أهي برودة الجوّ؟! أم برودةٌ سَرَت في أوصال الأمة المسلمة؟! تحولت تلك البرودة جليدًا حاد البلورات، جارح الأطراف، مزّق بنصاله الأواصر بين الأوصال؟! فإذا (كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ)!!

أهي برودة الجوّ؟! أم برودةٌ سَرَت في أوصال الأمة المسلمة؟! تحولت تلك البرودة جليدًا حاد البلورات، جارح الأطراف، مزّق بنصاله الأواصر بين الأوصال؟! فإذا (كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ)!!

برودة سَرَت من أفواه بعض الدعاة، لكنها طغت على الخطاب الدعوي وانتشرت في أبجديات الصحوة الإسلامية انتشار النار في الهشيم، فرغم أنها برودة إلا أنها أشعلت النار في الحبال التي تصل الناس فأحرقتها حرقًا، فلم يعد بين كثير ممن ينعتون أنفسهم بـ(الإسلاميين) وبين سائر الناس من المسلمين أي روابط قوية تُذكر! حتى إذا أصاب الإسلاميون مصيبة لم يتعاطف معهم أحد من سائر المسلمين؟!

لماذا انقطع التعاطف بين الدعاة وأتباعهم من جهة وبين جماهير الناس من جهة؟! لماذا لا يرثي جماهير الناس لمشكلات الدعاة ودعواتهم؟! بل لماذا لا يتابع جماهير الناس أصلاً أحوال الدعاة والدعوات؟!

أهو إهمال من الناس لشؤون المسلمين؟! أيقع الحمل كله على من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم؟! أم بعض هذا الوزر على أكتاف كثير من الدعاة أنفسهم ومقربيهم من الإسلاميين؟!

 سأتحدث هنا عن فئة المتعصبين من أبناء الدعوات، الذين سبق وتحدثت عن تعصبهم لفئاتهم وأنفسهم تعصبًا تفضيليًا، اليوم أتحدث عن نوع جديد من تعصبهم هو التعصب التسفيهي، الذي يحمل فيه المتعصب، ليس هَمَّ تعظيم نفسه وجماعته وحدها، بل يحمل همًا متعديًا آخر هو هم معابة كل من لم ينتمِ لدعوته وجماعته وفئته، وربما معابة كل من لم يسمع لشيخه أو يبجله ويقدّسه، فينفر جماهير الناس!

إذا كانت العنصرية التفضيلية هي بمثابة (الاعتقاد) في مبدأ (نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ)، فالعنصرية التسفيهية هي (العمل) في ذلك المبدأ النرجسي الجاهلي الخبيث: مبدأ العنصرية والتعصب لفئة أو جماعة أو دعو(ى).

  • مع التسفيه حتى إراقة الدماء!
  • تجد الجماعة العنصرية يسمون أنفسهم بـ(الخواص)، ويطلقون على غيرهم (العوام)، ليس كما في التراث لفظة (عوام المسلمين) التي تعني (عموم المسلمين) وجماهيرهم كثرة وعددًا، لكنهم يقصدون أنهم عوام أي جهّال محتقرون في مرتبة أدنى من مرتبة الخواص، يعتقدون أن المرء لن ينال البر أبدًا مادام من العوام، ولن يعاب أبدًا مادام هو من الخواص! ومقياسهم كما ذكرت في مقالتي السابقة:

تأصيل الخطاب الدعوي ، أمراض دعوية معاصرة ، "العنصرية التفضيلية"

فالخواص (ملتزمون)، و(الالتزام) هو هدي ظاهر محدد وسلوكيات علنية معينة وانتماءات واضحة لدعاة وجماعات بعينها: من فعلها كان منهم، ومن لم يفعلها صار من غيرهم، ومن صار من غيرهم سقط عنه عمليًا حقوق المسلم المعروفة، فيغتابون ويبهتون ويأكلون حقوق من يسمّونهم (العوام)، وربما استحلوا دماءهم وفروجهم وأموالهم في تطرف عنيف للغاية كالذي تمارسه جماعات التكفير، وهم غاية تجسد ظاهرة التعصب ضد من ليس من جماعة معينة ولم يطع دعاة وشيوخًا معينين، يقول المتعصبون لفئاتهم من كل صنف ولون، يقولون: (لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ) [آل عمران: 75]، يعتبرون أنفسهم كأنهم أهل الكتاب في زمان أميي جزيرة العرب قبل الإسلام! ويرون غيرهم (الأغيار) و(الغوييم)، فلا يراعون لغيرهم حرمة، ولا يرون في سوء تعاملاتهم معهم معابة ولا مسبة!

وينشأ من هذا تعدد وجوه هؤلاء الدعاة وهذه الجماعات، فرغم احتقارهم لمن يرونه دونهم علمًا وعملاً؛ فهم يدركون جيدًا أن الإنسان كائن اجتماعي يحتاج لغيره! فرغم احتقارهم للغير؛ يرتدون لهم أقنعة رحمة غير حقيقية بينما يعلنون بين أتباعهم أنهم يوادّون الناس (تقية)، ويعاملون الناس بالحسنى (إلى حين)، فإذا تمكنوا ممن يسمونهم (العوام) كان حال آحادهم (وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ) [البقرة: 205].

وقد رأينا بعض دعاة الصحوة لهم محاضرات جمعوا فيها خواص دعوتهم يقولون لهم: (سيكون لنا نوعان من الخطاب الدعوي: خطاب بيننا، بين مسؤولي دعوتنا ورجالها وكبارها، فيه الحقائق والأهداف وما نريد، وخطاب دعوي آخر، مختلف، نصدره للعوام، يكون فيه ما نريدهم أن يعرفوه، وما يخدم أغراضنا وأهدافنا، وإن لم يكن فيه البيان الكامل للعلم والوضوح المبين لحقائق الأحكام).

وبالطبع كما تحدثت في مقالتي:

وارث إبليس، السمات النفسية للداعية النرجسي

فهؤلاء ليس غايتهم بيان الحق، ولا دعوة الناس إلى الله، ولكن يدعون الناس لأنفسهم، ويسخرونهم لمصالحهم وأهدافهم.

وتجد مظاهر فجة شديدة الغبن للمسلمين بسبب هذا النوع من الخطاب، وهذا التفضيل المبني على عصبية جاهلية تفضيلية لفئة وتسفيهية لمن عداها حتى وإن لم يعادِها!

مظاهر العنصرية التسفيهة في المجتمع:

فبسببه تجد رجلاً منتميًا لإحدى هذه الدعوات العنصرية يمتنع عن تزويج ابنته لرجل مسلم فاضل يحمل كتاب الله، ويعي من علم السنة الكثير، بل وأحواله المالية جيدة وأسرته طيبة، يمتنع عن تزويجه لا لشيء إلا لأن هذا الخاطب لا ينتمي لدعوة الرجل المتعصب! أو لا يحب الاستماع لشيخ الأب المتعصب! أو يختلف مع الأب المتعصب في بعض المسائل الاجتماعية، وربما مسائل أخرى تتميز بها جماعة الأب المتعصب! دون أن يكون الخلاف غير سائغ مثلاً، ودون أن يكون الخاطب متهمًا ببدعة أو فسوق! يمتنع عن تزويجه فقط لأنه يراه من (العوام) وليس من (الخواص) الذين ينتمي إليهم أو ينتمون لدعوته وشيخه!

وبسبب هذا التعصب التسفيهي تجد رجلاً منتميًا لإحدى الدعوات العنصرية يمتنع عن شراكة مع رجل مسلم أمين فاضل حاذق في مجاله، وكفء في تعاملاته، وفقيه في أحكام التجارة يتقي الله فيها! يمتنع عن شراكته لا لشيء إلا أن هذا الفاضل الكفء ليس من جماعة المتعصب، وليس من (الخواص)، فهو ممن ينعتهم بـ(العوام)، لا لشيء إلا أنه ليس من (الجيتو)، ليس (مرضيًا عليه من الكبار)، وليس (ممن يسمع ويطيع) لشيوخ المتعصب طبعًا، ولا يعني ترك السمع والطاعة لله ولا رسوله ولا أئمة المسلمين عمومًا!

بل ربما كان أمر التعصب أهون من هذا، فيزجر المتعصب جاره في السكن لمجرد أنه لم يعفِ لحيته، وهذا حرام نعم! لكن غيرة المتعصب ناشئة عن فئوية مقيتة، ولو كانت غيرته ناشئة عن حب الخير للغير لتلطف معه في النصيحة، ولرضي منه الصلاة في المسجد مثلاً! بدلاً من اشتراط أن يكون بذات السمت المظهري كسمته، لتكون صحبة المتعصب ذات صورة معينة يفترض فيها المثالية!

وربما كذلك نفرت فتاة حديثة الاهتمام بحفظ القرآن في مسجد أو دار تحفيظ، لا لشيء إلا أن المتعصبين في تلك الدار يلحّون عليها ليل نهار في ارتداء النقاب، بينما هي تكتفي في بدايتها بالخمار مثلاً! يريدون لها ذات مظهرهم، وأن تنضم لفئتهم، وإن لم تحمل بعد من العلم والعمل ما ينفعها هي في دينها ودنياها.

ولاشك أنك رأيت يومًا من يرفض الصلاة خلف إمام ليس من دعوته ولا يستمع لدعاته! يراه غير خليق بالإمامة وإن كان حافظًا عاملاً حسن الصوت فقيهًا، لا لشيء إلا لأنه من (العوام) الذين لا يعقلون ألمعية داعيته، ولا يفقهون أهمية دعوته، وتقوم الحروب الكلامية ويعلو الصوت في المساجد بسبب أولوية الإمامة، وربما اشتبك المصلون بالأيدي وانقسم الناس، كل يرى المختار من فئته هو الأحق أن يصلي بالناس! وأكثر من ذلك تجد الساعين لدى من أوقف المسجد أو تبرع بأرضه، يسعون بالكذب والبهتان ومعابة غيرهم ليحوزوا شعيرة الإمامة! ذنوب وآثام كبيرة ترتكب لحيازة شعيرة ليست تشريفًا ولكنها مسؤولية! لا لشيء إلا العصبية، فبالطبع ليس هذا كله لله! بل لوجه الداعية المتعصب، ولصالح فئة المتعصبين وعصبية جاهلية لا خلاق لها.

ويتعدى الأمر لأكل الحقوق، وليس مجرد التنفير أو النفي، فترى المتعصب يأكل حقوق زوج ابنته إذا وجده ليس متعصبًا مثله لفئة أو دعاة وشيوخ، وتجد المرأة المتعصبة تزدري زوجها وإن كان صالحًا؛ لأن مظهره ليس كمظهر أزواج صاحباتها المتعصبات، وربما أكلت حقوقه في طلاقه منها؛ لأنه لم يرضَ حكم شيخ الفئة المتعصبة وارتضى حكم آخر وإن حكم بالحق الواضح المبين! وكذلك يأكلون الحقوق المالية في الشراكات، بل يتساهلون في الدماء وتبرير الجرائم إذا وقعت في حق (العوام) أو (الأغيار)، وتقدم أنهم يسفكونها بأيديهم مثل جماعات التكفير ماداموا آمنوا أن غيرهم (أميون) وأنه ليس عليهم في الأميين سبيل!

السقوط!

ثم تجد جماهير المسلمين، الذين يصفهم دعاة العنصرية أنهم (العوام) و(الجهال)، وبعضهم لا يتورع أن يسميهم بـ(الرعاع) و(الدهماء)، سواء أكان هذا الوصف علانية في محاضراتهم المشهورة أم سرًّا يبوحون بتلك الأوصاف لخواصهم وخواص خواصهم في محاضرات غير علنية، هدفها تثقيف الفئة المختارة: أبناء الله وأحباؤه! تجد جماهير المسلمين فقدوا ثقتهم فيمن يسمون أنفسهم (ملتزمين)، فيقوم هؤلاء المسلمون الطيبون الموصومون بـ(العوام) فيطردون الفئات المتناحرة من المتعصبين، يطردونهم من المساجد، ويمتنعون عن معاملتهم تجاريًا، ويمتنعون عن تزويجهم، يرونهم منافقين لا يعملون لله بل يعملون لأنفسهم، ومن ثم لا يتعاطفون معهم! لا لشيء إلا أن هؤلاء المتعصبين قدموا السوء بدلاً من أن يقدموا الخير ويدفعوا بالتي هي أحسن مع جماهير الناس.

ويُظلَم في رد الفعل ذلك رجال ونساء اشتركوا مع المتعصبين في مظهرهم لكنهم حقيقيون مخلصون، يتبعون الهدي الظاهر لأنه سنة، ويلتزمون سلوكيات الالتزام خيرًا مما يمارسها المتعصبون أنفسهم؛ لأنها في الواقع شعائر حقيقية انتحلها قوم مزيفون ليسوا من أهلها، فانتقلت الوصمة من المزيف إلى الحقيقي! بل انتقلت الوصمة إلى الإسلام ذاته بسبب فعل شرذمة من المرضى نفسًا وروحًا، أرادوا الاختباء برزاياهم في ثياب الأطهار ومظاهر الأبرار، واشتروا بآيات الله ثمنًا قليلاً، فصدوا عن سبيل الله! ومن أهداف مقالتي هذه تبرئة الحقيقيين، وبيان أن الذهب القشرة الزائف لا ينبغي أن ينفرنا عن الذهب الحقيقي الثمين!

ويشتعل البيت الواحد..

يرى (الملتزم) المتعصب أباه من (العوام)، أباه الذي رباه وأنفق عليه وأحبه وضحى من أجله، يراه غير خليق بقيادة بيته الذي أنشأه بعرقه، ويناطحه ربوبية البيت، لا لشيء إلا أن أباه مثلاً: لا يرتدي القميص! أو لا يعفي لحيته! أو إن فعل فهو لا يبجل شيوخ المتعصبين ولا يعرف الفرق بين دعاتهم وأركان دعوتهم! ليس السبب أن أباه على بدعة أو يفسق بجريمة يخفيها، لكن السبب، محض السبب، أن أباه ليس ممن ينطبق عليهم وصف (الملتزمين) في مخيلة هذا الصبي المتعصب!

يرى أباه لا شيء! يرى هذا ويعتقده ويعمل به، ويفسد في بيته وداخل أسرته بينما هو أصلاً لم يتنظف من داخله، بل يحشر سواد التعصب في قلبه حشرًا، فلا ينال خيرًا، ولن ينال خيرًا بسواد قلبه على المسلمين، لا سيما أصحاب الفضل عليه، لن ينال خيرًا وهو على تعصبه وتسفيهه للخير وأهله، لن ينال خيرًا مهما فعل بينما يظن أنه طائع أو (مطوّع) أو مؤمن أو (ملتزم): (الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا) [الكهف: 104]، فلا خير في احتقار المسلمين.

هذا الفخر الرازي، بعد أن نصب مجانيق التعصب لمذهب المعتزلة، وقعد يضرب بمجانيقه مخالفيهم طوال حياته، ها هو يعود للسنة بفهمها البسيط ويقول: (ليتني أموت على عقيدة عجائز نيسابور). وها هو الجويني -وكان أشعريًا رحمه الله- قال: (وها أنا ذا أموت على عقيدة أمي).

أصبح يوجد اليوم فيمن ينتسب إلى السنة ويرتدي مظهرها مَنْ حاله أسوأ الحال: يتقلب في أمواج التعصب، ويترامى طرفه في صحراء التيه والبُعد، أصبح حال المتعصبين هؤلاء أسوأ من حال من حاربوا السنة ذاتها أو انحرفوا عنها وتعصبوا ضد أهلها طوال حياتهم، وما السبب إلا التعصب، والتعصب جاهلية في ذاته لا ريب يأخذ صاحبه بعيدًا عن رضا الله والناس!

كم من إمام تكلم عن (إيمان العجائز)، وأن عقيدة (عموم المسلمين) على بساطة فهمهم للإيمان والقدر ويسر تطبيقاتهم لأركان ذلك الإيمان؛ فإن (عقيدة العجائز) تلك أسلم وأقرب إلى الله من نصب الخلاف ورمي الناس بالبدع والبهتان لخلاف قد يسوغ في كثير من الأحيان، أو حتى لا يسوغ، لكن البعد عن الخوض فيه أفضل للجميع، وأقرب لجمع الشمل على كلمة سواء!

وربما يعود هذا المتعصب ليندم يوم وفاة والده وهو يغسله فيجده مبتسمًا، والجميع يشهد له بالخير، بينما المتعصب في حياته لم ينجز معشار ما أنجز أبوه الذي كان بعيدًا عن التعصب وأهله، وإنما كان يعبد الله بـ(إيمان العجائز)!!

ليس معنى هذا أن نبقى على اعتقادات آبائنا الخطأ، ولا نتابعهم في بدعهم المعهودة، ولا نسير وراءهم في تركهم الدعوة والكفاح من أجلها والإصلاح! لكني أقول لكل ذي قلب سليم: ارفقوا بجماهير وعموم المسلمين! عموم المسلمين لا عوام المسلمين! لا تناطحوهم، لا تنفروهم، وبالأولى: لا تحتقروهم، فمن احتقر الناس: داس عليه الناس بأقدامهم يوم القيامة كما حذر من ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، العنصرية كِبر، و(يحشر المتكبرون يوم القيامة كأمثال الذر: يطؤهم الناس بأقدامهم).

العنصرية لعنة لم يرفعها الله عنا:

إن الجاهلية النرجسية منهج حياة عند أهلها وإن كانوا مسلمين حكمًا، والعنصرية من شعائر الجاهلية، والدين اعتقاد وعمل، فالعنصرية التفضيلية اعتقاد كما تقدم، بينما العنصرية التسفيهية هي العمل والسلوك الذي تطبق فيه فروض العنصرية ونوافلها، وكلما كان العنصري مخلصًا في التطبيق، عدائيًا مع من يسميهم: (العوام)؛ زادت مكانته بين العنصريين ليكون من (الخواص)، ثم من (خواص الخواص)، ثم من (الكبار)، ثم يكون (داعية للعنصرية) وزعيمًا للدعو(ى) الجاهلية، وشيخًا لها وإمامًا.

هي برودة أعنف من برودة الشتاء، قطعت ما بين المسلمين، زرعها الاستعمار قبل رحيل جنوده على مبدأ: فرّق تسُد، تشعل لعنة ابتلانا الله بها ولم يُجِبْ نبيه أن يرفعها حين سأله ذلك؛ فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: (سألت ربي ثلاثًا، فأعطاني ثنتين، ومنعني واحدة: سألت ربي ألا يُهلك أمتي بالسَّنة فأعطانيها، وسألته ألا يُهلك أمتي بالغرق فأعطانيها، وسألته ألا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها)!!

لن يعذب الله أمة الإسلام بهلاك عام يمحوها، لكنه جعل عذابها بأيديها في الدنيا، تنقسم فئاتًا وشيعًا وجماعات وأحزابًا، وتتعصب تفضيليًا، ثم تتعصب فيما بينها، ويسفه بعضهم بعضًا، ثم يتنافسون، ثم يتقاتلون ويهلك بعضهم بعضًا، كلٌ يرى أنه من أبناء الله وأحبائه، بينما هو على شفا حفرة من النار ما رأى نفسه الأفضل وغيره الأحقر! والكِبر هو (بطر الحق وغمط الناس).

كيف نتجاوز اللعنة؟!

العنصرية جاهلية مقيتة، لا تثمر خيرًا، ولا تنتج إلا نارًا تحرق الحبال بين فئات المسلمين، وتمزق أوصال الأمة، فلا تجتمع ولا تلتقي ولا تتعاون، ولن يقوم للأمة قائمة، ولم يقم لها أصلاً في التاريخ قائمة إلا حينما تنتفي كل عصبية إلا عصبية الإسلام، وتقع كل راية إلا راية الإسلام.

إن الأمة لم تنهض يومًا إلا كلما نبذت العنصرية بين المسلمين، وأمالت سهام المسلمين من تصويبها إلى صدور بعضهم، ثم وجهتها نحو عدوهم: (الناس سواسية كأسنان المشط)، و(لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى)، و(إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)، لا ألبسكم لثياب بعينها، ولا أقربكم لوصف معين، ولا أطوعكم لدعاة معينين! التقوى: الإيمان بالجليل، والعمل بالتنزيل، والاستعداد ليوم الرحيل، ليس فيها تفضيل راحلة على راحلة في قافلة مسماها يجب أن يكون واحدًا، ورايتها واحدة: (مسلمة).

 فاللهم اجعل روحنا وصحوتنا ونهضتنا: إسلامية لا عنصرية، آمين.

ما الفرق بين خجل الطفل وضعف شخصيته ؟ كيف أوازن بين تربية ولدي على التسامح وعدم تضييع الحق؟! أفكار عملية لمختلف المراحل.. كيف نرسّخ عقيدة أبنائنا حول فلسطين والأقصى؟ انكفاء النُّخب والقيادات الدعوية معرفة أحوال المدعوين.. طريق المربي للدعوة على بصيرة