أنا مشرف في أحد المراكز التربوية، ولديّ مجموعة من الطلاب المراهقين أتابع سلوكهم وأربيهم، فمما لاحظت عليهم أن لديهم قابلية غير طبيعية للانكسار بسبب المواقف التي يمرون بها، يتأثرون بوقائع التنمر والمشاكسات التي تقع بينهم وبين زملائهم في المدارس
السؤال:
أنا مشرف في أحد المراكز التربوية،
ولديّ مجموعة من الطلاب المراهقين أتابع سلوكهم وأربيهم، فمما لاحظت عليهم أن
لديهم قابلية غير طبيعية للانكسار بسبب المواقف التي يمرون بها، يتأثرون بوقائع
التنمر والمشاكسات التي تقع بينهم وبين زملائهم في المدارس بصورة مخيفة، حتى
ملاحظاتي النقدية التي تأتي في سياق طبيعي من التوجيه صارت سببًا لوقوع أزمات
نفسية عند الكثيرين منهم، رغم أنها ليست انتقادات جارحة أو سلبية، في الوقت الذي
كنت فيه منذ حوالي عشر سنوات مشرفًا على مجموعة أخرى في السن نفسه ولم تكن تعاني
من هذه الهشاشة رغم تعرضها لضغوط مشابهة أو ربما أكبر!! فما أسباب ذلك؟! وكيف
يمكنني التغلب عليه؟!
الجواب:
الهشاشة النفسية، يمكن لنا أن نقول
إنها السمة السائدة في عصرنا هذا، فـ"الجيل Z"
-وهو جيل مواليد 1997 وما بعدها- ترعرع في بيئة مأزومة من كل النواحي، أصبح أكثر
هشاشة وتعرضًا للأزمات النفسية وضعف الثقة في النفس.
وهذا الجيل الذي نتحدث عنه لم يمر كل
فرد من أفراده بظروف خاصة به فقط سببت له هذه الأزمة، بل صارت الحالة العامة
للظروف المحيطة به محفزة لهذه الهشاشة بصورة غير طبيعية، ابتداءً من سيطرة الحياة
الافتراضية والواقع الإلكتروني على الحياة، والتي جعلت من التعامل مع الواقع
الطبيعي المختلف عن الواقع الإلكتروني أمرًا صعبًا ومخيفًا للكثيرين، وانتهاءً
بانتشار مبادئ غير علمية في التعامل مع الطفل مثل "التربية الإيجابية"
التي تغالي أحيانًا في "الطبطبة" على الأطفال وادعاء الحفاظ على
نفسياتهم من أي توجيه أو عقاب، وهو ما أثر سلبيًا فيهم وجعلهم غير قادرين على
التعامل مع تحديات الحياة بصورة جادة.
و"الهشاشة النفسية" هي أحد
أنواع الأزمات التي تصيب الحالة النفسية للفرد نتيجة لعدة عوامل وظروف قد يمرّ بها
هذا الشخص؛ ولها عدة أعراض؛ منها: الشعور بالقلق مع أي انتقاد ولو بسيط لشخصه،
ويترافق ذلك مع عدم ثقة الفرد بنفسه وقدراته، وأيضًا فشله في مواجهة الأزمات
والمشكلات التي قد تقابله في حياته اليومية.
كما تؤدي الهشاشة النفسية إلى فقدان
هوية الفرد كذلك؛ فالفرد الذي يعاني من الهشاشة النفسية لا يجد نفسه في أي عمل أو
نشاط، دائمًا تجده تائهًا في الحياة ليس له هدف، ما يؤثر على شخصيته ويجعله مقلدًا
أو تابعًا يقلد هذا أو ذلك.
أسباب الهشاشة النفسية:
من أهم الأسباب التي تؤدي للهشاشة
النفسية:
- التفكير العاطفي المحض للفرد، فهو
يتعامل مع الأزمات ويدير الضغوط الملقاة عليه بشكل عاطفي أكثر منه عقلاني، وتكون
المشاعر هي المحرك الأساسي له، لذا نجد هذا الشخص متقلب المزاج، وكثير الصدمات في الحياة.
وأيضًا الشخص العاطفي يتعلق بالأفراد ويدمن وجوده في حياته؛ ما يجعله أكثر هشاشة
في حالة اختفاء هؤلاء الأفراد من حياته.
- كذلك من أسباب الهشاشة النفسية، كثرة
البحث عن ذكريات الماضي المؤلمة، فلا منه استفاد مما حدث لأنه يفكر بشكل عاطفي، ولا
أصاب سوى الهم والحزن من تذكر كل ما هو مؤلم في حياته.
- الشخصية النرجسية كذلك من أكثر الشخصيات عرضة للهشاشة النفسية، فهو لديه تعظيم لذاته يحاول به أن يغطي على ضعفه الداخلي، كما تزداد هشاشة نفسه حينما يجد رفضًا مجتمعيًا لأنانيته المفرطة.
سبل الوقاية من الهشاشة النفسية:
يقع على عاتقك عزيزي المربي هنا جزء
كبير من العلاج..
- أولاً: أهم وأول شيء هو عدم إثقال
كاهل الطفل الهاشّ نفسيًا بمزيد من الضغوطات في المرحلة الأولى من العلاج، كتأنيبه
عن كل صغيرة وكبيرة، والتعامل معه بنوع من الحرص على مشاعره، خصوصًا أمام الآخرين.
- ثانيًا: على المربي أن ينمي حس
التفكير العقلاني لدى من يربيهم، فيعمل على تمرينهم على التفكير بشكل عقلي بأن
يقدم لهم مشكلات ويدعوهم لإعمال عقولهم فيها، ولو على سبيل أنها لعبة أو لغز،
ويحاول تقديم المساعدة للضعاف منهم، ودعمهم نفسيًا حتى يتعودوا على إعمال العقل في
الأزمات والمشكلات التي تقابلهم بدلاً من أن يغلب التفكير العاطفي لديهم.
- ثالثًا: على المربي دعم شخصية من
يربيهم، ودعم ثقتهم في أنفسهم، والكشف عن بواطن القوة داخل شخصياتهم ودعمها،
ومحاولة التغلب على نقاط الضعف وعلاجها أو تجاهل وجودها.
- رابعًا: رغم أنه على المربي دعم
التفكير العقلاني لدى من يربيهم، إلا أنه أيضًا يجب عليه أن يساعدهم في التعبير عن
مشاعرهم بشكل صحيح، فذلك سوف يعمل على استرخاء الجهاز العصبي لهم، ويجعلهم أكثر
قدرة على التحكم في انفعالاتهم ومشاعرهم بصورة أكبر وأكثر فعالية، ويمكن أن يتم
ذلك بشكل غير مباشر من خلال الرسم أو عمل مسرحيات بالدُّمى، كل ذلك سيجعل للطفل متنفسًا
ليخرج المشاعر السلبية التي تؤرقه وبشكل سليم.
- خامسًا: التخفف قدر الإمكان من
الحياة الافتراضية التي يعيش فيها الطفل أو المراهق، بتحديد وقت محدود للألعاب
الإلكترونية والوجود على مواقع التواصل الاجتماعي والتطبيقات الهاتفية المختلفة.
وهذا ربما يكون صعبًا في البداية بسبب إدمانهم لهذه الأجهزة، لكن يمكن تعويضهم
بالكتب والقصص المفيدة وممارسة الأنشطة الرياضية في بيئة مفتوحة.
في النهاية، إشعار الطفل ومنحه الأمان
يجعله أكثر إيجابية في التعامل مع أزمات نفسه والأزمات التي تحيطه، فأن يُشعِر
المربي الطفل بأن مشاعره مقدرة وأنه لا خوف من إبرازها، وأن يتعامل معها بشكل
عقلاني، وأن يدربه على ذلك، تجعل من البيئة المحيطة بالطفل بيئة آمنة شعوريًا؛ ما
يمنحه ثقة أكبر في نفسه وقدراته، وتجعله أقل عرضة للهشاشة النفسية.
إضافة تعليق