أصبح من شبه المعلوم في كثير من الحوارات والنقاشات الشبابية، سواء مع بعضهم البعض أو مع موجه ومربي عند إثارة موضوع الزواج أو إن شئت فقل العزوف عنه وأسبابه، ولماذا نجد الكثير تجاوز الثلاثين ولا يزال عازبا؟!
وهنا وكأني أسمع القارئ يقول إن السبب الأكبر هو غلاء المهور، وعدم التيسير وهذا رأي وجيه ومحمود، فضلا عن قبوله معذرة في ظل أوضاع اقتصادية لا تخفى على أحد.
والعاقل اليوم من وجهة نظر صاحبه من يكتفي بذاته، ولا يتحمل غيره وهذا رأي في نظري فاسد؛ لأن الزواج صيانة للنفس من الوقوع في الزلل.
لكن هناك رأي آخر غير غلاء المهور وهو واقعي جدا، ويراه الشاب في محيطه وهو الخوف من تهدم البيت بعد شهور، وهنا تجد الشاب يضرب لك أمثلة متعددة عن فلان ابن عمه الذي انفصل عن زوجته بعد سنتين فقط من الزواج، وترك ولده الوحيد ولا يراه إلا في المحكمة.
أو شقيقة صاحبه التي حدث معها نفس الأمر، وهنا
وقد ظهر أمامنا جزءٌ منَ الداء فإننا كمتخصصين لن نكتفي يقينا بالتنظير وسنسعى في
خطوات عملية واقعية للحد من ظاهرة الخوف من تكوين أسرة وتحمل هموم ومسئوليات.
أولًا/ حتمية التأهيل
والمعنى واضح وجلي وهو لا بد من التأهيل الحياتي في كل شيء والمعرفة والتدريب، فمثلًا لو تجاهل الأب ابنه البالغ حديثًا سيكون البديل هو نافخ الكير الذي يفضفض معه يشكو همه وحاله وتقلب مزاجيته، وتلك طامة فالأصل هو الأب أو حامل المسك الشاب الصالح.
ونحن هنا أشد احتياجًا للتأهيل ما قبل الزواج
وتفاصيله، والأمر اليوم أمسى يسيرًا، فالكثير من الدورات جاهزة، والآلاف من
الاستشارات موجودة لآلاف الحالات الأسرية والروحية فالعالم أصبح قرية صغيرة، وإن
كان الشاب لا يميل لهذا العالم في التلقي والمتابعة فوالده أمامه مر بنفس مراحله،
وعمه، وأخوه الأكبر والكثير من الأحباب فيجمع ما بين الخبرة والتطور المهم سلامة
المقصد وعلو الهمة.
ثانيًا/ حدد بوصلتك
إن البيوت بوصلات والبارع هو من يأخذ بأسباب الفوز بالبوصلة التي يميل إليها، ويشعرُ بالراحة الحياتية بشمولها ليهنأ ويكمل عمره بشكل يتوافق مع مراد الله ورسوله وفي جو من الوئام الأسري والنفسي.
والبوصلة في مقالنا هذا حددها النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث الزواج: "تنكح المراة لأربع: لجمالها ولحسبها ونسبها ودينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك".
فالكَيّس هو من يفطن للرسالة النبوية ويؤسس حياة
أسرية صحيحة وناجحة، مستقرة بالفهم والوعي والتقدير وحسن التبعل.
ثالثًا/ التسامح
إن التسامح يضفي البساطة وعدم الضغوطات على الحياة عمومًا، فضلا عن الوقوع فيها؛ لأن المتسامح شخص رحيم هيّن ليّن، ورحم الله رجلًا سمحًا إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى، هذا في البيع والشراء فما بالنا في الحياة والتربية وتأسيس البيوت!
يقينًا فإن له مفعول شديد الأثر بما يخدم على استمرار كل مكونات الأسرة كل فرد بدوره بالشكل السلس فالبيت مصان من القيل والقال أو تتبع العورات أو بزوغ المشكلات وتدخل الأهل والأصدقاء ولعمري هي المتسببة بهدم البيت برمته.
والأهم في التسامح إنه يضيف رصيد عند وقوع أي
نوع من الخلافات الأسرية للمتسامح فيجبر الأخير على الانصياع واللين وهذا قمة
القوة فما أعظم أن تزول المشكلات بكلمة طيبة ووجه بشوش.
رابعًا/ أنت الأساس
والأساس المقصود هو الإنفاق فأنت عمود الخيمة في هذه الحياة، الكل يطلب منك أن تحدد مسار البيت ومصروفاته صيفًا وشتاًء، في الأعياد ومناسبات الحياة العامة كموسم المدرسة.
وهذا عبء مصحوب بمتعة المسؤولية فضلًا عن أنها سنن حياتية وطبيعية لا تحتاج لتبدل إلا لضرورة أو رحيل من الحياة فيؤول الأمر للزوجة.
إن الانفاق على الأسرة من أهم مقومات البقاء
وإلا فالمحاكم تشهد أن معظم حالات الفراق من أسبابها عدم الإنفاق على الأولاد،
ونحن نذكر بأن من أهم أسباب أفضلية الزوج هو الإنفاق على الزوجة من ماله وأن
إنفاقه من القوامة.
ختامًا...
نحن نسعى أن نزيل كل معوقات العزوف عن الزواج من الشباب بشكل بسيط ثم نصف مسار الحياة الأسرية الناجحة بلا غلو أو تفريط فالمهم عندنا أن ترفع للفضيلة راية في زمن كثرت فيه رايات الرذائل، وتدافع عنها موجات ومنصات كبيرة.
ويقينًا فإن البقاء لكل مخلص غيور على دينه،
والراحة لكل شاب يجتهد في تأسيس حياته الأسرية ويحسن التبعل والبرامج ثم التربية
ليقدم لدينه ووطنه أبناء يُفخر بهم حتى إذا لقي ربه وجد ثمار تربيته من دعواتهم
الصالحة
إضافة تعليق