ابني يبلغ من العمر 10 سنوات، وبدأت ألاحظ مؤخرًا غيرته العمياء عليّ أنا شخصيًا، فهو لا يريدني أن أحتضن أخته أو أقبّلها، ومرات عديدة يلفت نظري أنني أحب والده أكثر منه، وأتكلم معه وأجلس بجانبه وهو لا، ويردد القول بأنني لا أحبه، وأنني أحبهما أكثر منه
السؤال:
ابني يبلغ من العمر 10
سنوات، وبدأت ألاحظ مؤخرًا غيرته العمياء عليّ أنا شخصيًا، فهو لا يريدني أن أحتضن
أخته أو أقبّلها، ومرات عديدة يلفت نظري أنني أحب والده أكثر منه، وأتكلم معه
وأجلس بجانبه وهو لا، ويردد القول بأنني لا أحبه، وأنني أحبهما أكثر منه، والله
يعلم أنني أحبه حبًا جمًا، فهو أول أولادي، وله معزّةٌ كبيرة في قلبي، ولكنني
متحيرة من تفكيره هذا، ولا أعلم ما السبب في إحساسه أنني أحب الناس أكثر منه! فأنا
أفعل معه كل شيء من خروج وشراء ما يحبه، حتى النوم أحيانًا أنام بجانبه؛ لأنه
يتصارع مع أخته للنوم بجانبي. أرجو الإفادة.
الجواب:
أختي الفاضلة، بدايةً: أقدر
مشاعرك بالقلق نحو ابنك، وهذا يعكس حرصكِ الشديد على أولادكِ وسلامتهم، داعيًا
الله أن تتجاوزي هذه المرحلة بسلامٍ عن قريب.
تمنيتُ أن تذكري عمر أخته؛
فهي نقطة مفصلية في إعطاء مشورة دقيقة؛ ففي حال كانت صغيرة في العمر ومولودة
حديثًا، فأريد أن أطمئنكِ أن غيرة ابنك طبيعية ومبرر لها؛ حيثُ إن أغلب الأطفال
لديهم شعور بالغيرة من الأخ الذي يولد جديدًا؛ وذلك لاعتقادهم أنه سلبهم مركزهم
المميز، ونقلهم من محور الاهتمام إلى المركز الثاني أو إلى زاوية الإهمال والنسيان
باعتباره الأكبر والأوحد في ساحة العواطفِ الخاصة بأمه، وإن كان هذا الاحتمال
صحيحًا فأتمنى منك مراسلتنا لاحقًا لكي نرشدك لبعض الخطوات والتوجيهات التربوية
التي ستيسر عليكِ الأمر -بإذن الله-.
أما إن كان يفصل بينهما فارق عمري بسيط وليست
بمولودة جديدة، وأن مشاعر غيرة ابنكِ ظهرت فقط مؤخرًا كما ذكرتِ، فهنا أريد أن
أتكلم عن الجوانب التالية:
أولًا: يبني الطفل علاقته
الحقيقية الأولى مع الأم، وهذا الإحساس "بتملك الأم" هو الذي يُظهر شعور
الغيرة لديه عندما ينقصه فجأة، فتلك المشاعر هي حالة تأتي نتيجة القلق وعدم حصوله
على شيء ما يريده، وغالبًا ما يكون هذا الشيء هو الاهتمام والعاطفة.
أعلمُ أنكِ ستقولين لي: إنه
أول أولادكِ، وتحملين له حبًا جمًا، ومعزّة كبيرة في قلبكِ، ولكن -أختي الكريمة-
اعذريني؛ قد تكونين عن غير قصد تقصرين في عواطفك وحنانك تجاهه، أو قد تكونين
تخطئين في الطريقة! قد تكون المشاوير وشراؤك لما يحب ليس هو ما يحسسه بمحبتكِ له،
قد تكون حاجته العاطفية تكمن عندما يراكِ تلعبين مع أخته الصغرى، أو قد تكون عندما
يراكِ تتناقشين وتتكلمين مع زوجك، أو قد تكون بلمسة وحضن وقبلة يوميًا..
وهنا اسمحي لي أن أشير إلى
أهمية الآثار النفسية للحضن والتواصل الجسدي بين الوالدين والأطفال؛ فالحضن يشعر
الطفل بأنه مقبول لدى من يحضنه ويُعلّمه الكرم في المشاعر والعواطف، فإذا حضنتِ
طفلك فإنه سيحضنك، وهذا يعلمه الأخذ والعطاء، كما يتعلم من هذا التكنيك التعبير عن
الحب وهو الأهم، وأيضًا الاحتضان يزيد من الشعور بالأمان والراحة والاستقرار، وهذه
أهم حاجة يحتاجها الطفل لتزداد ثقته بنفسه، فيكون الحضن بمثابة الوقود الذي يوقده
للانطلاق بحياته.
ثانيًا: عندما يشعر الطفل
في عمرِ ابنكِ بعدم الحب والاهتمام من قبل الوالدين، فإن الغيرة تتولد لديه بمظاهر
العدوان أو النكوص إلى أساليب تعود إلى مرحلة عمرية سابقة، كما تجلى ذلك لدى ابنك
بطلبهِ منكِ النوم إلى جانبه وغيرته عليكِ من والده وأخته، وقلقه الدائم حول
مكانته في قلبكِ، وهذا ما دفعه لأن يسألك مكررًا إن كنتِ تحبينه أم لا، وإن كنت
تحبين غيره أكثر منه أم لا؛ خوفًا من أن تكون مكانته بقلبك قد تم استبدالها بمكانة
أخرى!
ثالثًا: لا تقلقي عزيزتي؛
فغيرة ابنك عليك من والده تحصل لدى الكثير من الأطفال، وغالبًا ما يعود السبب إلى
أسرة يغيب الوالد فيها كثيرًا عن المنزل، بحيث يتعلق الابن بأمه كثيرًا، حيثُ إن
غياب الأب الكثير أو سفره يجعل علاقة الزوجين وإن كانت وطيدة لا تظهر كثيرًا أمام
الطفل، فعندما يرى الطفل محبة أبيه لأمه يتفاجأ ويظنها غير طبيعية فتتولد الغيرة
لديه.
وقد يكمن السبب أيضًا في
دلال وحماية زائدة منكِ له؛ ما جعلهُ يتعلق بكِ كثيرًا، ويشعر بحاجته لوجودك
ومشاعرك بصورة دائمة، وبالتالي يغار عليكِ من الكل ومن ضمنهم الأب.
رابعًا: أحب أن أطمئنك أن
مشاعر الغيرة لدى الأطفال طبيعية، وتظهر بشكل واضح لدى معظم الأطفال، وكل ما عليكِ
أن تلتزمي بهذه الإجراءات التربوية التي ستساعدك في جعل علاقة ابنك بكِ بالمنحى
العاطفي المتزن.
خامسًا: لا تقلقي من غيرته
بشكل مبالغ فيه أو تغضبي منه؛ فهذا أمر طبيعي ومؤقت وينتهي بسرعة.
سادسًا: تجنّبي النّقد
والتعبير السّلبي تجاه مشاعره، واحذري من الاستهزاء بعواطفه تجاهك أو انتقاده؛
لأنّ في ذلك اهتزازًا لكيانه وبنيته النّفسيّة.
سابعًا: لا مكان للعقاب
الجسدي في علاج الغيرة؛ لأن استخدام العنف يولد شعورًا بالإحباط والانتقام.
ثامنًا: اطلبي من زوجكِ
توطيد علاقته به بشكل خارج عن وجودك، فيصطحبه للنزهة وحدهما، وهذا سيؤدي إلى زيادة
الثقة والمحبة بينهما، وأيضًا تنمية المهارات الاجتماعية لطفلك.
تاسعًا: كلّما كانت
علاقتكما أنتِ وزوجكِ قوية وجميلة؛ انعكسَ ذلك بالاطمئنان النفسي على طفلك، ولكن
أظهرا حبكما بشكل لا يقصد منه إغاظته، حيث عبري له أننا أسرة كلنا نحب بعضنا، ولكن
قبل كل ذلك أظهرا حبكما له كما أخبرتكِ سابقًا.
عاشرًا: عوّدوا أنفسكم على
فكرة العناق الجماعي؛ ليفهم معنى الأسرة، وأنها وحدة متكاملة لا تنفصل.
حادي عشر: عليكما أنتِ
وزوجكِ عدم التمييز، والابتعاد تمامًا عن أي انتقاد أو مقارنة بينه وبين أخته،
وساعداه في اكتشاف مواهبه وقدراته الخاصة التي بالتأكيد ستشعرهُ أنه مختلف عن
أختهِ وأقرانهِ.
ثاني عشر: إقامة علاقة من
الحوار المشترك اليومي بينكِ أنتِ وزوجكِ وأطفالكم جميعًا لمدة 10 دقائق على الأقل
تحقق العلاقة الإيجابية بين كل أطراف الأسرة.
ثالث عشر: تشكيل نظرة
إيجابيّة عن ذاته: ساعديه على تنمية حسّه الإيجابي عن ذاته، من خلال عبارات ورسائل
الدّعم الإيجابي، كأن تقولي له: ما شاء الله، أنتَ رائع اليوم، أعجبني تصرفك، أنت
تستحق محبتي.. والذي سيؤدي إلى رفع ثقته بنفسه ونظرته لذاته.
رابع عشر: ازرعي لديهِ
مفهوم الحبّ غير المشروط: حيث يلجأ الأطفال إلى سؤال أمهاتهم عن محبتها لهم كنوع
من القلق على مكانتهم وتغييرها؛ لذلك ازرعي لديه أن محبتكِ له ثابتة ومرتبطة بذاته
وليست بأفعاله وتصرفاته.
ختامًا: أدعو الله أن
يرزقكِ راحة البال، وأن تري فيهم قرة عينِ لكِ ولزوجك.
إضافة تعليق