أف!! ضقت ذرعًا بك أيتها الصغيرة، تضحكين؟! مخادعة.. كم أشتاق لحياتي قبل أن أراكِ، وينوء كتفي بمسؤوليتك، لكن، ما ذنبك؟! أنا المخطئة، أنا من أضعت أيام رمضان، كلا لا ذنب لي لست مقصرة، أنت من أيقظني طوال الليل فلا أقوى على السحور، متى تكبرين لأرتاح؟!
أف!! ضقت ذرعًا بك
أيتها الصغيرة، تضحكين؟! مخادعة.. كم أشتاق لحياتي قبل أن أراكِ، وينوء كتفي
بمسؤوليتك، لكن، ما ذنبك؟! أنا المخطئة، أنا من أضعت أيام رمضان، كلا لا ذنب لي
لست مقصرة، أنت من أيقظني طوال الليل فلا أقوى على السحور، متى تكبرين لأرتاح؟!
دائمًا ما تنتاب مشاعر
الحيرة تلك الأمهات؛ تصبح الأم -وخاصة الأمهات الجديدات- كالغريق؛ تضرب الماء
بذراعيها، والمسؤولية الجديدة عبء جاثم عليها لا تملك منها فكاكًا. إحساس الأم
بالتقصير في العبادة في رمضان والعجز عن الوفاء بما اعتادت من عبادة قبل أن تصير
أمًا؛ يدفع النفس للبحث عن متهم تلقي عليه باللائمة.
وهنا تختلف ردود فعل
الأمهات فبعضهن يدفعهن العجز عن اللحاق برمضان لاتهام الصغير الرضيع بإضاعة وقتها
وقلب حياتها رأسًا على عقب، وقد تتطور الأمور لمشاعر بغض للصغير وحنق على وجوده في
حياتها.
والبعض الآخر يلقين
باللوم على نفسها، وتعتمد على محاولة إيقاظ همتها وتتحمس فتحاول تكرار يومها
الرمضاني قبل الزواج والأمومة والمسؤولية بحذافيره؛ لتصطدم بحائط بكاء الصغير،
وطلبات الصغير، والسهر مع الصغير، وأمنيات الزوج على مائدة الإفطار العامرة
المتنوعة، فينقلب الإحساس بالعجز لشعور بالفشل، وقد يتطور الأمر إلى فكرة تنميها
وساوس الشيطان: الله لا يحبك؛ لو أحبك لأقامك بين يديه، الله لا يريد سماع دعائك؛ لو
كان يحبك لأعانك على الدعاء.
وهذا عين ما يريده الشيطان، يريد ألا نفرح بنعمة
الله حين رزقنا بطفلنا: (لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا) [المجادلة:10].يريد الشيطان أن نشعر بالعجز والفشل في محاولتنا
للحاق بركب السائرين إلى الله في رمضان فيثبطنا ويقعدنا، ليجد الإنسان نفسه في درب
الخاسرين، عياذًا بالله.
السطور القادمة همسات
للأمهات أستعين الله فيها على مناقشة هذه المشاعر، والوصول بها لبر الأمان:
• تقولين -أيتها
الأم- إنك تنتظرين الصغيرة تكبر لترتاحي!! ومن خدعك وأخبرك أنك سترتاحين؛ طبعت
الدنيا على البلاء والكدر، "لقد خلقنا الإنسان في كبد" والراحة في
الجنة.. غدًا تكبر الصغيرة وتلتحق بالمدرسة ويحين موعد اختباراتها في رمضان.. ماذا
أنت فاعلة؟!
دعيني أواجهك بالحقيقة
حتى لا تلاحقي سرابًا، اعرفي حقيقة الدنيا واعلمي أننا ننتقل فيها بين مسؤوليات
تختلف صورتها، نؤدي الدور الذي أمرنا الله به كما يسر لنا سبحانه. ولا يعني ذلك
أبدًا أن صفحات السعادة وراحة البال أغلقت من كتاب حياتك وللأبد، ستجدين السعادة
الحقة في إتمام مسؤولياتك، وفي بسمة صغيرتك.
• أنت مسؤولة عن
طفلتك تمامًا كما أنك مسؤولة عن عبادتك؛ قيامك بأمر هذه الضعيفة التي لا تعرف
سندًا غيرك ولا تأنس بصحبة سوى صحبتك عبادة. من رحمة الله بالصغار أن أودع في قلوب
الأمهات هذا الفيض من الحنو، وأمدهن بالقوة ليتمكن من رعاية الصغار الذين يحتاجون
إلى رعاية لصيقة حنونة على مدار اليوم.
• طفلتك بين يديك
نعمة مادمت دعوت الله أن يرزقك إياها.. مادمت عددت الأيام والساعات شوقًا لوجهها..
والآن هي بين يديك بعد أن حقق الله مرادك واستجاب دعاءك.. ضيقك بها وبمسؤوليتها
سخط وجحود نعمة. (فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ) [الأنبياء:80]؟! راجعي قلبك ودربيه
على شهود النعمة والثناء على الله بها، واحذري السلب بعد العطاء. ورب العباد أقسم
لنا بالزيادة إن شكرنا (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ
لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم:7].
• نحن نعبد الله
كما أمر لا كما نهوى، العبادة تحمل في دلالتها معنى الاستسلام والتسليم والخضوع
لأمر المعبود عز وجل. نطيع مراد الله ونرغم أنفسنا على قبول أمره سبحانه، وتذكري
حين طلب الصحابة معرفة أحب الأعمال إلى الله عز وجل وعندما أخبرهم الله أنه (يُحِبُّ
الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ) [الصف:4]،
فذكر الله لهم الجهاد فتراجعت همة جماعة منهم، فلامهم الله وقال لهم: (كَبُرَ مَقْتًا
عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ) [الصف:3].
تحبين الآن أن تقومي
الليل، والله أراد لك أن تسهري مع رضيعتك.. أحبي مراد الله.
يقول ابن القيم رحمه
الله: (إن لكل وقت عبادته، وإن أفضل العبادة: العمل على مرضاة الله في كل وقت بما
هو مقتضى ذلك الوقت ووظيفته، فأفضل العبادات في وقت الجهاد: الجهاد، وإن آل إلى
ترك الأوراد، من صلاة الليل وصيام النهار، بل ومن ترك إتمام صلاة الفرض، كما في
حالة الأمن.
والأفضل في وقت حضور
الضيف مثلاً: القيام بحقه، والاشتغال به عن الورد المستحب، وكذلك في أداء حق
الزوجة والأهل، فالأفضل في كل وقت وحال: إيثار مرضاة اللّه في ذلك الوقت والحال).
(تفسير القرآن الكريم - ابن القيم - الجزء: 1 صفحة: 84).
فكوني أمة لله حقًا، تنقلي
في منازل العبودية، ودوري مع الأمر حيث دار وتنقلي في منازل العبودية.
• العبادات تتعدد
وصورها كثيرة، لم حصرت العبادة في الشعائر التعبدية؟ لماذا تظنين أنك مادمت خارج
الصلاة فلست في عبادة؟ ألم يقل الله جل وعلا: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي
وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الأنعام:162]. حياتنا كلها عبادة..
امتثال لأقدار الله. نتقلب فيها بين الرضا والشكر، فنشكره على نعمه التي سخرها لنا
ونرضى بأقداره ونوقن أنه العليم الحكيم سبحانه. انكسار قلبك وحزنك لعجزك عن
الاجتهاد في العباد عبادة ما لم تتسخطي.
• أين أنت من
عبادات يسرها الله لك؟! ذِكر الله عز وجل عبادة سهلة، لا تحتاجين لطهارة مخصوصة،
ولا ثياب مخصوصة، ولا استقبال قبلة. طفلتك بين يديك ترضعينها ولسانك وقلبك يلهجان
بذكر الله. الذكر الدائم يضمن لك حضور الله في قلبك ما يخفف ضغوط الحياة، استشعارك
لمعية الله عز وجل يذكرك أن كل ما يحدث هو بإرادة الله عز وجل سواء نامت الصغيرة
وتمكنت من إقامة صلاتك أو سهرت وشغلتك في عبادة أخرى، وهنا تحمدين عند البلاء
وتشكرين وقت الرخاء وتصلين لتحقيق الرضا عن الله وعن أقداره؛ يقول تعالى: (الَّذِينَ
آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ
تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [الرعد: 28].
• لا يعجزك أن تتناولي
رضيعك بيمينك ومصحفك بيسارك، والله يعلم كم تجاهدين لتستحضري معاني ما تقرئين.. أعرف
أمهات فاضلات حفظوا القرآن في عمر رضاعة أبنائهم، واستغلوا أوقات الرضاعة في ذلك، أعرف
أخريات تمتعن بصحبة العلم الشرعي على سماعات الهواتف وكان وقت رضاعة طفلها مجلس
علم تحفها فيها الملائكة.
• لا تنسي
الاحتساب في كل لحظة وكل خطوة. والاحتساب هو طلب الأجر من الله عز وجل، وقد روي عن
عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: أيها الناس احتسبوا أعمالكم، فإن من احتسب
عمله كتب له أجر عمله وأجر حسبته.
اطلبي من الله أجر
نومتك، نمتيها لتتقوي على العبادة وعلى القيام بأمر أهل بيتك، احتسبي وقفتك
الطويلة في المطبخ تطعمين الطعام وتدخلين به السرور على قلوب أهل بيتك، وتقوى
أجسامهم ليعبدوا الله جل وعلا .
· لا تغفلي عن رقية طفلتك، وقد ذكر القرطبي
في تفسيره أن قعود الشيطان لابن آدم في طريقه يكون من وجهين:
الأول: بالوسوسة.
والثاني: (بأن يحمل على
ما يريد من ذلك الزوج والولد والصاحب؛ قال الله تعالى: (وقيضنا لهم قرناء فزينوا
لهم ما بين أيديهم وما خلفهم) [فصلت: 25]. (تفسير سورة التغابن، القرطبي).
· عندما تقرئين القرآن أو تسبحين الله عز
وجل فأنت تقدمين لطفلك نموذجًا حيًا لشمول معنى العبادة لكامل حياتنا، فيعتاد سماع
القرآن والذكر والأطفال يقلدون.
* لا تنتظري حتى ينام الصغار لتصلي، ولكن صلي
أمامهم لتكوني قدوة لهم يتعلموا فضل الصلاة وأهميتها، ويرون حرصك عليها.
* هل تذكرين السيدة
فاطمة رضي الله حين شكت لرسول الله صلى الله عليه وسلم تراكم واجباتها المنزلية
وقال لها والدها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أدلكما على ما هو خير
لكما من خادم؟ إذا أويتما إلى فراشكما، أو أخذتما مضاجعكما، فكبرا ثلاثًا وثلاثين،
وسبحا ثلاثًا وثلاثين، واحمدا ثلاثًا وثلاثين، فهذا خير لكما من خادم". (صحيح
البخاري). الزمي هذا الذكر المبارك واستعيني بالله على واجباتك المنزلية.
* أخيرًا
أذكرك برحمة الله ورأفته بعباده حين قال سبحانه: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا
اسْتَطَعْتُمْ) (التغابن:16). فسددي وقاربي واستعيني بالله، ونظمي جدولك اليوم
بناءً على هدف يمكن تحقيقه لا هدف يعجزك. لا تغفلي عن وقت البكور. وتذكري أن سعيك
واجتهادك وانكسار قلبك بين يدي الله عز وجل قربة لله، والله عز وجل لا يرد عبدًا
دعاه.
بارك الله في أبناء
المسلمين، وبارك في أوقات أمهاتهم، وأمدهم بمدد من عنده.
إضافة تعليق