.

لا شكّ أن ضبط الانفعالات في ظل ضغوط العمل والحياة، له تأثير كبير على الإنسان والمحيطين به، فالمسلم القدوة هو مَن يستطيع التّحكم في انفعالاته أثناء الفرح والحزن، لأنه يتحلى بالخُلُق الطيب الذي يأسر القلوب والأرواح.

ودائمًا، فإن الاندفاع والإقدام السريع على مواجهة الغير، وترك زمام الانفعالات في كل المواقف، يضر بالعلاقات مع الآخرين، لذا أوصى النبي- صلى الله عليه وسلم- رجلًا ثلاث مرات ألا يغضب، وهذا يدل على أهمية التحكم في الانفعالات.

ضبط الانفعالات في الإسلام

الانفعالات هي المشاعر التي يُعبّر عنها الأفراد- مثل الحزن والغضب- كرد فعل على مختلف الأفكار والمواقف التي يُواجهونها.

وحرص الإسلام على ضبط الانفعالات والمشاعر لدى المسلم، ولم يقتصر في ذلك على التحذير من الغضب فحسب، بل تعرض لكثير من جوانب حياة الإنسان وسلوكه.

والله سبحانه خلق النفس، وخلق فيها الانفعالات، فالنفس تحب وتبغض، وترضى وتسخط، وتغضب وتهدأ، وتحزن وتفرح، إلى آخر ذلك من أنواع الانفعالات التي تعتمل داخل النفس التي لا يعلم أحد ما بداخلها سوى خالقها، ولا يعلم حدودها وما يصلحها إلا الذي فطرها.

وإذا بحثنا في كتاب الله- جل وعلا-، وجدنا الكثير من الآيات البينات التي تعمل على ترويض الانفعالات وتهذيبها، يقول تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}. [آل عمران: 133-134].

ويقول- عز وجل-: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ}، [آل عمران: 159]، ويقول تعالى- أيضًا-: {وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا} [الإسراء: 53].

والمشي بهدوء وعدم الرد على الجاهلين المعتدين ضمن وسائل تهذيب النفس وترويض انفعالاتها، لقوله- عز وجل-: {وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا}  [الفرقان: 63].

والحلم والصفح مطلوب للسيطرة على الانفعالات السلبية المؤذية، يقول- جل شأنه-: {وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ} [الشورى: 37]، ويقول- تعالى-: (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) [الشورى: 40].

وشدد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على أهمية ضبط إيقاع الانفعالات في كل المواقف التي يتعرض لها المسلم، إذ يقول- صلى الله عليه وسلم- عن أبي موسى الأشعري: “إنَّ اللهَ تعالى خلق آدمَ من قبضةٍ قبضها من جميعِ الأرضِ فجاء بنو آدمَ على قَدْرِ الأرضِ فجاء منهم الأحمرُ والأبيضُ والأسودُ وبينَ ذلكَ والسَّهْلُ وَالْحَزْنُ والخبيثُ والطيبُ” (صحيح أبي داود).

والغضب هو أصل الشّرور، وسبب المشكلات والخلافات بين النّاس، فالذي يسمح لنفسه بأن يكون تحت أسر مشاعر الغضب فقد تؤدّي به تلك المشاعر إلى ما لا يُحمد عقباه، فربّما أدّى به الغضب- وبخاصّةً إذا كان شديدًا- إلى قتل النّفس المحرّمة أو إيذائها إيذاءً بليغًا، لذا حثّ النبي الكريم الإنسان المسلم على ضبط نفسه بترك مشاعر الغضب.

ولمّا شهدَ النّبي- صلى الله عليه وسلم- حادثة غضب فيها رجلٌ من آخر حتّى انتفخت أوداجه، وتغيّر وجهه، قال- عليه الصّلاة والسّلام-: “إنِّي لَأَعْلَمُ كَلِمَةً لو قالَهَا ذَهَبَ عنْه ما يَجِدُ، لو قالَ: أعُوذُ باللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ، ذَهَبَ عنْه ما يَجِدُ فَقالوا له: إنَّ النبيَّ- صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- قالَ: تَعَوَّذْ باللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَقالَ: وهلْ بي جُنُونٌ!” (البخاري)، ذلك أنّ الغضب هو من الشّيطان فتكون الاستعاذة بالله تعالى في تلك الحالة خير سبيلٍ للإنسان للخروج منها.

ويُعلّمنا النبي الكريم بشكل عملي، كيف نتحكم في انفعالاتنا، فروى أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنه قال: “كُنْتُ أَمْشِي مع النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وعليه بُرْدٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الحَاشِيَةِ، فأدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ فَجَذَبَهُ جَذْبَةً شَدِيدَةً، حتَّى نَظَرْتُ إلى صَفْحَةِ عَاتِقِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قدْ أَثَّرَتْ به حَاشِيَةُ الرِّدَاءِ مِن شِدَّةِ جَذْبَتِهِ، ثُمَّ قالَ: مُرْ لي مِن مَالِ اللَّهِ الذي عِنْدَكَ، فَالْتَفَتَ إلَيْهِ فَضَحِكَ، ثُمَّ أَمَرَ له بعَطَاءٍ” (البخاري).

وطبيعة الإنسان أن يكون منفعلًا لا خاملًا، لكن لا بُد من أن تكون هذه الانفعالات إيجابية ونافعة، لأنّ الشخص الذي لا ينفعل أبدًا، ولا تهزّه الحوادث إما أن يكون مجنونًا لا يعي ما حوله، أو أنه مغيب العقل لسبب ما.

والدين الإسلامي جاء بتهذيب النفس وتربيتها، وتهذيب المشاعر وتنقيتها، وتنحية العناصر المذمومة في النفوس، والتأكيد على استجلاب وجذب وتركيز وتأسيس العناصر الجيدة المفتقدة أو المفتقر إليها، كما جاءت الشريعة بقواعد وضوابط للمشاعر والعواطف(2).

التغيرات الجسدية المصاحبة للانفعال وأثرها

ويصاحب الانفعالات التي تعتري الإنسان، الكثير من التغيرات الجسدية، حيث تظهر بوضوح في ثلاثة أنماط رئيسية:

  1. التغيرات التي تحصل في البنية السلوكية مثل تعابير الوجه الانفعالية: حيث إنه من المعروف أن كل حالة انفعالية لها تعبير يرتسم على ملامح الوجه الذي من خلاله نستدل أو نتعرف إلى الحالة المزاجية للأشخاص، إذ إن الوجه هو النافذة الأساسية لمعرفة مزاجية الأشخاص، وتعابير الوجه الانفعالية عمليات فطرية وليست مكتسبة، وأيضًا تعابير اليدين الانفعالية وحركتها.
  2. التغيرات التي تحصل في البنية الخاصة بالجهاز المستقل: مثل التغيرات التي تحصل في زيادة أو نقصان دقات القلب والتنفس وكهربائية الجلد واللعاب وحركة المعدة والأمعاء.
  3. التغيرات التي تحصل في البنية الهرموني: وهي التغيرات التي تحصل في نسبة الهرمونات نتيجة لحالة انفعالية، مثل هرمون الأدرينالين وهرمون النور أدرينالين وهرمون الكورتيزول(3).

وتظهر آثار الانفعالات على الإنسان جسديًا أو نفسيًا، فربما يتعرض إلى ارتفاع خطر الإصابة بأمراض القلب، أو ارتفاع خطر الإصابة بالسكتة الدماغية، أو خفض كفاءة الجهاز المناعي، أو ازدياد المشكلات النفسية وغيرها من المشكلات التي قد تُؤدي إلى الوفاة.

والانفعال يُؤثر في التفكير، كونه طاقة مخزونة تندفع في توتر نحو إشباع عاجل تناله، وهذه الطاقة هوجاء لا تريد إلا التحرك والإشباع العاجل وبأقصر طريق، ولهذا فإنّ الاندفاع الأعمى الأهوج له أثره بعيد في سلامة التفكير ومستواه.

ويؤثر الانفعال في الصحّة النفسية، إن إن الكثير من الأمراض النفسيّة مصدرها انفعالات أصابها أحد عاملين مهمّين: أولها: أنها متطرفة أرهقت أعصاب صاحبها، وثانيها: محاولة الكبت الصارم للانفعالات الصحّية الفطرية والسعي لقمعها(4).

ولا شكّ أن الاعتداء الانفعالي من أسوأ أنواع الاعتداءات التي يتعرض لها الطفل، ويكون ضررها في بعض الأحيان أكثر وأفدح من الاعتداء الجسدي، بسبب اعتقاده أنه السبب في المشكلة، ما يُؤدي إلى تحطيم شخصية الطفل، ويولّد لديه الإحساس بأنه المخطئ والملوم.

ويأتي تأثر الطفل من خلال انفعالات الآخرين سواء بالغضب منه أو تجاهله أو سبه أو جرح مشاعره أو تعنيفه أو الاستهزاء منه أو التنمر عليه، لذا على الوالدين أن يدركا ذلك في التعبير عن انفعالاتهما أمام أطفالهما، والعمل على التعامل معهم بلطف، وتقديم شرح لهم عما يصدر من انفعالات وأسبابها، بالإضافة إلى إلقاء الكلمات الإيجابية والمحفزة لهم(5).

وسائل تربوية لضبط انفعالات النفس

لقد وضع الشرع الحنيف بعض المعينات التي تعين الإنسان على ضبط الانفعالات والتحكم فيها، ومنها:

  • الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم: من أجل إعادة السلام النفسي للنفس والاستعانة بالله وحده في كبح جماح النفس.
  • التقرب من الله من خلال ممارسة العبادات اليومية والدعاء؛ لأنها تساعد على تهدئة النفس، وفي حال عدم القدرة على تمالك الأعصاب، يمكن أن نتوضأ بمياه باردة.
  • الصمت وتغير الحالة وممارسة الاسترخاء لقوله- صلى الله عليه وسلم- : “إذا غضبَ أحدُكم وَهوَ قائمٌ فليجلِسْ فإن ذَهبَ عنْهُ الغضبُ وإلَّا فليضطجِعْ” (رواه أبو داود).
  • التحلي بالصبر، فهو الخلق الذي يكاد يكون اعتماد ترويض الانفعالات عليه، ومدار تهذيب النفس وتقييد الانفعالات على الصبر.
  • التعبير عن الطاقة الانفعالية بأعمال مفيدة، كممارسة الرياضة لضبط الانفعالات وغيرها من الأعمال النافعة.
  • إثارة استجابات معارضة للانفعال، كالخائف في مكان مظلم يقرأ القرآن أو يتغنى بالأناشيد الإسلامية حتى يذهب الخوف عنه.
  • النظرة المرحة والإيجابية للموقف الانفعالي، كونها تساعد الإنسان على البحث على الأمور الإيجابية وعدم الاستجابة لمثيرات الحالة الانفعالية التي يتعرض لها.
  • تجنب المواقف التي تثير الانفعال والوقوف على دقائق الموقف وخصائصه المثيرة.
  • التدرب على مواجهة المواقف الإحباطية أو المثيرة والعمل على وضع أفضل الطرق للخروج منها بأقل نسبة انفعال.
  • الواقعية في التفكير وفي النظرة إلى مثيرات الانفعال، حيث يجب على المرء النظر بموضوعية إلى المواقف ومثيرات الانفعال ومدى نفعها وخطورتها.
  • التحدث مع الأشخاص المقرَّبين؛ لتفريغ هذه المشاعر السلبية المتراكمة(6).

إن الإنسان يتعرض إلى كثير من الأمور التي تسبب انفعاله، ولا بد للمسلم من احتراف ضبط الانفعالات والتحكم فيها مرضاةً لله أولًا، ثم استيعابًا لمختلف الناس من حوله، ودعوة إليهم بحسن الخلق والسلوك، 

المصادر والمراجع:

  1. سماح طلال عبد المولى: الانفعال، 16 يونيو 2015.
  2. محمد صالح المنجد: كيف نضبط انفعالاتنا؟، 30 ذو القعدة 1399هـ، 1979م.
  3. السيد حيدر طالب: آثار ونتائج الانفعالات، 14 يوليو 2014.
  4. هند حجازي: ما مدى تأثير انفعالاتنا على أطفالنا؟، 16 فبراير 2017.
  5. موقع مقاتل الصحراء: الانفعالات.
ما الفرق بين خجل الطفل وضعف شخصيته ؟ كيف أوازن بين تربية ولدي على التسامح وعدم تضييع الحق؟! أفكار عملية لمختلف المراحل.. كيف نرسّخ عقيدة أبنائنا حول فلسطين والأقصى؟ انكفاء النُّخب والقيادات الدعوية معرفة أحوال المدعوين.. طريق المربي للدعوة على بصيرة