تُمثّل الطباع البشرية جزءًا أساسيًّا من شخصيتنا، بل تُشكّل سلوكياتنا وردود أفعالنا تجاه مختلف المواقف، وحظوظ بني آدم من الطبائع كما حظوظه من الذكاء والقوة والضعف، والطول والقصر، ونحو ذلك، وكما تتفاوت الأجساد والخلقة تتفاوت الطبائع والأخلاق.
وكل إنسان يحمل في نفسه كوامن الخير والشر، والرذيلة والفضيلة، والتقوى والفجور، والنشاط والكسل، وعلو الهمة ودنوها، لكن هل هذا الإنسان قادر على تزكية نفسه؟ وهل هذه الطبائع التي خلق الله عليها النفوس قابلة للترويض والتحويل والتغيير والتبديل للأفضل؟، هذا ما سنحاول الإجابة عنه في السطور التالية.
مفهوم الطباع البشرية
ويُعرّف علماء النفس الطباع البشرية بأنها النموذج السلوكي المتميّز لفرد معيّن، ويمكن تعريفها- أيضًا- بأنها نظام من الدوافع التي تُشكّل أساسًا للسلوك، على الرغم من أنها متباينة عنه، والطبع هو المكافئ للغريزة عند الحيوان التي افتقدها الإنسان، غير أن الإنسان يعمل ويفكّر بما يتناسب تماما مع طبعه، وبالمُحصّلة فإن أعماله وأفاعيله والكثير من أفكاره قائمة على أساس اتجاه الطبع لديه.
والطبع هو مجموعة الاستعدادات الفطرية التي تكّون الهيكل الذهني لدى إنسان ما، واعتمادًا على هذا التعريف، فإنّ الطبع لا يُمثل كيان الفرد بأكمله، بل هو محصلة الوراثات التي تلاقت فيه والتي تولد معه، وليس من الطبع ما اكتسبه الإنسان عن طريق تأثير الغير فيه.
والطفل يولد بإمكانات ومؤهلات تتأثر بما يحيط بها من مؤثرات البيئة، ومن هنا كان تأكيد القرآن الكريم على التربية والتعليم، ومن ذلك قوله تعالى: (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأبْصَارَ وَالأفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [النحل: 78]. وقوله سبحانه: (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا) [الإنسان: 3]. أي بينا للإنسان وعرفناه طريق الهدى والضلال، والخير والشر ببعثة الرسل، وإنزال الكتب، وهذا بعد ما أعطاه الله الحواس الظاهرة والباطنة ومنحه العقل.
كيفية تغيير الطباع البشرية للأفضل
ولا شك أن الكثير من الطباع البشرية التي يتميز بها الإنسان يمكن أن يغيرها للأفضل، وفي الوقت نفسه يمكنه توطيد وتقوية الصفات الحميمة، وذلك من خلال الآتي:
- الاعتراف بالطباع السيئة: فعلى الإنسان أن يُدرك ويعرف الطباع أو الصفات غير الجيدة فيه ويعترف بها، فحين يقبل صفاته ويفهمها يستطيع أن يغيرها، وذلك بالبحث عن مضاداتها.
- السيطرة على الغضب: ويكون ذلك بالتعبير عن النفس أولاً بأول، لإزالة أي احتقانات نفسية، كما أن الإنسان يجب ألا يرضى للآخرين ما لا يرضاه لنفسه، أي أنه إذا كان في حالة غضب وثار على شخص آخر، لا شك أن ذلك الشخص لن يقبل ذلك، فإذا وضع الإنسان نفسه في هذا الموضع؛ فهذا سيجعله أكثر انضباطًا في تصرفاته.
- تنظيم الوقت: بحيث يتخلله راحة كافية، بالإضافة إلى ممارسة تمارين الاسترخاء فهي تُساعد كثيرًا في تخفيف الغضب، والرياضة مُفيدة جدًّا، ويجب ألا ننسى أيها الأخ الفاضل ما وَرَدَ في السُّنة المُطهّرة من معالجات سلوكية فعالة للغضب والاستعجال.
- العزيمة على التغيير: وأن يكون هناك رغبة صادقة في ذلك، انطلاقًا من قول الله تعالى: (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ) [الرعد: 11]، وكثير من الناس يتعللون أن طباعهم غلابة، وأنه ليس عندهم قدرة على التحمل والصبر، ولو جاهد أحدهم نفسه لكظم غيظه وعفّ عن الحرام قال النبي- صلى الله عليه وسلم-: “من يستعف يعفه الله ومن يستغن يغنه الله ومن يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحد عطاء خيراً وأوسع من الصبر” (البخاري).
- العلاج المعرفي: فعلى العاقل أن يحصي على نفسه مساويها ويجمع ذلك في صدره، ثم يكثر عرضه على نفسه، ويتكلف إصلاح ذلك، وعنده استعراض في المحاسبة يومي وأسبوعي وشهري، حتى يرى النتائج، وكلما أصلح شيئا انتقل إلى الذي يليه، وهكذا حتى يصير دائما يومه خير من أمسه، وغده خير من يومه.
- تدريب النفس على ترك الطباع السيئة: ويكون ذلك بالتخلق بالأخلاق الحميدة، وتنمية الأخلاق الجميلة التي يتحلى بها، والنبي- صلى الله عليه وسلم- قال لأشج عبد القيس: “إن فيك خلتين يحبهما الله الحلم والأناة. قال: يا رسول اللهِ! أنا أتخلق بهما أم الله جبلني عليهما؟ قال: بل الله جبلك عليهما. قال: الحمد لله الذي جبلني على خلتين يحبهما الله ورسوله” (صحيح أبي داود).
- عقاب النفس: وفي هذا يقول ابن وهب: “نذرت أني كلما اغتبت إنسانا أن أصوم يوما فأجهدني، فكنت أغتاب وأصوم، فنويت أني كلما اغتبت إنسانا أن أتصدق بدرهم، فمن حب الدراهم تركت الغيبة”.
- البعد عن أصحاب الطباع الرديئة: لأن الطباع تُعدِي، فمجالسة البخيل تحرك الحرص، ومجالسة الزاهد تزهد في الدنيا، والطبع يسرق من الطبع من حيث لا يدري.
- مخالطة أصحاب الأخلاق الطيبة: فقد قيل لأحنف بن قيس: ممن تعلمت الحلم؟ قال: من قيس بن عاصم، كنت أذهب إلى الفقهاء أتعلم منهم الفقهاء، يعني أتعلم منه الحلم، فهذا حرص، من منا اليوم يعني يقول: والله أنا آتي فلاناً لأجل خلق عنده كذا وكذا، بل بعض الغربيين تعلم الكرم من بعض العرب، يروح لسكان البادية ليتعلم.
- الدعاء: قال النبي- صلى الله عليه وسلم-: (…وَاهْدِنِي لأَحْسَنِ الأخْلَاقِ، لا يَهْدِي لأَحْسَنِهَا إلَّا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا، لا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إلَّا أَنْتَ..).
- قراءة الكتب التي تركز على آليات اكتشاف أمراض القلوب وطبائع النفوس وكيفية العلاج وتصحيح المسار.
- متابعة الدعاة والعلماء المتخصصين في مجال أمراض القلوب وطبائع النفوس وفقًا لمناهج عقدية نابعة من الدين الإسلامي بصفائه، بحيث تكون بعيدة كل البعد عن الطروحات النفسية العلمانية، الناشئة في بيئات مغايرة للبيئة الإسلامية.
إنّ الطباع البشرية قابلة للتغيير، لكنها تتطلب جهدًا ووعيًا ذاتيًا، من خلال الرغبة في التغيير والعمل الجاد، يُمكننا جميعًا أن نصبح أشخاصًا أفضل.
مصادر ومراجع:
- الذهبي: سير أعلام النبلاء 9/228.
- المزي: تهذيب الكمال في أسماء الرجال 24/59.
- محمد صالح المنجد: تغيير الطباع.
- حنان حسيني: الطباع البشرية.. هل من الممكن أن تتغير؟
- التهامي مجوري: طبائع البشر وضوابطها!
- هايل شرف الدين: مفهوم الطبع وأنواعه.
- أباي محمد محمود: الأخلاق بين الطبع والتطبع.
إضافة تعليق