تربية الفتيات تتطلب فهمًا لطبيعة التغيرات الفسيولوجية والجسدية والحركية والاجتماعية والانفعالية للمرحلة التي تمر بها بشكل عام، واستيعابًا للمهمات النمائية وتوفير الفرص والخبرات المناسبة لها بشكل خاص..
يرى التربويون أن التربية
هي الإعداد لإيجاد الإنسان المتوازن الفاعل والمنتج في الحياة، بينما يرى جون ديوي
أن (التربية هي الحياة ذاتها)؛ فهي تتم عن طريق مشاركة الفرد في النشاط الاجتماعي
عند الجنس البشري بصورة لا شعورية منذ الولادة.
تسهم خبرات الطفولة
الأولى التي تتلقاها الفتاة في تشكيل التصور وبناء الأفكار والمعتقدات والاتجاهات نحو
الذات والعالم والبيئة المحيطة، وذلك من خلال تفاعل الوالدين والبيئة المحيطة معها.
إن علاقة الفتاة مع ذاتها وإدراكها لها ولإمكاناتها العقلية والاجتماعية والجسدية والحركية
محكومة بطبيعة هذه الخبرات التي تتلقاها من محيطها.
إن تربية الفتيات تتطلب فهمًا لطبيعة التغيرات الفسيولوجية والجسدية والحركية والاجتماعية والانفعالية للمرحلة التي تمر بها بشكل عام، واستيعابًا للمهمات النمائية وتوفير الفرص والخبرات المناسبة لها بشكل خاص. إن حسن اختيار الخبرات المربية وحكمة التعامل وحسن الرعاية الوالدية للفتاة سيجعل منها إنسانة مميزة في الحياة، يُعتمد عليها كأخت وزوجة وأم وامرأة فاعلة ومؤثرة في الحياة.
تسهم خبرات الطفولة الأولى التي تتلقاها الفتاة في تشكيل التصور وبناء الأفكار والمعتقدات والاتجاهات نحو الذات والعالم.
البلوغ:
يعد البلوغ محطة مهمة في حياة الفتاة، ترى فيها انسلاخًا سريعًا من طفولتها الجميلة لما يعتري
جسدها من تحولات وتغيرات مفاجئة وسريعة وغير متوقعة، وخصوصًا أن هناك فتيات يبلغن
في سن مبكرة جدًا في التاسعة أو العاشرة من عمرهن. ويعد البلوغ أحد أبرز مظاهر النمو
في مرحلة المراهقة، والذي يعبر عن النضج الجنسي عند الفتيات. وتعد مرحلة المراهقة
إحدى حلقات النمو الحاسمة والمهمة في تشكيل شخصية الفرد الإنساني؛ حيث تتعرض فيها الفتاة
لقفزة نمو كبيرة في الجانب العقلي والانفعالي والاجتماعي والشخصي والفسيولوجي
والجنسي.
يوجد لكل مرحلة من
مراحل النمو مهمات نمائية (Developmental
tasks) لا بد للفرد من تعلمها وتحقيقها، حتى يشعر بالاتساق والسعادة
والاطمئنان، ويسهل تحقيق المهمات النمائية في المرحلة الآتية وذلك حسب (قائمة
هافجهرست)؛ من هذه المهمات في الطفولة المتأخرة والمراهقة: نمو مفهوم سوي للجسم، وتقبل
الجسم والدور الجنسي، وتكوين المفاهيم العقلية الضرورية، وتحمل المسؤولية، والاختيار
للمهنة المناسبة وتحقيق الاستقلال والاستعداد للزواج.
إن تعلم المهمات
النمائية وتحقيقها يسهم في تشكيل الهوية الشخصية السوية للفتاة، وعبورها الآمن لمرحلة
المراهقة والدخول في مرحلة الشباب بكفاءة، ويؤسس لحياة علمية وعملية وأسرية ناجحة.
هذا، ويعد الحيض إشارة لبلوغ الفتاة، ومن أهم المظاهر النمائية
الأساسية في مرحلة المراهقة، والذي يستدعي تهيئة الفتاة وتحضيرها له نفسيًا وذهنيًا
وانفعاليًا من قبل الأم.
والأم هي قاعدة الأمان التي تستند إليها الفتاة، ومصدر المعلومات
الصحيح والواعي والمتزن والآمن لها؛ قد تعطي الصديقة أو القريبة أو الزميلة في المدرسة
صورة مشوهة عن الحيض، وهذا ما يحدث غالبًا؛
ما يسبب حالة من الخوف والذعر عند الفتاة من البلوغ وتصوُّر اتجاه سلبي نحوه، وإذا
ما حدث يسبب لها القلق والعزلة وسوء التكيف مع المحيط.
إن بناء قاعدة حوار بنّاءٍ بين الأم وابنتها والحديث المباشر
عن الموضوع، والإجابة عن أسئلتها بشكل صريحٍ وواضحٍ يعد من التهيئة الذهنية والانفعالية والنفسية للفتاة، ولربط
الحيض بخبرات مشجعة واتجاهات إيجابية، فيتضمن حديث الأم عن البلوغ على أنه دلالة على
نمو الجهاز التناسلي للفتاة ونضجه وسلامته، والذي يؤهلها لأعظم مهمةٍ في الحياة وهي
الأمومة.
ويرتبط بالحيض موضوع في غاية الأهمية وهو النظافة الشخصية؛ ما يستوجب من الأم أن تتابع الفتاة وتوجهها لقواعد النظافة الشخصية، وخصوصًا أثناء الحيض، والاهتمام بالغذاء والماء والرياضة حتى يصبح الجسد أقوى ويحتمل التعب أثناء فترة الحيض لديها.
الأم هي قاعدة الأمان التي تستند إليها الفتاة، ومصدر المعلومات الصحيح والواعي والمتزن والآمن لها.
(أنتِ مكلَّفة).. الالتزام الديني:
يرتبط البلوغ بالتكليف الشرعي للفتاة، وكثير من الفتيات
يجدن صعوبة في التكيف مع متطلبات التكليف الشرعي المرتبط بالبلوغ من حجاب والتزام
الصلوات والانضباط في العلاقة مع الجنس الآخر والالتزام بضوابط السلوك وغيرها؛ ما
يجعل الأمهات يعانين من إهمال الفتيات للصلاة
أو رفض الحجاب أو الالتزام الشرعي بعد البلوغ. فكان لا بد من الاهتمام بهذا الأمر
الذي يغذي الجانب الروحي والوجداني لديها.
صحيحٌ أن غرس المعاني الإيمانية ومحبة الله ورسوله -صلى الله
عليه وسلم-، ومحبة الاتباع تبتدئ منذ الطفولة الأولى، وتستمر عبر مراحل الطفولة بالوسائل
المختلفة؛ فالحث على الحشمة والتشجيع على العبادات وتعلم آداب الاستئذان وأدب الحديث
وغض البصر يكون عبر المسار التربوي الإيماني للفتاة؛ إلا أن الاهتمام بهذا الجانب
يجب التركيز عليه قبيل البلوغ وتبيان العلاقة بينه بين التكليف الشرعي بشكل خاص.
إن قوة الالتزام الديني، وسلامته وخلوه من الغلو والتطرف
أو الميوعة، مرهون بسلامة البناء وأعمال البنيان. إن نقاء مدخلات العملية التربوية
وصفاءها وقوتها -من آيات الإيمان، ومحبة الله، ومحبة رسوله -صلى الله عليه وسلم-،
والعمل الصالح، ومحبة الخير، والربط بالآخرة، وثواب الجنة... إلخ ومنذ الطفولة
الأولى، ثم سلامة العمليات والإجراءات التربوية كاختيار الوسائل والأساليب
النافعة، والاستراتيجيات والتطبيقات التربوية الفاعلة التي تنسجم وخصائص الفتاة
الشخصية؛ أمر من الأهمية بمكان.
إن توافر المدخلات وسلامتها، ودقة العمليات وجودتها،
سيضمن بمشيئة الله قوة وصلابة المخرجات والنواتج التي نريدها، وهي الالتزام الديني
الواعي الذي يتمثل في القبول والاستجابة لأمر الله، والتقبل والرضا به، واستدخال
هذه القيم الإيمانية لتصبح جزءًا من منظومة الفتاة القيمية، ومن تميز شخصيتها ومبادراتها
في السياق نفسه.
إن معنى (أنتِ
مكلفة) يتطلب العمل الدؤوب قبل التكليف لنجني التزامًا بكل خيرٍ بعد التكليف.
توافر المدخلات وسلامتها، ودقة العمليات وجودتها، سيضمن بمشيئة الله قوة وصلابة المخرجات والنواتج التي نريدها.
مفهوم الذات:
أحد أهم الجوانب النفسية
للفتاة تأثرًا بمرحلة البلوغ هو (مفهوم الذات)، والذي يشير إلى الأفكار والاتجاهات
والصورة الذهنية التي تحملها عن ذاتها.
يرى الباحثون
والمهتمون بمرحلة المراهقة أن هناك فروقًا بين الفتيان والفتيات في الأفكار
والاتجاهات والمشاعر التي يحملونها حول بلوغهم؛ ففي الوقت الذي يفخر فيه الفتى
بالتغيرات التي تحصل لجسده بسبب بلوغه، بل ويترقبها ويرصدها؛ ما سيدعم مفهومه عن
ذاته إيجابًا؛ فإن الفتاة تشعر بالخجل والعار، ويزداد القلق لديها من البلوغ
والتغيرات الجسدية التي ترافقه، بل وتحاول أن تخفي كل ما يشير لهذه التغيرات؛ ما
قد يؤثر في مفهومها عن ذاتها بشكل سلبي.
يتدرج وعي الفتاة بجسدها وإمكاناتها عبر مراحلها النمائية المختلفة، ويتشكل إدراكها لقيمة هذا الجسد شكلاً ووظيفة
بحسب ما يرد عقلها الواعي واللاواعي من معلومات حوله من البيئة المحيطة، متمثلة بالوالدين
والإخوة والأقارب والمعارف والأصدقاء.
إن تقبّل الفتيات للتغيرات الفسيولوجية والجسدية المفاجئة، والتعامل معها كمؤشرات نمائية إيجابية، يحتاج من الأم والمربية أن تؤسس لعلاقة متينة قائمة على الحب والتقبل غير المشروط لبناء قواعد حوار بنّاء وفاعل بينها وبين ابنتها منذ سني عمرها الأولى، هذا الحوار هو أساس العملية التربوية كلها.
يرى الباحثون والمهتمون بمرحلة المراهقة أن هناك فروقًا بين الفتيان والفتيات في الأفكار والاتجاهات والمشاعر التي يحملونها حول بلوغهم
تقبل الدور الجنسي والاستعداد للحياة:
يعد تقبل الفتاة لدورها الجنسي في الحياة (كأنثى) واحدًا من هذه المهمات النمائية في سن المراهقة،
والتي يساهم في إكسابها المهارات الخاصة بها كأنثى، ويمكّنها من تنمية إمكاناتها والمواهب
الربانية التي حباها الله للقيام بأدوارها المتنوعة والمختلفة في الحياة، كابنة
وأخت وزوجة وأمّ... وغيرها من الأدوار.
يتعلم الفرد دوره الجنسي من البيئة المحيطة، من خلال ملاحظة
النماذج والتعزيز والإشراطات المختلفة، فتعمل التربية المستمرة منذ
الطفولة الأولى على مساعدة الفتاة على فهم واستيعاب وتقبل الدور الجنسي من خلال
الخبرات والمواقف المختلفة التي تتعرض لها الفتاة فتؤهلها للحياة، فهي تتكلم وتلعب وتلبس ما يناسب دورها، وهي تلازم
أمها في البيت تستقبل معها الضيوف، وتراقبها وهي تصنع الطعام وتحادث الجارات، وهي تساعد
أمها وتهتم بالطفل الصغير وتقوم ببعض المهام المنزلية بكل ودّ. هذه الخبرات تجعلها تلعب دورها كابنة وزوجة وأم بكفاءة
واقتدار، ومعرفة
السلوك الاجتماعي المعياري المقبول والذي يقوم على المسؤولية الاجتماعية وممارسته.
إن تقبل الدور الجنسي سيمهد لمهمةٍ نمائيةٍ مهمةٍ وهي الاستعداد للحياة الزوجية
وتحمل المسؤولية الأسرية كما ورد في (قائمة هافجهرست)، كما أن رعاية الجانب العقلي
للفتاة يلعب دورًا كبيرًا في تنمية حس المسؤولية لديها وتحمل المسؤولية الأسرية،
إلى جانب تعلم دورها الجنسي الذي تم الحديث عنه.
إن تنمية الاستقلال المعرفي وتعلم مهارات حل المشكلات والتفكير
الناقد والإبداعي سيسهم في مساعدة الفتاة في إدارة حياتها بطريقة آمنة، وبأخطاء
أقل ممن لا تمتلك هذه المهارات.
يعتمد صلاح مجتمعاتنا على تكريس الجهد لتربية الجيل وخصوصًا الفتاة؛ فهي الأخت المعينة، والزوجة الأمينة على الحياة، والأم المربية للجيل الذي نريده لأمتنا، والجدة الحانية التي تغذي الأرواح بمحبتها والعقول بحكمتها.
تنمية الاستقلال المعرفي وتعلم مهارات حل المشكلات والتفكير الناقد والإبداعي سيسهم في مساعدة الفتاة في إدارة حياتها بطريقة آمنة
ختامًا..
عندما تصبح رؤية تربية
الفتاة أنها تربية للحياة، لتصبح فاعلةً ومؤثرةً فيها، صاحبة إمكانات ومواهب،
تتمتع بصحة نفسية سوية؛ تكون الفتاة بتلك الرؤية صمام أمان المجتمع وعماد نهضته.
أما وسائل تحقيق هذه الرؤية فهي العمل الجاد والمثمر
والدؤوب في التربية، من خلال بناء الوعي والفهم، والعلاقة الطيبة بين
الفتاة والوالدين والممتدة عبر الزمان، والحوار الطيب الفعال بينهم، والذي تمارسه
العائلة كأسلوب حياة، ومشاركة الوالدين الفعالة في الاهتمامات والميول، والتقبل
غير المشروط، وتوفير بيئةٍ تربويةٍ آمنةٍ ومحاضن تربويةٍ، كل ذلك يسهم في دعم نموها في جميع جوانبه.
إن وضوح الرؤية والهدف
والوسائل يضعنا أمام مسؤولياتنا فيما استرعانا الله فيه، فلنحسن أداء الأمانة،
ولنحسن بناء الأمة.
إضافة تعليق