. كيف أتصالح مع من سببوا لي الآلام؟
نفسي:
أنت تخلط يا صديقي بين التسامح والتصالح.. حين
أطلب منك أن تسامح من آذوك، لا أطلب منك أن تبقي صلتك بهم.!.. كيف أطالبك أن تعود
لشخص سبب لك كل هذه الآلام؟.. إن هذا لون من الحماقة لا أطالبك به قط..!
أنا: ماذا تطلبين مني
إذن؟
نفسي: سامح من آذوك
بمعنى "لا تظل أسير حالة الألم واجترار ذكرياته".. "لا تظل أسير
غضبك مني لأني سمحت لهم بإيذائك".!
أنا: لكن هذا الأمر صعب
جداً.
نفسي: نعم.. أنت على حق
فيما تقول.. بل لو قلت أنه مستحيل ما خالفتك.!
ولكن..
أنا: ولكن ماذا؟
نفسي: يا صديقي الطيب..
ألست تخطيء؟.. ألست تعصي خالقك؟
ألا تحب أن يتجاوز
ربك عن خطاياك؟
كلما أخطأت، فاجعل
أخطاؤك دروساً في التسامح مع أخطاء الآخرين.
· اعرفني تعرف ربك..
أنا: أريد أن أعرف ربي.
نفسي: اعرف نفسك؛
تعرفه؟!
أنا: لم أفهمك..
ماذا تقصدين؟
نفسي: يا صديقي لا تكن
كالأحمق الذي قضى دهراً يبحث عن الله في أقوال السابقين وكتب المتصوفة والفلاسفة،
ثم اكتشف في النهاية أنه أقرب إليه من حبل الوريد، وأنه لم يكن يعرفه لأنه لم يكن
يوماً قد عرف نفسه.. اعرفني، فإذا عرفتني؛ عرفته..!
أنا: مازلت لا أفهمك؟
نفسي: أيها المسكين لا
تستسلم لصورة يسوقها إلى ذهنك شيطانك دون أن تعي؛ فيصور لك ربك وكأنه شخص حكيم
يجلس في مكان ما في السماء، يتابعنا ويراقبنا!!
أنا: حدثيني أنتِ عنه؟
نفسي: لستَ بحاجة
يا صديقي لمن يحدثك عنه.. كل ما دار في بالك؛ فالله غير ذلك..
أنا: لقد انتبهت إلى
خدعة الشيطان معي؟.. لقد دخل إليّ من طبيعتي البشرية ليصوره سبحانه لي في صورة
مادية أو معنوية!.. لقد سخر الشيطان مني كثيرا..
نفسي: الأخطر يا صديقي
أن ينفرد الشيطان بك في محنتك، فيوحيّ إليك أنه تخلى عنك وخذلك، ويوسوس لك أنه
تركك في آلامك ولم يستجب لدعائك وتوسلاتك.. وماذا كان عليه إن وقف معك.. وماذا كان
سيخسر لو استجاب؟
أنا: ولذلك أطلب منكِ
أن تحدثيني عنه؟!
نفسي: يا صديقي المسكين،
كيف أحدثك عن أقرب إليك من حبل الوريد؟!.. أنت تعرفه أكثر مما تعرفني.. أنت فقط
نسيت..
الله يا صديقي
أكبر من كل تصور، وفوق كل تخيل، وأعظم من كل فكرة في ذهنك..
أنا: أريد أن أعرفه أكثر..
نفسي: اجتهد في معرفتي؛
فهي سبيلك إلى حق معرفته، فإذا عرفتني بالضعف عرفت ربك بالقوة، وإذا عرفتني بالعجز
عرفت ربك بالقدرة، وإذا عرفتني بالذل عرفته سبحانه بالعز، وإذا عرفتني بالجهل
عرفته بالعلم.
أنا: نعم.. أحسنتِ.
نفسي: إن الله سبحانه
استأثر بالكمال المطلق، والحمد، والثناء، والمجد، والغنى. أمّا العَبْدُ، فهو
فقيرٌ، ناقصٌ، محتاج.. وكلما ازدادت معرفة العبد بنقصه، وعيبه، وفقره، وذله،
وضعفه، ازدادت معرفته لربه بأوصاف كماله.
أنا: أستحي منه، فذنوبي
كثيرة وتقصيري لا حدود له!
نفسي: ربك ليس سلطاناَ
غاضباَ جائراَ ينتظر من يخطئ ليسارع له بالعقوبة.
اطمئن يا صديقي..
سيكون لك كما تظن مغفرة ورحمة.
رحمة لن تجدها عند
أمك..
لا تجعل تقصيرك
يحول بينك وبينه، فأبواب مغفرته مفتحة.. وهو يفرح بتوبتك.. أتدري يا صديقي ما هو
الذنب الأخطر؟
أنا: ما هو؟
نفسي: أن تظن أنك تأتيه
تائباً فلا يقبلك..
• حدثيني
عن الـ " أنا"؟
قلت
لنفسي: لا أدري لماذا كل هذه الكراهية بين الناس؟
قالت
نفسي: لأن الـ "أنا" تسيطر عليهم.!
قلت
لنفسي: الأنا.. ؟!
قالت
نفسي: أليس لديك تصوراً عنها؟
أليس يشغلك أنك
فلان بن فلان، من عائلة كذا، وعملي هو كذا.. وأمتلك كذا.. و..
هذه هي
"الأنا" يا صديقي..
قلت
لنفسي: ولكن هذه ليست أنا الحقيقية، هذه مزيفة لأنها تتحقق من خلال ما أملكه..!
قالت
نفسي: أحسنت يا صديقي.. إنها تعطيك التقدير من خلال رأي الناس فيك.!، ولذلك
فأنت تجزع لتغيّر تقديرهم لك، بل ربما شعرت أنك فقدت جزءاً من كيانك.!
قلت
لنفسي: وما علاقة كل ذلك بالكراهية بين الناس؟
قالت
نفسي: إن هذه "الأنا" تهمس في أذنك: لقد أهانك فلان.. كيف يجرؤ
على الكلام معي بهذه الطريقة؟.. ألا يعلم من "أنا"؟
قلت
لنفسي: ومن ثم تحرص "أنا" أن تنتصر على "هم"، وتشعر أنهم
يهددونها، أليس كذلك؟
قالت
نفسي: نعم.. ومن هنا يأتي الصراع وتدخل الكراهية إلى القلوب.
يا صديقي الطيب.. لقد تحول كل فرد إلى "أنا" متضخمة
تسير على قدمين، ترمق كل من حولها وتتربص به، وكلما مضي الوقت تزداد بعداً عن أقرب
قريب.!
قلت
لنفسي: أريد أن تحدثيني أكثر عن الـ "أنا"..
قالت
نفسي: هل تذكر صورة القلاع القديمة التي تكون محاطة بأسوار تمنعها من
الأعداء، ويحيط بهذه الأسوار خندق مليء بالمياه يتعذر عبوره، وتوجد بوابة ضخمة
لهذه القلعة، وأمام هذه البوابة جسر متحرك يمكن رفعه ليمر عليه أهل المدينـــة
دخولًا وخروجًــا.. وهذا الجسر مصمم بحيث يتم رفعه سريعًا بالسلاسل في حالة هجوم
الأعداء ويصبح جزءًا من السور العالي المحيط بالقلعة.
تلك القلعة هي
النفس! والجسر هو الـ "أنا" التي ترفع في حالة شعور النفس بالخطر أو
التهديد، بينا تتحول إلى جسر يعبر عليه الجميع حين تشعر بالأمان!.
ولا شك أن هذا
يعني أن حارس القلعة الـ "أنا" يعيش حالة يقظة دائمة، فتتحول هذه الحالة
إلى أسوب حياة يمكن أن نطلق عليه "كن مستعداً دائماً"، وهو أسلوب يفقد
الإنسان السلام والسكينة.. لأنه يبقى جاهزاً لأي تهديد يشعر النفس أنه أعلى وأنها
أدني، ليقول بلسان المقال والحال: "أنا أغنى".. "أنا أعرق
نسباً".. "أنا أكثر علماً".. "أنا أكثر نفوذاً"..
• يا صديقي..
إذا انتهيت من قراءة المقال؛ فلا تنظر حولك باحثاً في حال الآخر، هل يتولى "الإيجو"
والـ "أنا" السيطرة عليه أم أنه قادر على ترويض الأنا؟، ولا يكن همك رصد
واقعه والوصاية عليه من خلال "وهم" النصيحة..
واعلم أنك لست ربه؛ فاتركه لسيده.. وحاول أن تتحرك أنت لمكان مختلف حتى ترى
الأمور من منظور آخر، ولك كامل الحرية أن تبقي في ذلك المكان الجديد أو أن تعود
إلى المكان القديم، وأعتقد أن الانجاز الأكبر إنما يتحقق إذا انتقلت أنت الى مكان
ثالث وعلمتنا شيئاً جديداً..
فهل أنت على استعداد لامتلاك الشجاعة لمواجهة واقعك وتسمية الأشياء
ـ كل الأشياء ـ بأسمائها الحقيقية فلا تسمي الخوف.. عقلاً، أو تسمي السلبية..
حكمة، أو النقاق.. مجاملة، بل تتحرر من
هذا الزيف وتعترف أنك بإدراك ووعي أو دون إدراك ودون وعي قد خلقت لك "وثناً
" تعبده مع الله وهو "النفس" ؟!
فاستعن بالله واكفر بـ "وثن" الـ "أنا"، ولا تجعل غيوم
هذه الـ "أنا" حجاباً بينك وبين ربك يخرجك الله من ظلمات عبادة النفس.
واجتهد أن تلجم نفسك وتروّض الـ "أنا" بداخلك، فأنت من يمسك
بزمامها وأنت من يتحكم بها..
واعلم أن لجام نفسك يقع بين رضاك عنه سبحانه ورضاه عنك..
وليكن منك على ذكر:
إن موطنك الأصلي هو الجنة، وصاحبك في سفر الحياة هو الله؛ فاقرن حاضر حبك
لله، بغائب شوقك لرؤياه..
واعلم أن هذه الغاية الغالية لا بد لها من ثمن قد يكون مادياً أو معنوياً
أو قد يكون الاثنين.. قد يكون وقتك، وقد يكون راحتك، وقد يكون.. وقد يكون.. ولكن
دون ثمن غال أنت على استعداد لدفعه، لن تحقق تلك الغاية.
إضافة تعليق