قد تقابل في مشوار حياتك من يحثك على أن تحدد "هدف" حياتك، وأن تمتلك شجاعة التجربة والفشل حتى تتعلم، ومن ثم تفوز بالنجاح، فتصبح نفسك أكثر سعادة وراحة.!
قد
تقابل في مشوار حياتك من يحثك على أن تحدد "هدف" حياتك، وأن تمتلك شجاعة
التجربة والفشل حتى تتعلم، ومن ثم تفوز بالنجاح، فتصبح نفسك أكثر سعادة وراحة.!
وأنا
أوافقك على كل هذا، فيجب أن تسعى لتكون "نفسك" أكثر راحة وسعادة، ولكن
من خلال "مراد الله منها".. فتكون حياتك المهنية
"وسيلة" لتحقيق جزء من الصورة الكبيرة لمراد الله، وتختار شريكاً لحياتك
يعاونك وتعاونه على تحقيق مراد الله منكما، وتبحث عن صحبة لهم نفس منظومتك القيمية
لتستدفيء بصحبتهم في طريق تحقيق مراد الله، لأنك لو لم تفعل؛ ستمر سنوات عمرك لتجد
نفسك في مكان غير الذي تريد دون أن تمتلك عمراً للبحث من جديد.!
هذا
هو حال من حقق نجاحاته، وهيَّأ حياة سعيدة لزوجته وأولاده، ولكنه بدأ يشعر أن حياته بلا "معنى" ؛ فانتابه
إحساس بأن "عمره قد ضاع منه"، وأنه لابد أن يعوض سريعًا ما فاته، قبل أن
يهرم، ويصبح غير قادر على الاستمتاع بالحياة. فبدأ في ممارسة التصرفات بطريقة
التجربة والخطأ، يجرب شيئًا ما عسى أن يجد ذلك المذاق الذي يفتقده، فإن لم يجده
أقلع عنه، وجرَّب شيئًا آخر.. وهكذا، في حين أن السبب الرئيس وراء تلك التصرفات
المضطربة أن روحه غير مرتاحة منذ فترة، وكانت تحتمل هذا، أما الآن فلقد انتهت
قدرتها على الاحتمال.
ولكن، لِمَ؟ لأنه حقق نجاحات في منظومة قيم لا تخصُّه، ولم يربط أفكاره وأفعاله وممارساته بذلك المعنى الذي قد يكون قضية ما أو قيمة عليا أو أفكارًا تجديدية أو غيرها، وهذا الفرق بين الحياة الطيبة والحياة الجيدة، فالحياة الطيبة هي الحياة التي يبنيها صاحبها على شيء أكبر بكثير من ذاته .
· غاية الحياة..
من الغاية
ينبع كل شيء، أهدافك، قيمك، أنشطتك اليومية، تفاعلاتك، حكمك على الأمور، ما تفعله
مع أسرتك وزوجتك وأصدقائك وزملاء العمل وغيرها.. كل هذه الأمور "تدل"
على غاية الإنسان، ولكنها ليست بذاتها هي الغاية لأن الغاية هي النموذج المعرفي
الذي ترى من خلاله " الإله ـ الكون ـ الإنسان" لتجيب على سؤال: هل الله
هو مركز الكون، وبالتالي نحن هنا لتحقيق ما خلقنا الله من أجله؟، أم الإنسان هو مركز الكون، فيعيش بما يراه هو؟
فإن
أجبت عن السؤال الوجودي؛ توصلت إلى غايتك، وحددت رسالتك في هذه الحياة، فإن كان
الإسلام هو مصدر "المعنى" لحياتك؛ ستكون الرؤية واضحة، وستجد أن غايتك واضحة؛
فتصبح كل مناحي الحياة صوراً تظهر أثر "المعنى" في أولادك، زوجتك، عملك،
شركتك، أعمالك الخيرية، نجاحاتك.. وكل أدوارك في الحياة.
أمّا
من يغيب عنه هذا التصور فإنه قد يحقق نجاحات في الحياة ثم " يكتشف بعد
تحقيقها أن هذه النجاحات جوفاء وجاءت على حساب أشياء أكثر أهمية، فقد تسارع من
كافة دروب الحياة لتحقيق دخل أعلى أو للحصول على درجة وظيفية أعلى، ليكتشف في
النهاية أن سعيه لتحقيق هدفه قد أعماه عن أشياء مهمة" ([1]).
ذلك
أن " الحياة ذات المعنى والهدف تضيف مكونًا إضافيًا إلى الحياة الطيبة، وهو:
ارتباط قدراتك ونقاط قوتك المميزة بشيء أكبر، فالحياة ذات المعنى تعني استخدام
نقاط قوتك وقدراتك المميزة وفضائلك في خدمة شيء أكبر كثيرًا منك أنت ذاتك.."
([2])
شيء تكون " مستعدًا لتحمل المعاناة، وتقديم التضحيات حتى بحياتك نفسها من أجل
الحفاظ عليه هذا المعنى، وعلى العكس من ذلك، عندما تفقد الحياة معناها قد يصل
الإنسان للانتحار حتى لو بدت كل احتياجاته الأخرى مشبعة) ([3]).
لقد
جعل الإسلام المعنى من حياة الإنسان واضحًا وغايته محددة، و أكد الله عز وجل في
غير موضع من القرآن الكريم أن الإنسان خُلق لغاية في هذا الكون، وقد استنكر الله
سبحانه على العبثيين بقوله: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا
وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ} [المؤمنون: 115].
وقال
تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ
خَلِيفَةً} [البقرة: 30]، (ويقرر سبحانه تلك الحكمة والغاية بقوله: {وَمَا خَلَقْت
الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلاَّ لِيَعْبِدونِ} [الذاريات: 56]، وهذا يعني أن هناك غاية لوجود
الإنسان، هذه الغاية هي العبودية لله، أي أن تستقيم الحياة على أن هناك عبدًا
يتعبد وإلهًا معبوداً، فمن قام بهذه العبودية فقد حقق غاية وجوده، ومن قصَّر عنها
فقد أبطل غاية وجوده وأصبحت حياته فارغة من القصد خاوية من المعنى..
ولا
شك أنك تعلم أن معنى العبادة أوسع وأشمل من مجرد أداء الشعائر التعبدية، فليس
المطلوب أن يقضي الإنسُ والجنُّ حياتهم في محاريب صلواتهم، ولكن الله كلفهم
ألوانًا من النشاط تستغرق حياتهم، ومن ثمَّ تصبح الحياة والكون محرابَ صلاةٍ حينما
يؤدي كلُّ إنسان ما عليه من واجب ابتغاء مرضاة الله) ([4]).
وهذا يعني أن تمتلك رؤية للحياة ذات قواعد ثابتة لا تتبدل ولا تغير تقدم لك تفسيراً كاملًا للحياة ودور الإنسان فيها، وتجيب عن الأسئلة الوجودية الكبرى التي تتعلق بالإنسان والله والكون، وهذا يعني أن..
· قِيَمك تفسر حياتك..
لا
يتصور أن يكون شخص صاحب غاية ومعنى في الحياة وله منظومة قيمية تتسق مع المعنى إلا
ويكون التأثير هو الجزء الثالث المكمل لتلك الصورة، وهذا بلا شك يشمل كل مجالات
الحياة: علاقاتنا، أهدافنا في الحياة، إنجازاتنا اليومية، وغيرها، وبهذا يكون كل
تأثير أو هدف في الحياة يقوم به الإنسان له معنى متسق مع غاية الإنسان وقيمه.
ولذلك، فإن الارتكاز
على مبادئ وقيم ثابتة في الحياة "يمنحنا أمانًا واستقرارًا في مواجهة ما قد
يتهددنا من تغيرات أو مقارنات أو انتقادات، ويوجهنا نحو استكشاف مهمتنا، والتعرف
على أدوارنا، ويعلمنا كيف نرتب أوراقنا
ونصوغ أهدافنا، ويمدنا بالحكمة كي نتعلم من أخطائنا وننشد تحسنًا مستمرًا في
أدائنا لدورنا في الحياة، ويمنحنا القوة على الاتصال والتعاون حتى في أحلك الظروف،
حتى ونحن نعاني الضغوط والإرهاق([5]).
فهؤلاء الذين ينجحون في ترك الأثر يمتلكون منظومة قوية وراسخة من المبادئ
المستقيمة، وكلما كانت تلك المبادئ واضحة وضوح الشمس بالنسبة لك، تمكنت من
الاستمرار في طريقك، وتكون تلك المبادئ الصحيحة دليلك ومرشدك طوال رحلتك في
الحياة.
إن القيم الصحيحة
تمكننا من بناء نظامنا الداخلي بشكل صحيح، لأننا حين " نجعل المبادئ الصحيحة
محورًا لحياتنا، فإننا نضع أساسًا قويًا وصلبًا لحياتنا، ونحن نستمد أمننا من
معرفة أن المبادئ الصحيحة لا تتغير، ومن ثم يمكننا الاعتماد عليها، ولا تعتمد
المبادئ على سلوكيات الآخرين أو البيئة أو الأشياء الزائلة، فالمبادئ لا تموت ولا
تتواجد اليوم وتختفي غدًا، "([6]).
أما المبادئ السيئة
فهي مثل الماء الملوث الذي ـ ربما ـ نبتت منه نبتة، ولكن بجذع ضعيف وأوراق ذابلة
لا ينتفع الناس بثمارها المسممة، بل تكون سبباً لمعاناتهم.
ولهذا
فإن مد الجذور بين المبادئ وبين ذواتنا؛ يثمر لنا روحًا جديدة تسري في أجسادنا، لا
ندركها بالعقل والحواس فقط، بل نشعر بها قوة وطاقة متجددة نتحرك بها في الحياة
تحقيقًا لأهدافنا، ونتحدث بها أمام الناس فيخبروننا أننا صادقون، ونتشبث بها في
الشدائد والصعاب.
يا
صديقي..
طبيعة رسالتك وغايتك
في الحياة تستلزم منك أن تبني نظامًا كاملًا في حياتك، هذا النظام يستطيع بمجموعه
أن يحافظ لك على تلك الحالة النفسية التي تمكنك من استثمار كل طاقاتك النفسية
والذهنية والعملية في سبيل تحقيق غاياتك، ويضمن أن يكون مصدر السعادة لديك هو مصدر
دائم ينبع من داخلك وليس من المؤثرات الخارجية، فلا تعتمد على أن هناك من يمسك بك
وأنت تحاول السباحة في بحر الحياة عالي الأمواج.
واعلم أنه لا نفع لقيمك السامية إن لم تحولها إلى واقع تعيشه مع الناس، فلا تنزوي على نفسك واجعل أفكارك الحية والداعية للحياة أعظم أسباب سعادتهم وإن تألمت.اسي.
· المعاناة والمعنى..
بعض
الناس يستسلم على بعد خطوات من تحقيق حلمه؛ فيفقد كل شيء لأنه يخشى الألم
والمعاناة، أولئك لا يدركون أننا ننمو أكثر من المعاناة الأكبر، وحينما نمر بها
تؤلمنا بشدة، ولكننا نتعافى؛ فإننانصير بعدها أكثر قوة، ولذلك حين ترسل لك الحياة
أحد المنحنيات الصعبة، لا بد أن ندرك أن هذا المنحنى جاء ليساعدنا على التفتح بحيث
يظهر كل الحب والقوة والقدرات التي كانت مخفية بداخلنا إلى العالم الخارجي.
ولذلك
قبل أن يصل الباحث إلى غايته النهائية سوف يقدم أمام مراجعة دقيقة، قبل أن يصل إلى
الكنز الذي تاق إليه سوف يُمنح اختبارًا، فهذه هي الطريق التي تسير بها الحياة، لو
أنك درست أي كتاب عظيم عن الحكمة التي تصف هذه الرحلة من اليقظة الشخصية فسوف ترى
أن هذا الباحث دائمًا ما يواجه بعض الاختبارات أو الشدة مباشرة قبل أن يحصل على
الحياة التي تمناها، وأن الطريقة التي يستجيب بها الباحث هي التي تحدد مصيره، فما
كان يعوزه هو تغيير أساسي في اتجاهه نحو الحياة، والوعيّ بأن ما هو متوقع من
الحياة ليس هو الأمر المهم، لأن الأهم والذي يعنينا على الحقيقة هو : ما الذي
تتوقعه الحياةُ منا؟
وهذا
هو حال "القلة المؤثرة" يعيشون لأجل "معنى" أكبر بكثير من
ذواتهم، ومهما واجهوا من صعوبات كانوا قادرين على إيجاد المعنى من وراء كل ما يحدث
لهم، ليس لأنهم ضعفاء يجيدون التبرير، ولكن لأنهم يملكون معنى واضحًا وقيماً متسقة..
قال
عز وجل: ﴿ وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ
فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا
يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾.[ النساء 104 ]
فالمؤمنون
هنا يألمون والكافرون يألمون، ولكن ألم المؤمنين لأجل معنى يستحق، فالدنيا ليست
جنة، وليست دار جزاء، والله لم يخبرنا عبر ستة آلاف آية من القرآن بشيء أكثر مما
أخبرنا أن هذه الحياة بلاء، بل أخبرنا سبحانه أنه سيبتلي المؤمنين بالخوف والجوع
ونقص الأنفس والأموال والثمرات.
إن الحياة بمركزية المعنى([7])
لا تخلو من المعاناة إلا أننا في بعض الأحيان نتغافل عن هذه الحقيقة فنظن أن
الحياة يمكن أن تكون خالية من أية هموم وآلام بينا السعادة والمعاناة حقائق
متلازمة فالأم تسهر الليل من أجل رعاية أبنائها، والطالب يسهر للمذاكرة من أجل
التفوق، والتاجر يسعى من أجل رواج تجارته ... وهكذا نحتاج دوماً إلى التغلب على
تحديات وصعوبات قد تسبب لنا بعض ـ بل كثير ـ المعاناة ، فهذه هي رحلتنا في صحراء
الحياة الحارة ..
إن أجمل الأشخاص الذين
عرفناهم هم أولئك الذين عرفوا الهزيمة، وعرفوا المعاناة، وعرفوا الصراع، وعرفوا
الفقد، ووجدوا طريقهم الخاصة من الأعماق، هؤلاء الأشخاص لديهم تقدير، وحساسية،
وفهم للحياة التي تملؤهم بالعطف، واللطف، والاهتمام العميق المحب، إن الناس
الجميلين لا يأتون مصادفة" ([8]).
يا
صديقي..
قد تحملك المحن إلى أماكن من
نفسك لم تزرها قط؛ فتكتشف ذاتك التي لم تتعرف
عليها من قبل، وتتذوق مُر الحياة قبل حلوها؛ لتدرك أن "الحياة تيار من الألم لا ينتهي أبدًا، والنضج هو الغوص في ذلك التيار
واستكشاف الطريق في أعماقه، لا أن تتجنب هذا التيار.. أن تعيش الحياة وألمها وأن
تتقبل المعاناة لكن تحاول أن تعاني لأجل ما يستحق فحسب ". ([9])
وأنا
أعلم أن لديك "القدرة" على مواجهة الحياة، ولن تنقصك
"الإرادة" حين تدرك أي وجهة تقصد، وحول أي مركز ترسم دائرة حياتك؟
سوف تطور من نفسك كي تستعملها في تحقيق مراد الله منك بعد أن طلبت العمل عنده، وقبل بفضل منه ورحمة؛ فأذن لك بالعمل؛ فتغيرت حياتك وأصبحت تلقائيًا حياة كبيرة.. ومهما كان هذا العمل الذي تقوم به صغيراً، ستظل أنت كبيراً، فالأمر ليس متعلقًا بك، وإنما بـ "لِمَنْ؟ تعمل، فطالما تعمل عند الله –الأكبر- فستبقى أنت كبيراً ..
· أدوار الحياة ..
حياتك
ليست دورًا واحدًا، وإنما هي أيضًا مجموع من أدوار عدَّة تلعبها، ولكي تكون حياتك
متزنة ومنتجة، لا بد أن تكون واعيًا بتلك الأدوار، وتكون متأكدًا أن حياتك متزنة
بين تلك الأدوار.
فأنت
تمارس عباداتك وشعائرك، وتقوم بعملك وتمارس دورك مع أسرتك، وتقوم بدورك مع
أصدقائك، وتحاول تطوير ذاتك.. وغيرها، وغيرها من الأدوار، ويزداد إحساسك بالرضا عن
أدائك كلما كنت متزنًا في ممارستك لتلك الأدوار، ومنتبهًا ألَّا يطغى أحدها على
الآخر.
وإذا
لم تستطع التوفيق بين جميع الأدوار التي تقوم بها، فلا تحاول الخروج من ذلك بأن
تقول لنفسك: إن القائد الناجح يجب أن يقدم تضحيات للوصول إلى هدفه، حتى إن كان ذلك
على المستوى الشخصي أو الأٍسري أو البدني.! ؛ ولكن ابحث عن طريقة مختلفة في التفكير والنظر ورؤية الأمور لتساعدك على
التوفيق بين القيام بأدوار الحياة ودورك كقائد من القلة المؤثة..
وكيف
يمكنك هذا؟
عليك
هنا أيضًا أن تقوم بفصل تلك الأدوار عن بعضها البعض، وتقييم كل منها على حدة،
فمَنْ وجدته مظلومًا زدت منه، ومَنْ وجدته طاغيًا أقللت منه، فإذا كان دورك في
العمل طاغيًا على حساب علاقاتك العائلية، انتبهت وعدلت، وإذا كان جسدك مظلومًا
معك، انتبهت، واعتنيت به، وإذا كانت هواياتك مهملة، انتبهت، فأعطيتها حقها..
وهكذا.
ويمكنك
رصد نجاحك في ممارستك لأدوار الحياة من خلال مؤشرات منها([10]):
_ سكينة القلب وراحة البال:
وهذا يعني التحرر من ضغط شعورين
مرعبين لايتركان مجالاً للإنسان بالهناء هما : الخوف والشعور بالذنب.
ـ
تحقيق مستوى عال من الفعالية :
لا يمكن ممارسة الفعالية في الحياة
بدون فيضٍ من المشاعر الإيجابية، وهي بدورها تحتاج لكبح المشاعر السلبية وقطع
دابرها بقطع مصادر ترويتها ، ولعل آلية الرضى عن النفس بين عدم التعالي وعدم الشعور
بالحقارة، هي التي تقود الى التعامل السليم مع النفس.
ـ تحقيق علاقات طيبة مع الناس :
فهي علامة نضج الشخصية وتقديرها لذاتها ولمن حولها، وهذا قانون هام لأنه في
الوقت الذي تربى النفس على الاعتراف بالآخر وعدم تخوينه وتجريمه وإدانته ؛ نكون قد
أهدينا هذه المزايا الى أنفسنا ودعمنا وجودنا بها.
ـ العنصر الاقتصادي:
كل الدراسات تفيد أن المال لم يكن
مصدراً وحيداً من مصادر السعادة ، كما أن
العكس صحيح، فالفقر ليس بالوضع الذي يجلب التعاسة بشكل مطلق. كما أن الغنى لايأتي
من كمية المال .. والضابط هنا ليس امتلاكه، ولكن تأثر النفس حين فقده ؛ فيمكن
معرفة تعلق القلب به عند فقده ومدى الحزن عليه
وفي اللحظة التي لاتضطرب النفس إلا في أقل حيز ممكن بخسارة أكبر قدر منه ؛
يكون الفرد فيها قد اقترب من التحرر الفعلي .
يا
صديقي..
أنا
أعلم أن"معظم الناس لديهم انطباع أن السعادة تأتي من النجاح الذي يحرزونه
عندما يصبح لديهم ثروة كبيرة ويتمتعون بصحة جيدة وقدرة على تنمية علاقات إنسانية
جيدة، وهناك بالتأكيد ضغط اجتماعي هائل يكتنف الاعتقاد بأن تلك الإنجازات المالية
والصحية والاجتماعية تساوي إنجاز السعادة، ولكن هذا الاعتقاد خاطئ، فالنجاح
والثروة والصحة الجيدة وتنمية العلاقات الإنسانية هي نتائج السعادة ومشتقاتها
وليست أسبابها، وعندما تكون سعيدًا تكون أكثر ميلًا لاتخاذ خيارات في حياتك تقودك
إلى تحقيق هذا الأشياء، ولكن العكس ليس صحيحًا، فكل واحد منا قد لاحظ أناسًا في
منتهى التعاسة مع أنهم حصَّلوا ثروة هائلة وأحرزوا نجاحًا كبيرًا في أعمالهم"
([11]).
إن القلة المؤثرة من الناس هم الذين يستطيعون تغيير مجتمعاتهم، ويستطيعون التغلب على مشاكل مزمنة لا تقوم رءوس الأموال غير المالكة للقيم بحلها، لأن القضية ليست في المال ولكنها في الإنسان الذي يحرك المال.
· ما هو اختيارك ؟!!
إنّ
نمط الحياة اليوميّ والعَمَليّ، الإرهاق الدائم والسعي المُنهِك من أجل تحصيل
المال وتحسين الوضع الاجتماعي والمعيشي، يُحوّلنا بعد فترة لكائنات باتجاه واحد،
اتجاه الإنتاج وجنيّ الأموال، باعتبار المال اللغة الوحيدة المفهومة وذات وزن في
الواقع المُعاصِر ..
فهل
تبحث عن الراحة في بيت مريح وسيارة ونزهة ..؟
أم
تبحث عن حياة مريحة ليست على هذه الأرض؟
هل
تقبل الإرهاق النفسي صديقاً؟
أم
ترفض هذا الصديق ، وتبحث عن "الرضى" رفيقاً؟
لست
أريدك أن تترك العمل لتوفير الراحة لك ولمن هم لك ..
وإنما
أريدك أن تجعل الراحة "وسيلة لا غاية" ..
حين
تجعل الراحة هي " الغاية "، فإنك إن حصلت عليها ربما لا يصاحبها
"الرضى" .. أما حين تجعل "الرضى" هو الغاية؛ فإنك ستحصل على
قدر كاف من "الراحة" .. كأني
أسمع تساؤلك : ألا يمكن أن أجمع بين " الراحة " و " الرضى "
؟!!
وأنا
أجيبك : حين يكون " الله " هو " الأول " في حياتك ؛ سيكون
سعيك لـ " راحتك " من خلال
تحقيق " رضاه " ..!!
وعندها
"سينبض عالمك بالحياة، وستستيقظ في كل صباح لتجد لديك مخزونًا لا حدود له من
الطاقة والحماس، وستتركز كل أفكارك حول هدف محدد، ولن تجد لديك الوقت لإضاعته،
ولذلك لن تهدر القوة الذهبية على أفكار تافهة، وتمحو تلقائيًا عادة القلق، وستصبح
أكثر فعالية وإنتاجية .." ([12]).
لأن أرواحنا غير مرتاحة، فإن أجسادنا تتضامن معها، وترسل إلينا برسائل مستمرة، مسجلةً
اعتراضها على عدم الراحة، ولكن عقولنا تقهر أرواحنا وأجسادنا، وتُملي عليها
إرادتها، وتُجبرها على الاستمرار، وتحثُّها على الاحتمال..
ربما تحملت أجسادنا هذا الضغط في فترة الشباب، ولكن بمرور الوقت، وكبر السن، تضعف أجهزة أجسادنا، وما كانت تحتمله، لا تستطيع أن تستمر في تحمُّله، وتبدأ في الانهيار، لأن..
· السعادة فيض داخلي..
المتأمل للناس وكيف يعيشون و يلهيهم التكاثر حتى زاروا المقابر، وكيف يحلمون بزيادة المال بدون حدود، ويتألمون في أن البعض يقبضون رواتب أكثر منهم في نهم لايعرف الحدود والارتواء مطلقاً ، فصار فاقد المال متحسراً ومالكه قلقاً، ولاغرابة فحيث يكون المال تكون النفس فلايستطيع المرء أن يعيش بقلبين ويخدم سيدين بنفس الوقت الله والمال..[13]
وليس هناك من " نعمة " أعظم في المجتمع من الشعور بالأمن إذا اجتمع مع رغد العيش وراحة البال، بل أعظم سعادةٍ يحققها الإنسان في هذه الدنيا هي " قوت اليوم " في مجتمع يوفر " الضمانات" للأفراد الذين يعيشون فيه، ضمن "الطمأنينة الروحية"، " وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ " الرعد28 ، فهذه الطمأنينة هي التي يفقدها كل الذين لا يشعرون بالسعادة في مجتمع الرفاهية، بينا تفيض قلوب فالقلة المؤثرة بالسعادة ولو فرغت جيوبهم من المال ، لأنهم وإن لم يملكوا ألأشياء؛ فإن الأشياء لا تملكهم.
يا صديقي..
إن كنت تظن "أن سيارة أغلى أو بدلة أكثر شياكة قد تجعلك تشعر بالسعادة، فاعلم أن السعادة عمل داخلي وليست السعي وراء قيمة نهائية أكبر، إنها حول حصد قيمة أكبر للذات، ليست بامتلاك المزيد من المال، وإنما إيجاد المزيد من المعنى، وهي ليست فقط عن كون المرء ناجحًا فحسب بقدر ما يكون ذا مغزى حقيقي، وأن يكون شخصًا يُحدث قيمة دائمة في هذا العالم([14]).
· احذر الذوبان..
الحياة بمركزية المعنى أن
يكون لك غاية في الحياة وأن يكون واقعك مؤيدًا لتلك الغاية كدليل على وجود تلك
الغاية وحقيقتها، وأنها ليست مجرد أمنية أو صورة مثالية تود الوصول إليها أو
تدعيها بينا واقعك بعيد كل البعد عنها، لأن الإنسان لا يستطيع أن يعيش طويلاً
بتصور وقيم تخالف واقعه، وهو لا بد أن يسعى لتغيير الواقع المخالف لتصوراته وقيمه،
وإلا فإن استقرار الواقع المخالف لتصوراته وقيمه، يهدد هذه القيم وتلك التصورات
بالتغيير؛ فاجتهد أن تُحكم منظومة قيمك لأن الذي لا يُشكّل منظومة قِيَمه، سيشكلها
له الآخرون، ومن لم يحدد أسئلته؛ فسيُحدّدها له الآخرون، وهذا أخطر من أن تحدد لك
إجاباتك لأن الأسئلة تحصرك في خانة معرفية محددة مسبقاً، زاوية ضيقة؛ فتقضي عمرك
تجيب عن سؤال، لم تطرحه على نفسك، وإنما طرحه عليك شخص ما فشغلك، وأنهكك في معركة
لا تخصك ولا تعنيك.!
فاحذر أن تتقزّم وأن تحشُرَ ذاتَك في خانة ضيّقة
من الأسئلة وخانة أضيق من خيارات الإجابة حتى لا تكتشف بعد أن تقطع شوطاً طويلاً
في مشوار حياتك أنك لا تعيش حسب منظومة قيمك وتصوراتك، وأنك قضيت سنوات عمرك في خوض معركة "نجاحك" دون أن
تمتلك وقتاً للتوقف والرصد.!
يا صديقي..
لا تندفع بسطوة المجموع،
وضرورة الانتماء، والخوف من أن تفوتك المشاركة؛ فتبدأ في الركض لأن الجميع يركضون،
خوفاً من أن يفوتك ما يطاردونه، أو أن تسحقك جموع الراكضين.
لا تُجب دون أن تسأل نفسك لماذا يجب أن أجيب عن هذا السؤال على وجه التحديد. ولا تجب في اتجاه إجابات الجموع خوفاً من الرفض والإقصاء، فهذه الهواجس لا تجد لها تربة خصبة إلا في ذات لم تبن تصوراتها على أسس متينة، فقضت عمرها في شيءٍ لَم تُقرّره ابتداءً.
· وبعــــــد..
فقد كان هذا المقال نافذة
لوعي جديد عليك أن ترسيه، بدايتك لرحلة العمل والجهد والاجتهاد لتحصيل المعارف
والمهارات، وبداية لملحمة مجاهدة النفس والأفكار والطباع والمشاعر التي تريد
تغييرها.
ولو لم تخرج من هذا المقال إلا بمعرفة مركز المعنى في حياتك ومصدره؛ فقد أجبت عن السؤال الأهم لأن غايتك ورسالتك وقيمك وأساليب حكمك على الأشياء وكل صور حياتك ستستمد مركزيتها وقيمتها وقوتها من الله.. وهذا هو الطريق إلى الحياة الطيبة التي ليس إليها من سبيل إلا "وحي السماء"
([4]) التشوهات المعرفية وعلاقتها بمعنى الحياة لدى المراهقين ـ إسلام أسامة
محمود العصار ـ ص (36- 37).
([7] ) راجع إن شئت قصة فيكتور فرانكل الملهمة في
كتابه " الإنسان يبحث عن المعنى " ـ كيف تعرض لأشد أنواع التعذيب في المعسكرات
النازية ولكنه لم يفقد تقديره لذاته ..
إضافة تعليق