ذلك الأساس الذي تحتاجه المحاضن التربوية التي ارتضت الإسلام دينًا وسنة النبي الأشرف سبيلاً ومنهاجًا؛ لما يطرأ من خطر التعلق بالأشخاص أو الكيان، وهو أمر وارد بشكل كبير لطبيعة العلاقة بين المربي والمتربين من عاطفة وتوجيه وثقة
)من كان يعبد محمدًا
فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت). قانون رباني أطلقه
صاحب النبي وخليله أبو بكر يوم وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم-، معلنًا به أن
ارتباط المسلم يجب أن يكون بالمنهج لا بالأشخاص مهما بلغت المحبة والتقدير لهم،
حتى ولو كان النبي -عليه الصلاة والسلام- شخصيًا، أعلن أبو بكر ذلك القانون بعد
صدمة الصحابة بموت النبي وانعقاد ألسنتهم ليفيقهم من تلك السكرة التي حلت بهم
كالصاعقة.
ذلك الأساس الذي
تحتاجه المحاضن التربوية التي ارتضت الإسلام دينًا وسنة النبي الأشرف سبيلاً
ومنهاجًا؛ لما يطرأ من خطر التعلق بالأشخاص أو الكيان، وهو أمر وارد بشكل كبير
لطبيعة العلاقة بين المربي والمتربين من عاطفة وتوجيه وثقة، ولكن ديننا يعلمنا أن
التعلق يكون بالثابت -وهو الشرع- لا بالمتغير -وهم الأشخاص-، فالأشخاص تتغير
قناعاتهم وأفكارهم ومبادئهم، ويفتنون ويبدلون، بينما المنهج لا يتبدل ولا يتغير؛
فهو كالسفينة التي ستوصل من يتعلق بها يقينًا إلى بر الأمان، بينما الأشخاص كالقوارب
التي تحومها الشكوك في وصولها إلى بر الأمان أو الغرق في بحر الشبهات والشهوات!
وقد أراد الله تعالى
أن يربي الصحابة والأمة كلها على هذا القانون فأنزل تلك الآية: (وَمَا مُحَمَّدٌ
إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ
انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن
يَضُرَّ اللهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ) [آل عمران: 144]، وقد علق
صاحب الظلال -رحمه الله- على تلك الآية: (وكأنَّما أراد اللهُ -سبحانه- بهذه
الحادثةِ وبهذه الآيةِ أن يَفطِمَ المسلمين عن تَعلُّقِهم الشَّديدِ بشخصِ
النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- وهو حَيٌّ بينَهم، وأن يَصِلَهم مُباشَرةً
بالنَّبعِ، النَّبعِ الَّذي لم يُفجِّرْه مُحمَّدٌ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-
ولكنْ جاء فقطْ لِيُومِئَ إليه ويدعوَ البشرَ إلى فيضِه المُتدفِّقِ كما أَومَأَ
إليه مَن قَبْلَه من الرُّسلِ ودَعَوُا القافلةَ إلى الارتواءِ منه!
وكأنَّما أراد اللهُ
سبحانه أن يأخذَ بأيديهم فيَصِلَها مُباشَرةً بالعروةِ الوثقى، العروةِ الَّتي لم
يَعقِدْها مُحمَّدٌ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- إنَّما جاء ليعقدَ بها أيديَ
البشرِ، ثُمَّ يَدَعَهم عليها ويمضيَ وهم بها مُستمسِكون!
وكأنَّما أراد اللهُ -سبحانه- أن يجعلَ ارتباطَ المسلمين بالإسلامِ
مُباشَرةً، وأن يجعلَ عهدَهم معَ اللهِ مُباشَرةً، وأن يجعلَ مسؤوليَّتَهم في هذا
العهدِ أمامَ اللهِ بلا وسيطٍ؛ حتَّى يستشعروا تَبِعتَهم المُباشِرةَ الَّتي لا
يُخلِيهم منها أن يموتَ الرَّسولُ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- أو يُقتَلَ؛ فهم
إنَّما بايَعوا اللهَ، وهم أمامَ اللهِ مسؤولون!) [في
ظلال القرآن (1/486)].
وجه الله تعالى
الصحابة الأمة جميعًا لذلك القانون على الرغم من تربيتهم على يد خير وأكمل البشر -صلى
الله عليه وسلم-، فكيف بمن يربي الأفراد على التعلق بالأشخاص والكيانات الذين لا يدانون
عشر معشار كمال وحكمة وعظمة النبي -صلى الله عليه وسلم؟! لذلك وجب ضبط تلك الشعرة
التي تفرق بين تعلق المربين بمربيهم من حيث التوجيه والعلاقة العاطفية، وبين
التعلق بالمنهج إذا خالف وانحرف المربي عن المنهج الصحيح.
لقد كان ذلك القانون
الرباني مطبقًا لدى كل أنبياء الله في دعوتهم للناس، فذلك عيسى ابن مريم يخاطب
الحواريين فيقول: (مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللهِ)، فكان الجواب من الحواريين:
(نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) [آل
عمران: 52]، لم يقل عيسى: (من أنصاري) وصمت، بل نسبها لله، وعلى ذلك النسق جاء رد
الحواريين: (نَحْنُ أَنْصَارُ اللهِ) ولم يقولوا: (نحن أنصارك)!
أيضًا سحرة فرعون وجهونا
في حوارهم مع فرعون لذلك القانون أثناء قولهم: (آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى)
[طه: 70] فلماذا لم يقولوا (آمنا برب موسى)؟! وأضافوا له هارون؟! على الرغم من أن
موسى هو صاحب المشهد، ولم يحدث بين السحرة وهارون أي مناقشة أو احتكاك، فكأنهم
أرادوا أن يقولوا: آمنا برب هارون كما آمنا برب موسى رغم أنه لم يناقشنا أو يبطل
سحرنا.
وأخيرًا.. ففي ظل الوقت الراهن
الذي تستعر فيه موجات الإلحاد والعلمانية والبعد عن شرع الله والجرأة على معاداة
الدين، لا مساحة للاختلاف بين مشتركي الهدف من أجل الفوز بفرد! بل الصواب أن يكون
الاختلاف الذي بينهما اختلاف تنوع وتكامل يسعى كلاهما لجذب أكبر عدد من الناس لمعسكر
المنهج الإسلامي العام والأصيل دون التطرق لاختلاف الوسائل وهدر الوقت في مسائل
خلافية فرعية، أو التعصب لرموز وأشخاص في خطوة تخل بالإخلاص لله ومنهج الشرع
والتعصب للكيان والأشخاص.
إضافة تعليق