الثقافة الغربية اليوم تفرض نفسها علينا -شئنا أم أبينا-، ولكن السؤال المهم هو: ما تأثير ذلك على القيم الرئيسة في المجتمع؟
مع تطوّر الحياة المدنية، ودخول العولمة إلى كل بيتٍ،
بدأت الهويّات المحلية في الاضمحلال تدريجيًا لصالح هويّةٍ عالميةٍ ذات مسحةٍ
غربيةٍ، وربما يبدو ذلك أوضح لدى فئة الشباب التي تتعرض للثقافة الغربية في كل
مناحي الحياة، فالتعليم الغربي يجتاح العالم، والأفلام والمسلسلات الغربية تحوّلت
إلى أفضل وسيلةٍ لملء وقت الفراغ، ومطاعم الوجبات السريعة صارت الوجهة الرئيسة
للجوعى.
الثقافة الغربية اليوم تفرض نفسها علينا -شئنا أم
أبينا-، ولكن السؤال المهم هو: ما تأثير ذلك على القيم الرئيسة في المجتمع؟ هل فعلًا
شبابنا اليوم يفقدون اتصالهم بدِينهم وإيمانهم؛ جرّاء هذه الثقافة الغازية أم إن
القيم الأصيلة تبقى ثابتةً أمام هذه الموجة؟
لنتعرف إلى إجابة هذه الأسئلة؛ نستعرض نتائج دراسة
أجرتها جامعة قطر عام 2013م حول القيم الدِّينية، ومنها نستخرج نتائج بعض مؤشرات
التدين لدى الشباب.
الدراسة كانت بعنوان "مسح التناغم الاجتماعي"، ونفذت على عينةٍ ضمّت
1732 مواطنًا، تم اختيارهم بناءً على نظام العينة العشوائية الممنهجة، بشكلٍ يمثّل
المجتمع القطري، ومن هذه العينة نستعرض اليوم نتائج إجابات 447 مواطنًا شاركوا في
الدراسة، كانت أعمارهم بين 18 و 24؛ لنتعرف إلى مستويات التدين لدى هذه الفئة
العمرية.
المؤشر
الأول: حول صلاة الفجر، فقد سألت الدراسة المشاركين ما
إذا كانوا يصلون الفجر بانتظامٍ، فأفاد 34% من الشباب أنهم يصلّون صلاة الفجر في
وقتها يوميًا، بينما أفادت 40% من الفتيات ذات الأمر، ونشير هنا إلى أن معظم
المشاركين المتبقين أفادوا أنّهم يصلّون الفجر في وقتها أكثر من مرةٍ في الأسبوع،
ولكن يتضح من النتائج أن هناك نسبةً أعلى من الفتيات أفَدْنَ التزامهنّ بالصلاة في
وقتها يوميًا.
استخدمت
الدراسة مؤشرين لقياس حكم الشباب على تديّن الآخرين:
المؤشر
الأول: مدى موافقة المشارك على أن من لا يصلي بانتظامٍ من الممكن أن يعتبر متدينًا،
ويلاحظ هنا أن نسبةً أعلى، وبشكلٍ ملحوظٍ من الفتيات أفَدْنَ الموافقة، حيث بلغت
النسبة 27% للفتيات، و12% للشباب، وهذه النتيجة تدلّ على أن الشباب أكثر تشدّدًا
من الفتيات في حكمهم على الآخرين.
ويتضح
ذلك أكثر حين نشاهد نتائج المؤشر الثاني، فقد قَبِلتْ خُمْس الفتيات اعتبار
المرأة التي لا تلبس الحجاب متدينةً، بينما كانت النسبة 13% بالنسبة للشباب، وهنا
يتضح الفرق في طبيعة التدين بين الشباب والفتيات، حيث يبدو الشباب أكثر حِدّةً في
حكمهم على تديّن الآخرين، ولكنهم أقلّ التزامًا بالشعائر من الفتيات.
وأخيرًا:
نستعرض نتيجة المؤشر الأهمّ للعاملين في الحقل التربوي، وهو المشاركة في
الأنشطة الدينية، وهنا تساوت نسبة الشباب والفتيات الذين أفادوا بأنهم يشاركون
في هذه الأنشطة، والتي تم تعريفها للمشاركين بأنها النشاطات ذات الطابع الدِّيني،
مثل المحاضرات الدِّينية، وحِلَق تحفيظ القرآن، وحسب النتائج يشارك ربع الشباب
والفتيات في أنشطةٍ من هذا النوع، وهي نسبةٌ كبيرةٌ، ولكن لا بدّ أن نتذكر أن هذه
المشاركة قد تكون مقتصرةً على حضور فعالياتٍ عامّةٍ، ولا يعني أن المشارك ملتزمٌ
بحضور هكذا فعالياتٍ على الدوام.
من
خلال النتائج التي استعرضناها أعلاه نخلص إلى ثلاثة نتائج مهمة:
النتيجة الأولى: أن العاملين في الحقل التربوي بحاجةٍ إلى تركيزٍ أكثر
على العبادات، حيث أفادت نسبةٌ غير بسيطةٍ من الذين استُطلِعت
آراؤهم أنهم لا يصلون الفجر بانتظامٍ، علمًا أن هذه الأسئلة تأتي عادةً بنتائج فوق
الحقيقية؛ لأن المشارك يصاب بحرجٍ اجتماعيٍّ من الإجابة بالنفي؛ ولذلك ننصح أن يركّز
المربّون في الفعاليات التربوية الخاصة والعامة على قيمة صلاة الفجر وأهميتها.
النتيجة الثانية: أن هناك تباينًا واضحًا في تقييم التديّن بين الشباب
والفتيات؛ وعليه فلا بدّ من دراسة الأسباب التي تجعل
الفتيات أكثر تساهلًا في ترك أوامر شرعيةٍ رئيسةٍ –كالصلاة،
والحجاب- لذا ننصح العاملات في الحقل التربوي التركيزَ على خطورة ترك هذه الأوامر
الشرعية، وما يترتب عليها.
النتيجة الثالثة: أن 3 من كل 4 من الشباب والفتيات في مجتمعنا لا
يشاركون في أية أنشطةٍ دينيةٍ؛ مما يعني أننا بحاجةٍ إلى توسيع
دائرة المشاركة في هذه الأنشطة من خلال الوصول إلى شريحةٍ أكبر، وتطوير الفعاليات
الملتزمة والدِّينية؛ بحيث تكون أكثر جاذبيةً لهذه الفئة العمرية.
ختامًا
نقول: إن التعرف إلى الشباب قبل البدء في العمل معهم
مسألةٌ غايةٌ في الأهمية، فهذه الفئة العمرية بحاجة إلى دراسةٍ وفهمٍ؛ حتى نستطيع -مربين،
ودعاةً- أن نخاطبهم بلسانٍ يتناسب مع احتياجاتهم ومواقفهم، ففي كثيرٍ من الأحيان
نجد المناشط التربوية تصمّم البرامج باعتبار ما يريده ويتصوّره المشرف ومسؤول
النشاط، لا بناءً على واقع الشباب، والتحديات التي يواجهونها.
ونتمنى أن يكون هذا المقال خطوةً في طريق فهم شبابنا، واستيعاب مواقفهم؛ حتى تكون رسالتنا التربوية علميةً ومنهجيةً.
إضافة تعليق