أخبرنا ربنا سبحانه عن أولئك الذين كانوا مع رسول الله: (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم
أخبرنا ربنا سبحانه عن أولئك الذين كانوا
مع رسول الله: (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى
الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا
مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ)
[محمد: 29].
أولئك الذين كانوا ترجمة واقعية لمعنى
قوله سبحانه: (اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ) [الأنعام: 124].
ورأينا من عجائب أولئك الذين كانوا معه
-صلى الله عليه وسلم- أنَّ الإنسانية بكل أطيافها وصفاتها وتنوعها اختُـصرت فيهم؛
فكان كل واحد منهم "مراد الله" الذي يتحرك بين الناس، ولكنه في ذات
الوقت لا يخرج عن إطار البشر الذين أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أنهم يشبهون
المعادن "تجدون الناس معادن"، ويشبهون خامة الزرع: "مثل المؤمن
كمثل الخامة من الزرع"، ويشبهون الإبل: "تجدون الناس كإبل المائة؛ لا
تكاد تجد فيها راحلة".
ولكن التعامل مع تلك النفوس في إطار سنن
الله يؤكد أن هناك علاقة عضوية بين السبب والنتيجة كما يخبرنا حبيبنا -صلى الله
عليه وسلم-: "تجدون الناس معادن، فخيارهم في الجاهلية، خيارهم في الإسلام،
إذا فقهوا". فالحديث عبّر عن فكرة التوجيه بـ "إذا فقهوا".
فكما أن الخامات تدخل التصنيع لتخرج بشكل
جديد؛ بحيث تحافظ علي أصالة معدنها، فتنقى من الشوائب، أو تخلط مع عنصر آخر، لتكون
مناسبة للاستهلاك الاجتماعي -إن صح التعبير-كذلك خامات البشر؛ تدخل مدرسة الوحيّ
لتتربى وِفق مراد الله -سبحانه وتعالى- فتصبح من ..
· القِلّة المؤثرة..
هناك فريقان في هذه الحياة .. فريق في
حالة انتظار تتلوها حالة اتباع لمن يدلهم على الطريق، وفريق آخر هم من ينتظرهم
الفريق الأول ليمشوا وراءهم فيما يختارونه من طريق.!
وهذا الفريق الثاني هم" القلة
المؤثرة" التي آمنت أنها تستطيع؛ فحاولت.. فغيرّت.
وأنا أريدك أن تكون من هذا الفريق
الثاني، الذي يعمل كـ "فاعل"
وليس كـ "مفعول به"، وأن تضع حياة الأنبياء نصب عينيك موقناً أن شجاعتك
على الُحلم، وهمتك في دفع الثمن، وارادتك في التنفيذ هي مفاتيحك للتغيير، فليس
هناك أي سبب يقول لنا إنه لا يمكن أن تتكرر "القِلة
المؤثرة" في أيامنا هذه، وليس هناك أي سبب يجعلنا نظن أن هذه القلَّة
المُؤثرة كانت تنتمي إلى الماضي فقط؟
أنا شخصيا لا
أظن هذا.. وأعتقد أن تلك ((القلَّة المُؤثِّرة)) موجودة، وإن كانت نادرةً، وأعتقد
أن البحث عنهم وتنبيههم لإمكاناتهم ومسئولياتهم، هو واجب الساعة لكل مَنْ يستطيع
من مرشد ناصح أو قدوة موجِه يمتلك الخبرة والكفاءة؛ فيساعد أبناءه على استكشاف تميز
كل فرد منهم، فهذا ذو رؤية استراتيجية، وذاك موهوب في التفاصيل الدقيقة.. هذا ذو
طبيعة مُخاطِرة، وذاك لا يخطو خطوة قبل حساب كل العواقب، وغيرهم.. وغيرهم، ثم يبدأ
في صقلهم كما يصقل الماس ليزيد لمعانه ..
فمن كان
استراتيجي الرؤية، ولكنه يعاني انعدام الثقة بالنفَّس؛ عمل على دعمه و "
إعادة شحن" ثقته بنفسه([1])،
ثم تدريبه حتى يصبح قادرًا على عرض نقاط قوته بطريقة خالية من التوتر، ومستخدمًا صوتًا
قويًا واضحًا دون أن تعوقه سلوكيات الآخرين الخرقاء؛ فيحرم نفسه ومن حوله من موهبته..
ومن وُهِبَ
القدرة على القيادة، ولكنه في غفلة عن هذه المَلَكة؛ يدربه على ألا يغفل تساؤلات
عقول وقلوب من حوله حينما يتوجهون إليك منتظرين منه أن يوجههم ويُطفئ حيرتهم ..
وهكذا.. مع
الجميع كلٌ فيما يتقن، مع التركيز على الوعي([2])،
فكلما زاد "وعي" كل منهم بما يملك؛ أمكنه ترشيده وتوجيهه للأفضل ليصل
إلى الاستخدام الأمثل لمواهبه ..
وهنا لا بد من
تنبيه المربي والمتربي إلى أمور:
فأمّا المربّي، فلابد له أن يدرك أن التربية عملية تفاعلية، فالمربين لا يشكلون وحدهم الطرف الذي يربي، كما أن الأبناء لا يشكلون وحدهم الطرف الذي يتربى كما يظهر للوهلة الأولي، بل كل من المربين والمتربين يربي ويتربى في آن واحد و العلاقة بين أجيال المربيّن والمتربين، لا تتحدد ملامحها إلا من خلال تلاقح الأفكار والخبرات، فقد يبدع المتربي ويطور الفكرة والممارسة، ولذلك يفتح المربي نفسه على عالم المتربين و يشاركهم الممارسة اليومية من خلال إلمامه بطريقتهم في الحياة، ومحاولة التعايش معها ـ وإن خالفته ـ وتنمية الحب لهم، فلا يمارس عليهم وصاية فكرية أو يقتل بداخلهم روح المبادرة ..
وأمّا المتربّي، فلا يعيش وهم
أن المربين يعرفون كل شيء، وما علي المتربين إلا الصمت وتلقي الأوامر، ولا يردد ـ
ولو بينه وبين نفسه ـ المقولة الباطلة " عاش سعيداً من بقي في الظل " ([3]) بل
يوقن أن تعامله مع القادة لابد فيه من التخلي عن التعظيم الذي يقترب من التأليه،
والحب الجنوني، واعتقاد أن شخصاً ما يستطيع أن يلم بكل شيء.
صديقي المتربّي..
القائد الذي سبقك هو أعلم من
يدلك على الطريق، فهو قد سار فيه من قبلك، وسأل من سار قبله، فهو يمتلك خبرته
وخبرة من سبقه، ولذلك فـ "جميعنا يحتاج مرشدًا جيدًا في الحياة ليساعدنا على
الوصول إلى أفضل حياة لنا، ومن يدخل الطريق بلا مرشد سيستغرق مائة عام في رحلة لا
تحتاج سوى يومين"([4]).
ولكني أريدك أن تعلم:
إن رحلة استكشاف تميزك الخاص
هو أمر يحتاج منك أن تفرق بين القيادات الملهمة وبين أن تكون نفسك، هذه الرحلة
الاستكشافية خاصة بك، وليست وسيلة لأن تكون شبيه أحد أو أن تطابق مسارك بمسار قائد
ملهم؛ فلا تتحرك في هذه الرحلة بروح "القطيع" والعمل عبر "التقليد
الأعمى". بل ليكن تحركك بروح "الفريق" والعمل على " بصيرة
" {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ
اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ} [يوسف:108].. ولا
تستصغر ما تفعله ولا تتعجل النتيجة، فكل شيء يحتاج إلى
الوقت والصبر؛ فالأبنية العملاقة تكونت من أحجار صغيرة رصت بجوار بعضها على مر
الأيام ؛ فلا تعجز عن عمل دائم ـ وإن قل ـ ولا تبقى مقلداً تابعاً، واعلم أن من
أراد أن يكون من القادة المؤثرين فهو دائم التساؤل والمبادرة لأن هدفه أن يكون..
·
سويّ
النفس و قويّ الأثر..
السواء النفسي يأتي كنتيجة
لممارسة التغيير الداخلي والانضباط الذاتي الذي يعني قدرتك على تغيير أفكارك
وعواطفك وسلوكياتك، من أجل تحقيق أهدافك و التغلب على التحديات والصعاب التي
تواجهك، فهو يساعدك على التخلص من أي رواسب تكونت في نشأتك من عادات أو طباع أو
أفكار سلبية.([5])
لتبني نظاماً لنفسك عبر مجموعة من
السلوكيات والعادات الإيجابية التي تلتزم بها في مواجهة ظروف الحياة لتكون ذلك
القائد صانع الأثر.
ذلك أن القائد
صانع الأثر هو من يتمتع بالصمود النفسي، ويمتلك رؤية كاملة عن ذاته والحياة من
حوله، ولديه القدرة على التكيف الناجح مع الشدائد، و التعامل مع أي شيء يلقاه، وهو
ما يطلق عليه المرونة النفسية. ([6])
حيث يقوم القائد بتطوير ذاته، وتوجيه الآخرين، و معايشة نموهم القيادي من حلمهم
الطموح في القيادة وصناعة الأثر إلى أن يصبحوا قادة حقيقيين.
ولكي تكون
قادراً على فعل ذلك عليك أن تكون حازمًا في وضع حواجز بينك وبين الذين يتواصلون
معك من خلال استجابات سلبية، وإذا كان لابد أن تتعامل معهم كزملائك في العمل على
سبيل المثال، فعليك أن تضع خططًا وإجراءات لمحاولة تغيير تلك الاستجابات السلبية
أو على الأقل نقلها إلى استجابات محايدة، وكذلك قم بتنمية علاقاتك الإيجابية
البناءة وفق أولوياتك في الحياة ..
وهكذا .. أنت
تعيش حياتين متوازيتين..
الحياة الأولى،
تحياها وأنت تستكشف وتستفيد الاستفادة القصوي مما هو متاح لك من ظروف وإمكانات..
والحياة
الموازية، تحياها دون أن يرتبط سقف توقعاتك فيها بالمتاح لأن جوهرها الحلم بما هو
ممكن..
يا صديقي..
لا تفقد جذورك؛ فتميلُ مع كلّ ريحٍ بلا
هُويّة وبلا استقرار، فتدور بك دوامات التفاهة دون أن تملك نفسك عن الدوران، واجعل
غايتك التعلم، والحياة وفق ما تعلمت، وليكن
تساؤلك عما تحتاج، وليس عما تهوي.. واملأ حياتك انشغالاً بالعمل، وليس
بالكلام.. وابحث عمن يتّسقون مع منظومة أهدافك
ويدعموك فيها، وقم ببناء تلك المنظومة الداعمة في الأسرة والعمل، لتجد حولك من يؤمنون
برسالتك ويدعمونك في تحقيق أهدافك، ومن يشجعونك ويقفون بجانبك في اللحظات المواقف
الصعبة فيراكمون بداخلك حالة السواء النفسي والحرص على ترك الأثر؛ فتتحرك أنت وهم
في صورة "فريق عمل" يؤدي نشاطاً مشتركاً ..
ولكي تدرك أهمية
هذا النشاط المشترك، ينبغي أن تسأل نفسك " عمّا كان يمكن أن يحدث من المسلمين
الأوائل لو أنهم بدلاً من أن يدعو إلي الإسلام بالطرق العملية، اكتفوا بصلاة داخل
مسجد من أجل تحقيقه.. من المؤكد أنهم ما كانوا ليغيروا الوسط الجاهلي الذي ربما
كان قد حولهم إلى جاهليين!!
·
القادة
الحقيقيون..
القيادة
الحقيقية هي قيادة القلوب، والقائد الحقيقي تسمو غايته عن مجرد التنافسية لتصل إلى
خدمة الفكرة والقيام بالرسالة، لأنه يدرك أنه "يمكنك أن تشتري وقت أي إنسان،
يمكنك أن تشتري تواجده الجسدي بأحد الأماكن، يمكنك حتى أن تشتري عددًا محددًا من
حركات عضلاته الماهرة لكل ساعة، ولكن لا يمكنك أن تشتري الجدية، لا يمكنك أن تشتري
الولاء، لا يمكنك أن تشتري إخلاص القلوب والعقول والسرائر، بل عليك أن تكتسب تلك
الأمور"([7]).
من خلال الثناء علي الأفعال الذي يفتح القلوب، وذكر المحاسن الذي يهزم العيوب، والبحث
عن أجمل الصفات مع غض البصر عن العيوب والعورات، والحلم الذي هو حلية القادة الذين
يعلمون أنه ربما يكون لاستخدام السلطة والقوة مع الأتباع مكاسب ثانوية هشة، ولكن
هؤلاء الأتباع ليسوا مجرد أدوات لتحقيق أهداف قادتهم، بل إن مسؤولية القادة هي
تطوير أداء الأتباع ومساعدتهم، على أداء أدوارهم بشكل صحيح، والسعي إلى تطويرهم
النفسي العام بجانب تعليم الأدوات والمهارات، ليتمكنوا من النمو القيادي والإنجاز..
والقاعدة هنا:
(يصبح القادة عظماء لقدرتهم على تمكين الآخرين، وليس لما لديهم من سلطة([8]).
والقادة الحقيقيون مع استخدامهم مهارات التأثير والإقناع يميلون أكثر إلى
استخدام نموذج القيادة بالقدوة، وذلك من خلال اتساق أفعالهم مع أقوالهم وتقديم
النموذج العملي الواقعي لما يريدون الوصول لديه.
ولذلك فهم يركزون على مراجعة مبادئهم وأفكارهم، وتَمثُل تلك القيم والمبادئ لتحقيق النجاحات في كل مساحات الحياة من خلال مراعاة الأولويات..
والقادة الحقيقيون لا يزهدون في الأتباع، بل يرون أن من استطاع أن يمشي
معهم إلي آخر الشوط كان ما أرادوا وفرحوا به، ومن استطاع السير قدراً يسيراً قبلوا
منه، ومن أعطاهم نصرته فقط ما استغنوا عنه، ومن استطاعوا تغيير خطئه ما زهدوا فيه..
كل ذلك لأنهم يدركون أن
أقدار الناس تتفاوت، وأن الحياة شلال متدرج من الطاقات.
والقادة
الحقيقيون يركزون على تحقيق الأهداف من خلال اختيار الفريق القوي
المنظم المتماسك الذي يمتلك رؤية متكاملة، واستثمار الوقت والجهد في بنائه، فهم
يؤمنون أنه "لا تقتصر الفكرة الرئيسية هنا على حشد الفريق المناسب، فليس هذا
بالشيء الجديد؛ إذ تتمثل الفكرة الرئيسية أولًا في صعود الأشخاص المناسبين على متن
الحافلة ونزول الأشخاص غير المناسبين عن الحافلة، قبل تحديد إلى أين ستقودها"
([9]).
وأخيراً ..
فإن القادة الحقيقيين يؤمنون أن العمل المكيث الصادر عن خطط مدروسة وإعداد
محكم يكون صحيحاً.. ويكون مؤثراً.. ويـكـون مُبْلِغًا الهدف بإذن الله.. لأنه يقوم
على الاختيار الواعي، وليس الحماس والمغامرة غير المحسوبة ..
·
الحماس و الاختيار الواعي..
قد يكون الحماس حالة مزاجية
إيجابية لفترة قصيرة، ترى فيها الأمور بسطحية شديدة ولا تدرك بعمق العواقب
والأثمان المطلوبة للوصول إلى الأهداف، أما الاختيار الواعي فإنه يعني الإدراك
الكامل لحقائق الأمور وتحدياتها وتبعاتها.
ومن ثم فإنك بحاجة إلى أن
تضبط توقعاتك، فالتغيير لا يحدث بين يوم وليلة، والنقلات النفسية الكبرى في حياة
الإنسان تتطلب وقتًا وجهدًا لا يمكن أن تختصره الحماسة، تمامًا كالطفل الذي يحتاج
إلى الوقت لكي يتعلم ويستوعب ويتقن المهارة تلو الأخرى، فلو حاولنا تعليمه كل شيء
دفعة واحدة لما استطعنا، ولكن نراكم ونستمر ونجتهد بلا ملل.
كما أنك بحاجه إلى إدراك أن
ترك الأثر ليس عملًا فرديًا، فالأثر الحقيقي لا يتركه فرد، بل هو عمل جماعي، وهناك
العشرات من الشباب الذين يحلمون بأن يكونوا من صنّاع الأثر؛ فلا بد لك من التعرف
على هؤلاء الشباب الذين يشتركون معك في حلم ترك الأثر ليأخذ بعضكم بيد بعض مكونين
قاطرة من "القلة المؤثرة" و "القادة الحقيقيين" من أجل بناء
مجتمع الرحمة.
نعم.. قد يصيبك الفتور
والضعف، فنحن بشر ولن نستمر دومًا في أعلى معدلات الأداء، ولكن المهم أن تظل على
الطريق ـ وإن أبطأت المسير ـ فلا تنجرف عن مسيرة تحقيق أهدافك، فمع استمرار
المحاولة ستأتي النتيجة، ومع تراكم المجهود سيكون النجاح والفوز..
يا صديقي..
إن من أوجب الواجبات في
أثناء سعيك لتحقيق مُراد الله منك، أن تخطط جيداً، وتنفذ جيداً، وأن تهتم بأن تحقق
أهدافًا.
التخطيط
والتنفيذ ليسا غاية، هما وسيلتان لغاية، والغاية هي تحقيق أهداف، وعندما تنجح في
تحقيق الأهداف، فاحمد الله الذي وفَّقك وشرَّفك بالعمل عنده، وحقَّق الأهداف على
يديك. وإذا لم تنجح في تحقيق أهدافك، فاحمد الله ثم تبدأ المحاولة مرة أخرى مع كل
الاهتمام بتحقيق أهدافك..
وعليك في الوقت
نفسه أن تعي وتتأكد أنه "هو" سبحانه مَنْ يُحَقِّق تلك النتائج، وليس
أنت.. فإن تحققت؛ فهذا هو الخير وهو من فضل الله عليك. وإن لم تتحقق، فهذا أيضًا
هو الخير، وإن لم تفهم أنت لماذا.
اخلاص نيتك في
الحالتين واحد.. اجتهادك في سعيك في الحالتين واحد.. الفرق كل الفرق فيما يخص وعيك
بتلك الحقيقة -النتيجة بيد الله- وهذا له أكبر التأثير على حياتك.
ويصل
القلم إلى هنا..
فقد شارفنا على
نهاية المقال، وهذا هو التوقيت الملائم لأُسِر لك بأمرين:
الأول: عندما نصف شخصاً بأنه صاحب قضية، فنحن بذلك نشير إلى
أنه قد وهب حياته لخدمة فكرته، فمن لم يكتشف فكرة هو على استعداد للموت في سبيلها
فهو ـ فيما أرى ـ لا يستحق الحياة..([10])
الثاني: أن الجِد في حمل قضيتك والتضحية لأجل فكرتك لا يعني أن تضيق ذرعاً بأيّ مزحة عابرة، فلستَ بحاجه إلى تكلّف الجد لأنك على الحقيقة غارق فيه، ولا بأس بقدر من المزاح لتعويض ذلك القدر من الجدّ الذي ـ ربما ـ لا يقدر عليه من ينكرون عليك المزاح ويتكلفون الِجد؛ فيواجهون من أمامهم بتقطيب الجبين ليثبتوا أنهم رساليون يحملون هم إنقاذ البشرية بينما هم على الحقيقة لا يعرفون إلى الجِد طريقاً .. وأهديك هنا ما أخرجه البخاري في الأدب المفرد: عن بكر بن عبد الله قال: كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَبَادَحُونَ بِالْبِطِّيخِ[11]، فَإِذَا كَانَتِ الْحَقَائِقُ كَانُوا هُمُ الرِّجَالَ..
([1])لا تقلق من استمرار شحن ثقة الآخر بنفسه، فلم ينم إلى
علمي أن أي شخص قد تناول جرعة زائدة منها، أو أن أحدهم قد أصبح مدمنًا لها!
([2] ) الوعي (Awareness) هو شيء أعمق من مجرد الإدراك أو المعرفة ، فالوعي هو تكامل
الإدراك مع الشعور، لذلك فهو يساعد على تلقي واستيعاب التصورات الكلية والتحليل
والسؤال والمناقشة في الجزئيات من أجل إتمام الفهم.
([5]) الهدف الجوهري هنا هو تركيب البوصلة الأخلاقية للإنسان من خلال الدين، وإخراجه من ثوب البهيمة والوحش، ثم اكتساب الوعي الذي يعصمه بعد تقوى الله من أن يُسرق منه دينه ليحوله أهل الضلال إلى مجموعة من الطقوس الميتة.
إضافة تعليق