كيف تقوم المرأة بواجب الدعوة والحركة؟! وما هي الوسائل لذلك، وكيف تكون المرأة المسلمة ناجحة في حركتها، متوازنة في حياتها؟!
المرأة عنصر فاعل في إعمار الأرض وبناء الحضارات وقيام
المجتمعات، وهي كذلك تقوم على صناعة العنصر الثاني وتؤثّر فيه بما حباها الله من
قدرة وفطرة وذكاء، (بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا
أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) [النساء : 34]، فالمرأة تشاطر الرجل عمليًا خلافة الله في الأرض، وتشاركه حمل
الأمانة التي أوكلها الله للإنسان ذكرًا وأنثى: (إِنَّا عَرَضْنَا الأمَانَةَ... وَحَمَلَهَا
الإِنْسَانُ) [الأحزاب: 72]، والمقياس الذي يزن الله تعالى به عمل كليهما في حمل
الأمانة هو الإحسان: (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا) [الملك:2].
والمرأة الداعية في الحقيقة هي امرأة متحرّكة لأجل خير البلاد والعباد؛ وحركة المرأة لها وقع ولها تاريخ وبصمة تدل على عظيم شأن المتحرّك، فأوّل من واجه ديكتاتور زمانه (فرعون) بكل شجاعة وقوة وإيمان كانت امرأة: (آسية)، وأوّل من ازدهرت مدينة مكة بوجوده هي امرأة ووليدُها: (هاجر)، وأول من تبارك بشرب أطهر ماء على وجه الأرض كانت امرأة: (هاجر)، وأوّل من آمن بدين محمد -صلى الله عليه وسلم- كانت امرأة وهي أمّنا خديجة، وأوّل من استشهد من أجل الإسلام كانت امرأة وهي سميّة، وأوّل من فدى ماله من أجل الإسلام كانت امرأة وهي خديجة بنت خويلد، فالمرأة بحركتها فخرٌ للإسلام وعنوان قوّته منذ القِدم وعبر تاريخ الحضارة الإسلاميّة، وتثبت المرأة في حاضرنا ما ذهبنا إليه.
المرأة الداعية في الحقيقة هي امرأة متحرّكة لأجل خير البلاد والعباد
ومن بدهيّات المعرفة الشرعية الإلمام بما جاء به التكليف
الرّبانيّ، فهو موجَّه للرجال وللنساء على حد سواء، فهما من نفس واحدة، يكلفان ثم
يثابان بالجنة أو يعاقبان بالنار، من هنا كان التكليف بإعمار الأرض لكليهما كبقية
التكليفات، فقد حثّ القرآن والسنة النبوية الشريفة على هذا الأمر؛ لذا تتحمل
المرأة مسؤولية هذه المهمة، ولزم عليها أن تعمل وتنطلق في مهمّتها هذه انسجامًا مع
قيم الإسلام وتعاليمه.
وحتى تقوم المرأة بدورها تجاه تمكين فكرة الإسلام في
الأرض وإعمارها على نهج ربانيّ قويم، كان طبيعيًا أن تؤمر بالحركة والعمل، وكان
لهذه الحركة شكلها وكُنهها بما يتناسب مع شخصية المرأة ومهاراتها وميولها وطاقاتها،
ولم تُعمّم الصورة ولا شكل المسؤوليات إلا في خطوطها العريضة؛ لتترك للمرأة الحق
في اختيار الحركة التي تحقق من خلالها الغاية الربانيّة؛ لأجل ذلك ترى هذه تؤدّي
ما لا تجيده تلك، وتلك تقوم بأعمالٍ لا تقوم بها أخرى، حتى تلحظ التكامل والتناغم
في أعمال النساء على مختلف الصعد والمقامات، فيكون إعمار الأرض عبادة شجية الصوت
طيبة المذاق.
فلا تقتصر دعوة المرأة على إلقاء المواعظ أو الاستماع
لها فقط، بل تتوسع لتضمّ كلّ مناحي الحياة؛ فحياتها الطيبة دعوة ومثال للرائي كي
تكون بحركتها البسيطة قدوة حسنة كأسوتها محمد بن عبد الله -عليه الصلاة والسلام-
وكنسائه أمهات المؤمنين ذكورهم والإناث: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ
بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ
الْمُنكَرِ) [التوبة: 71]، فهذا دليل على قوة المستوى الدعوي والعلمي للمرأة في
الإسلام.
ولكن كيف تقوم المرأة بواجب الدعوة والحركة؟! وما هي
الوسائل لذلك، وكيف تكون المرأة المسلمة ناجحة في حركتها، متوازنة في حياتها؟!
التحصيل المعرفي:
المرأة المسلمة اليوم مطالبة بالعلم وتحصيل المعرفة، ليس
تلبية لنداء دعوات التحرر التي تهدف لضياع الأمة بضياع المرأة، وإنما طاعة لله
وامتثالًا لأوامره سبحانه، لتخرج بذلك من تخلّفها، ولتستقيم شخصيتها وتقوى، ولتكون
قادرة على تحمّل مسؤولياتها، فإذا استقامت شخصية المرأة بالعلم تحرّر فكرها وعقلها
من الخرافة والجمود والتخلف والتبعية، وصار الإيمان بالإسلام مستقرًّا في نفسها لما
تعلمته من الحق: (أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبّكَ ٱلْحَقُّ
كَمَنْ هُوَ أَعْمَىٰ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ ٱلالْبَـٰبِ) [الرعد:19]،
واستطاعت بذلك أن تواجه العوائق، التي تواجهها في الحياة، بروح إيمانية وهمّة
عالية منطلقة من علم ومعرفة بالشريعة والدّين، كما يمكّنها من تحدّي الزيف
والانحراف والظلم.
وحتى تكون المرأة واعية لابد أن تنهل من العلم الشرعي
مهما كان تخصصها في العلوم الدنيوية، ومهما انشغلت بمهارات الحياة وأعبائها
الماديّة، والعكس صحيح ومطلوب؛ إذ على المرأة التي تنشغل بالعلم الشرعي أن تعطي العلوم الدنيوية ومهارات الحياة حيّزًا من يومهاعلى المرأة التي تنشغل بالعلم الشرعي أن تعطي العلوم الدنيوية ومهارات الحياة حيّزًا من يومها؛ فلا تظهر بمظهر الضعيفة الزاهدة
في الدنيا فتخسر بذلك زوجها وأبناءها، وتكدّر على نفسها صفو الحياة التي يحبّ الله
أن تعيشها، فلا تحرّم على نفسها وعلى أهلها ما أحلّه الله لهم، وهي تعلم أن الأصل
في الأمور الإباحة، ودائرة الحرام ضيقة صغيرة.
تحديد الأولويات:
وكثيـرة هي واجبات المرأة ومتنوعة بتنوع الحياة نفسها،
يبقى على المرأة رصدها وترتيبها على ضوء الشرع، فقد تفاجأ بأنها ترهق نفسها فيما
ليس عليها بواجب، وقد تفاجأ بتقصيرها فيما هي ملزمة به شرعًا، وتفعيل هذا النضج
والوعي إلى عمل فاعل ونافع في المجتمع، وإلى سلوكيات تنبذ حبّ الراحة والدّعة
والكسل، التي أصابتنا بأنواع العلل وأشكال الآفات.
المرأة المتوازنة تضبط علاقتها بالله وبذاتها وبالكون،
فالتوازن المرغوب هو ذلك الذي يضمن للمرأة تفوّقها وتميّزها، ويحميها من المنغصات
والمشكلات التي تثير زوابع الغموم العاتية، وترهقها نفسيًّا وجسديًّا.
والتنسيق بين درجات الواجبات التي تعهّدت بإتقانها يؤمّن
لها خروجًا سليمًا من دوّامة الالتزامات؛ فما أجمل أن تتقن مهارات الإدارة!!
وتفوّض وتحترم الزمن والخطط، وتتفنن في استثمار الطاقات والعمل الجماعيّ، وتتقن
مهارات التفكير العليا، وتحاول اكتساب سمات الشخصية القيادية المشرقة، فهي بهذا
تكون داعية بحق كالنجم يضيء بذاته وينير دروب السالكين.
البيئة الدافعة:
المرأة المتوازنة تحيط نفسها ببيئة تدفعها للعمل الجاد
النافع، كثيرة هي نماذج النساء الفاعلات في مجتمعاتهنّ، ولو سألناهنّ عن مقوّمات
التميّز لأشرن إلى محيطهنّ دون أدنى شك، فقد تشير للوالدين أو للزوج والأبناء أو
للمربين أو لجميعهم، فالبيئة الخصبة تدعم الأفكار وتسند أصحابها، والبيئة المريضة
تقتل الهمم وتدني العزائم، وهنا ترى النفوس الطامحة للعمل تهجر بيئتها المريضة هربًا
نحو محيط سليم يدفعها نحو القمة التي تريد.
فالزوج الذي يدرك قيمة زوجته ودورها الذي كلفها الله به، هو خير معين على رسم لوحة جميلة المعالم زاهية، منسجمة في خطوطها وألونها... وكذلك الوالد المؤمن بالمرأة البانية لأمتها والابن الواثق بطاقة أمّه ووسعها لرفع شأن الأمة والأوطان.
الزوج الذي يدرك قيمة زوجته ودورها الذي كلفها الله به، هو خير معين على رسم لوحة جميلة المعالم زاهية، منسجمة في خطوطها وألونها.
فإذا عاشت المرأة متوازنة في الاهتمامات بين مجالات
الحياة، وحرصت على إتقان فنون الحياة التي استطاعتها، وأعطت كل فن حجمه وحيّزه
الذي يكون لها حجة أمام الله يوم الحساب، وإن واكب هذا التوسع الأفقيّ ارتقاء
عموديّ؛ فقد أبدعت وأحسنت.. قد تتقن الفنون الحياتية المتنوّعة وهذا ما وصفته
بالتّوسع الأفقي، وهو الإكثار من عدد المهارات التي تخدمها وتخدم أسرتها ومجتمعها،
أما الارتقاء العمودي فهو استثمار ما يمكن من الطاقات لرفع منسوب الإنتاج، حتى
يخرج من حيّز الفرد إلى نطاق المجتمع والأمّة.
كانت هذه بعض الإشارات للمرأة الداعية لتحقيق التوازن
بين مهامها المتعددة، فنسأل الله تعالى أن يوفق نساء المسلمين لما يحب ويرضى، وأن
يكون ذلك دافعًا لها لبذل مزيد من الجهد في سبيل تحقيق غايتها الكبرى..
إضافة تعليق