القارّة المجهولة.. أبناؤنا ورحلة البحث عن الذّات
ربما عايشتَ
سنوات عمرك وهي تتدافع في اتجاه رغباتك، وكلما دفعتَ بواحدة منها، وسارت نحو هذه
الرغبات، تحقق بعضها وتعثّر البعض؛ فدفعت بالسَنة التي تليها في عطش للرغبات لا
يعرف الرِّي، ولكنك حين وصلت لبعض الرغبات التي رسمتها تفاجأت أنها سراب بقِيعة؛
فشعرت غربة عن كل «ما» وكل «من» حولك بسبب من تناقضات الحياة التي تفقد الإنسان توازنه فلا يجد له قراراً .!
إذا كنت شعرت
تلك الغربة، فاعلم أن الغربة الحقيقية هي: غُربتك عن ذاتك، وأن خطوتك
الأولى نحو الحياة الطيبة هي اكتشاف
هذه الذات، لأن هذا الاكتشاف يساعدك على السير في أودية نفسك سير
العارف المُبصِر؛ فلا تضل في قرية الخوف، ولا تسكن بيت الجهل، ولا تبذل جهودك في
بناء علي رمال الخيال، فتعبث بها رياح الواقع لتبدد ما بذلته من ، فلا تعود من
رحلة الحياة إلا بما يعود به المُقامِر المُفلِس!
وتخبرني تجربتي الذاتية بأن رحلة اكتشاف الذات هي تجربة تحويل النفس من وسيلة وهبها الله لنا إلى معجزة تصل بنا إلى مراد الله، لأن تلك الرحلة تعني استعادة أجزاء من ذواتنا والعثور على إبداعنا المدفون..
· السوابق عوائق ..
أنا وأنت نعيش واقعًا واحدًا، وربما
مررنا بنفس الأزمة، أو رزقنا نفس الخير، لكن العقل الإنساني يملك القدرة على
الانتقاء والمعالجة وتغيير زاوية النظر، والاستفادة من رصيد الأخلاق والخبرات،
بحيث تتغير الاستجابات بمقدار تفاعل هذه العوامل وتغيرها.
كل فرد منا أسير
ثقافة ومفاهيم، ربما مرّ على الشيء العجيب فلم يحرّض عنده روح الدهشة والفضول فهو
لا يرى بعينيه بل بما يسكن دماغه من التصورات، ولا
سبيل له إلى الحقيقة إلا من خلال العقل النقدي الذي هو أساس المعرفة السليمة.
ومن هنا فقد نعى
القرآن على اتباع الآباء: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ
قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ
آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ)[البقرة 170] حتى لا تبقى
الأنماط الذهنية للآباء هي التي تحدد رؤية الفرد عن المجتمع
والناس والحياة؛ فيحيا بآراء مسبقة عن أي شيء يسمعه ولا يخطر على باله أن آراءه ومواقفه
ليست بنت البحث والاستقصاء؛ وتتراكم هذه الآراء بطول الزمن لتكون عوائق الفهم
والوعي ذلك أن السوابق عوائق، ومن أراد أن يكون الأسبق لا بد أن تتحرر من السوابق ..
ولذلك فإن الخطوة الأولى في رحلة اكتشاف
الذات هي أن تبدأ مرة ثانية بقلم جديد ولوح
نظيف وعقل مغسول مطهر، وكأنك عدت طفلاً بريئاً من الأفكار والأحكام المسبقة فلم
تفقد الدهشة ولا ابتلعك الاعتياد..
· تعرّف على احتياجاتك ..
ربما طالعتَ من
قبل نظرية تدرج الاحتياجات التي لعالم النفس "أبراهام ماسلو" التي ترتب احتاجات الإنسان
ترتيبا تصاعدياً للوصول إلى تحقيق الذات وفق خمس طبقات من هرم، بقاعدة عريضة من خمس حاجيات فيزيولوجية هي:
الشراب والطعام واللباس والمسكن والجنس، ثم تأتي فوق هذه الاحتياجات أربع حاجات
جديدة هي: الأمن، والانتماء، والحاجة الى التقدير، وتحقيق الذات.
وفي الحقيقة فإنه مع ثبوت تلك الاحتياجات في علم النفس، فلا
يوجد دليل على أنها مرتبة بذلك الترتيب التصاعدي لأننا نجد مئات الآلاف من البشر
يحققون ذواتهم ويصلون إلى غاياتهم في ظروف لا تتوفر فيها أي سبل لإشباع تلك
الحاجات المادية ـ كالحروب مثلاً ـ بل يخبرنا التاريخ أن ظروف التحدي
الصعبة هي التي شكلت الوسط الذهبي لبزوغ الحضارات، ولم تكن ظروف الترف بحال من
الأحوال وسطاً لنهوض حضاري.
لقد أجمل القرآن حاجة
الإنسان للأمن في ثلاث كلمات (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا
لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ
اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ). [الأنفال 30] ، فالعدوان على أمن الفرد
بكون بمصادرة حريته وحياته وانتماءه الاجتماعي، لأن هذا الانتماء الاجتماعي يشكل التوازن
الروحي للإنسان، وهو ما منّ الله به على قريش في قوله سبحانه: (الَّذِي
أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ)[قريش 4 ]، فالضمانات ضد "الجوع"
و "الخوف" أعظم شيء يمكن أن يتحقق في أي مجتمع.
فإذا تفشّت في مجتمع ما روح
عدم الانتماء؛ انقلب المجتمع إلى "شبح مجتمع" يسهل اختراقه واحتلاله.. وهذا
ما جاء في مَثَل أهل القرية من آخر سورة النحل؛ أن أهل القرية حققوا شروط الصحة
الكاملة عندما اجتمعت ثلاث عناصر فيها هي: "الأمن" و"الطمأنينة"
و"الرزق الرغد"، فلما كفرت حصل انهيار في هذا المركب الثلاثي، ليتحول
الى حالة "تلبس" مزدوج من الخوف والجوع. (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً
يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ
فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ).
[النحل 112]
وتأمل روعة الدقة القرآنية في التفريق بين "الأمن" و"الطمأنينة" فالأولى هي "أمن اجتماعي" والثانية "طمأنينة فردية روحية".. وهذا يعني أن توفير الحصانة ضد الخوف والجوع هو شرط جامع، ولكنه لا يضمن أن يستوي هرم الحاجيات الإنسانية على سوقه تماماً. ـ إلا بشرط تحقيق "الطمأنينة" التي يشعر بها المؤمنون بذكر الله {ألا بذكر الله تطمئن القلوب}، وهي حالة النفس الراضية الَمرضية عند استقبال الموت وتوديع الحياة الدنيا {يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية}.
·الألم و مركزية المعنى ..
تحملك المحن إلى أماكن من نفسك لم تزرها
قط؛ فتكتشف ذاتك التي لم تتعرف عليها من قبل، وتتذوق مُر الحياة قبل حلوها؛ فتدرك
أن "الحياة تيار من الألم لا ينتهي أبدًا، والنضج هو الغوص
في ذلك التيار واستكشاف الطريق في أعماقه، لا أن تتجنب هذا التيار.. أن تعيش
الحياة وألمها وأن تتقبل المعاناة لكن تحاول أن تعاني لأجل ما يستحق فحسب ". ([1])
قال عز وجل: (وَلَا
تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ
يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ
وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا).[ النساء 104 ]
فالمؤمنون هنا
يألمون والكافرون يألمون، ولكن ألم المؤمنين لأجل معنى يستحق، فالدنيا ليست جنة،
وليست دار جزاء، والله لم يخبرنا عبر ستة آلاف آية من القرآن بشيء أكثر مما أخبرنا
أن هذه الحياة بلاء، بل أخبرنا سبحانه أنه سيبتلي المؤمنين بالخوف والجوع ونقص
الأنفس والأموال والثمرات.
ومن هنا لا بد أن تثق أن كل ما يقع بك هو فرصة تطوير
ذاتك لأحسن نسخة منك، و أنك لست أعز على الله من أنبيائه وأوليائه الذين بلغ بهم
البلاء ما بلغ فما زادهم إلا إيمانًا وتثبيتًا. (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ
الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ
نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) [يوسف 110].
إن الحياة لا
تخلو من المعاناة إلا أننا في بعض الأخيان نتغافل عن هذه الحقيقة فنظن أن الحياة
يمكن أن تكون خالية من أية هموم وآلام بينا السعادة والمعاناة حقائق متلازمة فالأم
تسهر الليل من أجل رعاية أبنائها، والطالب يسهر للمذاكرة من أجل التفوق، والتاجر
يسعى من أجل رواج تجارته ... وهكذا نحتاج دوماً إلى التغلب على تحديات وصعوبات قد
تسبب لنا بعض ـ بل كثير ـ المعاناة ، فهذه هي رحلتنا في صحراء الحياة الحارة ..
نعم، ربما تهب
عليك في رحلتك نسمة هواء على فترات متباعدة، فاشكر الله على نسمة هوائها كما صبرت على
شدة شمسها وظلمة ليلها، واعمل لآخرتك ما استطعت، واستغفر مما قصرت، وكن على يقين بأن
غمسة في الجنة تنسي كل شقاء.
إنها الحياة
بمركزية المعنى([2])
حيث تقوم بربط جميع أفكارك ومشاعرك
وأفعالك بشيء هو أكبر من ذاتك فلا تكون اختياراتك لما يحقق ذاتك وما تحبه، وإنما
تكون وفقاً لمراد ربك .
ولا شك أن مما يساعدك على الحياة بمركزية المعنى ما يمكن
أن نطلق عليه " الدفاعات الناضجة " وهي مجموعة من المشاعر المترابطة
بالايثار والقدرة على تأجيل الإشباع وروح الدعابة .. فإذا كانت هذه الدفاعات
الناضجة هي الطيف الواسع في حياتك؛ فإنك تفكر في الماضي والحاضر والمستقبل على
أساس من مشاعر إيجابية، وتكون أكثر قدرة على تحمل الألم، وأكثر وعياً بمشكلات
الحياة، وأكثر قدرة على حلها لأنك تعي ..
· كيف
تنميّ ذاتك؟
قد تبدو هذه العبارة منسوخة من كتب
التنمية البشرية، ولكنها في الحقيقة منسوخة من معاجم اللغة في شرح معنى كلمة "زكّى"
، وهو الأمر الذي أمرنا الله أن نعامل أنفسنا به فقال {قد أفلح من زكاها}. ولا شك
أن التطهر جزء من التزكية، لكنه ـ بكل أسف ـ قد أصبح عند المتأخرين هو معنى
التزكية الأساس وتم التغافل عن بقية المعاني ..
والسبيل الأصوب إلى تنمية ذاتك إلا أن
تحبها ، لأنك لن تستطيع حب أحد إلا أن يكون بداخلك محبة حقيقية وصادقة لذاتك ..
ولا شك أنككلما قلبت النظر في هذا التصور
وجدت له شواهد متعددة، بل وجدت حب النفس غاية ومقصد، فتأمل كيف يخبرك الله أن كل
ما تقوم به من عمل صالح إنما تفعله من أجل نفسك .. (من أبصر فلنفسه) ، (فإنما يهتدي
لنفسه)، (فإنما يشكر لنفسه)، (فإنما يجاهد لنفسه)، (فإنما يتزكى لنفسه)، (من عمل
صالحاً فلنفسه) ..
بل جعل القرآن ما في الجنة لذة للنفس (وهم
فيما اشتهت أنفسهم خالدون) .
وطالبك أن تشتغل بـ "نفسك" حفاظاً
وإحياء: (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم).
كما تلحظ في قوله ﷺ "لا يؤمن أحدكم
حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه". أنه لم يحتج للتعليل لحب النفس..
وقوله صلى الله عليه وسلم: "يا
حمزةُ، نَفسٌ تُحييها أحبُّ إليكَ أم نفسٌ تُميتُها؟"، قالَ: بَل نفسٌ
أُحييها. قالَ: :علَيكَ بنفسِكَ".
فإذا تأملت كل هذا ظهر لك جلياً حديث عمر
الفاروق مصرِحاً بهذا الأمر تصريحاً ويده مشتبكة بيد النبي ﷺ يراهما عبد الله ابن
هشام رضي الله عنه فيحكى لنا: "كُنَّا مع النبيِّ ﷺ وهو آخِذٌ بيَدِ عُمَرَ
بنِ الخَطَّابِ، فَقالَ له عُمَرُ: يا رَسولَ اللَّهِ، لَأَنْتَ أحَبُّ إلَيَّ مِن
كُلِّ شيءٍ إلَّا مِن نَفْسِي، فَقالَ النبيُّ ﷺ: لَا، والذي نَفْسِي بيَدِهِ،
حتَّى أكُونَ أحَبَّ إلَيْكَ مِن نَفْسِكَ فَقالَ له عُمَرُ: فإنَّه الآنَ،
واللَّهِ، لَأَنْتَ أحَبُّ إلَيَّ مِن نَفْسِي، فَقالَ النبيُّ ﷺ: الآنَ يا
عُمَرُ." رواه البخاري
فانظر أولا إلى السؤال، ثم انظر إلى
الصراحة، ثم إلى التغيير؛ تعلم أنه حتى هذا الحب المقدس لابد له أن يمر من محبة
النفس.
فأحبب نفسك ـ يا صديقي ـ واحذر أن تصفها
بأوصاف سيئة، فقد قال النَّبِيِّ ﷺ: "لا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: خَبُثَتْ
نَفْسي، وَلَكِنْ لِيَقُلْ: لَقِسَتْ نَفْسِي". أي تغيرت وتكدرت. ومهما عانيت
ـ يا صديقي ـ ([3])
فلا تتمن الموت، فالرسول ﷺ قال: لا
يَتَمَنَّى أَحَدُكُمْ الْمَوْتَ، وَلا يَدْعُ بِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُ".
واعلم أن الحياة أقوى من الموت، لأنها تستمد وجودها من اسم الله الحيّ، فتوكل على
الحي الذي لا يموت.
· الموت
بوّابة الجنة ..
كلنا يؤمن بـ "الموت" .. حتى
أولئك الذين لا يؤمنون بالله، يؤمنون أن الموت نهاية الحياة، وإن لم يؤمنوا
بالحياة الآخرة؛ فتراهم يحاولون الحصول على أكبر قدر من الشهوات قبل أن تنقضي فترة
الحياة بـ "الموت"، ويحاولون تغذية "الروح" بما ليس من
أغذيتها، بل بأغذية مسمومة، كالموسيقي والغناء الفاحش كمن يحاول أن يروي عطشه بماء
البحر المالح !!
ولا شك أن الموت في هذه الحالة هو الُمهدِد
الذي ليس منه مفر، والذي سيكون النهاية لكل ما كسبه أولئك لأنه هو "الحائط"
الذي سوف يصطدمون عاجلاً أو آجلاً، ولذلك يكون تعامل أولئك مع الموت بالفزع والخوف
الذي بيّن أسبابه "ابن مسكويه" في كتابه تهذيب الأعراق وتطهير الأخلاق
في فقرة متألقة على النحو التالي : " الخوف من الموت ليس يعرض الا لمن لايدري
ماالموت على الحقيقة ؟ أو لأنه يظن أن بدنه إذا انحل وبطل تركيبه فقد انحلت ذاته
وبطلت نفسه، بطلان عدم ودثور، وأن العالم سيبقى موجوداً وليس هو بموجود فيه ، أو
لأنه يظن أن للموت ألماً عظيماً غير ألم الأمراض التي ربما تقدمته وأدت إليه وكانت
سبب حلوله، ولأنه يعتقد عقوبة تحل به بعد الموت، أو لأنه متحير لايدري على أي شيء
يُقدم بعد الموت"([4]).
يا صديقي ..
إن الموت يأتيك دون اختيار منك،
والاستجابة المثلى للموت أن تكون كل يوم في أفضل نسخة تستطيع بلوغها من ذاتك، تسير
في هذه الحياة وفق منهج الله وترى الموت " بوابة" تعبر
"بوابة" تعبر منها بخطى الشوق إلى حياة جديدة فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين (وَقَالُوا
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ ۖ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ
شَكُورٌ * الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا
فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ) [غافر: 34، 35]، فلا ملل ولا ضجر
ولا تعب ولا شقاء. بل حياة طيبة وعدها الرحمن عباده بالغيب (إِنَّهُ كَانَ
وَعْدُهُ مَأْتِيًّا) [مريم 61].
تساؤل أهم من إجابة..
لعل
أكبر ما يجعل الوحدة أمراً مؤلماً هو مواجهة الذات لأن هذه الذات هي الحقل المملوء
بالمجهول، ولذلك فإن اعظم اكتشاف لم نمارسه بعد هو معرفة الذات، فهي "القارة
المجهولة " التي لم نطأها بأقدامنا بعد، ولذلك فإن وعي الذات هو أرفع أنواع
الوعي .. فكلما تزايد وعيك بذاتك، زادت سيطرتك على مشاعرك وسلوكك، وكنت دائم
التغيير لسلوكياتك لمواجهة ما تمر به من مواقف وما تمارس من علاقات، ولم تشعر
بالارتبك أو القلق لأنك تدرك طبيعة الحياة و تملك القدرة على السيطرة على أفكارك
والتحكم في عاداتك..
لقد
اكتشفتُ أن معظم الأشخاص الذين لا يثقون في أنفسهم عادة ما يتوقعون أشياء مستحيلة
من أنفسهم و لا يرضون بأقل من الكمال من ذواتهم ويستغرقهم الإحساس بالذنب لأنهم ـ
وفق تصورهم ـ لا يعيشون وفق المعايير الدقيقة؛ فتصاب نفوسهم بالارتباك والحيرة
التي لا ينجيهم منها ـ بعد تقوى الله ـ إلا درجة عالية من الوعي بالذات، ودوام
الذكر لله و التفكير في : ماذا يرضيه سبحانه في هذا الموقف؟ .. وهذا التساؤل
الأخير ـ فيما أزعم ـ أهم من صواب الإجابة..
([2] ) راجع إن شئت قصة فيكتور فرانكل الملهمة في
كتابه (الإنسان يبحث عن المعنى) كيف تعرض لأشد أنواع التعذيب في المعسكرات النازية
ولكنه لم يفقد تقديره لذاته ..
إضافة تعليق