عمر ابنتي من زوجي الأول 14 سنة، وقد تسببت في حدوثِ مشاكل في المدرسة بسبب تأثيرِ رفيقات السُّوء عليها، فمنعتها من صحبتهم، مع العلم أنَّ أولادي من زوجي الثاني لا زالوا صغارًا
السؤال:
عمر ابنتي من زوجي الأول 14 سنة، وقد
تسببت في حدوثِ مشاكل في المدرسة بسبب تأثيرِ رفيقات السُّوء عليها، فمنعتها من
صحبتهم، مع العلم أنَّ أولادي من زوجي الثاني لا زالوا صغارًا (3 و5 سنوات)، ولم
نعثر إلى الآن على "حاملة للمسك" يمكن أن تستفيد من صحبتها. فهل هذا
مقبول تربويًّا؟! وبم تنصحوننا؟! جزاكم الله خيرًا.
الجواب:
أختي الفاضلة: بدايةً أشكركِ على
ثقتكِ بنا، كما أحيي فيكِ حرصكِ على تربية أبنائكِ التربية الصالحة، وأسأل الله أن
نكون سببًا في وصولك إلى مبتغاك، كما أسأله أن يشرح صدر ابنتكِ لطاعة الله والبر
بكِ.
وأمَّا بالنسبة لاستشارتكِ؛ فجوابي
في النّقاط التالية:
أولًا: أنا معك في أهمية البحث عن
(حاملة المسك) لابنتك؛ لأنَّه قد أثبتت التجربة، واتَّفق علماء الأخلاقِ والتربيةِ
والتعليم، على تأثير الأصدقاء والعشرة، فإذا كان الصّديق فاسدًا ومنحرفًا في دائرة
السُّلوك الأخلاقي، فسيؤثِّر على صديقه السليم من موقع الانحراف كذلك، والعكس صحيح
أيضًا، فالكثير من المؤمنين والأقوياء الإرادة، استطاعوا أن يؤثِّروا على زملائهم
الفاسدين، وعلى مستوى الهداية والإصلاح، بحيث جعلوا منهم أُناسًا أتقياء، وملتزمين
في دائرة السُّلوك الدِّيني والأخلاقي.
ولكن لكي يُؤتي هذا الاختلاطُ ثمارَه
التربوية المرغوب فيها؛ فلابدَّ أن يُحسِن المُرَبُّون اختيارَ الصُّحْبَة التي
يختلط بها الطفل، وكذلك لابدَّ أن يُحسن الفردُ في كلِ مرحلةٍ من مراحلِ حياته
اختيارَ صحبته ورفاقه، وهو ما نبَّه عليه الحق -سبحانه وتعالى- بقوله: (وَيَوْمَ
يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ
الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا)
[الفرقان: 27، 28]، ويقول سبحانه: (الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ
عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ) [الزخرف: 67].
كما نبَّه النبي ﷺ على أهمية اختيار
الصاحبِ والرفيق، فقال ﷺ: "المرءُ على دين خليله؛ فلينظرْ أَحَدُكُم من
يُخَالِل". [أخرجه أبو داود والترمذي]، ويقول أيضًا: "مَثَلُ الْجَلِيسِ
الصالح والجليس السَّوء كحامل المسك وَنَافِخِ الْكِيرِ؛ فحاملُ المسك إمَّا أن
يُحْذِيَكَ، وإمَّا أن تَبْتَاعَ منه، وإمَّا أن تجد منه ريحًا طيِّبة، وَنَافِخُ
الْكِيرِ إمَّا أن يُحرِق ثيابَك، وإمَّا أن تجد منه ريحًا خبيثة". [أخرجه
البخاري].
ولكنني أطرح بين يديك هذا السؤال:
لماذا لا تجعلي ابنتك هي حاملة المسك؟! ألا يمكن هذا؟! بلى، ولهذا تأملي جيدًا في
النقاط التالية:
أولًا: من أهم الأساليب التربوية
الناجحة: أن يكون للأسرة مرجعية تربوية واضحة لما هو صحيح أو خطأ، ولما هو حلالٌ
أو حرام، وأن يكون مبدأ الثواب والعقاب قائمًا -دونما إفراط أو تفريط-، وبذلك يتعلم
الطفل القانون الأخلاقي، ويصبح هذا القانون جزءًا من ذاته يحكم سلوكه بآلية
داخلية، فلا يحتاج طول الوقت لتعديل سلوكه من الخارج.
ثانيًا: لست أريد أن أطيل عليكِ بما
سطَّره أهل الاختصاص فيما يتعلق بأمر المراهقة، ولكنِّي أشعر بأنَّه من الضروري أن
تكوني على علمٍ ومعرفةٍ ولو بشيءٍ يسير من ذلك، لتتمكني من التعامل بنَفَسٍ طويل
مع هذه المشكلة، وما قد يمر عليك من أمثالها مع أولادك أو بناتك.
فهذه الفترة العمرية (14-18) تعرف
بالمُراهقة الوسطى، وفيها يكتمل النُّمو الجسمي، وتبدأ الخصائص الجنسية بالاكتمال،
ويصاحب ذلك جملة من التقلبات والتغيرات النَّفسية.
وهذه التَّحولات الهرمونية والتغيرات
الجسدية في مرحلة المراهقة لها تأثيرٌ قويّ على النَّفسية والمزاج، والعلاقات
الاجتماعية، ويمكن أن يكون لها ردَّةُ فعلٍ معقدة، تكون عبارة عن مزيجٍ من الشعور
بالمفاجأةِ والخوفِ والانزعاج، بل والابتهاج أحيانًا، وهناك أشكالٌ مختلفة
للمراهقة، منها:
• مراهقة سوية خالية من المشكلات
والصعوبات.
• مراهقة انسحابية: حيث ينسحب
المراهق من مجتمع الأسرة، ومن مجتمع الأقران، ويفضَّل الانعزال والانفراد بنفسه،
حيث يتأمل ذاته ومشكلاته.
• مراهقة عدوانية: حيث يتسم سلوك
المراهق فيها بالعدوانِ على نفسه وعلى غيره من النَّاس والأشياء.
ويؤكد بعض الباحثين أنَّ هناك جملة
من المشكلات تظهرُ في مرحلة المراهقة، كالانحرافات الجنسية، والشذوذ، والجنوح،
وعدم التوافق مع البيئة، وكذلك الاعتداءات والسرقة، والهروب، وغيرها.
وهذه الانحرافات تحدث نتيجة شعورِ
المراهق بالحرمان في المنزل أو المدرسة من العطفِ والحنانِ والرِّعاية والإشراف،
وعدم إشباع رغباته، وأيضًا لضعف التَّوجيه الديني.
وهنا أوصيك -أيتها الأخت- بعدَّة
أمور، ومن أهمها:
• الجلوس مع ابنتك، وفتح القلب لها،
وكسر الحواجز النَّفسية الوهمية بينكما، والدور الأكبر هنا يقع عليك أنت -أيتها
الأم-.
• إشعارها بأنَّها أصبحت كبيرة
ومسؤولة عن تصرفاتها، وأنها دخلت مرحلة التكليف، وأصبحت مسؤولة عن تصرفاتها أمام
الله، ثم أمام الناس.
• استشارتها وإشراكها في المسؤوليات
بأيِّ شكلٍ من الأشكال، لإيصال الرسالة بأنَّها لم تعد صغيرة، وأنَّها عضوٌ مشارك
وفعالٌ في المنزل.
• ضرورة التَّعرف على صاحباتها،
والتَّواصل معهم والتَّرحيب بهم في المنزل، وعدم ترك علاقاتها بهم سرية تمامًا.
• أهمية مشاركتها في نشاطاتِ المنزل
من إعداد الطعام، والنزهة، وأعمال المنزل واستقبال الضيوف، وإعطائها دورًا فاعلًا
في ذلك.
• تشجيعها على ممارسة شيءٍ نافعٍ
تتميز به؛ لأنَّها في هذه المرحلة تحب أن تتميز على الآخرين بشيءٍ ما، كدراسة لغة،
أو قراءة، أو دورة نافعة أو غير ذلك. ومن أخطر الأمور بقاؤها دون دراسة ولا عمل
ولا شيء نافع يشغلها.
• من أهم الأمور أن نكون نحن قدوة
صالحة لأبنائنا وبناتنا، وأن ترى البنت من أمها الصلاح والاستقامة، فمن غير المنطق
أن تكون بعض سلوكياتنا مخالفة لأقوالنا وتوجيهاتنا.
ختامًا: أسأل الله أن يصلح لك جميع
أولادك، وأن يرزقكم جميعًا الحياة الطيبة في ظل طاعته، والسلام عليكم ورحمة الله.
إضافة تعليق