لا يموت الطغاة موتة طبيعية مثل باقي البشر، وهو ما يتضح من قصة النمرود الطاغية المتجبّر الذي ملك الأرض، وادعى الألوهية، وقال إنه يُحيي الموتى، وإنّ قوّته تفوق كُلّ شيء، فجعله الله عبرة تقصّها الكتب المُقدسة وتَرويها كتب التاريخ ليتعظ كل مَن يُفكّر في اقتفاء أثره والسير على نهجه الفاسد.
مختصر قصة النمرود
وتبدأ قصة النمرود ملك بابل الذي حكمها لمدة أربعمائة عام، ببطشه واستكبَاره في الأرض، وكذبه وادعائه الألوهية، وإنه قادر على وهب الحياة والموت للناس، فكان الناس يذهبون عند بيته للحصول على الطعام والاختيار بين ما لذّ وطاب.
وفي يوم ذهب سيدنا إبراهيم- عليه السلام- ليأخذ الطعام لأهل بيته، وكان النّمرود يمر بين الناس ويسألهم: “من هو ربكم الأعلى؟”، فيجيبه الناس: أنت ربنا وإلهنا، حتى مر بسيدنا إبراهيم- عليه السلام- وسأله: من ربك الأعلى؟، فقال له سيدنا إبراهيم: ربي هو الذي يحيي ويميت، فقال النمرود: أنا أُحيي الموت وأميت، ودخل في مناظرة ونقاش مع إبراهيم- عليه السلام- أمام كل الناس.
فطلب منه سيدنا إبراهيم دليلًا أقوى، وقال له: إن الشمس من معجزات خلق الأرض، فتشرق من المشرق، وتغرب من المغرب، وإذا كنت إلها حقًّا، فلتأتِ بالشمس من المغرب، فصمت النمرود ولم يستطع الرد، وأصر على كفره وادعاء الألوهية.
قال الله تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [البقرة: 258].
وخرج سيدنا إبراهيم من عنده دون طعام أو غذاء لأهل بيته، وبينما هو في طريقه إلى البيت، وجد كثيبًا من الرمال، فأخذ بعض من تلك الرمال ووضعها في متاعه، وقال في قرة نفسه إنه يريد أن يدخل بشيء على أهل بيته حتى تطيب أنفسهم، فعندما رجع إلى بيته وضع متاعه ثم ذهب لينام، وقامت زوجته لترى ماذا جلب في متاعه، فوجدت ما لذّ وطاب من الطعام، فسألته من أين لك هذا؟، قال: رزق من عند الله- عز وجل-.
وأصرّ النمرود على كفره، وأعد الجيوش لمحاربة المؤمنين وقتالهم، فسلط الله- عز وجل- جيشًا من البعوض على النمرود وجيشه، فأكلت البعوض أجسادهم، ودخلت بعوضة واحدة في أنف النمرود، ولم يستطع الأطباء جميعا إخراجها، فكان النمرود يضرب رأسه بالمطارق حتى يقلل الشعور بالألم، وظل على هذا الحال إلى أن مات كافرًا بالله عز وجل، ونال العقاب في الدنيا وفي الآخرة.
دروس تربوية من قصة النمرود
واستخلص كثير من العلماء دروسًا تربوية عديدة من قصة النمرود مع نبي الله إبراهيم- عليه السلام-، ومنها:
- الحكمة والموعظة الحسنة: استخدم إبراهيم- عليه السلام- الحكمة والموعظة الحسنة في دعوته لقومه، وهذا منهج ناجح في الدعوة إلى الله.
- عظمة الله وقدرته: تظهر القصة عظمة الله وقدرته على كل شيء، وكيف أنه قادر على أن ينصر عباده المؤمنين.
- الاستعلاء والغرور: يعتبر النمرود نموذجًا للشخص المستعلي المتكبر الذي يظن أنه فوق الجميع، وهذا يؤدي إلى الهلاك والدمار.
- الأمل في رحمة الله: رغم كل ما تعرض له إبراهيم عليه السلام من أذى، فإنه لم يفقد الأمل في رحمة الله، وهذا درس مهم للمؤمنين.
- توحيد الله: تؤكد القصّة أهمية توحيد الله وعدم الشرك به.
- عاقبة الطغيان: تظهر القصة أن عاقبة الطغاة والمستكبرين وخيمة.
- خطورة الشرك بالله: الشرك بالله هو أكبر الكبائر، وهو ما أكدته قصة النّمرُود وعاقبته.
- الثقة بالله: ثقة إبراهيم بالله كانت ثابتة، وهذا ما مكنه من الصمود أمام كل التحديات.
- قوة الإيمان: يبرز إيمان النبي إبراهيم بالله تعالى وقوته في مواجهة الطغيان.
- الإنسان الواثق بالله- سبحانه وتعالى- يجب أن يُبدي الحقّ دائمًا كما فعل إبراهيم- عليه السلام-، ولا يستمع إلى الطواغيت والجبابرة، وأن الله تعالى وحده النّاصر لعباده.
- الإنسان مهما ظنّ أنَّه امتلك الدّنيا بقوّته وسلطانه، فهو إنسانٌ ضعيف، ليس له حولٌ ولا قوّة، وليس عليه سوى عبادة الله تعالى وامتثال أوامره واجتناب نواهيه.
- العناد والتكبّر والجهل، هو سمة وصفة الظالمين والطّاغين، ونهايتهم ستكون مُخيفةً وعاقبتهم وخيمةٌ.
- الكفر بالله- عز وجل- والإصرار على عصيان أوامره سبب هلاك الإنسان في الدنيا والآخرة.
- الله- عز وجل- قادر على أن يُسلّط أضعف جنوده وهي البعوضة، لتدمير ملك طاغي جبار، فالإنسان لا يملك لنفسه شيئًا أمام أمر المولى.
- الموت نهاية كل مؤمن وكافر وغني وفقير، فسيجتمعون أمام الله- عز وجل- ليحاسبوا على ما فعلوا في الدنيا.
- تحمل القصة عبرة وموعظة من نهاية الشرك بالله، كما تشير إلى عظمة خلق المولى- سبحانه وتعالى- وأن أمر الكون كله بيده.
- التوكل على الله هو سبيل كل نجاة، والإيمان بالرزق يجلب المعجزات، مثلما أمن سيدنا- إبراهيم عليه السلام- وتوكل على ربه.
- دين الله هو دين الحق وأي دين آخر هو دعوة للغرور والتكبر.
- كل شخص متجبر هالك لا محالة وأن الله سيلحق به الأذى.
- على العبد أن يعلم أن الله هو القادر على كل شيء بقوته وعزته وجبروته فهو قادر على هلاك كل شخص جبار.
إن قصة النمرود مع سيدنا إبراهيم- عليه السلام- تبرز ضعف الباطل وسفاهته، وأنه كما وصفه القرآن الكريم: {إِنَّ البَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا}، كما تتضح فيها عظمة الله وقدرته على كل شيء، وكيف أنه ينصر عباده المؤمنين، وتُبيّن قوة إيمان إبراهيم الصادق وثباته على الحق، رغم كل ما واجهه من تحديات ومصاعب، كما تؤكد أن عاقبة الطغيان والمستكبرين وخيمة، وأن الله لا يترك الظالمين، وتُشجّع القصة على الدعوة إلى الله وحده، وألا نخاف من معارضة الظالمين.
مصادر ومراجع:
- ابن كثير: البداية والنهاية، ص 342-345.
- ابن جرير الطبري: تاريخ الطبري، ص 287-288.
- ابن كثير: قصص الأنبياء، ص 187-188.
- محمد سليمان: قصة النمرود.
- صحيفة الرأي: قرأت لك.. النمرود.
إضافة تعليق