ابني في التاسعة من عمره وقد اشتريت له جهازًا لوحيًا (تابلت) ليقضي وقتًا ممتعًا على الألعاب الإلكترونية، وليشاهد عليه الأفلام المتحركة أو القصص الدينية، ولكنّ أحد إخوته الكبار دخل يلعب على التابلت فوجده يرى صورًا وفيديوهات غير لائقة، ووجد أنها لا تأتي عشوائيًا، ولكنه يبحث بكلمات مفتاحية تخص عورات النساء، فتظهر له تلك الصور والفيديوهات. ولا أدري كيف حدث ذلك؟! فنحن أسرة محترمة، وغير متداول لدينا الكلمات التي أدخلها لتظهر تلك الأشياء له!! وأنا مصدومة، ولا أعرف كيف أتصرف، أو ماذا أفعل معه؟ فهل أسحب منه التابلت؟!
نشفق على هذا الجيل من تلوث فطرته مبكرًا، فقد تعرض لخبرات أسبق من سنه في مرحلة مبكرة جدًا، ورأى ما لم يره كبار كثر، وذلك بسبب تيسير استعمال وسائل التواصل الاجتماعي في سن صغيرة مع الأسف.
فرضت هذه الأجهزة وجودها في حياتنا فرضًا لا مفر منه في أكثر الأحوال، ومع ذلك نجد كثيرًا من الأسر التي تنتبه إلى مآلات الأمور؛ تؤخر دخول مثل هذه الأجهزة لحياة أطفالها، ثم إذا أدخلتها لضرورة تقننها بشدة، فالتحكم في الأمور ليس مستحيلًا.
مع الأسف نرضخ لطلبات الأبناء أحيانا، أو نقيس على عموم الأحوال حولنا فندخل هذه الأجهزة لحياتنا ونحن غير مضطرين لها، ثم نستفيق حين حدوث ما كنا نخاف ونحذر!
على كل حالٍ، حدث ما حدث، قدر الله وما شاء فعل، ويمكن تدارك الأمر بإذن الله، ونرجو أن يكون تفسيركم لبحثه بتلك الكلمات تفسيرًا خاطئًا، فلعل الكبار من فعلوا ذلك، نقصد بهذا القول أن تضعي كل الاحتمالات وأنت تواجهين مشكلة بهذا الحجم، فطفل التاسعة غير مراهق، بمعنى أن شغفه بالبحث عن المعلومات الجنسية غير منطقي، فربما يقلد أحدهم، أو دفعه إلى ذلك صديق سوء.
على أية حال، ما نملكه هو علاج المشكلة ومحاولة منع تكرارها، وهناك مدرستان في مواجهة هذا النوع من المشكلات:-
- مدرسة التجاهل؛ بمعنى عدم التحدث مع الطفل فيما حدث مع أخذ إجراءات احترازية، ولا نفضل إطلاقًا تلك المدرسة، فما أحوج أن يُخرج الطفل ما لديه من أسئلة في بيئة آمنة خالية من الوصم أو الزجر.
- مدرسة المواجهة؛ وشرطنا فيها أن نتعامل بمبدأ أن الأخطاء فرص للتعلم، فلا نعامله كمجرم، بل كنفس ضعُفت لوسوسة ما، أو قاده حب الاستطلاع للبحث.
- من من تعلمت البحث عن تلك الكلمات؟
- لماذا لم ترجع لي أو لأبيك تسألنا؟
ونخبره أن كل ما يدور في خلده ولا يجد إجابة؛ نجيبه نحن الكبار قدر علمنا ومناسبة المعلومات لسنه، ولنعلم أن أطفالنا ما لجأوا لذلك إلا:
- لوجود فراغ.
- وقلة الرقابة الوالدية.
- والإتاحة بغير قيود.
- وعدم مزاحمة وقت أبنائنا بالمصادر التي تغذي مرجعيتهم وثقافتهم الإسلامية.
وقد يستمرئ الأطفال مشاهدة هذه المناظر برغم شعورهم أنها أمورٌ ليست جيدة أو مناسبة بسبب تأثير الإدمان أيًّا كان هذا الشيء المدمَن عليه، رغم أن أمر الإدمان مستبعد في مثل سن ولدك، وهو لا يزال في التاسعة من عمره.
لكن بما أننا بصدد الحديث عن أسباب مطالعة هذه المواقع المحرمة، فنوجه الانتباه إلى أن كثرة التعرض لها بلا رقابة أو شغل الوقت بالمفيد سيؤدي حتما إلى إدمانها، وبعد ذلك يكون الإدمان دافعا وسببا لتصفح هذه المواقع، ولا يستطيع المدمن الفكاك منها ويحتاج علاجا نفسيا لذلك؛ فالمدمن لديه صراع بين العقل والعاطفة في بداية الأمر، ولما يصل إلى حال الإدمان يستجيب لنداء العاطفة فقط ويلغي نداء العقل، فيستجيب لشهواته ورغباته ومتعته ولذته لاغيًا التفكير في حِلِّ أو حُرمة ما هو مقدم عليه أو المضار التي تحدث له جراء فعله هذا، وإدمان أي شيء يوهم العقل بأن هذا الشيء المدمَن عليه يخفف الضغط ويقلل التوتر ويعالج شعور الذات المنخفضة غير المستحقة للتقدير؛ فيفرغ غضبه لاشعوريًا بهذه المشاهد التي تعزله عما يضايقه.
بالنسبة للحوار العلاجي مع الأبناء، فعلينا توجيهه بالعقل، وذلك بـ:
- سؤال العقل عن فائدة ما نفعل؟
- نختبر استجابة العقل في كل مرة هل تأخرت قليلا أم يستجيب سريعا؟
- نعلم الطفل أن المقاومة لا تكون بقول: لا، لن أفعل؛ بل تكون باختيار فعلٍ آخر إيجابي يفعله حينما ترد عليه الفكرة المرفوضة، حتى تقل أهميتها بداخله تدريجيا وتزيد أهمية الفعل البديل الحسن.
هذا عن الجزء المعرفي في العلاج، أما عن الإجراءات العملية:-
- فنستبدل مشاهدته للأفلام الكرتونية على التابلت بمشاهدته على شاشة التلفاز على مرأى ومسمع من الجميع، وإذا استحال الأمر فليكن مكثه على التابلت بين أيديكم في الصالة وليس في حجرته والباب عليه مغلق.
- نتفق على وقت للشاشات ويوصي التربويون في هذا السن بساعة واحدة في اليوم.
- نشغل وقته بالهوايات المختلفة، وممارسة الرياضة أساسية ومهمة خصوصًا وقت التعافي.
- نزاحم وقته بكل مفيد من حفظ القرآن وحضور مجالس العلم والقراءة المفيدة.
- كما أن للصحبة السيئة أثرًا على أبنائنا، فيجب مراجعة أصدقائه وعلاقاته والمؤثرين من حوله.
- لا نفتأ ندعو لأبنائنا أن يحفظهم الله ويرعاهم ويلهمنا الصواب في توجيههم فنحن ما إلا مجرد أسباب والله وحده هو الهادي.
إضافة تعليق