في شهر رمضان، كيف أغرس حب الصلاة في قلب أبنائي؟ وكيف أستفيد من الجو الإيماني في تشجيعهم وتحبيبها إليهم؟ فهم والحمد لله تعلموا طريقة الصلاة، ولكن حين لا نكون بجانبهم أحيانًا لا يتذكرونها، كما يلتفتون أثناء الصلاة، وفي بعض الأوقات يقومون بحركات ولا يركزون في صلاتهم، مع أني أخبرهم أن الله يرانا،
السائلة الكريمة: بارك الله لنا ولكم في رمضان، وأعاننا فيه على تربية أبنائنا تربيةً حسنة، وعلى ذكره وشكره وحسن عبادته وتقبل منا ومنكم.
قد يظن القارئ للوهلة الأولى أن ثمة خطأ في السؤال، وأنك تقصدين السؤال عن كيف تعودين أبناءك على الصيام في رمضان، دعينا نوضح الرابط بين رمضان والصلاة، فرمضان موسم للطاعات، تقبل فيه النفس على ما لم تقبل عليه طول العام، فهو فرصة حقيقية كيّس من يغتنمها للتدريب على شتى أنواع الخير.
كما أن رمضان هو شهر الصيام وشهر القرآن كما جاء في الحديث: “الصيامُ والقرآنُ يَشْفَعانِ للعبدِ، يقولُ الصيامُ: أَيْ رَبِّ! إني مَنَعْتُهُ الطعامَ والشهواتِ بالنهارِ، فشَفِّعْنِي فيه، ويقولُ القرآنُ: مَنَعْتُهُ النومَ بالليلِ، فشَفِّعْنِي فيه؛ فيَشْفَعَانِ”.
ويقصد بالقرآن هنا القرآن المقروء، كما يقصد به التهجد وقيام الليل، كما جاء لفظ القرآن وقصد به الصلاة في سورة الإسراء آية رقم 78 {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ}، أي صلاة الفجر.
إذًا، اقترنت الصلاة بشهر رمضان في مواطن كثيرة، كالأحاديث التي تحث على القيام: “من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر”، “من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه”، فحسنٌ أنِ اخترتِ قدومَ شهر رمضان؛ حتى تحثي أبناءك على الصلاة وتحببيها إليهم.
وقبل أن نتكلم في الوسائل، نذكر بمعنى تربوي مهم وهو (التدرج)، فكما شرعت الصلاة وجميع العبادات بتدرج، فكذا حالنا ونحن ندرب أبناءنا، أن نترفق بهم، ونتدرج في خطوات التدريب، فلا نطلب منهم الإتيان بالفرائض والسنن والقيام والتهجد، كما نفعل نحن الكبار!
فالصلاة أول ما شرعت كانت ركعتان بالغداة وركعتان بالعشي، ثم شرع القيام، ثم زيد على الصلوات في رحلة الإسراء والمعراج حتى صارت على صورتها التي نصليها الآن، إذًاالتدرج أساسٌ مهم ونحن نربي ونوجه، فلنبدأ بالفرائض نركز عليها ثم نزيد حسب طاقة وسن الطفل.
كما أن (القدوة الفعلية)، خير ألف مرة من خطب رنانة، وبالطبع لا ننسَ التشجيع والتحفيز وعمل المسابقات بين أبناء العائلة على أكثرهم التزاما ورصد الجوائز، وننوه هنا على ضرورة مكافأة الكل، ولكن بنسب مختلفة حتى لا يتسبب تمييز المتفوق في إحباط المبتدئ.
السائلة الكريمة:
ونحن نستعد لقدوم رمضان، يشتمل استعدادنا على وسائل مادية وتجهيزات روحية، فمن الوسائل المادية للتجهز للعبادة في رمضان:
- تزيين البيت، ولنهتم بعمل ركن للصلاة، ونوصي هنا بأمرين:
- أولًا: أن يكون ركن الصلاة في (ساحة البيت) على مرأى ومسمع من الجميع، حتى يرى أهل البيت بعضهم البعض وهم يصلون فنشجع بذلك الصغار، وينضموا للجماعة، بل ننادي عليهم للاستعداد للصلاة قبلها ولا نمل من عدم استجابتهم لنا، نكرر حتى يستجيبوا وذلك بالرفق واللين، يقول المولى عز وجل: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا}، اصطبر وليس اصبر فقط، فالاصطبار هو إلزام النفس بالصبر حتى مع عدم رغبتها!
- ثانيًا: أن نشارك الأبناء في تجهيز ركن للصلاة في حجراتهم، ويا حبذا لو رسمنا القبلة على الحائط، وكتب الأبناء عبارات مثل (صلاتي حياتي، الصلاة أولًا) وعلقوها في غرفهم.
- من التجهيزات المادية أيضًا:
- تحضير جلباب جديد أو تنظيف وتعطير الثياب المتاحة للصلاة.
- تحضير سجاد الصلاة بغسله وتطييبه.
- تخصيص سبحة ومسواك ومعطر للسجاد، فكما يتجهز الأطفال للعيد ولمناسباتهم السعيدة، يجب أن نولي الصلاة وما يخصها اهتمامًا يليق بمقامها ووزنها في شريعتنا، وكما يليق بملك الملوك الواقفين على أعتابه.
- جداول الصلاة من الأدوات التي تيسر المتابعة والتحفيز، وتوجد أشكال كثيرة لجداول الصلاة فاختاري منها المناسب لعمر الطفل، واطبعي كمية منها حتى يتيسر لك المتابعة ولا يحدث انقطاع.
- حددي هدفك الخاص بكل طفل على حدة، فمن في مرحلة التدريب على الصلاة نرجو له حالًا غير المفروضة عليه، غير الصغار غير المكلفين، فتحديد الهدف ييسر اختيار الوسائل المعينة،
وعن الوسائل الروحية:
- إذا كانت أول ليلة من رمضان، اجمعي أبناءك وبادليهم التهاني وتناول الحلوى، واجتمعوا على الدعاء بأن ييسر الله لنا سبيل الطاعة من غير عنت ولا مشقة، ولنحضر مسابقة خفيفة عن الصيام والصلاة تثري معلوماتهم وتشحذ همتهم.
- ولنهتم بالبدايات كثيرًا، فعلى حسب قوة انطلاق السهم يكون وصوله، فاحرصي على نزولهم للتراويح مع أبيهم، أو مع من تيسر له اصطحابهم.
- ولنختر مسجدًا إمامه حسن الصوت ولا يطيل كثيرًا، وكلما كان الأبناء صغارًا، كان اختيار المسجد ذي الفناء أو الحديقة أنسب، حتى لا نفسد على باقي المصلين تركيزهم بحركة الأطفال حولهم، فتلتحق الأم التي معها صغارًا بالمكان الواسع، فإذا ما تعب الطفل من متابعة الصلاة انطلق ولم يشتت المصلين، كما أن المساجد ذي الفناء، لها ميزة أخرى، فيتحول المسجد من مفهوم مكان للصلاة فقط إلى مفهوم المسجد الجامع، فيتعلم الطفل أن المسجد مكان للعبادة، كما أنه ساحة لممارسة أنشطة مختلفة، فيزيد ارتباطهم بالمسجد كمكان للعبادة، ومكان أيضًا لقضاء وقت طيب مع المعلمين والأصدقاء.
- شاركي طفلك إعداد تمر أو ماء أو حلوى، يوزعها على المصلين وقت الترويحة، مما يجعله يرتبط أكثر بالمكان فالأطفال اجتماعيون بطبعهم، وكثير من رواد المساجد الفاهمين يشجعون الأطفال، فهذا التفاعل بالعطاء البسيط يجعلهم يرتبطون بالمسجد أكثر وأكثر.
- اسمحي للصغار أن يأموك أحيانًا، فذلك مما يشجعهم، واجعليها فرصة أيضًا لإتقانهم ما يحفظون بمراجعته قبل الصلاة.
- وأخيرًا نذكر أنفسنا وإياكم بأن نكون خير قدوة لأبنائنا، نحرص على الصلاة أول الوقت مهما تكن الظروف، ولنضرب لهم مثالًا قريبًا من فهمهم وإدراكهم يوضح لهم الفرق بين من يأتي بالصلاة أول الوقت ومن يتأخر.
من يشتري تذاكر مشاهدة الماتشات مبكرًا؛ يحصل على موقع مميز في الجلوس، كذا تذاكر الطيران، كلما كان الحجز مبكرًا حزت مكانًا مميزًا حسب اختيارك، فهل تحب أن تتميز عند خالقك؟! ففي الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أي العمل- أو أي الأعمال- أحب إلى الله؟ قال: “الصلاة على وقتها”، فالصلاة أولًا تجعل المسلم يحوز مكانة عند ربه.
- كما يجب أن يرانا أبناؤنا بعين الحال حال إقبالنا على الصلاة (بأن الصلاة قرة عين لنا)، وأنها ملاذنا، وأنها بالنسبة لنا كما قال عنها الحبيب المصطفى: “أرحنا بها يا بلال”.
كما نذكرك أختنا الفاضلة بالدعاء وأثره فما نحن إلا أسباب: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ}.
إضافة تعليق