موقف تكرر كثيرًا
التفاصيل تكاد تكون متطابقة
بل
ومشاعر السائلة الحائرة زائغة العينين؛ إحساسها أنها تورطت وسقطت في حفرة وتحتاج
من ينقذها…لعثمة لسانها ومحاولاتها عرض المشكلة التي يبدو معها أنها لا ترى منها
مهربًا … البحر أمامنا والعدو خلفنا…تحاول أن تتغلب على ذلك كله ليصوغ لسانها عبارات قصيرة لا تكوّن جملة مفيدة.
بدأت
صاحبتي حديثها الذي يشبه كثيرًا حديثًا سمعته من غيرها:
(في البداية كان شكًا ثم تأكدت…
أجريت تحليلًا وكررته غير مصدقة والنتيجة كما هي…
اكتشفت أني حامل… مادت بي الأرض وبكيت ولم أستفق
إلا على زوجي يبتسم مؤنبًا: ماذا بك تبكين على رزق رزقنا الله إياه!؟ …
يبدو غير عابئ بما سيحل بنا…ولمَ يحمل هم قادم
جديد؟ ليس هو من سيحمله ويضطرب نومه ولا هو من سيكون مسؤولًا عن مدارس الكباروتمرينهم
والمطبخ والبيت مع ثقل الحمل ووهنه…الرزق من نصيبه أما أنا فوهنًا على وهن)
على
عكس الشائع من أن خبر الحمل الجديد فرحة في الأسرة وأمنيات جديدة وروابط محبة
تتوثق؛ إلا أن صاحبتي تجد مبررًا لحزنها غير المتوقع على خبر حملها… أنا كبيرة في
السن… مريضة ضغط… أولادي كبار … ماذا أقول لهم… كيف سأواجه المجتمع؟
(أتفهم مشاعر القلق والإحساس بالورطة…وأتفهم
قلقك على تغير نظام الأسرة الذي اعتدت عليه لفترة من الزمن… وأتفهم حيرتك فيما
ستؤول إليه الأمور…
وأذكرك أولًا بأننا عباد لله لا نملك من
أمرأنفسنا شيئًا؛ نقر بأننا لله وأننا إليه راجعون، نشهد كل يوم أنه لا حول لنا
ولا قوة إلا به سبحانه؛ فلا تظني أنك ربيت أبناءك الكبار بحولك وقوتك بل هي معونة
من الله عز وجل …والمعونة من الله على قدر المؤونة.
ثم أعيذك بالله من ظن السوء به عز وجل … أعيذك
بالله من قلق من أقداره … أعيذك بالله من مقابلة هبة الله عز وجل بالخوف والوجل بل
وبالضيق والضجر.
اعلمي
أختي أن الله مالك السماوات والأرض العليم الحكيم الخبير أعلم بنا من أنفسنا…
سبحانه لا يحملنا ما لا طاقة لنا به…فلا نقلق وهو ربنا … ولا نجزع وهو ملكنا وصاحب
أمرنا…
الله سبحانه الرزاق حين رزقك يعلم أنك مريضة
ضغط…يعلم أنك نسيت الحمل والولادة والفطام والحفاضات "ألا يعلم من خلق وهو
اللطيف الخبير"(الملك: 14)
اللطيف
الذي الذي لَطُفَ علمه حتى أدرك الخفايا ، والخبايا ، وما احتوت عليه الصدور"
[1]
سبحانه يعلم قلقك ومخاوفك من تخلق الكائن
الصغير بداخلك… يعلم ما يختلج بين حنايا قلبك من أسئلة لا يطيق لسانك النطق
بها… مخزون الكالسيوم في جسمي لم يعد يكفي… فقرات ظهري لن تحتمل وزن جنين… ثم ماذا
سيقول الناس: كيف أواجه الجيران؟ بعد ما شاب……!
كل هذا يعلمه الله ويعلم عنك ما لا تعلمينه
أنت
سبحانه لطيف في علمه محسن إِلَى
عباده فِي خَفَاء وَستر من حَيْثُ لَا يعلمُونَ ، ويسبب لَهُم أَسبَاب معيشتهم من
حَيْثُ لَا يحتسبون "[2] . سبب لنا أسباب المعيشة دون أن نطلبها
محسن إلينا متفضل علينا…سبحان الله أنزهه عن ظني
أن مخاوفي لا يعلمها … أنزهه عن نسياني بأنه مدبر الأمر …أنزهه عن وسواس نفث في روعي
أنه يحملني فوق طاقتي سبحانه "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها" يعلم بمرضك
ووهن جسمك وضعفك كلفك بما يعلم أنك تطيقي
ثم إن الله حين خلق الجنين في أحشائك هو في واقع
الأمر سبحانه يهبك هبة…وطالما ذكر الولد في القرآن بصورة الهبة…… ﴿لله ملك
السماوات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثًا﴾ (الشورى: 49) ؛ وحين طلب زكريا
عليه السلام الولد قال: ﴿رب هب لي من لدنك ذرية طيبة ﴾ (آل عمران:38)
هل هكذا نقابل هبة الله؟ بالقلق والضجر
والدموع
هبة الله نفرح باستقبالها نسعد لها نفرح أن
جعلنا سببًا يكثر به سواد المسلمين … نفس جديدة نربيها على التوحيد نسمة تسبح الله
عز وجل
هبة من الباري نحتسب مشقة حملها ورضاعها وكل مال
ينفق في تنشئتها فتكون طريقة للجنة
ليس عن ذلك يعرض الإنسان
هبة الله نتلقاها وكأنما جاءتنا رسالة من عدو …
هل يليق هذا بمؤمن متوكل؟ )
مسحت دموعها بطرف كمها وقالت: (هذا ما قاله
زوجي… ولكنه لن يفهم ما أخشى منه… صحتي لا تحتمل طفلا … لم يعد لدي طاقة للسهر مع
رضيع)
سالتها : (هل تشكين أن الله رزاق؟) هزت رأسها
نافية
فقلت لها:(ومالك الملك سبحانه الرزاق وعدنا
ووعده الحق بأن الولد والرزق متلازمان؛ فقال في سورة الأنعام: ﴿ولا تقتلوا أولادكم
من إملاق نحن نرزقكم وإياهم﴾ (الأنعام:151) ؛ فإن كنتم بالفعل فقراء فالله سيرزقكم
ويرزق أبناءكم الذين تريدون قتلهم خشية الفقر
كما وقال سبحانه في سور الإسراء: ﴿ولا تقتلوا
أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم﴾ (الإسراء:31)؛ فحتى لو كان الآباء آغنياء
ويخشون الفقر فالله تعهد أنه سيرزق الأبناء ويرزقكم
والرزق لا يقتصر على المال… الرزق صحة… الرزق
بركة… أولادك الكبار سيكونوا خير معين لك في تربية الصغير لن تكوني وحدك كما كنت
حين ربيتيهم من قبل … أنت الآن أكثر خبرة والمحتوى المتعلق بتربية الأطفال والحمل
والرضاعة متوفر على شبكة الإنترنت بصورة لم تعهديها مع أبنائك الكبار … طفل جديد
تجديد لنمط حياتكم…ستشعرين أنك عشرين عامًا أصغر … )
قاطعتني وهي تحاول حبس بسمة ارتسمت على وجهها:
هل لي أن أخرج من هذه الدوامة؟ هل هناك ما يمنع أن أدعو الله ألا يتم الحمل؟
ابتسمت ثم سألتها: (ولماذا لا تطلبين من الله أن
يعينك على ما كلفك؟ أن يرزقك خفة الحِمل، أن يسهل حمله وولادته ويجعله قرة عين، أن
يسبغ عليك بالصحة والعافية وبركة العمر…
نتخيل دائمًا أن حياتنا كما رسمناها في مخيلتنا
بحذافيرها هي الأمثل والأصلح لنا وننسى أن الله بيده مقادير كل شيء وأنه العليم
بما يصلح ديننا ودنيانا
أنت من وضعت نفسها في دوامة… بركات الله وأفضاله
تتنزل عليك ثم تشيحين بوجهك عنها؟
هوني على نفسك وتوكلي على الله … استغفري الله
عز وجل… أقترح عليك التصدق بمال أو طعام شكرًا لله عز وجل . على نعمته واستغفارًا
من رد فعلك الذي تدركين الآن أنه خطأ…وأترقب اتصالك بشوق لأطمئن على ضيفك الجديد
وصحتك. .. اصطحبي الأولاد في نزهة عائلية لحديقة أو لشاطيء البحر أو حتى على سطح
المنزل وزفي إليهم الخبر السعيد واسمعي اقتراحاتهم في توزيع مسؤوليات الأسرة
والرعاية بالمنزل…شجعيهم على اقتراح اسم للقادم
الجديد و اسمعي اقتراحاتهم في مكان نومه…واسعدي بهبة الله
إضافة تعليق