أنا محفظ للقرآن في أحد المراكز التربوية، ولدي حلقة مكونة من حوالي 20 طفلاً في المرحلة المتوسطة، ونظرًا لكثرة عدد الأطفال في الحلقة اضطررت لتعيين أحدهم مساعدًا لي ليقوم ببعض المهام البسيطة بدلاً مني
أنا محفظ للقرآن في أحد المراكز
التربوية، ولدي حلقة مكونة من حوالي 20 طفلاً في المرحلة المتوسطة، ونظرًا لكثرة
عدد الأطفال في الحلقة اضطررت لتعيين أحدهم مساعدًا لي ليقوم ببعض المهام البسيطة
بدلاً مني؛ لأتمكن من أداء دوري تجاههم بفاعلية، ولكني فوجئت ببعض الأفعال السيئة
التي يقوم بها، فبمجرد تقلده لهذا المنصب بدأ يمارس عليهم نوعًا من التسلط، بل إنه
يتنمر عليهم أحيانًا ويسخر منهم، الأمر الذي تسبب في عزوف بعضهم عن الحلقة بسببه
وعدم تجاوب البعض الآخر.
حاولت إصلاح الأمر أكثر من مرة فلم
أفلح، وأخشى من إقالته من هذا المنصب وتعيين غيره فيزداد في الإساءة إليهم ويدمر
الجهود التي بذلت في الحلقة طوال الفترة الماضية، فأرجو إفادتي كيف أحل هذا
الأمر؟!
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول
الله -صلى الله عليه وسلم-، وبعد..
فإنَّ التعليم شرفٌ عظيمٌ، ومهمَّةٌ
جليلة يقوم عليها المربي، وقضية الإنابة في التعليم منهج نبوي، فقد أناب -عليه
الصلاة والسلام- عبادة بن الصامت ليعلِّم أهل الصفة القرآن، وأرسل مصعب بن عمير
إلى المدينة يقرئ أهلها القرآن، ويفقههم في الدين، وكذا معاذ بن جبل إلى اليمن،
وعليه فإنَّ إنابة المعلم من يخلفه أو يعينه في تعليم القرآن الكريم وتحفيظه أمرٌ
لا غبار عليه ولا إشكال.
إلا أنَّه يجدر التنبيه على بعض
القضايا حتى لا يقع الطالب المعاوِنُ في المزلق المشار إليه في السؤال، ومن بعض
الإجراءات التي ينصح بها المعلِّم لتفادي هذا الإشكال:
أولًا: تحديد المهامّ بدقة:
فيحدِّد المعلم ما على الطالب أن
يعاونه فيه بدقة؛ كأن يسمِّع للطالب سورة كذا، أو يلقِّنه الصفحة الفلانيَّة، أو
يرجعه عند كذا عددٍ من الأخطاء، أو يركِّز عليه على أحكام تجويديةٍ معيَّنة،
وغيرها من المهام التي تقتضيها الحلقة.
ثانيًا: وضوح إجراءات تنفيذ المهمة:
وهناك يزوِّد المعلمُ الطالب المعاون
له بإجراءات تنفيذ المهمة الموكلة إليه، كأن ينبِّهه ألا يرفع صوته حال الفتح
بالخطأ على من يسمِّع له، ولا يؤنِّبه، ولا يعلِّق على تسميعه بنقدٍ أو عتابٍ،
فيعطيه الإجراءات التي تضمن عدم تعديه على زملائه، أو تجازوه في حقهم.
ثالثًا: التعريف بالمهمة وحدودها
أمام الطلاب:
وذلك بأن يخبر المعلم طلابه في
الحلقة أني اخترت زميلكم فلانًا ليقوم بالتسميع لكم أو تلقينكم فقط، وما سوى ذلك
فإنه يعود إليَّ، ومن أراد منكم شيئًا؛ يراجعني. فهذا التعريف بالمهمة يعرِّف
الطالب المعاوِن للمعلم بحدود صلاحياته أمام زملائه في الحلقة، كما يكسبهم الثقة
في العودة إلى معلِّمهم حال رؤيتهم تجاوزًا لتلك الصلاحيات التي رسمها المعلِّم
لمعاونه، ويكسر هذا الإعلان للصلاحيات من غطرسة الطالب -إن وجدت- أو تنمُّرِهِ.
رابعًا: أن يجعل المعلم أكثر من
نائبٍ له:
فلا يجعل النيابة عنه في الحلقة
لواحدٍ فقط، بل إذا كان عنده مجموعةٌ أخرى من الطلاب يصلح أن يكونوا عونًا له ولو
في مهامّ بسيطة في إدارة الحلقة؛ فإنه يعيِّنهم كذلك معاونين له، فينوب عنه فلانٌ
مثلاً في التسميع، وفلانٌ في تحضير الطلاب، وثالثٌ في كتابة الورد على دفتر التسميع،
وغيرها من المهام التي يصلح بها سير الحلقة.
خامسًا: ينبغي ألا يتهاون المعلِّم
فيما فيه تعدٍّ على باقي الطلاب:
فإذا علم أن هناك تنمرًا أو تعدِّيًا
من المعاوِن له على باقي الطلاب؛ فليكُن واضحًا معه بأنه مثل هذا السلوك لا
أرتضيه، وإذا تكرَّر مرة أخرى سيتمُّ سحب هذه المهمة منك وإيكالها إلى غيرك، وإن
كانت حالة التنمُّر أو التعدِّي بعلم طلاب الحلقة فليكن هذا الإخبار أمام الطلاب
بما لا يمس كرامة المعاوِن له، ولا ينتقص من حقِّ من تُعُدِّيَ عليه، وهنا تبرز
حنكة المعلم وفطنته في التوفيق بين الموقفين.
سادسًا: الجلسات الفردية مع الطالب:
فيوضح له بأن الأدوار التي تقوم بها
لا أريد أن تأتيني شكوى منك، وإنما اخترتك لهذه المهمَّة لأني رأيتك خير من يقوم
بها عنِّي، وهي تحتاج إلى أخلاقٍ، ومَن أمامك إنما هم زملاء لك، فلست معلِّمًا
لهم، لذا قابلهم بالإحسان، وتعامل معهم باللطف والاحترام، هذه التوجيهات من شأنها
أن تنبِّه الطالب إلى دوره مع زملائه، وتعرِّفه بحدود التعامل، وليكن المعلم يقظًا
يتدخَّل بالتوجيه كلما رأى انحرافًا عن الدور الموكل للطالب.
سابعًا: تغيير الأدوار المنوط
بالطالب فعلُها ما بين فترةٍ وأخرى:
فلا يوكّل الطالب دائمًا بالتسميع
للطلاب، وإنما يجعل له مرةً مثلاً دورًا آخر؛ كأن يأخذ حضور الحلقة، أو يكتب خطة
حفظ، وغيرها من المهام، هذا التغيير في المهام لا يعطي المعاوِنَ راحةً واتِّكاءً
إلى طبيعة الأوامر التي تحيط بالهمة الموكلة إليه، وإنما يجعله في مرحلة تعلم وتجربة
ما بين مهمة وأخرى.
ثامنًا: يوقَف الطالب عن مهمَّته
لبضعة أيام:
لو رأى المعلم عدم تجاوبٍ للطالب مع
تلك التوجيهات يمكن أن يوقفه عن معاونته في الإشراف على الحلقة حتى يظهر منه تحسن
واضح في سلوكه مع زملائه، وينبَّه في هذا التوقيف أن يكون لمدة معلومة، وأن يوضَّح
للطالب سبب الإيقاف، ويربط عودته لمزاولة مهامِّه بتحسُّن سلوكِه، وليس بالضرورة
أن يفصح المعلم للطلاب عن سبب الإيقاف، وإنما حفظًا لمكانة الطالب وإبقاءً للود
يخبر الطلاب بأنه منحه إجازة مثلاً أو راحة من هذه المهمة، وقد اتفَّق سلفًا مع
الطالب على أوجه التحسين المطلوبة منه لعودته لمهمَّته.
ختامًا:
ينبغي أن يتسم المعلِّم بسعة بالٍ
وطول نفسٍ وصبر وهو يعالج مثل هذه الظاهرة لمثل هذه النوعيات من الطلاب، فما دام
الطالبُ مميزًا فإن هذه السلوكيات مِمَّا يُقَوِّم طبعه وأخلاقه، لكن ينبغي تفطُّن
المعلِّم إلى مظاهرها بأن يصلح ما اعوجَّ بحكمته وصبره، وحسن تعامله، ولا بدَّ أن
يفهم المعلِّم هذا السلوك وفق طبيعة الخصائص العمرية والنمائية لطالب هذه المرحلة
الإعدادية، فإنها مرحلة إثبات الذات، وتكوين الشخصية المستقلة، فلا يتعسَّف
المربي كثيرًا في معالجة هذه الظاهرة بإجراءات أو وسائل من شأنها أن تهدم شخصية
الطالب، وليحافظ على بوادر شخصيته القيادية، بما لا يهدم كذلك أو يخذِّل من شخصيات
باقي الطلاب، فيسبب نفورهم أو خروجهم من الحلقة.
أصلح الله لنا المقاصد والنيات،
وبارك في أعمالنا وذرياتنا..
إضافة تعليق