تحتاج الفتاة في مرحلة المراهقة إلى والديها - خاصةً الأم - أكثر من أي وقتٍ مضى، تحتاج إلى الحب والاهتمام، وإلى أذن تسمعها؛ لتبثّها همومها ومشاعرها؛ نظرًا لأنّ هذه المرحلة لها أهميتها في تكوين الشخصية السوية للإنسان.
عزيزتي
الأم والمربية .. أهلًا بكِ.
تحتاج الفتاة في مرحلة المراهقة إلى والديها - خاصةً الأم - أكثر من أي وقتٍ مضى، تحتاج إلى الحب والاهتمام، وإلى أذن تسمعها؛ لتبثّها همومها ومشاعرها؛ نظرًا لأنّ هذه المرحلة لها أهميتها في تكوين الشخصية السوية للإنسان، كما تتميز بالعاطفة الجيّاشة، التي ينقصها النضج، والخبرة الكافية، فهي تغضب بسرعة، وتصفو بسرعة، وتميل لتكوين صداقاتٍ مع الجنس الآخر، وتتمنى وتحاول أن تدخل في ما يسمى بقصة حب!! ومن هنا تحدث المشاكل، فكيف تتمكن الأم والمربية من الحفاظ على قلب الفتاة، وتوجيه عواطفها بالشكل الصحيح؟!
الأسباب التي تؤدي إلى انحراف الفتاة عاطفيًّا:
-
أثبتت الدراسات الأكاديمية أنّ السبب الأول في معظم حالات الانحراف والفشل؛ دراسيّ، اجتماعيّ، خلقيّ،
عاطفيّ.. يرجع إلى الشعور بالدونية، وانخفاض تقدير الفتاة لذاتها؛ فهي في
الحقيقة مهلهلة من الداخل، لكنها تخفِي ضعفها وشعورها بالدونية، وهذه الفتاة تكون
في حالة تعطّشٍ شديدٍ لمن يردّ لها اعتبارها، ويمنحها الشعور بقيمتها في الحياة،
فنجد أنّ مناعتها (صفر) أمام أي ميلٍ، أو كلمة إعجابٍ من الجنس الآخر، ومن السهل
جدًّا أن تتحول مشاعر الميل إلى عاطفةٍ قويةٍ يصعب السيطرة عليها من البنت نفسها،
قبل أي طرفٍ خارجيٍّ.
-
توتر الوسط الأسري للفتاة، وعدم تلبيته لحاجتها العاطفية الفطرية، والتي تكون قويةً
ومتأججةً في مرحلة المراهقة، كخاصيةٍ من خصائص نموها الطبيعي، وتكوينها في هذا
السن، وقد يرجع ذلك غالبًا إلى جهل الوالدين بخصائص المراحل العمرية للفتاة.
-
تعدّ رفيقات السوء من أهم أسباب انحراف الفتاة عاطفيًّا، والذي يترتب عليه غالبًا
نوعٌ من الانحراف الخُلقيّ، حيث تزيّن صديقة الفتاة لها الأمر، وتحكي لها
مغامراتها مع مَن تحبه؛ مما يكرّس فكرةَ أن الحياة لا تكون جميلةً بدون هذا النوع
من الحب في ذهن الفتاة؛ ومن ثمّ؛ تبدأ في التقليد والمحاكاة لها.
وإذا
ازداد الأمر سوءًا، وكان الانحراف العاطفيّ من نوع التعلق بنفس الجنس، مثل تعلق
الفتاة بزميلتها، أو مدرستها تعلقًا مَرَضيًّا، فهذا قد يفضي إلى انحرافات خلقية
فادحة، قد تصل إلى هاوية الشذوذ -عياذًا بالله-.
- كذلك الإنترنت، وهو من العوالم الجديدة التي
دخلت حياة الفتيات - في عصرنا - إلى داخل غرفتها الخاصة، وجعل سبل الاتصال بالعالم
المفتوح بلا حدود، ولا ضوابط يقدر فيها الصالح من الطالح.
- المسلسلات المدبلجة، والتي تعلي من شأن العلاقات المفتوحة بين الشاب والفتاة، وتنقل إلى بناتنا ثقافاتٍ وافدةً عن مجتمعات غير مسلمة بكل ما فيها من مخالفاتٍ، مضافًا إليها البهرجة الإعلامية، وعوامل الجذب الدراميّ؛ مما يجعل حلم الفتاة أن تعيش مثل قصة الحب التي تشاهدها.
أهم خطوات التوجيه والعلاج:
-
الإشباع العاطفيّ للفتاة داخل الأسرة:
الإشباع العاطفي للفتاة داخل الأسرة
يعطيها المناعة، والوقاية من الانزلاق في هذه الاتجاهات الخاطئة لإشباع عاطفتها،
وذلك بشكل متوازن وحميم في الوقت نفسه.
وقدوتنا
في الطريقة المثلى لتربية البنت، والعناية بوجدانها، ومشاعرها المرهفة هو خير من
ربّى البنات والبنين نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ إذ كانت بناته، وحفيداته،
وربيبته محل اهتمام ورعاية كبيرين منه صلى الله عليه وسلم، فقد أخرج الحاكم عن
عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: "ما رأيت أحدًا كان أشبه كلامًا وحديثًا من
فاطمة برسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت إذا دخلت عليه رحّب بها، وقام إليها،
فأخذ بيدها، فقبّلها، وأجلسها في مجلس". رواه الحاكم، وقال: حديث صحيح على
شرط الشيخين، ولم يخرجاه.
-
مناقشة فكرة (الحب) بمنتهى الوضوح مع الفتاة؛ من أجل ترتيبها بشكل صحيح في وجدانها،
وعقلها:
فكلام
البنات حول "الحب" يدل على وجود كمٍّ من المغالطات الراسخة حول مفهوم
الحب، أولها تلك الأسطورة التي روّجتها الأفلام والقصص عن قصة الحب العنيفة بين
شاب وفتاة، تنتهي بالزواج، ويصبح هذا هو الحلم الذي تتمناه وتنتظره، وتبحث عنه
الفتاه في كل من يقابلها، فهل هذا هو الحب الذي فطر الله النفوس عليه، وجعل القلوب
تتدفق به؟!
بالطبع
لا.. ليس هو!!
الحب ثمرة رائعة، تنبت في حديقة الزواج،
وتروى بماء حسن العشرة، وتحاط بسياج الشرعية، والعلانية، ورضى الأهل،
أما تلك المشاعر المسروقة والمفتعلة، والتي يدخل فيها الغش، والوهم، والتجمل
الكاذب بنسبٍ كبيرة، فليست سوى شَرَكٍ خداعيّ، تنصبه الفتاة لنفسها، ويكبّل قدميها،
ويعيق خطوها الصحيح، فلماذا تبحث الفتاة عن تلك المعادلة الخاطئة -حبٌّ شريفٌ يتوّج
بالزواج-؟ ولماذا لا نجعلها زواجًا متكافئًا، يتوّج بالحب الشريف؟ (إيمان القدوسي: مقالة بعنوان "مشاعر مسروقة").
وأروع
مشاعر الحب التي عرفها البشر، هي التي تنمو وتزدهر بين زوجين صالحين، وقد أخبرنا
الله تعالى أنها آية من آيته، امتنّ الله بها على عباده؛ حتى تستديم الحياة
الزوجية، وتستمر مسيرة البشر، قال تعالى: "وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ
لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ
مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" {الروم:21}.
ومن أروع الأمثلة التي تُبرِزها الأم والمربية أمام الفتاة حبّ النبي صلى الله عليه وسلم لأزواجه، وما ترتب عليه من سعادة وارفة، تفيض بها الأحاديث الصحيحة في هذا الباب.
- بناء الضمير، والرقابة الذاتية في نفس
الفتاة:
في
سن الخامسة عشرة وما بعدها – وهي توافق المرحلة الثانوية، والجامعية – تكون
استعدادات الفتاة العقلية، والنفسية في حالة تكامل، ووعي؛ فإذا استثمرت هذه
الاستعدادات أمكن بناء المراقبة الذاتية في شخصيتها مبكرًا، بحيث تنشأ مُحِبّة
للعفة، معتزة بكل معاني الطهارة، والنقاء، والشرف، والكرامة، ويترسخ في أعماقها
النفور من الانحلال، والتفسخ، والعري، وكل الملوثات الأخلاقية التي يروّج لها الإعلام
الغربي، ويزعم أنها من علامات الرقي، والتحضر.
ولعل
ذلك يظهر جليًّا من خلال تربية النبي -صلى الله عليه وسلم- لابن عمّه الفتى الصغير
عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- في هذا الحديث العظيم: عن أبي العباس عبد الله
بن عباس -رضي الله عنهما- قال كنت خلف النبيّ صلى الله عليه وسلم يومًا، فقال لي: "يا
غلام، إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل
الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء، لم
ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء، لم يضروك إلا
بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام، وجفت الصحف" رواه الترمذي، وقال: حديث
حسن صحيح (د. عبد العزيز النغميشي: علم نفس النمو، ص:238).
-
بناء عقلية ناقدة، ومفنّدة للمدّ الإعلاميّ لدى الفتاة:
حتى يكون لدى الفتاة الرؤية النقدية الانتقائية لكل ما ترى وتسمع، في ظلّ الأصول الإسلامية لمعايير الصواب والخطأ، والتي قد تربّت عليها سلفًا، ولا تزال تتلقاها من أمّها، أو معلمتها، ففي دراسة علمية أجريت على عينةٍ -بلغت خمسة آلاف من المراهقين والمراهقات-، ذَكَر نحو 70% من الفتيات أنهن يتأثرن بشكل بالغ بالممثلات، والمغنيات، وأبرز نقاط التأثر هي الملابس، وقصّات الشعر، وطريقة الحديث، وأنماط المعيشة.
-
الوفاء بحاجة الفتاة إلى سلطة ضابطة، موجّهة ومرشدة لها:
فالانحراف
العاطفيّ قد يحدث في كثير من الأحيان نتيجة غياب هذه السلطة عن الفتاة، حيث تتلقى
الفتاة تربيةً ارتجاليةً، سِمتها الإهمال، والتساهل، وغياب الوعي، بينما تحتاج منذ
بواكير الطفولة إلى سلطةٍ ضابطةٍ، توجّه سلوكها، وتضبط تصرفاتها، وتعينها على
تمييز الصواب من الخطأ، وما يسمح به الدين، والعادات، والتقاليد، وما تنهى عنه.
وهذا الدور منوط بالوالدين، وبكل من يباشر تربية وتوجيه الفتاة من معلمات، وداعيات، ورائدات للمحاضن الدعوية والتربوية.
وأخيرًا
-عزيزتي الأم والمربية-: إنّ تربية الفتاة على التدين منذ الصغر هو صمام الأمان،
الذي يغرس في نفسها الثقة بالنفس، وأنها أهل للمسؤولية الأدبية تجاه نفسها،
ووالديها، وأمتها؛ بحفاظها على سيرتها الحسنة، وسمعتها الطيبة -حفظ الله بنات
المسلمين من كل سوء-.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع:
-
التربية الخلقية للفتاة المسلمة: د. عدنان حسن باحارث.
- الدور التربوي للوالدين في تنشئة الفتاة
المسلمة: حنان عطية الطوري.
- علم نفس النمو: د.عبد العزيز النغميشي.
- مقال بعنوان: "مشاعر مسروقة": إيمان القدوسي.
Alia
كلام جميل جدا جزاكي الله خيرا ❤️❤️