محمود درمش

مدخل:

معظم ما يواجهه العالم الإسلامي اليوم على المستوى الجمعي من المشكلات الثقافية والاجتماعية وحتى السياسية والاقتصادية له علاقة بموضوع الهويّة، وعلاقة بمدى قبول المسلمين لملامح لا تنتمي للهويّة التي يحملونها على المستوى الإقليمي المحلي أو على المستوى الإسلامي العام.

والهويّة ليست مسألة يسيرة؛ بل تُعدّ من أهمّ المسائل المتعلّقة بتاريخ الأمم والشعوب ووجودها، بل بحياة الأفراد أنفسهم، وأشدِّها التصاقًا بمفاهيمهم المعرفية والثقافية؛ فكلّ جماعة أو أمّة تحتاج لهويّة تميّزها عن غيرها من الجماعات والأمم، وتمكّنها من المحافظة على وجودها، مما يجعلها المؤثر الأكبر في التاريخ ووقائعه؛ بما في ذلك قيام الدول والإمبراطوريات، وتنافسها واختلافها فيما بينها، كما أنّ الهويّة تُعدّ سببًا رئيسًا وجوهريًّا في نشوب الحروب -والكبرى منها على وجه الخصوص- بما في ذلك المعاصر منها.

ما المقصود بالهويّة؟

لفظ هوية يعني: الشيء نفسه بما يجعله مغايرًا ومميزًا عما يمكن أن يكون عليه شيء آخر([1]).

وعلى المستوى الفردي: تمثّل الهويّة ما يميّز الشخص عن غيره من صفات أو سلوكيات.

وهي لا تختصّ بالأفراد، لذلك تشمل الكيانات والمجتمعات والأمم والدول، فكما أنّ للفرد هويته الدينية والسلوكية، فكذلك للمجتمعات والدول هويّة فكرية وسلوكية تمثّل المبادئ والقيم التي قامت عليها، وبها تُعرف، وتتميّز عن غيرها، وتدافع عنها وتحفظها.

وللهويّة مكونات لغويّة، وعرقيّة، وجغرافيّة، وفكريّة، ودينيّة؛ وتبعًا لذلك فالهويّات التي يمكن أن تشكّل الجماعات والدول أو تنادي بها قد تكون قوميّة أو وطنية جغرافية أو دينية، أو فكرية بغضّ النظر عن صحّة أفكارها.

ولا يمكن أن تقوم جماعة أو دولة إلا على أساس هويّة تعتنقها وتنتسب لها، وتوالي وتعادي على أساسها، وقد أفرد ابن خلدون فصلاً في مقدّمته، عنوانه: “الدُّوَلُ العامةُ الاستيلاءِ، العظيمةُ الملكِ، أصلُها الدين”([2])، والدين هنا هو تعبير عميق عن حالة الهويّة.

وهو ما أشار له ابن خلدون بالعصبية، والتي يمكن تعريفها بـأنها: تكتّل كبير متآلف متعاطف متلاحم يسعى لغاية معيَّنة، أو هي القوةُ الجماعية التي تمنح القُدرة على تأسيس الدول وحمايتها([3]).

وفائدة هذه العصبية أنها سبب للتناصر والمدافعة والمغالبة؛ وهذا من مقتضيات الهويّة، وهي التي تجمع الأفراد وتربط بينهم، وتحميهم.

وقد أشار ابن خلدون إلى أن العصبية تحمل الأفراد على التعاضد والتناصر وترهيب العدو؛ ومما يؤدي للمدافعة والحماية([4])، ويقول: “إن العصبية بها تكون الحماية والمدافعة والمطالبة، وكل أمر يُجْتَمع عليه”([5]).

الهويّة والاستقرار النفسي والمجتمعي:

الهويّة عامل مهمّ في الاستقرار المجتمعي داخل الدولة الواحدة، وأهميته تتجاوز ذلك إلى حدِّ الضرورة لتحقيق الاستقرار النفسي للفرد والاستقرار الاجتماعي للأسرة، ومن نافلة القول: إنَّ العلاقة تبادلية بين الفرد والمجتمع والدولة في هذا الجانب، فإذا توافقت هويّة الفرد مع هويّة مجتمعه فشعوره سيتّجه نحو الأمن والراحة والإحساس بالانتماء، وإذا تصادمت الهويات حصل التنافر وظهرت الأزمات والصراعات التي تزعزع الاستقرار الضروري للنهوض والنمو والبناء.

ولذلك تحرص الدول التي تضمّ هويات متنوّعة إلى صياغة هويّة وطنية جامعة تستوعب التنوع والاختلاف الموجود بين الهويّات المكوّنة، لتستفيد من اجتماع المكونات العرقية والإثنية والثقافية وهوياتها الجزئية المتعدّدة.

لكن هذه الهويّات الجامعة كانت في الحضارات السابقة قاصرةً عن استيعاب جميع مكوّنات المجتمع، فالطبقية حاضرةٌ في معظم الامبراطوريات والأمم والممالك بالرغم من وجود ما يشبه الهويّة الجامعة، ففي الامبراطوريتين اليونانية والرومانية -مثلاً- تمّت صياغة أنموذج للتعايش بين القوميات والثقافات المختلفة وبما يحقق المصالح الحيوية العليا للإمبراطوريتين، لكنّ القبول بالثقافات الأُخرى جاء تحت سقف الاعتراف بتفوق الثقافتين اليونانية والرومانية([6])!

ولم تذب الفوارق تمامًا إلّا في الحضارة الإسلامية التي رفعت من قيمتي العدل والرحمة، وجعلتهما أساسًا في التعامل بين الناس، وقدّمت هويّةً راسخةً جامعةً ذات أساس عقديٍّ واضحٍ وتطلّعاتٍ مستقبليةٍ بعيدة المدى، وملامحَ خاصّةٍ متميّزةٍ لهذه الهويّة في الطعام والشراب واللباس، والعبادات والعادات اليومية، والمواسم الأسبوعية والسنوية، وغيرها.

ولذلك نعمت هذه الحضارة بعدالة اجتماعية لا نظير لها على مرّ التاريخ، حتى استوعبت غير المسلمين وبرز في ظل هذه الحضارة عددٌ من غير المسلمين في مجالات علمية متعدّدة دون أن يتعرّضوا لتهميش أو إقصاء.

تصادم الهويّات:

يمكن للهويّات أن تتصادم على المستوى الحضاري الأممي، كما حصل بين الأمّة الإسلامية الناشئة والإمبراطورية الساسانية الفارسية، وما حدث بين الأمّة الإسلامية والإمبراطورية البيزنطية على مرّ عدّة قرون، وما شهده العالم في هذا العصر بين الشرق الاشتراكي والغرب الرأسمالي، لكن ثمّة تصادمٌ وصراع هوياتٍ من نوعٍ آخر يحدث في العالم اليوم، خصوصًا مع الهيمنة الغربية السياسية والعسكرية والاقتصادية والإعلامية.

فمع قابلية المغلوب لاتّباع الغالب بدأت تتآكل الهويات المحلّية للبلدان المغلوبة لصالح هويّةٍ غريبةٍ دخيلة، فترى تَسرُّب مراسم الزواج الغربية إلى بلدانٍ بقيت قرونًا منغلقةً ثقافيًا كاليابان وكوريا، وصِرتَ ترى محاكاةً للحياة الغربية في بلدان تفيض ثراءً بالهويات المحلّية كالهند ودول القارة الأفريقية، وكثيرًا ما تسمع عبارات ومفاهيم وتلمحُ سلوكياتٍ بين الشباب هنا وهناك لا تنتمي إلى ثقافاتهم المحلية، خصوصًا على شبكات التواصل الاجتماعي، فضلاً عن ميل الشباب في معظم دول العالم إلى تقليد الشباب الغربي في مأكله وملبسه، وطريقة مشيته والطريقة التي يتكلّم بها. وليس شبابُنا المسلم ببعيد عمّا أصاب غيره؛ وهذا بلا شكّ يستدعي التوقّف ورفع الأصوات وتداعي النداءات للتدخل لحماية الشباب المسلم من الذوبان في هويّة أعدائه، أو حتى مجرّد الإعجاب بها، وهو يمتلك هويّة خيرًا منها.

بين الهويّة الكلّية والهويّة الجزئية:

الهويّة الكلّية الجامعة التي حفظت المسلمين قرونًا متطاولة هي الهويّة الإسلامية ذات الملامح والصفات المعروفة، وهذه الهويّة ما زالت حاضرة في نفوس ومجتمعات وبلدان المسلمين على تفاوُتٍ فيما بينهم، وهي في الحقيقة: الانتماء إلى الله ورسوله وإلى دين الإسلام وعقيدة التوحيد التي أكمل الله لنا بها الدين وأتمّ علينا بها النعمة، وجعلنا بها الأمّةَ الوسط: ﴿‌كُنْتُمْ ‌خَيْرَ ‌أُمَّةٍ ‌أُخْرِجَتْ ‌لِلنَّاسِ﴾ [آل عمران: 110]، وصُبغنا بفضلها بخير صبغة ﴿‌صِبْغَةَ ‌اللَّهِ ‌وَمَنْ ‌أَحْسَنُ ‌مِنَ ‌اللَّهِ ‌صِبْغَةً ‌وَنَحْنُ ‌لَهُ ‌عَابِدُونَ﴾ [البقرة: 138].

هذه الهويّة يتبنّاها المسلمون، ويعتزّون بالانتساب والانتماء إليها، والانتصار لها، والموالاة والمعاداة على أساسها، وبها تتحدّد شخصية المسلم وسلوكه، وعلى أساسها يفاضل المسلم بين البدائل، وهي التي تمثّل الحصن الذي يتحصَّن به أبناء المجتمع المسلم، والنسيج الضامّ الذي يجمعهم، والمادة اللاصقة بين لبناته، وإذا فُقدت تشتت المجتمع، وتنازعته المنتاقضات.

وتحت هذه الهويّة الجامعة توجد هويات أخرى جزئيّة ينتمي لها الناس هنا وهناك -كالأعراق والمناطق واللغات والمذاهب والطوائف والبلدان- وهي لا تتعارض مع الهويّة الكلّية للمسلمين، بل تتكامل معها إذا وُضعت في موضعها الصحيح.

لكنّ أعداء الإسلام عرفوا مصدر قُوته فعمدوا إلى تفريق الصف المسلم باستمالة فئاتٍ من أبناء المسلمين ومن بعض الأقليات، وتحريضهم لإثارة الهويّات الجزئية وتقديمها على الهويّة الكلّية الجامعة، فأثاروا القوميات وحرَّضوا الترك على العرب والعرب على الترك، وقسّموا المسلمين إلى دويلات، وتركوا بعض القوميات بلا دولة، ثم قسّموا القوميات بين الدول، وتركوا في كلّ دولةٍ جيبًا وأقلّيةً لا تنتمي للهويّة الجزئية التي قامت عليها الدويلة، ثم عيّنوا وكلاء لهم على رأس هذه الدول يجرّبون في الناس القومية حينًا والاشتراكية والرأسمالية حينًا آخر، وتارة يتمسَّحون بالإسلام إذا كان في مصلحتهم، ويحاربونه إذا عارض مصالحهم.

وفي البلاد التي تنعُم بشيء من الحرّيات نجد أنّ الأحزاب السياسية متعدّدة الهويّات، وبعضها يعلن هويته وبعضها يُبطنها، وحدّث ولا حرج عن تبعية كثيرٍ منها للقوى الدولية ووضعها للعصا في عجلات السياسة واستقرار البلاد.

وهكذا يتيه الشباب ويتخبّط المجتمع بين الهويات الجزئية الطبيعية، والهويّات المستوردة، وبين الهويّة الأصلية الجامعة التي ورثها ويعيشها، ويُراد منه أن يتخلّى عنها؛ فبينما يطالب كثيرٌ من أهل الإسلام بالمنتجات والتطبيقات في التعليم والإعلام والاقتصاد والقوانين التي تتوافق مع هويتهم، تجد أنّ آخرين يرفضون هذا، ويدافعونهم بحُججٍ متعدّدة ولو كانت معارِضةً للدين الإسلامي، فالمسلم يعتقد أنّ الله خلق آدم خلقًا مستقلاً بالنصّ الصريح للقرآن الكريم، لكنّ المناهج المعتمدة في كثير من الدول الإسلامية تتبنّى نظرية التطوّر والسلف المشترك بين الإنسان والقرد! والربا حرامٌ قطعي بنصّ الكتاب والسنّة، لكنّ البنوك في البلدان الإسلامية تُقرض الناس بالفوائد الربوية إلا ما ندر! والمجتمع المسلم يميل إلى الستر والحشمة والاقتصاد في مسائل الزواج ومراسمها، بينما العادات التي نشرتها شبكات التواصل الاجتماعي تدفع الناس إلى التصوير والمباهاة المفضية إلى السَرَف وإنفاق المال بلا طائل.

وهكذا كلَّما ابتعدت هويّة الدولة عن الهويّة الإسلامية، وكلّما تمسّك الناس بالهويات الجزئية وقدّموها على الهويّة الإسلامية الجامعة؛ ازدادت المشكلات التي يُواجِهُها المسلم المستقيم، وانحسرت مساحات الانسجام النفسي التي يستطيع بها العطاء والحركة، حتى يجد نفسه بعد تفاقم الأزمة كأنّه يسبح عكس التيار، ومن هنا يمكننا فهم معنى حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (‌بدأ ‌الإسلام ‌غريبًا، وسيعود كما بدأ غريبًا، فطوبى للغُرباء)([7]).

ضرائب مضاعفة:

هذه الغربة التي يعيشها المسلم المتمسّك بهويّته الإسلامية لها ضرائب أبعد من مجرّد مواجهة تطبيقات ومنتجات لا تتّسق مع هويته التي يحملها؛ لأنّ حالة عدم الارتياح التي يعيشها -مع ما أُمر به من الدعوة لدين الله وتقريبه للناس- ستدفعه إلى مدافعة الهويات المصادمة، وإذا كان أصحاب هذه الهويات مدعومين بقوةٍ ما (الدولة أو غيرها من القوى الخارجية) فستكون المدافعة أصعب وأعتى.

ومع طول المدافعة وصعوبة الحسم، ستبدأ رحلة وضع الخطط والبدائل والتعايش المرحلي مع الهويّات المصادمة في أجواء الحذر والحلول المؤقّتة، وحتى تصل الجماعة المؤمنة المتمسّكة بهويتها إلى غايتها فإنّها قد تضطر للتحالف مع جماعات أخرى قد لا توافقها تمامًا في هويّتها ومبادئها لكنّها لا تصادمها أو تعاديها بشكلٍ شامل. وفي خضمّ هذا الصراع وطول أمد المواجهة قد تجد الجماعة نفسَها ضعيفةً أمام خصومها نتيجة فتور الهمّة أو السلبية والاستسلام للأمر الواقع، في حين أنّ الخصوم متحمّسون فاعلون حاملون لرايتهم منافحون عنها، بل قد نجد أنّ العَلماني والليبرالي يتمسّك بهويّته ويشعر بالتهديد المحيط بها وينافح عنها أكثر من صاحب الحقّ! وهذا يذكرنا بقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “اللهم إني أعوذ بك من جلد الفاجر وعجز الثقة”، وهذا مشاهد وملموس([8]).

تمزيق الهوّية الجامعة:

لا يتوقّف كيد الأعداء في محاربة أهل الحقّ عند ضرب هويّتهم، بل يمتدّ إلى محاولة تمزيق صفوفهم بزرع الفتن بينهم، وإشغالهم بقضايا جانبية، وردود شخصية؛ مما يسهم في تشتيت تمسّكهم بالهوية الجامعة التي توحّد صفوفهم وجهودهم في مقارعة الباطل، الأمر الذي يجعلهم جماعاتٍ وأحزابًا متناحرة -بل ومتقاتلةً في بعض الأحيان- بدل أن تكون متعاونةً متعاضدةً تجمعُها فكرةٌ واحدةٌ وغايةٌ واحدةٌ. هذا التمزيق يحدث بفعل القوى المعادية التي تزرع الفتن وتستقطب مَن تجد فيه أهليةً للانخداع بها وتحقيق أهدافها، ويحدث أيضًا بدون تدخّل هذه القوى الخارجية؛ فبذور الخلاف والصراع موجودة لدى كثير من المسلمين الغافلين يستغلّها الشيطان ليضرب الأفراد والجماعات ببعضها، وقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا الأمر مبيّنًا ومحذّرًا فقال: (‌إن ‌الشيطان ‌قد ‌أَيِسَ ‌أن ‌يعبده ‌المصلون ‌في ‌جزيرة ‌العرب، ولكن في التحريش بينهم)([9])، وقال: (‌سألت ‌ربي ‌ثلاثًا، ‌فأعطاني ‌ثنتين ‌ومنعني ‌واحدة: سألت ربي أن لا يهلك أمتي بالسَّنَة فأعطانيها، وسألته أن لا يهلك أمتي بالغرق فأعطانيها، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها)([10]).

ومما أسهم في فعالية هذا التمزيق: وسائل التواصل الإعلامي والاجتماعي التي يتصدَّر فيها كلُّ رويبضة، ويتبعه ويصفّق له شريحةٌ عريضةٌ من الشباب المخدوع المتحمّس؛ مما يدفع بعض العلماء للردّ عليهم وتفنيد شبهاتهم في محاولة لتحجيمهم وإنقاذ أتباعهم من الغوص في الفتن والاستمرار عليها؛ فتكثر المهاترات وتتصدّر المجالس والنوادي([11])، وتحل محلّ التربية والتعليم والدعوة والجهاد بالقلم والسنان، وكثيرًا ما تتجاوز إلى التحزّب والاصطفاف وتبديع الآخر وتفسيقه أو تكفيره، لتصل عند فئةٍ إلى حدّ استعداء الدولة أو أي قوّةٍ يمكنُها إخفات أصوات الخصوم وقمعهم ولو بالسَّجن أو التشريد.

كلمة حقّ ونصح:

على الأعيان من أهل العلم والفكر ومن أصحاب الأحلام والنُّهى أن يتعاطوا مع قضية الهويّة بالحكمة، ويبادروا لحماية الشباب بزرع الهويّة الصحيحة فيهم، وتربيتهم على ملامحها وصفاتها وفق هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وبثّها بالحكمة والموعظة الحسنة، وأن يقضوا في ذلك جلّ أوقاتهم، فما أسرع السنين وأقصر الأعمار، ورُبَّ بذرةٍ تنبت شجرة باسقة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، تكون ظلّاً وارفًا تنشر الأمان وبذور الخير في الوديان والسهول.

ومن الحكمة تعليم الناس التفريقَ بين المخالف الذي يمكن مهادنته أو التعامل معه، والمخالف الهادم الذي يجب الحذر والبراءة منه، وتوطين الناس على تقديم الهويّة الكلية على الجزئية ما لم يكن هناك تناقض هادم.

وعلى أصحاب المشروعات البنّاءة حمايتَها من الاختراق والارتهان، سواء كان من الداخل أو من الخارج، وعدم الانعزال عن المحيط السنّي العام، بل لا بد من مدّ جسور الحوار والتعاون، وتمتين حبال الثقة فيما بين الصادقين.

ولا بدَّ من الوعي لمخططات الأعداء، وعدم الثقة بهم ولا بمن يدور في فَلكِهم ويحقّق غاياتِهم وأهدافَهم وإن حسُن مظهره واتَّسعت مكتبته وكثُرت مؤلفاته.

خاتمة:

الأعداء اليوم يمتلكون أدواتٍ كبيرةً جدًّا، واستراتيجياتٍ ضخمةً جدًا، في مختلف المجالات والنطاقات، لدرجة أنّ أي خيار استراتيجي نتَّخذه يمكن لهم أن يستثمروه لصالحهم بفضل ضخامة إمكاناتهم، وتخلّف أحوالنا، إلى درجة توهّم بعض الناس أنّهم يخططون لكلّ شيء ويدبّرون كلّ شيء، والأمر ليس كذلك، لكنّنا مع الأسف متفرّقون وهم يجيدون استخدام هذه الثغرات والفرص التي تتيحها لهم الخلافات بين المسلمين، والأمثلة لذلك لا تنتهي.

والشيء الوحيد الذي يمكن أن يُفشل مخططاتهم هو اتفاق المسلمين فيما بينهم، وتجنّبهم للاقتتال والتناحر، حينها سيكون أهل الإسلام قادرين على الاصطفاف والاتحاد والمواجهة تحت مظلّة هويتهم الكلّية الجامعة.

([1]) دور المقاومة الثقافية في صياغة الهوية الجماعية، دراسة في الهوية الجماعية للعرب في إسرائيل، لعزيز حيدر، المستقبل العربي، العدد 205، مارس 1996م.

([2]) المقدمة (197).

([3]) مقال: نظرية العصبية عند ابن خلدون وواقعنا اليوم، د. محمد العبدة، مجلة رواء، العدد 21.

([4]) المقدمة، ص (160).

([5]) المقدمة، ص (174).

([6]) مقالة: الكوزموبوليتانية: مواطنة عالمية أَم عولمة غربية؟ للدكتور أمين نعمان الصلاحي – مجلة رواء – العدد 21.

([7]) أخرجه مسلم (145).

([8]) يحصل بشكل مشاهد أن يقل حماس مؤيدي الأحزاب المحافظة، فلا يشاركون في التصويت، بينما يكون مؤيدو الأحزاب العلمانية أو اليمينية أوفياء مندفعين لنصرة حزبهم، فيخسر الحزب المحافظ الانتخابات مع أن قاعدته الجماهيرية عريضة بسبب فتور أتباعه أو اختلال فهم طبيعة الصراع الهوياتي في الساحة.

([9]) أخرجه مسلم (2812).

([10]) أخرجه مسلم (2890).

([11]) ومن أمثلتها ما يحصل اليوم من اشتغال بعض الرويبضة في الطعن في علماء الأمة، وتشجيع الشباب على النيل منهم، وإشغال الناس بالمهاترات والخلافات التي لا طائل منها إلا الفرقة والتشويش.

ما الفرق بين خجل الطفل وضعف شخصيته ؟ كيف أوازن بين تربية ولدي على التسامح وعدم تضييع الحق؟! أفكار عملية لمختلف المراحل.. كيف نرسّخ عقيدة أبنائنا حول فلسطين والأقصى؟ انكفاء النُّخب والقيادات الدعوية معرفة أحوال المدعوين.. طريق المربي للدعوة على بصيرة