تُعدّ قصة الذبيح إسماعيل واحدة من أعظم القصص في القرآن الكريم، وهي تحكي عن امتحان عظيم وضعه الله- سبحانه وتعالى- لخليله إبراهيم- عليه السلام-، ليكشف عن مدى إيمانه وطاعته لله، حيث أثبت أبو الأنبياء
استجابته لأمر ربه في الحال ودون تردد أو شك، رغم حبه الشديد لابنه الذي حمله إلى مكان الذبح، ووضعه ساجدا واستعد للذبح، لكن الله تعالى فداه بذبح عظيم، وأرسل له كبشًا ليذبحه مكانه.
مختصر قصة الذبيح إسماعيل
وجاءت تفاصيل قصة الذبيح إسماعيل بن إبراهيم- عليهما السلام- في سورة الصافات، حيث رأى سيدنا إبراهيم- عليه السلام- في منامه أنَّه يذبح ابنه إسماعيل، ومن المعروف أنَّ رؤيا الأنبياء ما هي إلا وحيٌ وحق، وكانت هذه الرؤيا اختبارًا لنبي الله إبراهيم بأن يذبح ابنه الذي جاءه بعد أن صار كبيرًا في السنِّ وليس عنده ولد غيره.
إلا أنَّ إبراهيم- عليه السلام- استجاب لأمر الله- عزّ وجل- وتوكَّل عليه، فذهب إلى إسماعيل وقصَّ عليه ما رأى في منامه، يقول تعالى: (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى) [الصافات: 102]. وعندما سمع إسماعيل الرؤيا من والده قال له افعل ما أمرك الله به، يقول تعالى: (قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) [الصافات: 102].
سلَّم إبراهيم- عليه السلام- أمره لله- سبحانه وتعالى- وكذلك ابنه إسماعيل، وانطلقا لتنفيذ أمر الله- عزَّ وجل-، وعندما جاء وقت الذبح ألقى إبراهيم ولده إسماعيل على وجهه حتى لا يراه وهو يذبحه فيشفق عليه، ووضع عند حلقه صفيحة من النحاس ليذبحه بها، وقال بسم الله وكبَّر وتشهَّد مهيِّئًا إسماعيل للذبح، في ذلك الوقت نادى الله- عزَّ وجلَّ-: (وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ)[الصافات:104-105] أي قد تحقَّق المطلوب من أمر الذبح، وهو اختبار إبراهيم في إيمانه وطاعته لربه.
وبعد أن عزم سيدنا إبراهيم على تنفيذ أمر الله -تعالى- في الذبح، أنزل الله -تعالى- عليه كبشًا يفدي إسماعيل، يقول- جلَّ وعلا-: (وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ)[الصافات: 107] فذبح إبراهيم- عليه السلام- الكبش.
دروس تربوية من قصة الذبيح إسماعيل
وحوت قصة الذبيح إسماعيل مع والده إبراهيم- عليهما السلام- على دروس تربوية عديدة، أبرزها ما يلي:
- الاستسلام والانقياد لطاعة الله وأوامره: فإبراهيم وإسماعيل- عليهما السلام- يعلمان تمام العلم أنّ رؤيا الأنبياء حق، وهي وحي من الله وليس من الشيطان؛ لذلك كانت إجابة إسماعيل على طلب والده (يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى)، بالاستجابة التامة لهذا الطلب، حيث رد قائلاً: (قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ)، وهذا يدلل على أنّ إسماعيل، قد تربى تربية إيمانية عالية منذ صغره.
- المنح والعطايا تأتي بعد المحن والشدائد: فعندما يطيع الإنسان ربّه ووالديه في أمر شديد؛ فإن الله يعوضه خيرًا، حيث امتثل إسماعيل لأمر الله وطلب أبيه مع شدته عليه؛ فكانت النتيجة: (وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ)، فقد استحق إبراهيم- عليه السلام- الجائزة من الله نتيجة تصديقه لأوامر الله ونجاحه في هذا الاختبار الرباني، وكذلك إسماعيل نال الجائزة السريعة من الله تعالى وهي النجاة من الذبح ونزول الكبش لفدائه؛ نتيجة امتثاله لأمر الله وبره لأبيه.
- الصداقة بين الأب وولده: فالحوار الذي دار بين إبراهيم وولده إسماعيل- عليهما السلام- ينبئ عن علاقة قوية تتخطى طابع الأبوة لتصل إلى مرحلة الصداقة، وهذه الصداقة يصعب تحقيقها في هذه المرحلة من حياة الشباب، حيث يقول الله تعالى: (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ)، يعني أصبح يسعى أي يمشي مع والده ويقضي له الحوائج، وهذه العلاقة تُظهر مدى الحب والألفة بين الأب وابنه.
- أدب الحوار: فمع أن الأمر كان بذبح الولد وهو أمر من الله، لكن سيدنا إبراهيم بدأ الحوار مع ابنه باستشارته في الأمر أولاً حيث قال له: (يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى)، وهذا توجيه مهم للآباء بضرورة الحوار والمشاورة مع أبنائهم حتى في الأمور المفروضة عليهم من الله تعالى؛ لأنّ الأبناء في هذه السنِّ المبكرة من حياتهم يرون أنّ الحوار تقدير واحترام لشخصيتهم فهم يكرهون فرض الرأي والإجبار على فعل الشيء.
- طاعة الله ومعصية إبليس: خُلق الصبر من الأخلاق الحميدة حتى في أصعب اللحظات والمواقف، حيث كان رد إسماعيل على هذا الطلب من أبيه: (سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ)، فمع أن إسماعيل صبي صغير لكنه كان من الصابرين، حيث استعان بربه؛ وهذا أكبر دليل على نجاح التربية من قبل نبي الله إبراهيم الخليل.
- الابتلاء يكون على قدر الإيمان: فسيدنا إبراهيم- عليه السلام- رُزِقَ بإسماعيل بعدما بلغ من الكبر عتيًّا، وبعد طول انتظار لهذا الوليد، وتعب في تربيته، يأمره الله بذبحه، وهذا هو الابتلاء العظيم الذي قال الله عنه: (إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ) [الصافات: 106]، وقد نجح الخليل إبراهيم في هذا الابتلاء فكانت المكافأة له ولولده إسماعيل على صبرهما على هذا الابتلاء.
- البركة تأتي بسبب طاعة الله: فكلما أطاع الإنسان ربه في الدنيا بارك الله في حياته وفي أهله، فسبب طاعة إبراهيم لأوامر ربه بارك الله له في ذريته، فكانت البركة في إسماعيل الذي خرج من نسله سيد الخلق سيدنا محمد- صلى الله عليه وسلم- وبارك كذلك في ذرية إسحاق بن إبراهيم الخليل فكان منها نبي الله يعقوب ثم ابنه يوسف- عليهما السلام-.
- ضرورة معصية إبليس: لقد حاول إبليس الوسوسة لخليل الرحمن إبراهيم- عليه السلام- بهدف إثنائه عن تنفيذ أمر الذبح، لكن إبراهيم لم يستجب له، ورجمه وعصى أمره، ففاز وصار له ذكر في الدنيا إلى يوم القيامة.
- التوجه بالدعاء لله وحده: فإبراهيم- عليه السلام- طلب الولد الصالح من الله؛ ومن أعظم نعم الله- سبحانه وتعالى- على الإنسان أن يهبه ولدًا صالحًا يُعينه في الحياة الدنيا والآخرة.
إن قصة الذبيح إسماعيل مع والده إبراهيم- عليهما السلام- تُظهر مدى قوة إيمان إبراهيم، الذي لم يتردد في طاعة الله رغم صعوبة الأمر، وتُبيّن أنّ الإيمان الحقيقي يتطلب التضحية بكل ما نحب من أجل الله، كما تكشف القصة عن- رحمة الله- الواسعة، حيث فدى الله إسماعيل بذبح عظيم، وفي الوقت نفسه تؤكد أنّ الابتلاء هو امتحان للإيمان، وأنّ المؤمن
الصابر هو الذي ينجح في هذا الامتحان.
مصادر ومراجع:
- محمد صالح المنجد: كتاب موقع الإسلام سؤال وجواب ص 221.
- الصلابي: قصة الخليل مع ابنه الذبيح عليهما السلام.. مشاهد وعبر.
- د. مهران ماهر عثمان: نفح الريح بفوائد قصة الذبيح.
- محمد أسوم: فوائد من قصة الذبيح إسماعيل عليه السلام.
- عبدالله بن علي الطريف: البلاء المبين – قصة الذبيح -عليه السلام-؛ دروسٌ وعِبَرٌ.
إضافة تعليق