استَهلَّ المؤلف كتابه ببيان حقيقة الحياة الدنيا وأنها دار ابتلاء لا جزاء، وأنَّ تربية الأبناء من أشد ابتلاءاتنا في الحياة، وأنَّ دور الوالِدَين في التربية أهم بكثير من دور المدرَسة، وأنَّ الهدف من التربية هو تنشئة جيلٍ مُلتزِمٍ بتعاليم دينه،
اسم الكتاب:
«تأسيس عقلية الطفل»، صادر عن «دار وجوه للنشر والتوزيع» بالرياض، وعدد صفحاته (168) صفحةً من القطع المتوسط.
المؤلف:
أ. د. عبد الكريم بن محمد بَكَّار؛ أحد المؤلفين البارزين في مجالات التربية والفكر الإسلامي، حيث يسعى إلى تقديم طرح مُؤصَّل ومُتجدِّد لمختلَف القضايا ذات العلاقة بالحضارة الإسلامية والنهضة والفكر والتربية والعمل الدعوي. حصل على الدكتوراه من جامعة الأزهر، وهو صاحب مسيرة أكاديمية طويلة دامت (26) عامًا؛ حيث درَّسَ في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وفي جامعة الملك خالد، حتى استقال ليتفرَّغ للتأليف والعمل الثقافي والفكري، وله أكثر من أربعين كتابًا لقيَ الكثير منها رواجًا واسعًا في مختلَف دول العالم العربي، وقد تُرجِمَ بعضها إلى عدد من اللغات. بالإضافة إلى مشاركاته الواسعة في الصُّحُف، والمجلات العربية المتخصصة والعامة، والمحاضرات، والندوات الفكرية والثقافية، والدورات التدريبية، والبرامج التلفيزيونية والإذاعية.
ملخص الكتاب:
استَهلَّ المؤلف كتابه ببيان حقيقة الحياة الدنيا وأنها دار ابتلاء لا جزاء، وأنَّ تربية الأبناء من أشد ابتلاءاتنا في الحياة، وأنَّ دور الوالِدَين في التربية أهم بكثير من دور المدرَسة، وأنَّ الهدف من التربية هو تنشئة جيلٍ مُلتزِمٍ بتعاليم دينه، قادرٍ على التعامل مع معطيات زمانه، منضبطٍ ذاتيًّا، مُقدِّرٍ للمسئوليات المُلقاة على عاتقه. وأنَّ المربِّين اليوم يحتاجون إلى تعلُّم الأساليب والممارَسات الصحيحة في تربية الأبناء، ويحتاجون أيضًا إلى معرفة عددٍ جيدٍ من المفاهيم والرُّؤى التي تتصل بجوانب الحياة المختلفة؛ مما يوجِّه السلوك، وينظِّم ردود الأفعال، ويَصُوغ التوجُّهات العامة للأبناء.
وكذلك تكلَّم المؤلف عن نعمة العقل وأدواته، وأهمية التربية العقلية ودورها المهم في صناعة عقليةٍ غيرِ مُشوَّهة، وأنَّ الإبداعات والإنجازات لا يُمْكِن أن تنشأ وتنتعش في بيئات يسيطر عليها الجهل، والكسل، والفوضى، والظلم، والاستبداد، والانغلاق، والإهمال.
وقد قسَّم المؤلف الكتاب إلى قسمَين:
القسم الأول: تضمَّن توطئة حول استجابة الدماغ للتعليم والتدريب، وأهمية القراءة، وتضمَّن أيضًا كلامًا موجَزًا عن وعي الطفل بذاته، وعن بعض المبادئ الحياتية العامة.
القسم الثاني: تضمَّن الحديث حول الطفل المفكر، وأنواع التفكير، وتكوين المفاهيم.
ومما يُميِّز الكتاب أنَّ مؤلفه قد وضَع بعد كل فصلٍ نقاطًا للتذكُّر ثم تطبيقات وتدريبات.
القسم الأول:
الفصل الأول: استجابة الدماغ للتعليم والتدريب، وأهمية القراءة: حيث بيَّن الكاتب أنَّ عقولنا لا تتعامل مع القضايا والأشياء على نحو مباشر، وإنما عبر أدوات؛ وأدواتها هي الرموز اللُّغوية والمصطلحات والتعريفات والمفاهيم والمعلومات التي يجمعها الفرد بخبراته خلال حياته. وبيَّن أنَّ أذهان الأطفال تتفتَّح على الأشياء المحسوسة أولًا، وشيئًا فشيئًا تبدأ بالتعرُّف على المعاني المُجرَّدة؛ كـ(الأمانة، الحُب). وبيَّن أنَّ دماغ الطفل ينمو حجمًا ووزنًا على نحوٍ مُواكب للتحديات والمواقف الجديدة، وكلما كانت البيئة أعظم ثراءً؛ كانت الفرصة لنمُوِّ دماغ الطفل أكبر. كما بيَّن أنَّ العقل من غير معلومات خواء ويَطرَح عند تعامله مع القضايا المهمة آنذاك طروحًا شكلية وسطحية. ثم تكَلَّم عن أهمية القراءة، وبيَّن أنَّ إعراض الأُمة عن القراءة أساس لعديد من المشكلات، وتعويد الأطفال القراءةَ هو المَدخَل لعلاج تلك المشكلات، كما أكَّد أنَّ المكتبة المنزلية ضرورة حيوية، وينبغي أنْ يشارِك الأطفالُ في تأسيسها، وعلى الأسرة أنْ تتداوَل فيما بينها الأفكار والمعاني والمسائل التي يطَّلع عليها أفرادها في قراءاتهم الخاصة.
الفصل الثاني: وعي الطفل بذاته: حيث بيَّن الكاتب أنَّ الطفل يأتي إلى هذه الحياة وهو من غير حَوْل أو طَوْل، ومعرفته بنفسه وبما حوله معدومة، كما أشار إلى ذلك القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿وَاللهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [النحل:78]، ومع ذلك فإنَّ الإنسان مَجبول على حُب التعلُّم والمعرفة، فهو يشعر بذاته وشخصيته بعد عامه الأول، ومعرفة الإنسان بذاته مَرِنة قابلة للتعديل والاستبصار، وهنا يأتي دور المربي الذي يشجع الطفل على بلورة ذاته والشعور بها، وبهذا يشعر الطفل بالاستقلال وتحمُّل المسئولية. وحُب الوالِدَين للطفل وتعاطفهما معه وإشعاره بالأمن؛ من الأمور التي تترك أثرًا ممتازًا في تكوين مفهوم الذات لديه. وكذلك من المهم أن نشجع الأطفال على المشاركة في المناقشات العائلية، وأن ندعم أسلوب التدريس الحواري في المدارس؛ لأنَّ هذا يرفع من سَويَّة فَهْم الأطفال لذواتهم. وكذلك ينبغي مساعدة الطفل على معرفة نقاط التميُّز والتفوُّق لديه، وتدريبه على التفكير الموضوعي الذي يساعده على إصدار الأحكام بناءً على معرفة جيدة، وبعيدًا عن الأهواء والضغوط الخارجية. كما أكَّد الكاتب أنَّ الطفل حينما يقع في خطأ؛ فإنَّ علينا إدانة الخطأ لا إدانة الذات.
الفصل الثالث: مبادئ حياتية عامة: حيث ذَكرَ الكاتب عِدَّة مبادئ حياتية عامة ينبغي تربية الطفل عليها لكي تستقيم حياته؛ وهي: (مَهما عرفنا، فيظل ما نعرفه قليلًا بالنسبة إلى ما نجهله)، (لكل شيء طاقة على التحمُّل)، (لكل شيء ثَمَن)، (لا حدود لإشباع الرغبات)، (مُعظَم الأشياء والأحداث قابلة لأَنْ تُرى بطُرُق مختلِفة)، (صدمات الحياة تكون كبيرة ثم تصغر)، (لا حلول كاملة في وسطٍ غير كامل)، (لا شيء يُغْني عن العمل)، (تغيير النفوس والسلوكات هو أساس كل تغيير).
القسم الثاني:
الفصل الأول: الطفل المفكر: حيث بيَّن الكاتب أنَّ مُعظَم الناس يظنون أنَّ الأطفال غير مُؤهَّلين للتفكير بطريقة جيدة، وهذا ظنٌّ خاطئ؛ فالأطفال يستطيعون التفكير وإيجاد الحلول إذا تلقوا التدريب المناسب؛ حيث تكمن أهمية تدريب الطفل على التفكير بحسب العصر الذي يعيش فيه، ففي الماضي كانت الحياة بسيطة فلا يتعلم الأبناء إلا ما يُسهِّل عليهم معيشتهم، والآن لا يكاد ينجح شخص إلا بما يمتلك من علوم ومعارف. فعلى المربِّي تدريب الطفل على التأمل، وطرح الأسئلة، وتقديم المُقترَحات، وتعويده على عدم التعلُّق بظواهر الأمور، ويحثه على الاستكشاف الذي يحسِّن نشاطه الذهني وسَويَّة حكمه العقلي، فقد اعتادت مدارسنا على تقديم المعلومات جاهزة للطفل واختزان أفكار الكبار كمعايير للصواب والخطأ؛ مما أدى إلى الضمور في التفكير والكف عن السؤال. كما أكَّد الكاتب أنَّ بفضل التربية الأُسرية الجيدة والتعليم المدرسي المتميز سيتمتع الطفل بسمات إيجابية ستجعله مختلفًا عن أقرانه؛ ولعل من أهم تلك السمات: (الترحيب بالجديد)، (التسامح مع الغموض)، (التروِّي والأناة)، (الميل إلى الاستقلال)، (حُب اللعب والمرح).
الفصل الثاني: أنواع التفكير: حيث بيَّن الكاتب أنَّ لدينا أكثر من أساس لتقسيم التفكير؛ فأحيانًا يُقسَّم بناءً على ملاحظة الأزواج المُتناظِرة؛ ومن ثَمَّ فإننا نقول: «التفكير الإبداعي» و«التفكير التقاربي»، كما نقول: «التفكير التخيُّلي» و«التفكير الواقعي». وأحيانًا يُقسَّم التفكير بناءً على ملاحظة الموضوعية والعقلانية؛ ومن ثَمَّ فإننا نقول: «التفكير العلمي» و«التفكير الموضوعي» و«التفكير المنحاز» و«التفكير الخرافي». ثم عَرَضَ الكاتب بشكل موجَز بعض أنواع التفكير المهمة مع بيان كيفية مساعدة الطفل على ممارستها؛ وذلك في المفردات الآتية: (التفكير الإبداعي)، (التفكير الإيجابي)، (التفكير الواقعي)، (التفكير الناقد)، (التفكير الموضوعي). ثم أكَّد الكاتب في نهاية عرض أنواع التفكير أنَّ الأطفال يحتاجون إلى «التفكير الإبداعي»؛ لأنهم سيواجهون مشكلات أكثر تعقيدًا من المشكلات التي نواجهها اليوم. كما أكَّد أنَّ الطفل لن يبدع إلا إذا عاش في بيئة تُؤَمِّن له أمْرَين رئيسَين؛ هما: (الحرية، الأمان).
الفصل الثالث: تكوين المفاهيم: حيث بيَّن الكاتب أنَّ المفهوم يشكِّل شيئًا جوهريًّا في عقلية الإنسان، والقصور في المفاهيم يُعدُّ مَعلَمًا من معالم التخلُّف، وصناعة المفاهيم عمل فلسفي أصيل يحتاج إلى التخصُّص والدقة، وغالبًا ما يكون غير متوفر لدى المربِّي سواء أكان أبًا أَم أُمًّا، ثم قدَّمَ شرحًا لثلاثة مفاهيم، اعتقَدَ أنَّ توضيحها للأطفال بطريقة جيدة سيُشكِّل تدريبًا لهم على تكوين المفاهيم من غير مُعلِّم أو مُربٍّ؛ وهذه الثلاثة هي: (الحوار المثمِر)، (الحُكم على الأشياء)، (الصداقة).
الخاتمة: ثم خَتَمَ المؤلف كتابه بأنَّ بين التنظير والتطبيق مفارَقة أبَدية، وأننا مُضطرون أثناء الحديث عن الأصول والآداب أن نجنح نحو شيءٍ من المثالية لكي يجد معظم المربِّين ميدانًا فسيحًا أمامهم لتطوير أدائهم التربوي، وتطوير سلوكاتهم في التعامل مع أبنائهم.
إضافة تعليق