عندي في الفصل الدراسي بالمركز طفلة عمرها خمس سنوات تكذب كثيرًا جدًا، وفي أحوال وأوقات متباينة، وأحيانًا أعتقد أنها تستمتع بالكذب، فحينما أسألها عن شيء ما فإنها تكذب كذبات مركبة ومعقدة جدًا لتتهرب من الإجابة

السؤال:

عندي في الفصل الدراسي بالمركز طفلة عمرها خمس سنوات تكذب كثيرًا جدًا، وفي أحوال وأوقات متباينة، وأحيانًا أعتقد أنها تستمتع بالكذب، فحينما أسألها عن شيء ما فإنها تكذب كذبات مركبة ومعقدة جدًا لتتهرب من الإجابة المباشرة، وفي أوقات كثيرة تؤلف قصة كاملة محبوكة للغاية لتبرر أفعالها.

لأول وهلة ساءني ذلك منها جدًا لأني أعلم أنها تقول خلاف الحقيقة، ولكن بعد التفكير وجدت أن هذه ربما تكون بذرة لموهبة لديها في تأليف القصص لو أحسنَّا توظيفها.. فهل ما أعتقده حقيقي أو علمي فعلًا؟! وكيف يمكنني توجيهها لتكف عن الكذب من جانب، ومن جانب آخر أوجهها لتصقل هذه الموهبة وتستفيد منها بدلًا من أن تستخدمها استخدامًا خطًا.

الجواب:

في الحقيقة هذه الاستشارة من أفضل الاستشارات التي وردتني حتى الآن وذلك للآتي:

1-  لأهمية الصدق في حياة الانسان، وأهمية تنشئة الطفل على الصدق، وإلا فإنه سيكون مشروع كذب ووبال على أسرته ومجتمعه وأمته إن لم نتدارك ذلك.

2-  لأنها تأتي في وقت زادت فيه الضغوط على الأفراد والأسر، وزاد فيها انشغال الآباء والأمهات عن الأبناء بحجج واهية يمكن الاستغناء عنها.

3-  لأن تصرفات هذه الطفلة تنم عن ذكاء حاد، لكن في الوقت نفسه تحمل في طياتها آثار تجارب سابقة قد تكون مؤلمة.

4-  لطريقة المربي في التفكير الإيجابي، ومحاولته الاستفادة من معطيات ظاهرها السلبية وباطنها الكثير من جوانب الإيجابية والتميز.

بداية: إن مصطلح الكذب غير معروف للطفل في هذا العمر بتعريفه الذي نعرفه نحن، وبالتالي فنحن الذين نعززه عند الطفل أو نستثمره الاستثمار الصحيح لتوجيه سلوك الأطفال وتقويمهم.

ومن المؤكد أن أسلوب التربية ينعكس على كافة جوانب حياة الطفل، وأنّ ظاهرة الكذب عند الأطفال ليست أمرًا موروثًا أو فطريًا لديهم، بل هو سمة مكتسبة من البيئة المحيطة، سواء المنزل أو المدرسة والأشخاص الموجودين في حياة الطفل، وترتبط هذه المشكلة ارتباطًا وثيقًا بالوالدين وطريقة تربيتهما له.

وقد يكذب الأطفال كثيرًا، وربما يمكن التغاضي عن ذلك في بعض الأحيان، لكن عندما يصبح الكذب أمرًا معتادًا، يمكن أن يتحول إلى مشكلة كبيرة، وسلوك يتبعه الطفل للتخلص من المشكلات أو التنصل من المسؤولية، حينها يصبح تعليم الطفل قيمة قول الحقيقة ضرورة لا غنى عنها.

لكن قبل البدء بمهمة ردع الطفل عن الكذب، لا بد من معرفة ماهية الكذب ولماذا يكذب الطفل؟! وما أنواع الكذب ومستوياته ودوافعه؟!

إن أبسط تعريف للكذب هو قول ما هو خلاف الحقيقة وخلاف الواقع، ويبقى هذا التعريف عامًا وله تفرعات؛ إذ تختلف أنواع الكذب عند الأطفال وتختلف درجاته، فهناك الطفل الذي يخفي شيئًا من الحقيقة، أي لا يخبر والديه القصة كاملة، وهنا لا يعد إخفاء الطفل لجزء من الحقيقة كذبًا، كأن تسأله عن نتائج امتحاناته فيجيب: جيدة، ويبدأ يعدد نتائج وعلامات المواد التي أخذ فيها علامات عالية، لكنه بنفس الوقت لم يذكر مادة العلوم التي أخذ فيها علامة متدنية. وهناك نوع من الأطفال يعمل خياله الخصب الذي يتميز به ويضيف جزءًا على الحقيقة؛ كأن يخبر زملاءه في المدرسة أن والده اشترى له ألعابًا كثيرة ومتنوعة؛ في حين أن الأب لم يشترِ له إلا لعبة واحدة، وهناك من يختلق قصة خيالية جديدة وبعيدة كل البعد عن الواقع.

وتعدد هذه الأنواع يبين لنا أن هنالك أسبابًا مختلفة ومعينة تدفع الطفل إلى الكذب، وتختلف أسباب الكذب عند الأطفال وفقًا لتربيته وللموقف الذي دفعهم لذلك، وفيما يلي أبرز أسباب الكذب عند الأطفال:

1-  الدفاع عن النفس والخوف من العقاب:

ويسمى هذا النوع من الكذب بالكذب الوقائي أو الدفاعي، ويقوم به الطفل خوفًا من صرامة الوالدين وعقابهم الشديد إذا قام بفعل خطأ، وفي الوقت نفسه قد يكذب الطفل ليحتفظ لنفسه بامتياز ما؛ لأنه إن قال الصدق قد يفقد هذا الامتياز.

2-  الإنكار:

لتجنب ذكريات مؤلمة قد يكون مر بها، أو واقع مؤلم ربما يستحيي منه، وما أكثرها الآن عند الأطفال!!

3-  تقليدًا للوالدين والأشخاص المحيطين:

يتميز الأطفال بالقدرة العالية على التقليد؛ حيث يقلّد الطفل الأشخاص المحيطين به ومنهم الوالدان في الكثير من التصرفات، بما في ذلك الكذب، وأبسطها أن يقول الأب لولده: قل لطارق الباب: بابا ليس بالبيت. أو أن يرى حادثة معينه حصلت أمامه مع أمه ويسمعها ترويها في مكان آخر بطريقة مختلفة.

4-  العناد:

الحماية والرقابة الصارمة بشكل مبالغ به من الوالدين تولد عند الطفل شعورًا ورغبة بالعناد والتحدي وارتكاب الأخطاء بشكلٍ متعمد، ومن ثم الاستمتاع بمشاهدة رد فعل والديه الغاضب على كذبه.

5-  أخطاء الوالدين والمربين، ومنها:

·   التفريق بين الأبناء أو بين الطلبة في الصف في المعاملة.

·  تكليف الطفل بما لا يطيق أو تكرار الطلبات منه وحده؛ ما يدفعه للكذب للهروب من بعض المهام التي يفرضها والداه عليه.

·  الشعور بالحرمان.

·  دوام التعنيف والتقريع.

6-  انعدام الثقة:

عدم ثقة الأهل به تدفعه إلى الكذب كرد فعل لتعزيز ثقته بنفسه.

7-  المكسب الشخصي والرغبة في الحصول على شيء ما:

ويعد هذا النوع أحد أكثر أسباب الكذب المستمر عند الأطفال، حيث يكذب الطفل رغبةً في تحقيق غرض شخصي، ومن الأمثلة على ذلك أن يقول الطفل: إنّ المدرسة قد طلبت مبلغًا ماليًا لنشاطٍ معين أو تبرع، والواقع أنّ الطفل يريده لشراء أشياء يرغب بها ليس إلا.

8-  جذب الانتباه والحصول على الاهتمام:

قد يكذب الطفل للحصول على العطف والرعاية والحنان، أو للتباهي والحصول على الإعجاب والاهتمام ولفت نظر الآخرين، ويحدث ذلك نتيجة تقصير الوالدين في إظهار حبهما له.

9-  الخيال الخصب:

لدى بعض الأطفال خيال خصب؛ بحيث لا يستطيعون التمييز بين الحقيقة والواقع، وقد يعود سبب ذلك إلى مشاهدة التلفاز وما فيه من أفلام وبرامج كرتونية.

وتفيد الدراسات أن الكذب لدى الأطفال يبدأ في سن ثلاث سنوات وهو لا يعي ذلك، وفي الوقت نفسه ينمو الخيال لدى الأطفال من سن ثلاث إلى سبع سنوات، وهي ملكة رائعة يمكن أن تصنع من الطفل مبدعًا إذا أحسن المربي التعامل معها واستثمارها.

وهنا يمكن أن نميز ثلاث مراحل عند الأطفال حسب العمر والتطور الفيزيولوجي والنفسي للطفل:

1-  مرحلة الخيال المنطلق:

وهي من سن سنتين إلى ست سنوات: ويتميز الأطفال في هذا العمر بالخيال المتوقد، ولا تعد تخيلات الطفل كذبًا، بل على العكس من ذلك يجب أن نستثمر هذه الملكة الاستثمار الصحيح ونساعده على قول الحقيقة، وذلك بأن نسمي المسميات بأسمائها، مثل هذه قصة، وهذا خيال، وهذه حقيقة.

2-  مرحلة الكذب غير المقصود:

وهي من سن ست إلى تسع سنوات: وفيها يكذب الطفل دون أن يعني ذلك من أجل التهرب من فعل شيء أو الدفاع عن النفس أو الأمان من العقوبة، وفي هذه الحالة يجب التعامل مع الطفل بأريحية وهدوء ودون غضب أو انفعال.

3-  مرحلة الكذب المتعمد:

وهي من سن عشر سنوات فأكثر: وبدءًا من هذه المرحلة العمرية يمارس الطفل الكذب عن قصد وبإدراك كامل، وهنا يجب اتخاذ إجراءات صارمة معه.

وهنا سأتوقف عند المرحلة الأولى وهي التي تعنينا أكثر في هذه الاستشارة، والتي تنسج فيها طفلة السنوات الخمس قصصًا خيالية ببراعة تامة لتبرر فعلتها، والتي تنم عن موهبة يمكن استثمارها.

ويجب على الأهل والمربي في هذه الحالة تنمية هذه المخيلة بشكلٍ مفيد بدلاً من أن يستخدمها الطفل بشكلٍ خطأ؛ إذ يلجأ للكذب لغاية تأليف القصص الخيالية.

وهذا يؤكد أن ما تعتقده المربية تجاه هذه الطفلة حقيقي وعلمي فعلاً، ويمكنك أن تستثمري هذه الملكة لدى الطفلة، كما يمكنك توجيهها لتكف عن الكذب من جانب، ومن جانب آخر توجيهها لتصقل هذه الموهبة وتستفيد منها بدلاً من أن تستخدمها الاستخدام الخطأ.

ولكن قبل كل شيء يجب دراسة حالة هذه الطفلة بدءًا من بيئة البيت ومرورًا بالأسباب التي يمكن أن تكون دافعًا للكذب والتأليف عندها، وفي حال ثبوت أي من الأسباب السابقة فإن هذا يحتاج إلى معالجة عاجلة، ويمكن أن نعرج على الحلول التالية:

1-  تجنبي العقاب؛ لأن العقاب أسلوب غير مجدٍ، والخوف من العقاب هو أحد أسباب الكذب.

2-  تعزيز ثقة الطفلة بنفسها بإبراز الجوانب الإيجابية فيها، وتعويدها على المصارحة، وألا تخاف مهما أخطأت.

3-  تعزيز ثقة الطفل بالمربي وبوالديه؛ كيلا يبحث عن مرجع وملاذ بديل يشعره بالأمان.

4-  ناقشي معها السبب الذي دعاها للكذب وحاولي معالجة ذلك.

5-  امتدحي السلوك الحسن وتجنبي تقريع السلوك الخطأ.

6-  الحرص كل الحرص أن تكوني قدوة حسنة لها، والوصية للأهل أيضًا؛ لأن أروع أساليب التربية هي التربية بالقدوة.

7-  احرصي على الوفاء بما تعدينها به مهما كلف ذلك من ثمن.

8-  إياكِ أن تَكْذِبَ الطفلةُ وترى رد فعل إيجابيًا منك لذلك.

9-  تجنبي الأسئلة الخطأ التي تدفعها للكذب، كأن تريها قد كسرت شيئًا ما وتسأليها: من كسرها؟! بل على العكس من ذلك أعطيها الأمان وهنئيها بالسلامة، وبعدها اسأليها: كيف كسرت حبيبتي هذا الشيء؟!

10-  احرصي على عدم وصمها بالكذب وتكرار ذلك على مسامعها؛ لأنه سيترسخ لديها.

11- ابتعدي عن مقارنتها بغيرها من أقرانها.

12- سرد قصص الصادقين على مسامعها ونتائجها الإيجابية، وما أكثرها في تاريخنا!! والابتعاد عن قصص الكذابين وما ينالهم من سوء.

13- هذه الطفلة كما ذكرت مشروع إبداع فاستثمريه بالجلوس معها وإعطائها بداية لقصة واطلبي منها تكملتها ووضع نهاية لها، وستحصلين على قصص رائعة، وستكون وسيلة لتفريغ ما بها من أفكار وتوجيهها التوجيه الصحيح بوضع نهايات إيجابية لهذه القصص.

مع أطيب تحياتي..

ما الفرق بين خجل الطفل وضعف شخصيته ؟ كيف أوازن بين تربية ولدي على التسامح وعدم تضييع الحق؟! أفكار عملية لمختلف المراحل.. كيف نرسّخ عقيدة أبنائنا حول فلسطين والأقصى؟ انكفاء النُّخب والقيادات الدعوية معرفة أحوال المدعوين.. طريق المربي للدعوة على بصيرة