أنا إمامُ أحدِ المساجد الكبرى، وأُشرِف على عدة حلقاتٍ لتحفيظ القرآن الكريم به، وفي إحدى الحلقات ألاحظ على طالبين من طلابها نوعًا من العدوانية الشديدة تجاه بعضهما؛ نتيجة للغيرة، فمستواهما في الحفظ والتلقّي متقاربٌ جدًّا
المشكلة:
أنا إمامُ أحدِ المساجد الكبرى، وأُشرِف على عدة حلقاتٍ لتحفيظ القرآن الكريم به، وفي إحدى الحلقات ألاحظ على طالبين من طلابها نوعًا من العدوانية الشديدة تجاه بعضهما؛ نتيجة للغيرة، فمستواهما في الحفظ والتلقّي متقاربٌ جدًّا، وهما يتنافسان في الحفظ والطلب، ولا يكاد أحدهما يسبق الآخر إلا ويلحقه، فكيف يمكنني التصرف معهما، خاصة أنني أرى أمراضًا جديدةً تظهر عليهما كل يومٍ، مثل: الحسد، والتباغض، وما شابه، فكيف أفعل؟!
الجواب:
الأخ الفاضل:
السلام عليكم ورحمة الله
بداية: اسمح لي أن أشكرك على همّتكَ، وصبركَ -وأسال الله أن يجعل ذلكَ في ميزان حسناتكَ-.
لا شكَ أنّ المنافسة في الخير كانت من شيم الصحابة -رضوان الله عليهم-، وقد كان سيدانا أبو بكر الصديق وعمر الفاروق -رضي الله عنهما- كفرسي رهانٍ، يتسابقان إلى فعل الخير، رغم أنهما كانا قد بشِّرا بالجنة، ولا شك أن للمنافسة دورًا هامًّا في تحريك الطاقات الكامنة داخل الإنسان، والتي لا يعرفها في الأوقات العادية، وتبرز عندما يوضع صاحبها في منافسةٍ حاميةٍ مع شخصٍ آخر.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستخدم أسلوب الإثابة؛ ليشجع على أمرٍ من الأمور، فعن عبد الله بن الحارث -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصف عبد الله، وعبيد الله، وكثيرًا من بني العباس، ثم يقول: "من سبق إليّ فله كذا وكذا"، قال: فيستبقون إليه، فيقعون على ظهره، وصدره، فيقبّلهم، ويلتزمهم. رواه الإمام أحمد.
وهذه وسيلةٌ مهمةٌ تؤكّد ضرورةَ زرع التنافس بين الطلاب، ثم مكافأة الفائز، وتقديره؛ حتى يدفعه ذلك لاستخراج الطاقات الكامنة في نفسه، ومن ثَمَّ؛ يحقق المطلوب منه، ويشعر باللذة، والسعادة.
والمنافسة تنشط النفوس، وترفع مستوى الهمم، وتثير النشاط، وتنمّي المواهب، والمنافسة تثير الطالب، وتوجّه اهتمامه نحو الأمر المطلوب، فيعتني به، ويتقنه، ولا يسهو عنه، ولا ينساه.
وعليه؛ فإن استغلال أسلوب المنافسة بين طلاب حلقات القران؛ يؤدّي إلى بثِّ روح النّشاط بين الطلاب، ويُبعِد عنهم الفتور، والكسل، إلا أنه ينبغي استخدامه بشكلٍ صحيحٍ؛ ليؤدّي النتائج المرجوّة منه، وذلك بالاختيار الصائب للطلبة المتنافسين، واختيار المجال الذي سيتنافسون فيه، والغاية التي تؤجّج فيهم روح التنافس، والكلمات التي تشحن الجوَّ العام بالمنافسة، فكل ذلك له دورٌ كبيرٌ في نجاح المنافسة، أو فشلها.
وينبغي مع ذلك كلّه أن يكون المدرس في يقظةٍ دائمةٍ؛ لئلا يؤدّي التنافس إلى الشحناء، فيوجه المنافسة توجيهًا صحيحًا، ويكبح جماحها حين تجنح عن أهدافها.
وقد يكون للمرحلة العمرية التي يمر بها طلابك -مع ما يرافقها من صفاتٍ، منها محاولة إثبات الذات- دورٌ في ما يحصل معهم من غيرةٍ، وعدوانيةٍ فيما بينهما.
وقد يكون لطريقة التحفيز التي تتبعها مع طلابك دورًا سلبيًا على سلوك الطلبة؛ إذ تبعث فيهم روح الفردية، وتُبعِدهم عن روح الفريق، وتعزّز عندهم سلوك العدوانية، والأنانيّة، وهذا أمر يمكن تداركه، وهنا أنصحك بما يلي:
1- الحرص على تعزيز بعض القيم
التي يفتقدها طلابك:
ومنها: روح التعاون، والإيثار، والثقة بالنفس، وبيان دورهم كدعاةٍ؛ بالقدوة، بالإضافة لما يتعلمونه من قرآنٍ.
2- تحري التوازن، والعدل في المعاملة، وتوزيع الاهتمام، والابتسام بين الطلاب.
3- تعزيز روح العمل الجماعي لدى الطلاب؛ باستخدام طريقة المجموعات في تعليم الأولاد لما لها من فوائد منها:
- إرساء ثقافة العمل الجماعي، ومن
ثم؛ الفوز الجماعي، لا الفردي.
- التعامل مع الفروقات الفردية بين
المتعلمين، وتضييق الفجوة بينهم.
- الاستفادة من عملية تعلم الأقران
من بعضهم.
- كسب الوقت الضائع في متابعة كل متعلمٍ على حدةٍ، والاستفادة من إمكانات المتفوقين من الطلاب في متابعة زملائهم.
وننصح عادةً أن تتكون الفرق من أفرادٍ بمستوياتٍ مختلفةٍ ومتفاوتةٍ للحصول على نتائج أفضل، لكن في هذه الحالة التي ذكرت يمكن أن نستخدمها كعلاجٍ لهذه الحالة؛ لتعزيز روح العمل الجماعي، والابتعاد عن الأنانية، وتقويم السلوك غير المرغوب به؛ وذلك بأن تشكّل الطلبة عندك في مجموعاتٍ، مكونةٍ من ثلاثة إلى خمسة أفراد، على أن تجعل هذين الطالبين في مجموعةٍ واحدةٍ، وتتابع سلوكهما، وتدعمه نحو الأفضل.
وبعد ذلك تجعلهما في مجموعتين منفصلتين، على أن تراعي طريقة وأسس التعليم؛ عن طريق العمل في مجموعاتٍ، وأن تشرح لهم هذه الأسس، والقواعد، وكيفية التعامل معها.
أسأل الله
يعينك على الأمر، وأن نسمع منك في القريب العاجل أخبارًا طيبةً.
إضافة تعليق