الداعية لا ينجح في دعوته ولا يكون موفقا في مهمته حتى يعرف من يدعوهم، وكيف يدعوهم؟ وماذا يقدم لهم وماذا يؤخر؟

الداعية لا ينجح في دعوته ولا يكون موفقا في مهمته حتى يعرف من يدعوهم، وكيف يدعوهم؟ وماذا يقدم لهم وماذا يؤخر؟ وما القضايا التي يعطيها أهمية وأولوية قبل غيرها؟ وما الأفكار الضرورية التي يبدأ بها؟

وهذه الطريقة في الدعوة -طريقة البدء بالأهم قبل المهم- هي طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم والذين اتبعوه بإحسان فقد أخرج الشيخان وغيرهما عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما بعث معاذًا إلى اليمن، قال له: ((إنك تقدم على قوم أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإن هم أطاعوك لذلك، فأعلمهم أن الله تعالى افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوك،فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة، تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم، فإذا أطاعوك بها فخذ منهم، وتوقَّ كرائمَ أموالهم، واتقِ دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب)).

من هذا النص يتبين : أن على الداعية أن يبدأ بالأهم ثم المهم، أن يبدأ في الدعوة بالعقيدة قبل العبادة، وبالعبادة قبل مناهج الحياة، وبالكليات قبل الجزئيات، وبالتكوين الفردي قبل الخوض في الأمور العامة. ومما يؤكد هذه الأهمية دعوة النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى ما هو أهم عما هو مهم في الفترة المكية، ففي هذه الفترة بالذات كان -صلى الله عليه وسلم- يركز في الدعوة إلى الله على الإيمان بالله ووحدانيته، والتعرف على الله عن طريق الظواهر والآثار، ويركز أيضًا في الرد على مزاعم الدهريين، وإقامة الحجة عليهم، ومنكري البعث، ودحض مفترياتهم، ويركز كذلك على إثبات الرسالة، وإظهار خصائصها، وفضح الجاهلية، وتجسيد عوارها ومفاسدها.

ولو لم يكن النبي -صلى الله عليه وسلم- عالمًا بمعتقدات القوم، بصيرًا بأحوال الجاهلية، خبيرًا بعادات البيئة، لَمَا بدأ معهم بإصلاح العقيدة التي هي في نظره الأهم، ولَمَا ركز في دعوته على هذه القضايا التي تصل بالإيمان بالله ووحدانية الخالق، وترتبط بالاعتقاد بالمغيبات، حتى إذا دخل القوم حظيرة الإسلام وخالط الإيمان بشاشة قلوبهم، جاءت مرحلة المهم، ألا وهي التزام القوم الإسلام على أنه أصول معاملة، ومبادئ حكم، ومناهج حياة.فهذا ما ركز عليه -صلى الله عليه وسلم- في الفترة المدنية حين أقام معالم المجتمع الفاضل في المدينة المنورة بعد أن صلحت عقيدة الأمة، وترسَّخ في أبنائها الإيمان بالمغيبات.

ويخطئ الداعية حين يكون في مجتمع يدين أهله بالشيوعية، ويذهب يحدثهم عن العبادة أو مناهج الحياة، أو أخلاق الإسلام، يحدثهم بهذا، وقد ترك التحدث بالأهم، ألا وهو التكلم عن الآثار والظواهر التي تدل على الله، والتحدث عن البراهين العقلية والأدلة العملية التي توصل الإنسان إلى معرفة الله ووحدانيته، ويمكن أن يستقرئها الداعية من آيات الكون الباهرة، وظواهر الحياة المبدعة، ومعالم التكوين الدقيق في خلق الإنسان، وما أكثرها في العالم السفلي والعالم العلوي وعالم الحياة.

ويخطئ الداعية حين يكون في بيئة يدين أهلها بالإسلام، ولكن يغلب عليهم الطابع الأمي، والمظهر الفطري، والاتجاه السليم، ويذهب يحدثهم عن الفلسفات الفكرية العالمية ونقدها، والنظريات العلمية الحديثة، وموقف الإسلام منها، والمذاهب الاجتماعية الحاضرة وتناقضها مع بعضها، يذهب يحدثهم بهذا وقد ترك التحدث بالأهم، ألا وهو العلم والتعلم، والأخلاق والتخلق، والإيمان وأثره، والعبادة ومفهومها، والمعاملة وحقيقتها. وبود الداعية أن يصنف المواضيع التي يطرحها في بيئة كهذه على حسب أهميتها؛ ليتناول واحدةً بعد واحدةٍ في الوقت المناسب حتى ينتهي منها.

فالداعية إذن لا يكون حكيما ولا موفقا ولا يمكنه بحال أن يحدث في البيئة تأثيرا ولا تغييرا حتى يعلم كيف يبدأ، ومن أين يبدأ؟ وماذا يقدم وماذا يؤخر؟ وحتى يعلم أيضا القضايا التي يعطيها أهمية وأولوية قبل غيرها، والأفكار الضرورية التي يعرضها ويبدأ بها وبالاختصار: حتى يتدرج في دعوته بالأهم ثم المهم..

وهذا كله لا يتأني كما سبق ذكره حى يدرس البيئة التي يدعو فيها إلى الله دراسة شاملة، ويعرف كل شيء عن أفكار أهلها واتجاهاتهم العقائدية وأحوالهم الاجتماعية ونزعاتهم الأخلاقية وأوضاعهم الثقافية.. وبهذا كله يستطيع الداعية أن يخطابهم على قدر عقولهم والأفكار التي يتفاعلون معها، كل على حسب سنه وكل على حسب ثقافته، وكل على حسب التزامه بالإسلام .. للشعار الذي رفعه سيد الدعاة صلوات الله وسلامه عليه ليكون للدعاة في كل كل زمان ومكان منار يسيرون على هداه ونبراسا يستضيئون بنوره: (( أمرنا .. أن نحدث الناس على قدر عقولهم)) ، ((حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يكذب الله ورسوله؟)).

فاحرص أخي الداعية على أن تسلك في تبيلغ الدعوة منهج البدء بالأهم ثم المهم .. وهو منهج قويم رسمه رسول الإسلام صلوات الله وسلامه عليه كما علمت فإذا نفذت ذلك كنت من الدعاة المرموقين الذين لهم في مجال الإصلاح أثر، وفي ميدان الدعوة تغيير. 

ما الفرق بين خجل الطفل وضعف شخصيته ؟ كيف أوازن بين تربية ولدي على التسامح وعدم تضييع الحق؟! أفكار عملية لمختلف المراحل.. كيف نرسّخ عقيدة أبنائنا حول فلسطين والأقصى؟ انكفاء النُّخب والقيادات الدعوية معرفة أحوال المدعوين.. طريق المربي للدعوة على بصيرة