هناك حقيقة أولية بسيطة في هذا الدين. هذه الحقيقة الأولية البسيطة هي أن الوثن ليس ما نحت من الحجر وفقط، فهذه صورة ساذجة للوثن

هناك حقيقة أولية بسيطة في هذا الدين. هذه الحقيقة الأولية البسيطة هي أن الوثن ليس ما نحت من الحجر وفقط، فهذه صورة ساذجة للوثن.. أمّا الوثن الأبشع فهو وثن اللحم والدم الذي يظهر في صورة بشر يتعالى فوق النقد والخطأ، ويرى كلماته حكمًا خالدة وألفاظه شعارات لابد أن يرددها الجميع..

ولذلك لم تهدأ معركة "الوثن" و"الفكرة" عبر التاريخ، بل كانت معركة قاسية هُدِّد فيها الأنبياء بالرجم والهجر والإخراج، ولم يقبلوا عرضاً من أقوامهم مفاده "لماذا لا نعبد الاثنين: آلهتنا، والإله الذي تدعوننا إليه؟".

فهل ترى شبهًا بين حياة بعضنا وما عرضه أولئك على أنبيائهم؟

أعتقد أن هناك شبهًا كبيرًا بذلك العرض القديم، مع فارق أساسي، هو أن هؤلاء القوم كان عندهم من الصراحة أن يعرضوا هذا الطرح بلا مواربة، أما بعضنا اليوم فلا يملك صدقًا مع النفس لكي يرى حقيقة..

الوثن الخفيّ..

نحن نرفع شعار "عبادة الله"، لكننا في كل مناحي الحياة اعتمدنا على منظومات أخرى لا يحظى الله فيها بالأولوية، بل الأولوية فيها للنفس التي

؛ نسعى في كل الحياة لتلبية رغباتها وإرضاء شهواتها، بل ونضع ما تريده قبل ما يريده الله، وما تحبه قبل ما يحبه الله؛ لنصل إلى معادلة غريبة مفادها "عبادة النفس مع أداء الشعائر".!

ربما لا تملك الصدق مع النفس لترى هذه الحقيقة..

ربما لا تدرك هذا التناقض لأنك تطبقه في منظومة حياة متكاملة..

ربما لأن الحياة المبهرة لعيونك تأتيك من منظومة حضارية تفرق بين الشعائر والحياة..

ولكن الحقيقة التي لا مراء فيها ولا جدال أنك بإدراك ووعي أو دون إدراك ودون وعي قد صنعت لك "وثناً" تعبده مع الله وهو "النفس".!

وبينما يجب أن تعبد الله على الشروط والأسلوب التي يحددها الله، فإنك تعبده بالطريقة التي تحددها أنت.!(1)؛ فتضع نفسك في مركز حياتك، وتسحبك هذه النفس بهدوء لتماارس طقوس دينك، دون أن يكون لهذه الطقوس أي أثر في حياتك، بل ربما حصرت دينك في هذه الدائرة ولم تفارقها، فأسميت الأشياء بغير أسمائها وتوهمت أنك تجمع أكبر كم من الحسنات لتدخل الجنة ولا يهمك أن يدخلها سواك(2)!! فتقول: فعلت كذا حسنة ، والحسنة بعشر أمثالها ، وإذن فالمحصلة " لنفسي" كذا مائة حسنة .. لقد مسحت رأس يتيم.. لقد صليت في الحرم.. لقد تحريت ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر وتساوي كذا من ملايين الحسنات.!

ليس لي اعتراض على هذا بالطبع.. وإنما القصد أن تكون العلاقة بالله قائمة على أنه سبحانه هو الأول في حياتك ثم تقترب علاقتك بالآخرين أو تبتعد بقدر كونهم "وسيلة" لرضا ربك وليس إرضاء نفسك..

لقد كان الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين على تواصل مباشر مع الله ولكنهم لم يكتفوا بهذه العلاقة على الرغم ممَّا فيها من متعة، وإنما كُلِّفوا من الله بأن يبلغوا كلام الله ورسالاته إلى آخَر –الأقوام الذين بُعثوا فيهم- وكان هذا عملًا في غاية المشقة والتعب، بل والتعرُّض للأذى والإخراج، لكن هذا لم يفت في عضدهم أبدًا، بل كانوا دائمًا صابرين، مثابرين، أقوياء، في توصيل رسالة الله إلى  الذين أرسلوا إليهم.

إن أكثرنا يتفانى في تأدية الشعائر لله، وعندما يتعلق الأمر بالممارسات الحياتية اليومية، يهجر ما أمره به الله، بل ربما تشكك في تلك الأوامر الإلهية، معتقدًا أنها كانت خاصة بزمان غير زمانه، وأوقات غير أوقاته، وظروف غير ظروفه، ويبحث حوله عمَّن يفتيه ويريحه، ويأتي له بالختم الإلهي أن ما يفعله لا يخالف دين الله وشريعته.

كلام صادم؟..

نعم، ولكن المهم، هل هو حقيقي أم لا؟.. هل يحدث معك أم لا يحدث؟

يا صديقي..

إن الوعي يسبق الاختيار، والاختيار يسبق التغيير، وطرح السؤال الصحيح يستدعي الإجابة الصحيحة، وأنا أسألك هنا:

هل رأيت أحدًا يفوز في مباراة لأنه أجاد الإحماء، ولم يشارك في المباراة؟ 

إن شعائر الله تشبه عملية الإحماء قبل المباريات، تقوم بتحريك وتنشيط عضلاتك، لكي تكون جاهزًا للمجهود الكبير في المباراة التي تستهلك كل جهدك وكل قوتك.. تقيم الشعائر لتكون جاهزاً لبذل كل الجهد وكل التعب وكل العرق في إدارة كل حياتك بمركزية "العمل عند الله"، وهو أمر يحتاج باستمرار لـ"تزكية" نفسك لتحيا في حالة بحث دائم عن مراده سبحانه، و تعمل لدين الله تربية وتعليمًا وإرشادًا لمن يسعى في طريق الوصول إلى الله.. ولكي يكون إرشادك لغيرك كما يريد ربك فأنت في أمس الحاجة أن..

تَعْلم الحق وتَرْحم الخلق..

حين يتوهم الإنسان أنه يري ما لا يمكن للآخرين رؤيته، ويشعر أنه يسقي عطشي الوعي من وعيه، ويحيّ موات الفكر بفهمه..!!

هنا.. يبدأ المسكين في الهذيان بالمتناقضات التي يظنها الحكمة الخالصة، بينما تبدو عوراته النفسية لكل ذي لُب..

أتدري لماذا يصل الإنسان إلي هذه الحال؟..

إنها ألاعيب الـنفس التي توهمه أنه "متميز" عن كل من حوله، ثم من خلال هذا الإحساس بـ"التميز" المزعوم توسوس له أنه شلالٌ من ماء العلم ينزل إلى الآخرين من أعلى إلى أسفل.. ثم تسحبه إلى أبعد من ذلك؛ فتشعره أنه في غاية التواضع لأنه يتحمل جهلهم.!

ولذلك فأنا وأنت في أمس الحاجة إلى خوض معركة شاقة لاكتشاف تأثير "النفس" على مناحي حياتنا المختلفة، ليتوفر لدينا من الوعي ما يقوم بـ"تفعيل رحمة الله في قلوبنا" تجاه أنفسنا بـأن "نَعْلم الحق" وتجاه خلق الله بأن "نَرْحم الخلق"..

نعلم الحق؛ فنوالي الآخر بقدر ما نراه من خيره، ونبرأ منه بقدر ما نرى من شره.

ونرحم الخلق؛ فنرجو الخير لجميع الناس، ونرجو لكل المسلمين أن يكون لهم خفايا مع الله لا نعلمها يغفر الله بها ما نراه من سوء.

ومما يساعدنا على ذلك قدرتنا على رؤية نقاط القوة ونقاط الضعف في كل منا بوضوح واستخدم ما يمكن أن نطلق عليه استراتيجية "لِمَ؟".!

أسأل نفسي وتسأل نفسك، لماذا تحكم على شيء ما بهذا الحكم؟

وكلما ظهرت لك إجابة استخدم السؤال نفسه حتى تصل إلى القيمة من وراء الحكم أو الفعل، ثم كرر ذلك لترى عدد المرات التي تخرج فيها من منطقة راحتك؛ لأجل أنَّ قيمك تفرض عليك هذا الخروج رغم ما فيه من ألم يشابه ألم الولادة الذي يصبر عليه الطفل والأم فتكون المعجزة ولادة نفس جديدة..

وهكذا تنتظر من تكرار التساؤلات ولادة وحياة جديدة غير الرحمية {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ} [الأنعام: 122] فيتدفق القلب بالحب والعطاء للناس جميعاً، ويبدأ نبض الحياة بالخفقان في مفاصل الانسان. وينام الانسان مثل أهل الجنة {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ}[الأعراف: 43] فلا يحمل في قلبه ضغينة ولا حقدًا لأنه قد أدرك دون لبس أو غموض أو إيهام أن كل ما عنده عطاء من الله، وليس له أي فضل، وسقياه الناس من خير الله الذي أمده به، واجب عليه وليس تفضلاً منه، فهو يستجدي ربه أن يقبله للعمل عنده، فيستجيب له ويسبغ عليه هذا الشرف، ثم ييسر له العمل فإن شكر زاده كرماً وفضلاً منه يستحق شكر المنعم الذي قَبِل أن يستعمله في نفع خلقه في هذا الكون القائم على:

التراتبية والاختلاف والتنوع..

حين نتصور أنفسنا مركزًا للقياس، لا نمتلك إلا رؤية "حدّية" للإنسان وللحياة، وتسلمنا هذه الرؤية "الحديّة" إلى رؤية الكون مركبًا على الثنائية، ونتصور أن الألوان ليس فيها سوى أبيض وأسود، بينا الحقيقة أن الضوء ليس أسود وأبيض، بل هو طيف متدرج من الألوان بين الأحمر والأزرق، ومن هنا أكد القرآن على عدم اعتبار الشر شرًا محضًا، بل قد يكون خيرًا{لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ}[النور: 11]، كما أن الكثيرين من الأخسرين أعمالاً  {الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف: 104]، وكذلك المنافقين حينما يخاطبون أنهم يفسدون في الأرض يقولون:{إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} [البقرة: 11]؟!ألا إنهم هم المفسدون "ولكن لا يشعرون"..

وقد نجح الفقهاء في استيعاب هذه المنظومة على أساس "الطيف" واستخراج الأحكام وفق حركة ضمن طيف في خمس مراتب بين الحرام مرورًا بالمكروه ثم المباح وصولًا إلى المستحب وانتهاءً بالواجب.

لقد رُكب الكون على "التراتبية" كما أخبرنا العزيز الحكيم: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ}[يوسف: 76].. {وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا}(3) [الزخرف: 32]

كما بُنيّ على الاختلاف والتنوع والتباين { وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ } [هود 118] فلكل دوره في هذه الحياة وكل من عليها له دور صغر أم كبر. وكل من عليها يتكامل مع غيره ولو كان بعوضة(4). و { كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (27) }[الرحمن: 26-27].

ولذلك فإنه من الضروري أن يتعلم الإنسان في حياته ثلاثة أمور:

التواضع في نفسه، والتخلي مع غيره عن التعظيم الذي يقترب من التأليه، والحب الجنوني، أو الظن بان شخصًا ما يستطيع أن يلم بكل شيء.

فإذا قامت حياتك على هذا التوازن؛ كنت أكثر إنتاجًا، وأحسن أداءً، وأكثر رضا عن نفسك التي هي الأداة التي وهبها الله لك كي تحقق بها مُراده منك، فكلما كنت راضيًا عنها، كنت أكثر سلامًا معها، وهذا السلام ينعكس إيجابيًّا في استعمالك لها من أجل الله؛ فتبقى حياتك..

بين رضاه عنك ورضاك عنه.. 

ترجع إلى منزلك في نهاية اليوم مكدود الجسد، مُرهق الذهن، ولكنك متوقد الروح، وسبب هذا التوقد أنك تشعر بأنك راضٍ عن أدائك في العمل عند الله، وكذلك شعورك بالامتنان لله الذي شرَّفك بقبوله لك عاملًا عنده، وتكون عوامل تجديد حيويتك مصدرها مساحات الرضا والامتنان تلك، أكثر منها بكثير من محطات الراحة، فتقوم صباحًا مُنتعشًا، لإكمال مشوارك، ولكن ساعات نومك القليلة لا تكون سبب هذا الانتعاش، ولكن روحك التوَّاقة تكون وراء هذه الحيوية التي تستمد مددها من الله- سبحانه وبحمده- ثم مجاهدة النفس ووضعها دائماً –هي ورغباتها ومشيئتها وإرادتها- في مرتبة أدنى من رغبة الله ومشيئته وإرادته..

ولكي تبقى قريبًا من الله لا بد أن تبقى واعيًا مدركًا مراقبًا للنفس وألاعيبها، فقد قد تُشعرك، في أثناء رحلتك لتحقيق مراد الله منك، أنك "مختلف" عمَّن حولك، وهناك "فرق" بينك وبينهم، وهذا الإحساس بالفرق والاختلاف يستدرجك بعدها إلى مربع الشعور بالرضا عن "نفسك"، لإحساسك بأن الله ميَّزك على مَن حولك بقبوله لك أن تعمل عنده، وأرشدك إلى مراده منك، ووفَّقك لتحقيقه.

والحقيقة أن هذا شرفٌ ما بعده شرف يستحق إحساسك بـ "الرضا"، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: الرضا عمَّن؟

أظن أن إحساسك بالرضا في هذا السياق لا بُدَّ أن يكون:

- "الرضا عن الله" وليس الرضا عن نفسك لأن رضاك عن نفسك قد يفتح الباب لها أكثر أن تُفهمك أن لك فضلًا في أي شيء، وهذا هو الفخ بعينه..

فالله هو الذي ألهمك أن تبحث، وهو الذي أرشدك أن تجد، وهو الذي وفَّقك أن تحقق، ثم هو الذي تكرَّم بالقبول منك، فأين "نفسك" فيما سبق؟

رضاك عن نفسك لا بُدَّ أن "يتحصَّن" من نفسك، وذلك بأن يمر أولًا بحمدك لله؛ لأنه تكرَّم عليك بشرف العمل عنده، وبعدها بطلبك رضا الله عنك، ثم أخيرًا رضاك أنت عنه على هذا الكرم.. ساعتها، قد يجوز أن ترضى عن نفسك وأنت قد عرفت مقدارها الحقيقي.

فإذا خطوت خطوتك الأولى إلى وِجْهَةٍ أنت مُوَلِّيها من حب الله؛ فترجم علاقة الحب مع الله إلى أفعال من خلال البحث عن عباد الله وترجمة حب الله إلى أفعال مع عباده كرمًا وفضلًا من الله عليك.. وتعامُلُك هذا يقرِّبك من الله، ويرقِّق قلبك، وعندما يرق قلبك، تنشط الرحمة فيه، وتبدأ في الإحساس بخلق الله؛ فتسلك مسلك الراحمين، وهذا المسلك يجعل لحياتك مذاقًا مختلفًا هو مذاق الرضا عن الله الذي تحوي فيه الرحمة الحب حبك لله، ورضاك عنه، وحبك لخلق الله على الذي يرضيه عنك..

تذكر وعد ربك {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69]، واعلم أن من الأشياء ما لا يمكن وصفه، كالمذاق فلا أنا، ولا غيري، نستطيع مهما اجتهدنا أن نصف لك مذاق فاكهة التين، أو ثمرة الزيتون، فقط حينما نتذوقها ستعرف مذاقهما، فمن ذاق..عرف.. فتذوق معنى {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ}[المجادلة: 22]، واجعل كل حركة حياتك بين رضاه عنك ورضاك عنه.

متى تُشرق الفكرة؟..

حين تعيش حياتك بمركزية "العمل عند الله" فإنك تصبغ كل مكونات حياتك بتلك الصبغة الربانية { صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ} [ البثرة 138 ]؛ ومن ثم تتخلص حياتك من أوثانها فتصير طريقًا إلى الله.. ذلك أن وجود "الوثن" شخصًا أو كيانًا كله يحجب نور الله عن روحك؛ فيملؤها الجهل الذي هو في حقيقته وثنية لأنه لا يغرس أفكاراً، بل يقيم أوثاناً، ومن سنن الله في خلقه أنه عندما تغرب الفكرة يبزغ الوثن..

وأحسب أن الوثن الحقيقي هو "نفسك" التي بداخلك، وكل ما تخترعه من أوثان مزيفه - ما هو الا ظل المحارب(5)، للمحارب الحقيقي، للوثن الحقيقي "النفس" التي تسكن وتكمن بداخلك فإن لم تنتبه لها؛ تمكنت من وعيك وإرادتك لتصبح الإله الذي ينافس الله في عبادتك له، فاحذر ألاعيب النفس حتى لا تخدعك وتوسوس لك أن تعبد نفسك من دون الله، فتبقى بعيداً عن التحرر من الوثنية تسبح في { ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا ۗ وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ } [ النور 40]، وتضرب في المكان الخطأ كما ينطح الثور الاسباني خرقة المصارع وهو يظن أنه يحسن صنعاً.

 إن لجام نفسك يقع بين رضاه سبحانه عنك ورضاك عنه { رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [ التوبة 100 ]، فكن صاحب نية وعزم، واستجمع أمرك كله، فأنت كل شيء حين تكون بـ "الله".. وأنت لا شيء حين تكون بـ "نفسك"، وكما أنه حين تغيب الفكرة يبزغ الوثن؛ فإنه حين يغيب الوثن تشرق الفكرة، فإذا غاب "وثن" نفسك؛ أشرقت "فكرة" التوحيد التي تجعل كل شيء، كل شيء.. إلى الله. 

 

الهوامش

 

(1) المطروح هنا أن تراجع حياتك أنت، وليس أن تبدأ في دراسة أحوال من حولك، والتفتيش في نواياهم، والحكم عليهم، وضع لنفسك مع الآخر شعاراً هو "لستَ ربه، فاتركه لسيده".

(2) إذا كانت هذه هي طريقة تفكيرك وتقييمك لمنظومة عباداتك، فأدعوك إلى أن تراجع بقية مناحي حياتك.

(3) من التسخير.

(4) لفت نظري وعي الحيوانات بقدراتها؛ فلا تجد غزالًا يدخل في معركة مع أسد، بل يسارع بالفرار إذا واجهه، لأنه يعرف إمكاناته جيدًا. وفي الوقت نفسه، تجد هذا الغزال يرعى بهدوء على مسافة من الأسد، ما دامت هذه المسافة تسمح له بأن يفر من الأسد إذا هاجمه لأنه يعرف إمكاناته..

(5) ظل المحارب أو Kagemusha تعني في الثقافة اليابانية القديمة أن يكون هناك محارب مزيف يجذب الأنظار إليه كي يصرفها ويشتتها عن المحارب الحقيقي، حماية له، حماية للمحارب الحقيقي.

 

ما الفرق بين خجل الطفل وضعف شخصيته ؟ كيف أوازن بين تربية ولدي على التسامح وعدم تضييع الحق؟! أفكار عملية لمختلف المراحل.. كيف نرسّخ عقيدة أبنائنا حول فلسطين والأقصى؟ انكفاء النُّخب والقيادات الدعوية معرفة أحوال المدعوين.. طريق المربي للدعوة على بصيرة