فضيلة الشيخ الدكتور عطية عدلان داعية ومربٍّ مصري، عمل أستاذًا للفقه وأصوله بجامعة المدينة العالمية بماليزيا سابقًا، وهو الآن أستاذ للفقه بجامعة سييرت بتركيا، وخبير بالسياسة الشرعية والفقه والفكر السياسي الإسلامي،
فضيلة الشيخ الدكتور عطية عدلان داعية ومربٍّ مصري، عمل أستاذًا للفقه وأصوله بجامعة المدينة العالمية بماليزيا سابقًا، وهو الآن أستاذ للفقه بجامعة سييرت بتركيا، وخبير بالسياسة الشرعية والفقه والفكر السياسي الإسلامي، حيث حصل على درجة الدكتوراه عن أطروحته: الأحكام الشرعية للنوازل السياسية. وله العديد من المؤلفات في هذا الباب، وعدة مؤلفات شرعية ودعوية أخرى.
رواحل: بداية نرحب بكم سعادة
الدكتور في مجلة رواحل في عددها السابع الذي يتشرف بلقائكم..
نعرف عن فضيلتك اهتمامك بالعمل الدعوي وممارستك له منذ مدة طويلة، حتى ربما
قبل دراستكم الأكاديمية لعلوم الشريعة، فهل كان لدراستكم الأكاديمية فيما بعد أثر
واضح في مجال الدعوة إلى الله تعالى؟! وهل شكّل ذلك فارقًا في عمق الخطاب والطرح
الدعوي؟!
الحمد
لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد..
الحقيقة
أنني كنت مهتمًا بالعمل الدعوي التربوي قبل إكمال الدراسة الأكاديمية بزمان ليس
بالقصير، والحقيقة أيضًا أن هذا الاهتمام هو أول الأسباب التي صرفتني عن مواصلة
دراساتي في بداية الأمر، غير أن الدراسة الشرعية المتخصصة أفادتني في أمرين؛
الاول: تعميق الفكرة وصقلها، الثاني: توسيع دائرة التأثير وتنوع الفرص والمجالات.
أما فنون التربية وأساليب الدعوة فضلاً عن الروح والهمة الحاملة عليها فهذه أمور لها مصادرها وروافدها العديدة التي يعد العلم الفقهي واحدًا منها.
رواحل: بناءً على ذلك هل يمكن
للداعية بشكل عام ممارسة دوره الدعوي والتوعوي والتوجيهي بعيدًا عن الدراسة
الأكاديمية؟! وهل متوقع أن توجهه عقبات إذا تبنى هذه الرؤية؟!
الأمر
هنا ليس فيه إجابة مطلقة؛ لأن العلاقة بين الدعوة والأكاديمية ضرورية من حيث
العموم، لكنها من حيث الخصوص تختلف درجتها من وضع لآخر؛ فمثلاً الداعية الذي يقوم
بالدعوة الفردية أقل احتياجًا للتزود من العلوم الشرعية التخصصية من الداعية الرمز
المنوط به توجيه الخطاب العام والفتيا والتدريس، كما أن ما يحتاجه الداعية من
العلوم الشرعية في مراحل دعوته الأولى أقل مما بعدها، ومن هنا أنصح بأن يكون
التوازي بين المسارين هو الأصل، ثم يكون لكل مرحلة في حياة الداعية ما يناسبها من
النسب التقديرية لكلا المسارين.
وعلى أي حال هناك ثلاثة مسارات في حياة الداعية يجب أن تمضي على التوازي في جميع المراحل، لكن النسب بينها تتفاوت من مرحلة لأخرى؛ وهي: مسار العبادة والقربات، ومسار التعلم والتدبر، ومسار الحركة والدعوة. وقد كانت هذه الآيات من أوائل ما نزل: (اقْرَأْ) [العلق: 1]، (قُمِ اللَّيْلَ) [المزمل: 2]، (قُمْ فَأَنْذِرْ) [المدثر: 2].
رواحل: في المقابل -سعادة
الدكتور- نلحظ في الجانب الآخر عددًا ليس قليلاً من خريجي كليات الشريعة والتربية
ممن يمارسون دورًا دعويًا أو تربويًا في المحاضن؛ نلحظ لديهم ضعفًا أو انخفاضًا سواء
في الأداء العلمي والتربوي أم في جانب التحصيل العلمي أصلاً، الأمر الذي ينعكس
بالتأكيد على نتائج المشروعات العلمية والتربوية ويتسبب في هزالها وضعفها، فكيف
ترون ذلك فضيلة الدكتور وما أسبابه؟!
لا علاقة للدراسة الأكاديمية بهذه الظاهرة؛ فسببها عائد للشخص ومقاصد طلبه للعلم وطريقة دعوته؛ فهناك من يطلب العلم الأكاديمي لتعديل أوضاعه الاقتصادية والاجتماعية، فهذا غالبًا ما يكون تأثيره بعلمه ضعيفًا، وهناك من ينقطع للعلم بشكل شبه كامل؛ فهذا يمضي به العمر دون أن يمارس فن الدعوة والتربية، فتضمر الملكة، ومن ثم نؤكد على ضرورة أن تمضي المسارات الثلاثة على التوازي وبنسب تناسب كل مرحلة.
رواحل: ربما يدفعنا ذلك للتعرض
إلى إشكالية في السياق نفسه تتعلق بملمح تربوي في خريجي الكليات الشرعية، وهو
افتقاد العامة لجانب القدوة في بعض الخريجين، كيف يتسنى لدارس للعلوم الشرعية
وممارس ربما لتدريس المواد الشرعية لأبنائنا في المدارس ألا يكون قدوة لهم، فهل
للأمر تعلق بإشكالية تربوية؟!
نعود إلى التأكيد على الباعث، ما الباعث الأساس على الطلب؟! إن تمخض الباعث عند الطالب لتلبية الحاجات الاقتصادية وإشباع الرغبات النفسية والاجتماعية، أو غلب عليه، فعندئذ يغلب عليه الفتور والبرود، وربما مارس الدعوة كوظيفة، فلا يكون له ذلك التأثير الذي يرجى من طالب علم يكون رائده في الطلب العلم بالله وبشريعته ومنهجه.
رواحل: إذًا هل من وظيفة
الجامعات الشرعية تنمية هذا الجانب الروحي لدى طلابها بحيث تخرِّج قدوات يحتذى بها
في المجتمع؟! أم أن تركيزها مقتصر فقط على الجانب العلمي والأكاديمي؟!
الجامعات على مدى التاريخ كان لها إلى جانب الدور الأكاديمي دور البعث، والبعث أثر يجاوز الأكاديمية؛ حيث إنه يحول الطلاب إلى عناصر فاعلة ناهضة صانعة للأحداث الكبيرة المؤثرة في مجموع الأمة، غير أن هذا الدور لم يكن في يوم من الأيام هو الدور الرسمي، ومع ذلك كان دائمًا مؤثرًا وحاضرًا.
رواحل: في رأيكم يا دكتور هل
المسار الأكاديمي كافٍ وحده في توجيه الممارسة الدعوية وتحديد مسارها، أم أن الشغف
بالقضية، والتعلق بمرتكزاتها له عامل في تحفيز الدارس وخلق الدافعية لديه للبذل في
هذا الميدان الشاق؟!
لا تكفي الدراسة الأكاديمية -حتى ولو تخصصت في الدعوة- في صناعة الداعية الفاعل المؤثر، لا تكفي ولا تقوم بما يعول عليه في التغيير الحقيقي، بل لابد من الممارسة العملية، ولابد قبل ذلك من التعايش بالتربية عبر المحاضن الدعوية. إن الدعوة قبل العلم والمعرفة هي فن وموهبة وروح تكتسب بالممارسة والمعايشة وحمل الهم والدنو من الصالحين المربين.
رواحل: كما تعرف فضيلة الدكتور
فإن التعرض لدعوة الناس يحتاج من الداعية أن يكون على اطلاع ودراسة لبعض مناهج علم
النفس والتربية، كي يكون متمكنًا من أدواته التأثيرية في الجماهير، فهل تهتم كلية
الشريعة بدراسة شيء من هذا الجانب من باب تهيئة الطلبة للدور الذي ينتظرهم
مستقبلاً؟! وكيف؟!
لا ريب أن العلوم الإنسانية -على وجه العموم- وعلم النفس -على جهة الخصوص- نافعة ودافعة للأمام، لكن ينبغي للدارس أن يربطها بمعطيات الكتاب العزيز، وأن ينفض عنها وينفي منها ما يخالف السنن الإلهية التي أظهرها القرآن الكريم؛ فالقرآن كتاب الله الذي أنزله لهذا الإنسان، فهو معنيّ به، ولم يفته شيء أساسي من شؤونه.
رواحل: في ختام هذا الحوار نود
من فضيلتكم لو تزودنا بوصفة مختصر للدعاة والمربين من قراء مجلة رواحل لأهم مقومات
المربي والداعية الناجح من وجهة نظرك؟!
أهم
مقومات الداعية الناجح يمكن اختصارها في الآتي:
أولاً:
المقوم النفسي؛ بأن يحمل الداعية بين جنبيه نفسًا محبة لخير الناس، رحيمة بالعباد،
مشفقة عليهم، تذوب حرقة على الإسلام وأهله. وأن يتمتع بهمة عالية ونظر إلى المعالي،
وأن يبتغي وجه الله والدار الآخرة.
ثانيًا:
المقوم العقلي؛ فيجب أن يتمتع الداعية برشد ووعي وفهم سديد، وبقدر من العلم الذي
يتنوع بنسب تحقق له قدرًا من الاتزان والامتلاء.
ثالثًا:
المقوم الخلقي والسلوكي؛ فالداعية قدوة للناس، يدعو بعمله قبل قوله، وبجوارحه قبل
لسانه وبنانه، ومن ثم وجب عليه التخلق بمحاسن الأخلاق والتحلي بلطائف الآداب.
إضافة تعليق