تتحدث إليك الـ "أنا" كثيرًا .. تهمس في أذنك: لقد أهانني فلان.. كيف يجرؤ على التحدث إليّ بهذه الطريقة؟ .. ألا يعرف من أنا؟
تتحدث إليك
الـ "أنا" كثيرًا .. تهمس في أذنك: لقد أهانني فلان.. كيف يجرؤ على
التحدث إليّ بهذه الطريقة؟ .. ألا يعرف من أنا؟
ثم ..
تبدأ الـ
"أنا" في وضع الحواجز بينك وبين الآخرين؛ فيصبح لديك "أنا" و "هم"
.. وتحارب من أجل التميز عن "هم"، وتصارع لتبقى دومًا على صواب، وتخاف
أن يشير الآخرون إلى خطأ يسير في حياتك ..
وهكذا تتحول أنت إلى "أنا"
متضخمة تسير على قدمين، ترمق كل من حولك وتتربص بهم، وكلما مضى الوقت تزداد بعدًا
عن أقرب قريب.!
ولذلك فقد مست الحاجة إلى رحلة تضبط الـ"أنا" بداخلك حتى لا تبقى متطلعًا إلى نظرة التقدير في أعين "هم"؛ فيدفعك هذا التطلع إلى وضع الأقنعة لترضيهم.. وليس هناك من يستحق أن تكون مزيفًا من أجله ..
وفي هذه المقالة
نحاول أن نسير رحلة وعي شاقة، لتوضيح تأثير الـ"أنا" على مناحي الحياة
المختلفة، لنقوم بـ "تلجيم" النفس وترويض الـ"أنا"، ليكون هذا
الترويض هو مقدمة "تفعيل رحمة الله" في قلوبنا تجاه خلق الله.. ثم السعي
إلى مجتمع الرحمة من خلال هز(1) الأنا داخل الأفراد داعين الله أن يعيننا كما أعان مريم لما
هزت إليها بجزع النخلة .. ثم نحاول إتمام المحاولة من خلال الانسجام
بين الأفراد؛ فيشد الله عضد كل فرد من أفراد الرحلة بأخ يعينه معونة الرفيق
للمسافر والمداوي لطالب الدواء.. وهي بلا شك رحلة صعبة، ولكنها مشوقة وممتعة، والمردود
يستحق.
• رحلة للمبادرين ..
قبل أن نبدأ
رحلتنا معًا، يجب أن تعلم أن تلك الرحلة هي للمبادرين فقط، الذين يرون أن تحقيق
الحياة الطيبة يقع على عاتقهم وفي نطاق مسؤوليتهم الخاصة، وليس للذين يضعون
المسؤولية على الأسرة أو المجتمع أو البيئة أو الظروف الخارجية مهما كانت صعوبتها؛
فهذه الرحلة لا يصلح فيها من يعلق معاناته على ما يحيط به من مؤثرات وأسباب خارجية
فيرى أنه "لو لم يكن رئيسي في العمل أحمق أو محبًا للسيطرة"، "لو
أنني لم أولد فقيرًا"، "لو أنني عشت في مكان أفضل، "لو كانت زوجتي
متفاهمة"، لو.. لو، لو ..
فهل أنت مستعد
للرحلة؟(2)
هذا لا يحتاج منك إلى إجابة
شفهية، بل يتطلب منك أن تكون صاحب نية وعزم، وأن تستجمع أمرك كله وأن تكون مدركًا أن
هذه الرحلة ليست بالأمر اليسير، لأن أي إنجاز في حياتك لابد وأن يتوفر فيه:
- الرغبة،
التي تعطيك طاقة عظيمة للعمل ، وطاقة أعظم للتحمل ، وطاقة متكررة للنهوض مرة أخرى
في حال تعثرك.
- والقدرة،
التي تعني أنك تمتلك المهارات والإمكانيات لتحقيق هدفك، أو تكون قادرًا على جمع فريق
يمتلك تلك الإمكانيات تحت قيادتك أو تحت قيادة من تراه أكفأ منك .
- والإستعداد
لدفع الثمن، الذي قد يكون ماديًا وقد يكون معنويًا، وقد يكون الاثنان .. قد
يكون راحتك، قد يكون وقتك، قد يكون جهدك …
فإذا امتلكت "الرغبة"
و "القدرة" و"الاستعداد لدفع الثمن" .. فإن "مدد"
الله يأتيك بطريقة تشبه فتح المظلة لمن قفز بالفعل .. أو كما يقال "مظلتك لن
تفتح، إلا بعد أن تقفز"، أي أن عليك أن تقفز من الارتفاع الشاهق وأنت
"واثق" بأن مظلتك ستفتح عند شد ذراع الفتح.
وعندما يأتيك
مدد الله، لن تنجح في ترويض الـ "أنا" واكتساب الحكمة وفقط، بل ستكون
المنارة التي يسترشد بها كل من يحاول ترويض الـ "أنا" لأنك تؤمن بكل وعي
وإدراك أنه ليس عدم المشاركة في هو الفشل، لكن عدم المحاولة هو الفشل، لأنه يُنبئ
عن اهتزاز الثقة في الله ..
• ميثاق الرحلة..
المناخ
السائد في الرحلة هو مناخ البحث عن مُراد الله منك، ومُراد الله منك يعني أنك قد
تقدمت بطلب للعمل عند الله، وقرار قبول أو رفض هذا الطلب، وكذلك توقيته، بيد الله
وحده –سبحانه وبحمده- فإذا أَذِن لك أن تعمل عنده تغيَّرت حياتك، وأصبحت حياة
كبيرة، وهذا بالتالي ينعكس عليك، ويجعلك أنت أيضًا كبيرًا.. فمهما كان هذا المُراد
بسيطًا تظل أنت كبيرًا، فالأمر ليس متعلقًا بك، ولكن متعلق بـ "لمن"
تعمل، وأنت تعمل عند الله الأكبر..
ولأننا نعمل
عند الله فلا بد أن نصوغ ميثاقًا فيما بيننا، لنتفق على مفاهيم نلتزم بها أثناء الرحلة:
- الاستعداد للخروج
من منطقة الراحة لتبدأ مرة ثانية بقلم جديد ولوح نظيف وعقل مغسول مطهر، وكأنك عدت
طفلًا بريئًا من الأفكار والأحكام المسبقة حتى لا تحيا بآراء مسبقة عن أي
شيء تسمعه لأن السوابق عوائق ..
- الاستعداد لسماع الآراء والأفكار المختلفة، والخروج من دائرة الطواف حول الذات، والافتتان
بالنفس، والعُجب بالرأي، إلي الاطلاع علي وجهات النظر الأخرى والتلطف في إدخال
المفيد النافع على من تحدثهم بهدوء، فلست تملك عقل من أمامك فإن طرقت باب عقله؛
فاحرص أن يكون طرقك بلياقة تناسب صاحب الدار ..
- القدرة على رؤية الجوانب الإيجابية في الآخر والتعلم منه، والوعي بمساحات الاتفاق والبناء عليها، واحترام الاختلاف، وامتلاك روح المراجعة وإعادة النظر في أي لحظة، والتعاون الآخر من خلال الوحدة في إطار التنوع ..
- إلغاء
الألقاب –مع الحفاظ على التقدير والاحترام- وبإلغائها، تبدأ رحلة "تقشير"
الـ "أنا"، حتى نستطيع أن نبلغ العُمق، الذي توجد فيه حقيقتنا.
- تفعيل رحمة الله
في قلبك، فكلنا لنا الحق أن نُخطئ، ولذا نتَّفق أننا سنكون عفويين، ومن حقنا أن
نُخطئ في أثناء رحلة الترويض.. وتكون شعاراتنا "دعه يعمل" ..
"افتح الحوار معه" .. "وفي كل خير" .. "نقطف من كل بستان
زهرة" .. "نأخذ من كل فيلسوف فكرة" .. "نستفيد من كل مبدع
لمعة، ومن كل عالم جملة".
- التحرر من
حصر اتِّساع عطائك على ضيق انتمائك، وتوجهك في كل عطاء مخاطبًا لله وليس نفسك؛
فتقدم حياتك وإنجازاتها وأنت تقول: لك يا الله.
- ممارسة ثقافة
الاعتذار، فإن ثمن أن تكون مبادرًا ومبدعًا أن تواجه بعض المحاولات الفاشلة وتقع
في بعض الأخطاء قد تؤثر فيمن هم حولك، وتجربتي علَّمتني أن ممارسة ثقافة الاعتذار توفر علينا
كثيرًا من المتاعب، كما تحفظ لنا كثيرًا من العلاقات والصلات التعاونية التي تزيد
روح الود.
- التحرر من
أسر تقييم "الآخر" لحياتك، فلا تقيس قدرها بمقدار تقدير الناس لها،
وإنما بمقدار تحقيقك مُراد الله منك، فتكون حرًّا بالله، وليس عبدًا لنفسك،
وبالتالي عبدًا "للآخر". فأنت لست سهمًا مطروحًا في بورصة الآخر تزداد
قيمته أو تنخفض بحسب إقباله عليه أو رفضه له ..
- معيار
النجاح هو الاستمرار في الاتجاه الذي اخترته لحياتك «مراد الله منك»، فليس هناك
محطة ستصلها، فتتوقف عن الاستمرار، بل عليك الاستمرار مستمتعًا برحلتك ومستأنسًا
بالصحبة الأعظم، صحبة الله في..
• رحلة تفاعلية ..
رحلة
"الترويض" هي رحلة تفاعلية تُعطينا الفرصة لكي نتعلم ونتزود من المشاركين
فيها .. وهذا أحد معاني "مُصاحبة العلماء"، أنت وأنا نستطيع أن نتعلم "علم
العلماء" من قراءة كتبهم، أو من تلاميذهم، ولكن عملية أن "نذوق"،
ونتعلم ما هي "كينونتهم" لا تتم ولا تكتمل إلا بمُصاحبتهم ومُعاشرتهم
والاختلاط بهم.
ولذلك نحرص
في رحلة "الترويض" أن نقوم بـ "تقشير" الأنا، و"فتح"
أفراد الرحلة على بعضهم حتى يتذوق كل فرد الآخر ويتزود من كينونته.
إن عملية نقل
العلم بين عالم ومتعلم هي جُهد مشترك بين مُعطٍ ومُتلقٍّ، بين ساقٍ ومُرتوٍ،
فالعلماء يستطيعون أن يسقونا علمهم، والوقت المطلوب لذلك يتوقف على قدرة العالم في
التعليم، وقدرة المتعلم على التعلم، أي إنها –مرة أخرى- عملية مشتركة، وأيضًا
عملية نقل العلم، هي عملية عقلية بحتة.
هذا غير
موجود في عملية "تذوق الكينونة وتشرُّبها"، فهذه عملية تعتمد تمامًا على
المُتلقي أكثر من اعتمادها على الساقي الذي يكون أقصى ما يمكن أن يفعله هو أن يفعل
ما في وُسعه لجعل قلبه وروحه وعقله مفتوحين ومُتاحين، لكن الدور الأساسي هنا يقع
على عاتق "الشارب"، فعلى قدر قدرته هو على الاستزادة، سيستزيد، وليس
للساقي إلا تأثير طفيف في هذه العملية.
ومن ثم ..
فإن عملية التزوُّد والتشرُّب هي عملية قلبية أكثر من كونها عملية عقلية، وإن كانت
لا تخلو منه.(3)
ولذلك فإن ما نكتبه عن رحلة الترويض هو "ماذا" نفعل فيها كرحلة إنسانية تفاعلية، ولكننا لن نستطيع أن ننقل هنا "كيف" نفعل هذا، لأن هناك أشياء لا يمكن وصفها، كالمذاق، فلا أنا، ولا غيري، نستطيع مهما اجتهدنا أن نصف لك مذاق العسل إلا حين تتذوقه، فمن ذاق..عرف.
ولكنا بكلمة نقول:
إننا نحاول أثناء الرحلة
توفير المناخ العام لتشجيع المشاركين، وتسهيل ممارسة هذا "الترويض"، ونتيجة
لهذا المناخ العام؛ يتوافر لدينا القدرة على تلجيم النَّفس وترويض الـ
"أنا"، وتفعيل رحمة الله في قلوبنا تجاه خلق الله.. كل ذلك في إطار حياة جماعية يسودها
التعاون والتكامل، ويخرج فيها الفرد من دائرة التمحور حول الذات إلى الانفتاح على
الآخرين؛ فتقوم بين مجموعة الأفراد صلات الأخوة والتعاون والتكامل.. وتمثل رحلتهم مدرسة
تربوية تدرك وجهتها في الحياة، وتركز على تنظيف عقول أفرادها من
المقولات الخاطئة المتعصبة، وتــطهـير قلوبهم ونفوسهم من الأغراض الشخصية ليصبح
عملهم ضمن..
• إطار عمل لا انتماء..(4)
تحت سماء مركزية
النفس، تعكس الـ "أنا"، والـ"نحن" كينونتها في مفهوم "الجماعة" تمارس فيها
"التعصب"، وتبحث عن "آخر"، يمثل لها "هُم"، وتختلق تهديد
"هُم"، لـ "نحن"، كي تعزز من وجودها، ويتحول كل من هو ليس منا
أو معنا، إلى عدو يتهددنا، يتحول إلى "هُم"، تعزز وجود الـ "نحن"،
وتكرس ثقافة "العصبية الحزبية المشوهة" و تتحول حالة "الانتماء"
لكيان ما إلى "تعصب" مقيت.!
ولأوضح
لك ما أقصد أسألك؟
هل علاقتك بالكيان
الذى تنتمى إليه تعكس بداخلك الطمأنينة والسكينة والسلام، فتحب ما تنتمى إليه وتحب
الآخر.. أم أن علاقتك بما تنتمى إليه علاقة "احتكارية" بمعنى أنك تشعر أنك حكر على كيان واحد فقط؟
سأعيد عليك
السؤال بصيغة أخرى؟
هل أنت تنتمي
إلى كيان ما لأنك "تريد" هذا الانتماء أم لأنك" تحتاج" ذلك ؟!!
حين تضع
"مراد الرب" و"رضاه" كهدف أعلى، ستكون مفتوحًا على الآخر تبحث
معه عن مساحات الاشتراك بينكم لتبنوا عليها، لأنك عندها تعتقد أن ما تنتمى إليه صواب
يحتمل الخطأ، وما ينتمى إليه غيرك خطأ يحتمل الصواب ..
ومن هنا، فأنت
ترى النقد -بل والهجوم ـ على ما تنتمى إليه هو شيء غالٍ جدًا لأنه يدفعك إلى إصلاح
أخطائك وتطوير أعمالك.!، لتدور مع "مراد الرب" و"رضاه سبحانه"
حيث دار؛ فتصبح حركتك في الحياة بين "تحقيق" مراد الرب، أو "بحث"
عن هذا المراد لتحقيقه ..
ورويدًا رويدًا
.. سترى عجبًا، سترى أن هذه الكيانات قد بدأت تنتمى إليك بدلًا من انتمائك أنت لها
.!
تسألني
كيف يحدث هذا؟
حين تتوجه أنت
إلى الله عز وجل، يكون طريقك في هذه الحياة هو دينه الذى ارتضاه، و يصبح مرشدك في هذا
الطريق هو رسول الله صلى الله عليه وسلم .. في هذه الحالة، يمدك الله سبحانه بمدد حبه
سبحانه، فتكون أكبر من كل الكيانات؛ فتدرك أن العمل وحده هو الذي يخط مصير الإنسان عند
ربه، وأن الانتماء الحقيقي "وسيلة" إرضاء الرب وإنقاذ الذات، فهو
"بداية" السير، وليس "دليل" اجتياز المراحل، لأنه إطار "عمل"..
إطار عمل محمود شرعًا {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلَى الخَيْرِ
وَيَاًمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ
المُفْلِحُونَ} [آل عمران: 104].. ومنصور قَدَرًا "لا تزال طائفة من
أمتي قائمة بأمر الله، لا يضرهم من خذلهم، ولا من خالفهم، حتى يأتي أمر الله"
[رواه مسلم]..
إطار عمل قائم على التسامح، والالتزام
بحقوق الآخرين، والرحمة كقاعدة أساسية للحياة ..
فهل آن لك ـ يا صديقي ـ أن تتجاوز
"عتبة" الـ "أنا" والـ
"نحن" لتبدأ حياة المشاركة والفاعلية المبرأة من عقد الـ
"أنا" تجذب إليها
"صفوة" الفكر والتجارب و"خبرة" القدرات الإمكانات ليتكون من
هؤلاء جميعاً ..
• مجتمع الحب والرحمة ..
حين تسلم قيادة حياتك إلى الـ "أنا" يكون سؤالك في أكثر مواقف الحياة، ماذا سيعود عليّ من هذا؟، فتختفي من حياتك قيم الإيثار والمروءة، ومن قبل هذه وتلك، تختفي قيمة "الحب"..
أمّا حين تكون روحك هي القائد لنفسك، ويكون حب الله ملء قلبك، تروي تلك القيمة الرائعة "الحب" مساحات كبيرة في بنائك الوجداني؛ فيصبح الحب أسلوب حياة يفرز بيئة حب، ويخلق مناخ حب، ويصبغ أسلوب المعاملات بينك وبين غيرك بالحب؛ فيكون عملك للخير إرضاءً للرب دون انتظار جزاء من الآخر أو شكور، لأن جزاءه كامن فيه، وهو ما يمكن أن نطلق عليه "الأجر الذاتي" للعطاء، لأنك حين أعطيت قد أخذت، لست أعني أن أحداً قد أعطاك شيئاً إنما أعني أنك أخذت نفس الذي أعطيت؛ لأن فرحتك بما أعطيت لم تكن أقل من فرحة الذين أخذوا ..
وعلى الرغم من أن الحب لُبُّ الرحمة؛
فإنها أكثر اتِّساعًا منه، فأنت كمُحبٍّ ترحم مَنْ تحب تلقائيًّا، ولكنك كرحيم
ترحم مَنْ تحب، ومَنْ لا تحب، ومع مَنْ لا تعرف، فرحمتك أكثر اتِّساعًا من حبك، والحب
الناتج عن ممارسة الرحمة يكون حبًّا أكثر عمقًا وأجمل مذاقًا وأكثر اتساعًا، وذلك النوع
من الحب يلين القلب ويُرققه أكثر وأكثر، وبه تكون الحياة أجمل مذاقًا.
ومن هنا علينا تفعيل الرحمة
واستحضارها من خلال التعبير عن المحبة وإخبار من أحببته أنك تحبه. قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا أَحَبَّ أَحَدُكُمْ
أَخَاهُ فَلْيُخْبِرْهُ أَنَّهُ يُحِبُّهُ" [رواه أبو داود والترمذي
والنسائي في السنن الكبرى وأحمد]، والتعامل مع خلق الله بالرحمة كقيمة ربانية
تستمدُّها من مصدرها من الله الرحمن- وتصبغ بها كل علاقاتك بخلقه سبحانه، لتحيا في
هذه الدنيا مستمتعًا بمذاق جميل لحياةٍ قد استطعت فيها أن تروِّض الـ
"أنا"، وتسخرها لخدمتك في أثناء مشوارك لتحقيق مراد الله منك له، بدلًا
من معيشتك لاهئًا لتحقيق شهوات تلك الـ "أنا" وأطماعها.
فإن فعلت؛ فقد تحولت من كائن الدم
واللحم إلى كائن الوعي والفهم .. ترعى "الحب" كطفل صغير؛ فيكبر ويرعاك
.. و تصدر الاستقرار ولا تستورد الأزمات .. تشيع الأمان، ولا تنشر القلق ..
•المهم ـ يا صديقي ـ أن تبدأ الرحلة ..
ابدأ وتذكر
..
إن غاية الرحلة
هي إزالة أتربة الـ "أنا" عن روحك لكي يستطيع الذهب الذي بداخلك أن يرى النور،
فتقوم بما تعرف أنه الصدق بدلًا من إملاءات الأنا الكاذبة، وتتعامل بالحب بدلًا من
الخوف، فتقترب أكثر مما قُدر لك أن تكونه، وفي كل مرة تقترب من أحلامك وتنصت لقلبك
ستتذكر جزءًا قليلًا مما تود أن تكون، هكذا تعرف نفسك، هكذا تقوم بدورك، وهكذا تحقق
مراد الله منك..
(الهوامش)
(1) أعتقد
أنه لا يمكن أن تتخلص نهائيًا من الـ "أنا"، إنما عليك أن نكون واعياً
بوجودها، ومدركاً لنشاطها، فتطرح على نفسك هذا السؤال في كل موقف: هل الـ
"أنا" هي التي تتحكَّم في تصرفاتي الآن؟
(2) أنا أظن
أنك مستعد، لكنك تشبه الماس الذي لا بد أن يدفع من يريده ثمن استخراجه تصميماً لا
ينفد وصبراُ على مواجهة الفشل مرات، فإذا وجده حجرًا خامًا؛ عمل على صقله ليصبح
«ماسًا ثمينًا».
(3) راجع ـ إن شئت ـ كتاب "لك" ـ وائل
برهان.
(4) راجع ـ
إن شئت ـ كتاب نحو مجتمع الحرية ـ د. محمد يدري ـ ص 420
إضافة تعليق