الأستاذ مناف محمد صالح بعاج شاعر وكاتب وأديب سوري، خريج كلية اللغة العربية (جامعة دمشق)، والمعهد الشرعي بـ(الأمينية)، وحاصل على ماجستير في التفسير من (كلية الدعوة).
الأستاذ
مناف محمد صالح بعاج شاعر وكاتب وأديب سوري، خريج كلية اللغة العربية (جامعة
دمشق)، والمعهد الشرعي بـ(الأمينية)، وحاصل على ماجستير في التفسير من (كلية
الدعوة).
عمل
في تدريس اللغة العربية لمدة طويلة، ويعمل حاليًا مدققًا لغويًا في قناة (TRT) الفضائية
بإسطنبول. له عدة كتب مطبوعة، ورواية وعدة دواوين شعرية قيد الطباعة، بالإضافة
لتحقيق عدة كتب، ومنها: النحو الواضح بجزئيه الأول والثاني.
صدر
له من المؤلفات:
-
مواقف مشرقة من التاريخ الجزء الأول.
- مواقف
مشرقة من التاريخ الجزء الثاني.
-
كيف صارت أحلامهم حقيقة؟
-
هل فاتك القطار؟
-
مجموعة قصصية بعنوان (عاكفة عن الزواج).
رواحل: مرحبًا بكم
أستاذنا الكريم في منصة رواحل التي تتشرف بلقائكم..
بارك الله فيكم.. وأهلا
بكم وسهلاً..
رواحل: من خلال خبرتكم في
التعليم المُبكر، كيف يكتشف الوالدان أو المشرفون التربويون تمتع أبنائهم بشيء من
الذكاء اللغوي؟!
الذكاء اللغوي يظهر عند
الطفل من خلال فهمه السريع للخطاب اللغوي، وكلامه الذي يتحدث به؛ حيث يستطيع
الإجابة والتعبير عمّا في نفسه أكثر من أقرانه، ويستطيع سرد ما يحصل معه بأحداثه
وشخوصه، ويستطيع إيصالَ المشاعر المتضمنة في القصة التي يرويها حزنًا أو سعادة أو
ضحكًا.
رواحل: لو اكتشفنا في
أبنائنا وجود مثل هذه الموهبة لديهم فكيف يمكن تنميتها وزيادة حصيلتهم اللغوية واستثمار
وجودها بشكل عام؟!
يمكننا تقوية هذه
الموهبة بوضعهم في (حمّام لغوي) كما يُقال؛ ويكون ذلك بإسماعهم القصص، كما في
برامج الأطفال التي يُعتنى فيها باللغة العربية، أو بالحوار معهم من قبل الأهل
والمعلمين، كما يُفعل في دروس المحادثة التي تُدرّس للناطقين بغير العربية، وقَبول
أجوبة الأطفال ولو كان فيها شيء من الخيال، بل تشجيعهم على إطالة الحوار؛ لأنّ ذلك
يستخرج من الأطفال أفضل ما لديهم.
ويمكن تقوية ذلك بأن
يقرؤوا هم القصص، لمن عنده القدرة على القراءة من الأطفال، ويستطيع المعلم أو
الأهل أن يطلبوا من الطالب تلخيصَ القصة أو وضع نهاية جديدة لها بلغته هو، فهذا
يقوّي الطالب كثيرًا من الناحية اللغوية، وخاصة مع تَكرار هذا الأمر وتنسيقه
وتنظيمه، وعدم جعله عشوائيًا.
رواحل: كيف يمكن
للمؤسسات الدعوية استثمار هذه النوعية من الذكاء في إكساب الأطفال بعض المهارات
الدعوية؟!
يقول الإمام الشافعي
رحمه الله تعالى: (لو كلّفوني بصلة، ما فقهت مسألة)؛ وذلك لأنّ الاشتغال بأمر
المعاش يجعل من الصعب على المرء الاستفادة من الموهبة التي لديه، وحين يكون بال
الطفل مشغولاً فإنّه لن يستطيع التفوق، فيمكن للمؤسسات تأمين (القصص، والكتب،
وغيرها من وسائل القراءة)، ويمكن ترتيب جوائز لتشجيع الطلاب وتحفيزهم على التقدم
أكثر في هذا المجال؛ فقد يخرج من هذا الطالب شاعرٌ أو كاتب أو (مترجم)؛ لأنّ
المترجمَ لا يكون حاذقًا ومبدعًا حتى يكون متقنًا للغته الأم.
ولا يخفى أنّ النبي -صلى
الله عليه وسلّم- كان له شعراء، وأعظمهم حسان بن ثابت -رضي الله عنه-، وكان له
خطيب، وهو ثابت بن قيس بن شماس -رضي الله عنه-. وهؤلاء سوف ينافحون عن الدين
واللغة بلسانهم وقلمهم.
رواحل: في رأيك ما أهم
التحديات التي تواجه المعلمين -لاسيما في المراحل الابتدائية والمتوسطة- في تدريس
اللغة العربية على وجه الخصوص؟! وكيف يمكنهم التغلب عليها؟!
أهمّ التحديات تكمن في
أمرين:
الأمر الأول: المعلمون
أنفسُهم، فالمعلمون يجب أن يحبُّوا هذه اللغة ليبدعوا في تدريسها، وهذا الحب يتطلب
منهم صقل المهارات، وزيادة الاطلاع على نفائس هذه اللغة الرائعة دون التقيد بما في
المناهج فحسب، بل عليهم أن يبحثوا وينقّبوا ويأتوا طلابهم بعيون من عيون اللغة
ليعرضوها عليهم بأسلوب شائق.
والأمر الثاني: أنّ
تدريسَ اللغة العربية يفتفر إلى الوسائل والطرائق المتوفرة للغات الأخرى، ففي
اللغة الإنجليزية مثلاً تجد مئات الأغنيات لكلّ حرف من حروفها. وهذا يتطلب من
المعلم البحث الدؤوب، والصبر والعمل لتعويض بعض ذاك النقص.
فعلى سبيل المثال: كلّ
بحر من بحور الشعر العربي له نغمة تتماشى معه، فيستطيع المعلم تحبيب الطلاب بأي
قصيدة من خلال غنائها لهم.
وهناك على موقع اليوتيوب
تجارب لبعض المعلمين في تعليم القراءة بطريقة (صوت الحرف)، وهي الطريقة المثلى
لتعليم القراءة، لا أن نعلمه (ألف - باء - تاء)، فتحدث لديه إشكالات بين شكل الحرف
وصوته.
رواحل: من خلال خبرتك في
مجال تدريس اللغة العربية؛ ما أهم الكتب أو السلاسل التعليمية أو الأدبية التي
تقوي الجانب اللغوي لدى الناشئة، وتنمي الذائقة العربية لديهم؟!
ربّما ليس هناك سلسلة
تعليمية واحدة قد تسدُّ هذه الثغرة، ولكن يمكن تعويض هذا النقص بعدة أمور:
الأمر الأول: (القصص)
بشكل عام، يقول أحد العلماء: (الحكايات جند من جنود الله تعالى؛ يثبت الله بها
قلوب أوليائه)، والقصة ليس المراد منها الحكمةَ فحسب، بل قراءة القصص (بصوت يُسمِع
به الطالب نفسَه) من أفضل ما يقوّم لسانَه في اللغة العربية.
قال أبو هلال العسكري -رحمه الله-:
"حُكي لي عن بعضِ المشايخ أنّه قال: رأيتُ في بعضِ قرى النبطِ فتى فصيحَ
اللّهجة، حسن البيان، فسألته عن سبب فصاحته مع لُكْنَةِ أهلِ جِلدته، فقالَ:
"كنت أعمد في كل يوم إلى خمسين ورقة من كتب الجاحظ، فأرفعُ بها صوتي في
قراءتها، فما مرّ لي إلاّ زمان قصير حتى صِرتُ إلى ما ترى".
الأمر الثاني: يوجد في نهاية ديوان أحمد
شوقي -رحمه الله- مجموعة من القصائد للأطفال، جعلها شوقي على ألسنة (الحيَوانات)،
بلغة سهلة جميلة، فيها فائدة ومتعة، وفي نهاية كل قصيدة منها حكمة جميلة، كقصيدة
(الديك والثعلب) التي يقول شوقي في نهايتها:
مخطئٌ من ظنّ يومًا *** أنّ للثعلب دِينًا
والأمر الثالث: كتب الأدب العربي القديمة
زاخرة بالنصوص الشعرية والنثرية البليغة التي يستطيع المعلم أن يختار منها ما
يناسب الفئة التي يدرّسها.
ويوجد في كتب الأدب شيء اسمه (أدب
التوقيعات)، وهي عبارات يكتبها الخلفاء والأمراء لولاتهم أو لكتّابهم، فيها أدب
عالٍ، وتختصر كلامًا كثيرًا في عبارات قليلة؛ كتوقيع عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-
لعمرو بن العاص -رضي الله عنه-: (كُن لرعيَّتك كما تُحب أن يكونَ لك أميرُك). وكتوقيع
علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- في كتاب لصَعصعة بن صَوْحان يسأله في شيء: (قيمةُ
كلّ امرئ ما يُحسن).
والأمر الرابع -وهو أهمُّها وحقُّه التقديم-:
هناك أحاديث طويلة تسرد أحداثًا بلغة علية جدًّا؛ كحديث (الإفك) الذي ترويه السيدة
عائشة، وحديث الثلاثة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك، وحديث الثلاثة الذين أغلقت عليهم
الصخرة، فذكروا صالح أعمالهم، فقراءة هذه الأحاديث تُورث بلاغةً ولغةً عالية،
وتعلّم الطالب السردَ والربط بين أجزاء الكلام.
رواحل: في رأيك ما أهمية
تعلم اللغة العربية في سن مبكرة؟! وما مخاطر إهمال تعلمها لدى أطفال التعليم
المبكر؟!
اللغة العربية لا تكمن
أهميتها في الناحية اللغوية فحسب، فالله تعالى يقول: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ
قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)، كما يقول في آية أخرى: (وكَذَلِكَ
أنْزَلْناهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا...)، فاللغة تعني طريقة تفكير، وتعلّم العربية
يوسّعُ مدارك الطفل؛ لأنّ فيها جملاً اسمية، وجملاً فعلية، وتقديمًا وتأخيرًا،
وحذفًا، وإطنابًا... إلخ. وهذا ما سمّاه ابن جنّي -رحمه الله تعالى-: (شجاعة
العربية)، فالتعليم المبكر للعربية يحدّد طريقة تفكير الطفل، ويسهّل عليه بعد ذلك
تعلّم لغة أخرى، بينما إذا بدأنا بتعليمه لغة أخرى فسيصعب علينا تداركُه حين يشتدّ
عوده.
إنّ الغصونَ إذا
قوّمتَها اعتدلتْ *** ولا يلين إذا قوّمتَه الخشبُ
رواحل: نرى كثيرًا من
الحضانات والمدارس تستعجل في تدريس اللغات الأجنبية للأطفال، فهل من الصواب مزاحمة
تعلم اللغة الأم في سن الطفولة المبكرة بلغات أجنبية أخرى؟! ولماذا؟!
يقول الجاحظ:
(واللُّغتان إذا التقتا في اللسان الواحد؛ أدخلتْ كلُّ واحدةٍ منهما الضيمَ على
صاحبتِها...). وهذا يحصل حين نبدأ بتعليم الطفل لغةً أخرى قبل أن تتضح معالمُ
اللغة الأولى (الأم) في نفسه، فيكون كالمُنْبتِّ؛ لا أرضًا قطعَ، ولا ظهرًا أبقى،
ويضيعُ بين هاتين اللغتين.
فليس حسنًا، بل قبيحٌ،
أن نُدخل على عقل الطفل لغة أخرى قبل أن تتمكن اللغة الأولى من نفسه، وقد يحصل أنّ
بعض الأطفال في حالات نادرة يستطيع الجمع بين لغتين، وهذا من النادر الذي لا يُقاس
عليه؛ لأنّ الأصل أن يشمل الحكم السواد الأعظم من الأطفال، لا أن ينطبق على بعض
الحالات النادرة.
رواحل: ما العمر الأفضل
لتعليم الطفل اللغات الأخرى، أو بمعنى أدق دخول لغة أخرى على لغته الأم؟!
العمر الأفضل لتعليم
الطفل لغةً ثانية هو في المرحلة المتوسطة، وذلك بأن يجتاز مرحلة التعليم الابتدائي
فتتضح لديه معالم اللغة الأولى، وهناك عدة دول تنتهج ذلك كاليابان مثلاً؛ إذ لا
يتعلم الطلاب اليابانيون أيّ لغةٍ أخرى غير لغتهم الأم قبل اجتياز المرحلة
الابتدائية.
ولكن قد لا يكون بيد
الأهل خيارٌ أحيانًا ككثير من أبناء الجالية العربية في تركيا وغيرها من الدول،
فيجب على الأهل -على الأقل- عدم إدخال أولادهم في روضة لتعلم لغة ثانية، ويجب
عليهم الحرص على تعليم أبنائهم لغتهم العربية، ليس محادثة فحسب، بل قراءة وكتابة
أيضًا، حتى يحاولوا تخفيف الضرر الذي قد يلحق بأبنائهم من دخولهم مدارس تعلِّمُ
بغير لغتهم الأم.
وفضلاً عن ذلك، يجب على
الأهالي التحدث مع أبنائهم في البيت باللغة العربية، لكي لا يزيدوا في إبعاد
أبنائهم عن اللغة العربية.
رواحل: أخيرًا لو تعطينا
وصفة مختصرة وتوجيهات منهجية في مسألة تعليم اللغة العربية للأطفال؛ ليسير عليها
الوالدان والمربون بخطوات واضحة.
على الأهل والمربين أن
يدركوا أنّ تعلم اللغة العربية هو من باب (أكون أو لا أكون)، وأنّهم يجب -لا أن
يصبروا فحسب- بل يصطبروا حتى يتجاوز الأبناء مرحلة الخطر من ضياع لغتهم، كما قيل:
حفظُ الّلغات علينا *** فرضٌ
كفرض الصلاةِ
فليس يُحفَظ دينٌ *** إلا
بحفظ الّلغاتِ
وهذا الأمر من (السهل
الممتنع) كما يقال، ويمكن تلخيصه في كلمة واحدة (القراءة)؛ وذلك بأن يتخيّر الأهل
والمربون قصصًا تناسب المرحلة العمرية للطفل، وفي البداية قد يقرأ الطفل كلّ يومٍ
سطرًا واحدًا، ومع الأيام نزيد له مقدار القراءة، وذلك حتى يسلس له قِياد القراءة،
ويتمكن منها، وتخالط دمه وروحه، والنقطة إلى النقطة تصبح سيلاً جارفًا.
وفي النهاية فكلّ سعيٍ
من الأهل والمربين لا يتكلّل بالنجاح ما لم يكن لهم عونٌ من المولى -سبحانه وتعالى-:
إذا لم يكنْ عونٌ من
الله للفتى *** فأولُ ما يجني عليه اجتهادُه
إضافة تعليق