يختلف مربو الحلقات الدعوية عن المعلمين في المدرسة؛ فمهمة المربي تتعدى مجرد إيصال المعلومة إلى الطفل أو المتربي عنده، وتتجاوز أيضًا علاقة طالب بأستاذه تنتهي بانتهاء حصص المدرسة
يختلف مربو الحلقات الدعوية
عن المعلمين في المدرسة؛ فمهمة المربي تتعدى مجرد إيصال المعلومة إلى الطفل أو
المتربي عنده، وتتجاوز أيضًا علاقة طالب بأستاذه تنتهي بانتهاء حصص المدرسة، فتحول
المربي في حلقات الدعوة في المساجد إلى مجرد مدرس وظيفي يحول الدين وحفظ القرآن من
منهج حياة كامل يتربى عليه الطفل والمراهق إلى مناهج تعليمية يأخذها وتدخل من أذن
لتخرج من أذن أخرى، وربما هذا هو أحد الأسباب لتراجع العلاقة بين المربي والطفل
التي تدفعه بعد أن يكبر إلى ترك حلقات الدعوة بسبب العلاقة الواهية غير الوطيدة
بينه وبين المربي.
ومن الأمور التي اختلفت
كثيرًا هي أواصر تلك العلاقة التي تُبنى أول ما تُبنى على الإسلام والدين لتكون
عبارة عن واجب يؤديه المربي، ووظيفة يقوم بها دون دافع داخلي مليء بالحب والرغبة
في هداية الجيل وتعليمه أسس دينه، ووضعه على الطريق الصحيح في الحياة؛ لينطلق بها
معمرًا الأرض وخليفة لله فيها كما أراد الله على شرعه وسنة نبيه.
ونجد في النبي -صلى
الله عليه وسلم- المربي الأول، والداعية القدوة لكل الدعاة والعلماء، كثيرًا من
المواقف التي سجلها الصحابة ليكون نموذجًا مثاليًا لكل داعية وكل مربٍّ يتعلم منه كيف
يكون حكيمًا في الدعوة إلى الله والتعامل مع المتربين في مختلف الأعمار والخلفيات
الدينية.
1- أساليب التعليم
المختلفة:
رغم أن الداعية والمربي
ليس معلمًا كما قلنا، إلا أنه سيقوم بتعليم الأطفال معلومات دينهم الأساسية، ويجب
أن يمتلك مهارات التعليم ووسائله التي تجذب الطفل وتجعله يحب ما يتعلم، ويعرف كيف
يطبقه، وليس فقط مجرد معلومات نظرية يتعلمها ويخرج دون أن يقدر على تطبيقها.
مثل كيفية الاستفادة من
العروض التقديمية على الإنترنت، إدخال الفيديوهات التعليمية، أساليب التعلم الناشط
من القصة والأسئلة والعصف الذهني والتشويق.
2- معلومات أساسية في
علم النفس وأنماط الشخصيات:
سيقابل الداعية أنماطًا
وأشكالًا مختلفة من الأشخاص، لكل منهم نمط شخصي يميزه عن غيره ويجعله قادرًا أن
يكون فعالًا في مكانه، مفيدًا للأمة والمجتمع، فعلى الداعية أن يملك بصيرة وأرضية
علمية تجعله يكلم كل شخص بما يلائمه ويفيده، وينصحه بما يعود عليه بالخير، وينمي
شخصيته وإيمانه، ويكلفه بما يتناسب مع مهاراته وقدراته، فهذا يملك موهبة في
الكتابة، وذاك عالم بارع يملك معلومات علمية ينفع بها زملاءه، وآخر عنده مهارة
الإلقاء والخطابة... وهذا ما علمنا إياه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين كان
يأتيه الصحابي فيسأله عن الإسلام فيقول له: "أمسك عليك هذا" ويشير إلى
لسانه.
عن عُقْبَة بن عامر
-رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله ما النَّجَاة؟ قال: "أَمْسِكْ عليك
لِسَانَكَ". حديث صحيح رواه الترمذي.
ويأتيه أعرابي فيكون
جوابه مختلفًا؛ فقد ورد أنَّ أعْرَابِيًّا جَاءَ إلى رَسولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ
عليه وسلَّمَ- ثَائِرَ الرَّأْسِ، فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، أخْبِرْنِي مَاذَا
فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنَ الصَّلَاةِ؟ فَقالَ: "الصَّلَوَاتِ الخَمْسَ،
إلَّا أنْ تَطَّوَّعَ شيئًا"، فَقالَ: أخْبِرْنِي ما فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ
مِنَ الصِّيَامِ؟ فَقالَ: "شَهْرَ رَمَضَانَ، إلَّا أنْ تَطَّوَّعَ شيئًا"،
فَقالَ: أخْبِرْنِي بما فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنَ الزَّكَاةِ؟ فَقالَ:
فأخْبَرَهُ رَسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- شَرَائِعَ الإسْلَامِ،
قالَ: والذي أكْرَمَكَ، لا أتَطَوَّعُ شيئًا، ولَا أنْقُصُ ممَّا فَرَضَ اللَّهُ
عَلَيَّ شيئًا. فَقالَ رَسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: "أفْلَحَ
إنْ صَدَقَ"، أوْ "دَخَلَ الجَنَّةَ إنْ صَدَقَ".
ويكلف حسان بن ثابت -رضي
الله عنه- بهجاء المشركين لما يملكه من مهارة الشعر، ويقول لسعد: "ارم سعد
فداك أبي وأمي"؛ لما لديه من دقة التصويب ومهارة الرمي التي تفوق بها على
غيره.
3- حسن الاستماع
والإنصات:
مع الوقت يصبح المربي
أقرب للطفل أو حتى الشاب الكبير والفتاة من أهلها؛ لأنهم يرونه أمامهم قدوة وذا
علم واسع، وغالبًا ما يخجل الأولاد من سؤال أهلهم عن أمور كثيرة، أو الحديث معهم
عن مشاكل شخصية قد يمرون بها، فهنا يأتي دور المربي في الاستماع العاطفي والإنصات
لما يقال وفهم ما يريد هذا المتربي منه، هل يريد الفضفضة فقط أم أنه يريد النصيحة،
فيقدمها له بأسلوب لطيف لا يجرح ولا يقلل من شأنه، أم يريد أن يخفف عن نفسه حملًا
من خطأ وقع فيه، فلا يلومه، فنفسه تلومه، واعترافه خير دليل على شعوره بالندم، بل
يذكره بمغفرة الله وواسع رحمته: "وأتبع السيئة الحسنة تمحها"، ويحيي فيه
شجاعته في الاعتراف، ويشجعه على تجاوز ما حدث وعدم الوقوف عنده، ولو رأى أن الأمر
يحتاج اختصاصيًا فيوجهه إلى شخص يثق به وبعلمه وتقواه.
وطبعًا كتمان الأسرار
وعدم البوح بها للأهل من أهم الأمور، فهذا الطفل وضع ثقته في المربي، فإن خانها
فقد يؤدي هذا إلى انتكاسة في دينه وإيمانه، فهذا المربي هو قدوة، وخصوصًا بالنسبة
للصغار، فإنه يمثل الدين بالنسبة لهم، فالانفصام بين الكلام الذي يسمعه منه والفعل
الذي يراه سيسبب أزمة نفسية كبيرة عنده وشكوكًا دينية وعقائدية.
أيضًا حسن التعامل مع
ما عرفه من الزلات، والتذكير المستمر بها، أو اللوم عليها؛ لن يجعله يندم ويعزم
على عدم تكرارها، بل سيشعر بالخجل من نفسه أمام مربيه، وربما قرر الانسحاب وعدم
المجيء خجلًا مما فعل.
4- تعلم أن تقول: لا
أعلم!
ليس من العيب قول (لا
أعلم)؛ حيت يُسأل المربي عن شيء لم يقرأه أو لم يعلمه، فهذا سيرفع من مكانة المربي
في عيون طلابه، ويرونه أمامهم بشرًا يتعلم ويخطئ ويصيب، فلا يعيبون على أنفسهم
الخطأ ويتعلمون منه، ويعرفون أن طريق العلم أمامهم طويل لا ينتهي حتى لو صاروا
دعاة ومربين.
5- كن رحيمًا:
لكل طالب قدرات ومهارات
خصه الله بها، فلا يثقل المربي عليهم بالبرامج والواجبات والعلوم، بل يعلمهم بما
يتناسب مع عمرهم وطاقتهم، ويشجعهم ويكافئهم حين يرى منهم تقدمًا في العلم والحفظ،
وإن رأى منهم من لا يقدر على المنافسة فليشجعه وحده دون مقارنة مع غيره، فكم تورث
المقارنة حقدًا وبغضًا بين المتربين، وتنمي فيهم أمراض القلوب التي تعيقهم عن
التقدم وترسيخ الإيمان في النفس.
فليس الهدف من هذه
الدروس سباقًا في الحفظ والمعلومات بين المتربين، بل الهدف منها التربية الإيمانية،
وترسيخ العقيدة، وحب الله في نفوسهم.
ومن صور الرحمة بالمتربين
الوعي بمرحلتهم العمرية، ومعرفة المربي ما يعتريهم بها من تغيرات نفسية، مثل فترة
المراهقة التي قد يزل بها المتربي لفورة الشهوة في نفسه وعدم الوعي بها بعد، فلا
يثقل اللوم عليه، بل يعلمه مرارًا وتكرارًا، وينصحه بالتوبة كلما أخطأ؛ فإن الله
لا يمل حتى تملوا.
وهذا موقف النبي -صلى
الله عليه وسلم- مع خوات بن جبير، الذي يعلمنا درسًا في حسن التعامل مع الخطأ،
فننبه إليه ونعرفه عليه ونتأكد من وعيه به، ولا نفضحه ونجعله حديث زملائه؛ روى
الإمام الطبراني وأبو نعيم في معرفة الصحابة، عن خوّات بن جبير قال: نزلت مع رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- مَرَّ الظَّهران (قرية قرب مكة)، فخرجت من خبائي، فإذا
نسوة يتحدثن، فأعجبنني، فرجعت، فأخرجت حلّة لي من عَيبَتي، فلبستها، ثم جلست
إليهنّ، وخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من قبّته، فقال: "أبا عبد الله!
ما يجلسك إليهنّ؟". قال: فهِبتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقلت: يا
رسول جملٌ لي شَرودٌ، أبتغي له قيدًا.
قال: فمضى رسول الله -صلى
الله عليه وسلم-، وتبعته، فألقى إليّ رداءه، ودخل الأراك (موضع في عرفات)، فقضى
حاجته، وتوضأ، ثم جاء، فقال: "أبا عبد الله! ما فعل شِرادُ جملك؟". ثم
ارتحلنا، فجعل لا يلحقني في المسير إلا قال: "السلام عليكم أبا عبد الله، ما
فعل شراد جملك؟".
قال: فتعجلت إلى
المدينة، فاجتنبت المسجد ومجالسة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فلما طال ذلك
علي تحيَّنتُ ساعة خلوة المسجد، فجعلت أصلي، فخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
من بعض حجره، فجاء، فصلى ركعتين خفيفتين، ثم جلس، وطوَّلتُ رجاء أن يذهب ويدعني،
فقال: "طوِّل -أبا عبد الله- ما شئت، فلستُ بقائم حتى تنصرف"، فقلت:
والله لأعتذرنَّ إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولأبرئنَّ صدره، فانصرفتُ،
فقال: "السلام عليكم أبا عبد الله، ما فعل شراد جملك؟". فقلت: والذي
بعثك بالحق ما شرد ذاك الجمل منذ أسلمت، فقال: "رحمك الله". مرتين أو
ثلاثًا، ثم أمسك عنّي، فلم يعد.
6- أحببهم:
لا دواء ولا معلم
كالحب، فالعلاقة بين المربي وتلاميذه حين تُبنى على الحب وتزرع فيهم حب المربي وحب
الله ورسوله فهذا يجعلهم يسعون لتنفيذ ما يقول والسعي على خطاه في كل فعل وقول،
والنبي -صلى الله عليه وسلم- حين أراد أن يُعلم معاذ بن جبل ذكرًا يردده بعد كل
صلاة بدأ حديثه بقوله: "يا معاذ! والله إني لأحبك، أوصيك -يا معاذ- لا
تدَعَنَّ في دبر كل صلاة تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك". رواه
أبو داود.
إضافة تعليق