ما السن المناسبة لتعويد الطفل على الصيام؟

رزقني الله بطفلين، أحدهما في الخامسة والآخر في السابعة، وأريد أن أعودهما على الصيام هذا العام، خاصة وأن ابن أخي الذي في الثامنة من عمره قد بدأ الصيام منذ الخامسة من عمره، وقد صام رمضان كله وهو في سن الخامسة، فهل سن طفليَّ مناسبة كي أضغط عليهما ليصوما رمضان هذا العام؟ وهل هناك ترتيبات خاصة يمكنني العمل بها كي أسهل عليهما الأمر؟

السائلة الكريمة: أولًا نسأل الله أن يعيننا جميعا في رمضان على حسن الصيام والقيام وتلاوة القرآن وأن يتقبله منا خالصًا لوجهه الكريم، ونشكر لك حرصك الطيب على تربية الأبناء وتبينك لما يجب في حقهم وما لا يجب.

ثانيًا: نتوقف عند ثلاث جمل في رسالتك:

  1. أريد أن أعودهما على الصيام، 
  2. ابن أخي صام، 
  3. هل سنهما مناسب كي (أضغط) عليهما؟!  

نبدأ بجملة (أريد أن أعودهما على الصيام): انتباه الأهل لما يجب في حق أبنائهم وما افترضه عليهم الشرع وما استحب لهم، أمر يبعث على السرور في ظل صيحات التمادي في حياة الدعة والراحة للإنسان، وكأننا خلقنا لنأكل ونشرب.

فتعويد الطفل على العبادة قبل افتراضها عليه ييسر له تأدية الطاعة على وجه حسن حين تكون واجبة في حقه، وهذا كان من فعل الصحابة رضوان الله عليهم، عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ بْنِ عَفْرَاءَ رضي الله عنها قَالَتْ: أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إِلَى قُرَى الأَنْصَارِ الَّتِى حَوْلَ الْمَدِينَةِ : (مَنْ كَانَ أَصْبَحَ صَائِمًا فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، وَمَنْ كَانَ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ)، فَكُنَّا بَعْدَ ذَلِكَ نَصُومُهُ، وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا الصِّغَارَ مِنْهُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَنَذْهَبُ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَنَجْعَلُ لَهُمُ اللُّعْبَةَ مِنَ الْعِهْنِ، فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهَا إِيَّاهُ عِنْدَ الإِفْطَارِ”، فكان الصحابة رضوان الله عليهم يدربون صبيانهم على الصيام قبل أن يفرض عليهم، ويصنعون لهم الألعاب حتى تلهيهم عن الجوع، إذا فمبدأ (التمهيد للشيء قبل أوانه) مبدأ مهم في التربية.

فكما شُرع التدريب على الصلاة في سن سبع سنين، كذلك يرى بعض العلماء مناسبة سن سبع سنوات للتدريب على الصيام لكون الصلاة والصيام من العبادات الفعلية في أركان الإسلام، وإن كان الصيام يفتقر إلى (الإطاقة) عن الصلاة، فإذا كان الطفل يطيق الصوم في هذا السن فبها ونعمت، قال الشيخ ابن عثيمين في الفتاوى: صيام الصبي ليس بواجب عليه، بل هو سنة، له أجره إن صام، وليس عليه إثم إن أفطر، ولكن على ولي أمره أن يأمره به ليعتاده.

الأمر الثاني المتعلق بسؤالك وهو جملة (ابن أخي صام): من الجميل أن نتنافس في الخيرات، ونأخذ أصحاب الهمم قدوة لنا، لكن لا ننس مسألة الفروق الفردية؛ فابن أخيك ذي الخمس سنوات قدر على الصيام بشكل أو آخر، وهذا لا يعني أبدًا أن كل طفل في مثل هذه السن يقدر، فهي سن مبكرة جدًا للتعويد على الصيام، فما بالنا بأداء الصيام كاملًا في هذه السن.

ما يناسب هذه السن، إشراكه في التهيئة لقدوم رمضان والاستجابة لصيامه بعض الوقت إن طلب هو ذلك، لكن من المبكر جدًا أن يصوم صيامًا كاملًا؛ فيجب مراعاة مسألة الفروق الفردية كما أسلفنا ووضحنا، وننبه الأهل هنا إلى مسألة هامة، وهي خطوات من سبقونا في أي محراب في التربية، هي خطوات (ملهمة) نأخذ منها ما يناسب ظروفنا وظروف أبنائنا ولا نتورط في خطوات مبكرة بدعوى أن الآخرين فعلوا ذلك، فكل حالة لها ما يناسبها.

أما جملتك الثالثة (هل سن طفليَّ مناسبة كي أضغط عليهما؟!)، إذا كان الحديث عن الضغط، فلا يجوز معهما الضغط ولا الإكراه؛ لأن الصيام غير واجب على الصبي من الأساس، لقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: (رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاثَةٍ: عَنْ الْمَجْنُونِ الْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ حَتَّى يفِيقَ، وَعَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ) رواه أبو داود، فالتكليف مرفوع عنه وعن أخيه، فإن أطاق وطلب المشاركة في الصيام كالكبار؛ فلنختر طريقة من ثلاث: 

  • أن يصوم بين الوجبات، فلا يأكل ولا يشرب بين وجبتي الإفطار والغداء مثلا.
  • أو أن يصوم بين الصلوات، فيصوم من العصر إلى المغرب.
  • أو أن يصوم وقتًا محددًا ساعة أو ساعتين باتفاق مسبق.

نعم، الأطفال يبتهجون بأجواء رمضان، ويسعدون بتقليد الكبار؛ فيحسُن بنا أن نستفيد من حماسهم هذا بتدريبهم، وذلك بلا ضغط أو إلزام؛ فنختار من بين البدائل ما يستطيعونه، ونشجعهم، ونتوقع فتورهم وضعفهم، وغلبة شهوتهم أمام مغريات الطعام والشراب أحيانًا، فنلين أمام ضعفهم، ونحفز خطواتهم البسيطة، ولا ننكر عليهم عدم تحملهم أبدًا؛ فالطريقة التي نقدم لهم بها الطاعة هي التي ستجعلهم لاحقًا مقبلين على أدائها بحب أو الانصراف عنها لا قدر الله، أو على أقل تقدير، ستجعلهم يستدعون ذكريات التدريب في أجواء مليئة بالإحباط وتأنيب الضمير إن لم نحسن شكل وطريقة التدريب، وإن غاية ما نرجوه في هذه المرحلة:

  • معرفة أن الصوم فريضة.
  • معرفة معلومات عامة عن الصيام.
  • معرفة الهدف من الصيام، قال تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، فيفهم معنى مراقبة الله له، وأنه وحده من يعلم هل امتنع عن الطعام والشراب حقيقة أم لا، فغرس المراقبة وأن الله شاهده وناظره ومطلع عليه، معاني إيمانية لن نجد لها مناخًا أفضل من شهر الصيام كي نفعلها ونتدرب عليها.
  • أن يرتبط رمضان لديهم بالبهجة والأجواء الطيبة.

نختم كلامنا باستفسارك عن أساليب معينة للتدريب، نقترح عليك الآتي: 

  • شراء الزينة وتعليقها في البيت كله، وفي حجرة الطفل أيضًا، فكما يشاهدون العالم يحتفل ببداية السنة الميلادية وتخطف الأضواء والزينة عيون الأطفال، ونواجه ذلك بالتحدث معهم عن عدم مشروعية مشاركة المسلمين في تلك الاحتفالات والأجواء؛ علينا إذًا استغلال البدائل الممكنة وإدخال البهجة في نفوس الأطفال بالاحتفاء بمناسباتنا الإسلامية وإظهار الفرحة بقدومها، حتى المسلمون في غزة يعلقون الزينة في أجواء القصف وعلى البيوت المهدمة ابتهاجًا بقدوم خير أشهر العام، فمهما كانت لدى بيوت المسلمين من آلام وأوجاع فلن تكون أكثر من أوجاع أهل غزة ومع ذلك يبتهجون بحلول رمضان، ديانة وفرحًا: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}.
  • نطبع لهم مطويات فيها أنشطة رسم وتلوين خاصة بالتهيئة لرمضان.
  • لصق أوراق فيها مهام بسيطة ومكتوب عليها أرقام للعد التنازلي للاستعداد لرمضان ولتكن قبله بأسبوع، فنبدأ بالورقة الأولى برقم 7 (أي قبل رمضان بسبع أيام) مكتوب عليها مهمة، كإعداد التمر للصائمين، واليوم التالي نكتب على الورقة 6 تحضير برطمان الدعاء، وهكذا حتى نصل إلى نقطة الانطلاق في جوٍّ من الحماس والبهجة، والاستعداد الروحي والمادي.
  • نجمع أدعية بعدد أيام شهر رمضان ونضعها في صندوق صغير؛ ومن الجميل تذكير الطفل أن يضع حاجته في الصندوق على هيئة دعاء مكتوب كذلك، وتستدعى هذه الأوراق وقت الإفطار ويُدرب الطفل على الدعاء بها. 
  • تجهيز التمر لإفطار الصائمين في المنزل وفي الطرقات وفي مسجد الحي.
  • تجهيز أسماء أهلنا الذين سنرسل لهم برقيات تهنئة بحلول الشهر المبارك، ولا ننس الجيران والأصدقاء.
  • كتابة أسماء من سندعوهم للإفطار ويشاركونا الوقت المناسب لهم.
  • عمل جلسة للاحتفاء بقدوم رمضان، نتدارس معهم الأحاديث الوارد فيها فضل شهر رمضان، ولتكن على شكل مسابقة، ونرتب في هذه الجلسة كيفية صيام الصغار، ووقت استيقاظهم للسحور وجعله شرطًا لمن يريد صيامًا كاملًا ونعرفهم بقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (تسحروا فإن في السحور بركة).

وهنا نذكر أخواتنا الفضليات باحتساب أجر المشقة في الصبر على تحضير الفطور والسحور وإيقاظ النائمين، فسبحان من شرع الصيام بهذه الكيفية التي برغم ما فيها من مشقة تجد الصغار أنفسهم هم من يطلبون من الأهل إيقاظهم لمشاركة الكبار السحور وإن لم يصوموا.

تقول إحدى الأمهات: جاءها ابنها ذو الخمسة أعوام باكيًا، سألته، ماذا بك؟ رد قائلًا: لا أريد أن أموت، حتى أعيش رمضان آخر!

هكذا أحب الصغير شهر الصيام والقيام وتلاوة القرآن، وتمنى أن يطول الله في عمره حتى يعيش إلى رمضان آخر، فنعم الراعي من يأخذ بيد صغاره للتدريب على مرضاة الله، ونعم الرعية من يستقبلون الغرس بأذن واعية.

بلغنا الله وإياكم رمضان ونحن وأمة الإسلام في خير حال، وتقبل منا ومنكم الصيام والقيام وسائر الأعمال. 

ما الفرق بين خجل الطفل وضعف شخصيته ؟ كيف أوازن بين تربية ولدي على التسامح وعدم تضييع الحق؟! أفكار عملية لمختلف المراحل.. كيف نرسّخ عقيدة أبنائنا حول فلسطين والأقصى؟ انكفاء النُّخب والقيادات الدعوية معرفة أحوال المدعوين.. طريق المربي للدعوة على بصيرة