مدخل:

قدّر الله تعالى الفتن في هذه الحياة للاختبار والتمحيص والابتلاء، ولا يخلو من هذه الفتن زمان ولا مكان، ولا يكاد ينجو من التعرّض لها أحد، وتزداد الفتن ظهورًا وشدّة في آخر الزمان؛ لذا كثر تحذير الشرع منها والإرشاد لكيفية توقّيها.

وفي هذا العصر الذي يعجُّ بركام الأفكار المتناقضة، وتتلاطم فيه أمواجُ الفتن المتتابعة، ويبلغ التأثيرُ في الأجيال أوْجَهُ عبر وسائل التواصل وقنوات الإعلام الجديد، حيث تَستهلكُ صناعةُ التفاهة وفيروسُ الترفيه والتسلية عُمرَ الإنسان ووقتَه واهتمامَه، وتستهدف إثارةُ الشهواتِ قلبَه وعاطفتَه، وتغزو الشبهاتُ والطعنُ في الثوابتِ والقيمِ عقلَه وعقيدتَه؛ تبرز ضرورةُ العناية بالأجيال الناشئة بالتأسيس الصحيح، والبناء المتين عبر برامج جادّة، ومشاريع مدروسة، تتحقّق بها صناعة الشخصية الإسلامية المتوازنة الواعية التي تجمع بين العمق في الإدراك، ومهارة التعامل مع العصر وأدواته، مع رسوخ الجذور في علوم الإسلام؛ مما يؤهّلها للنهوض بأعباءِ المسؤولية المتوجّهة إليها، وحمل همّ الإسلام ونشره والذبّ عنه، والتفاعل مع قضايا المسلمين بحسب القدرة والاختصاص.

التربية طريق التحصين والبناء:

حتى ينشأ الفرد نشأةً صحيحةً متوافقةً مع الفطرة التي فطر الله الناس عليها، ويكتسب العلوم والمعارف والمهارات والقدرات التي تمكّنه من شقّ طريقه في الحياة بالشكل الصحيح، ويحقق أهدافه فيها، ويكون نافعًا لمجتمعه وأمّته؛ فإنّه بحاجةٍ إلى رعايةٍ وعنايةٍ تُحقِّق له النَّماء المطلوب في كلّ المجالات الروحية والعقلية والجسدية والأخلاقية والمهارية وغيرها.

ولا يتوقّف دَور التربية عند حدّ البناء والتطوّر وتحقيق المكتسبات، بل لا بدّ من التحصين من الشرور، من خلال التعرّف عليها وإدراك خطرها وآثارها، ثمّ اكتساب المناعة ضدّها من خلال التربية الإيمانية والأخلاقية والسلوكية التي تحمي الفرد من الشرور والآفات التي باتت رياحها عاتية نتيجة الانفتاح العشوائي على العالم بطريقة جاذبة خادعة.

وعند حدوث الخلل وحصول التلوّث بشيء من هذه الشرور يأتي دور التهذيب والإصلاح والعلاج بالطرق النافعة التي تأخذ بيد العاصي وتُنقذُهُ من الغرق وتوصِلُه إلى برّ الأمان بالحكمة والأسلوب الجاذب الرفيق.

تحديات التربية في الزمن الحاضر:

التربية في حدّ ذاتها مسألةٌ معقّدة؛ فهي تتطلَّب جهدًا كبيرًا من المربّي، وعلمًا ومهاراتٍ ينبغي توفّرها فيه حتى يتمكّن من التأثير في المتربّي تأثيرًا صحيحًا وعميقًا. ويزداد الأمر صعوبة وتعقيدًا في الزمن الحاضر، الذي اتَّسعت فيه البيئةُ الحاضنة للمتربي لتصبح العالمَ كلّه بكلّ ما فيه من خيرٍ وشر، وجدٍّ وهزل، وعقلٍ وتفاهة؛ مما زاد من حجم العبء التربوي، فالمعلومات التي ينبغي التعامل معها، والأخطاء التي ينبغي تصحيحها، والشبهات التي ينبغي الردّ عليها أصبحت كبيرةً جدًا، ومتنوّعة تنوّعًا هائلاً.

وزاد من تعقيد هذه المسألة: أنّ المشاركين في نشر هذه الثقافات هم من فئاتٍ متنوّعةٍ في المجتمع، ولاسيَّما فئة الشباب؛ وهذا بلا شكّ أقوى في التأثير خصوصًا فيمن هم مثلهم في العمر أو الجنس، كما أنّه يُضعف كثيرًا من تأثير المربّين مهما بلغت منزلتُهم العلمية والثقافية ومهاراتهم التربوية.

وأمرٌ ثالث يتعلّق بالتواصل، فعكوف الناس عمومًا والجيلِ المقصود بالتربية خصوصًا على وسائل التواصل الاجتماعي يعزلهم عن الواقع، ويُضعف التواصل الإنساني بينهم وبين الآخرين؛ مما يصعّب من مهمّة المربّين الذين يسلكون الطرق التقليدية في التربية والتعليم.

وإنّ من أهمّ ما يعين المربي في أداء رسالته التربوية، وتجاوز التحدّيات والعقبات التي تعترض طريقه أمور:

• عناية المربّي ببناء نفسه معرفيًا وفكريًا، فكلّما كان المربّي كثيرَ العلم واسعَ الاطلاع غنيَّ الثقافة كان أقدر على التعامل مع المتربّين على اختلاف أطيافهم الثقافية وتنوّع اهتماماتهم، وكان قادرًا على الإجابة على تساؤلاتهم وحلّ مشكلاتهم، وبالتالي إقبالهم عليه وقبولهم منه.
• عناية المربّي ببناء نفسه روحيًا من خلال: تقوية صلته بالله تعالى بقيام الليل والذكر والتبتل والانقطاع إليه في كلِّ قول أو عمل، والاعتماد عليه سبحانه وتعالى، إضافة إلى الصبر مع الهجر الجميل للمخالفين.

ومن خلال هذين الأمرين فإنّ المربّي يقدّم نفسه قدوة؛ تُلهم الشباب وتوجههم نحو القيم الصحيحة.

• العناية باختيار الأسلوب والوسائل وأدوات الخطاب المناسبة، بعد القناعة بأنّ لكل زمن أسلوبَه ومنهجَه الذي يناسبه، وأنّ هذا العصر -بتحدّياته الكبيرة- يستدعي حسن اختيار الطريقة الأفضل في التربية لتكون جاذبة فاعلة مؤثّرة.
• التركيز على التعلُّم المستمر من خلال التزوُّد بالعلم النافع الذي يقرّب من الله وطاعته، ويساعد في فهم العالم بشكل أفضل ويمنح الأفراد القدرة على التكيف مع التحديات.
• العناية بالفطرة التي فطر الله الناس عليها من خلال تقوية هذه الفطرة وإشباع رغباتها الطبيعية بالطرق المشروعة؛ لتبقى نقيّة بعيدة كل البعد عن الانحراف.
• تقوية الوازع الديني في النفوس: بالتربية على الخوف من الله ومراقبته، والارتقاء بالتقوى إلى الحدّ الذي تؤتي فيه ثمارها بالكفّ عن معصيته.
• تعزيز القيم والأخلاق والمبادئ الإيجابية الثابتة الراسخة الأصلية المستمّدة من الوحي بشقّيه الكتاب والسنّة.
• بيان حقيقة الشرور المحدقة، وتسميتُها بمسمّياتها، وتعريتها ببيان ما فيها من باطل، وما تنطوي عليه من خطورة في العاجل والآجل.
• تحفيز التفكير الناقد: بتشجيع المتربّين على التفكير الناقد وطرح الأسئلة، وإجراء النقاشات المثمرة، وصولاً بهم إلى القُدرة على اتِّخاذ قراراتهم الخاصة استنادًا إلى قيمهم.
• تعزيز الوعي الثقافي: وهو مفيدٌ في فهم الثقافات المختلفة وتقدير التنوع، والمساعدة على فهم الآخرين.
• تقديم البدائل: ويراعى فيها أن تكون مقابلة قدر الإمكان للممنوعات والمحظورات بحيث تلبي رغبات المترّبين النفسية والجسمية بالطرق المشروعة.
• الاتصال المباشر بالمتربّين سواء بشكل مباشر أو من خلال فضاء الإنترنت؛ وذلك حتى يتمكن من التأثير فيهم وغرس القيم والمبادئ وتنميتها ومتابعتها. مع محاولة التغلّب على ضعف التواصل الإنساني نتيجة الاعتماد على الواقع الافتراضي.
• تأهيل مربِّين من شرائح متنوعة من المجتمع، بحيث يكونون مقبولين لدى شرائح المجتمع التي تماثلهم ومؤثّرين في أقرانهم.
• التركيز على مهارات الفهم، والتفسير، والتحليل، والنقد؛ وذلك بهدف إيجاد حصانة فكرية وأخلاقية لدى المتربّي وجعله قادرًا على التمييز بين الخير والشر، وانتقاء المضمون العلمي والفكري والذي يتوافق مع دينه وقيمه ومجتمعه.
• الإيجابية في مواجهة الشبهات والمشكلات الأخلاقية والسلوكية، من خلال التوجيه البنّاء، واستشارة أهل الاختصاص في القضايا الشائكة والتشاور بشأنها قبل الإقدام على محاولة حلّها.

التربية زمن الفتنة:

حين تثور الفتن: تطيش العقول، وتزلّ الأقدام، ويقلّ العمل، ويُنسى العلم؛ لذا فإنّ من أهمّ الأعمال وأجلّها والتي بها تكون النجاة: الفزع إلى الله تعالى، والتمسّك بسنّة نبيّه صلى الله عليه وسلم، فعن مَعقِل بن يَسار رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (العبادةُ في الهَرْجِ كهجرةٍ إليَّ)[1] ، ورواه أحمد بلفظ: (العبادةُ في الفتنةِ كالهجرةِ إليَّ)[2] ، وله كذلك: (العمل في الهَرْجِ كهجرةٍ إليَّ)[3].

قال ابن العربي رحمه الله: “ووجه تمثيله بالهجرة أنَّ الزمانَ الأوَّل كان النَّاس يفِرُّون فيه من دار الكفر وأهلِه إلى دار الإيمان وأهلِه، فإذا وقعت الفتنُ تعيَّن على المرْءِ أن يفرَّ بدينه من الفتنة إلى العبادة، ويهْجُرَ أولئك القومَ وتلك الحالةَ، وهو أحدُ أقسامِ الهجرة”[4].

وقال ابن رجب رحمه الله: “إنَّ الناسَ في زمن الفتن يتَّبعون أهواءَهم ولا يرجعون إلى دين، فيكون حالُهم شبيهًا بحال الجاهليَّة، فإذا انفرد مِن بينهم مَن يتمسَّك بدينه ويعبُد ربَّه ويتَّبِع مراضيه ويجتنبُ مساخطَه كان بمنزلة من هاجر من بين أهل الجاهليَّة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤمنًا به، متَّبعًا لأوامره مجتنِبًا لنواهيه”[5].

والنجاة من هذه الفتن لا تكون بالحرص على الذات فقط، بل لا بدّ من العمل على نجاة الآخرين الأقرب فالأقرب، وذلك من خلال الانتقال من صلاح الذات إلى العمل على إصلاح الآخرين؛ ليكونوا ثابتين على الحق، متيقّظين للشبهات، حذرين من الوقوع في الفتن صغيرِها وكبيرِها، بعيدين كلَّ البعد عن الانجراف وراء الشبهات والشهوات، ولا شيء يعين على ذلك كالعلم الذي يُجلي الأمور ويكشف حقائقها، قال الحسن البصري: “إنّ الفتنة إذا أقبلت عرفها العالم، وإذا أدبرت عرفها كل جاهل”[6].

والعلماء الربّانيون حريصون أشدّ الحرص على أن يكونوا مُصلحين، ويبذلون في سبيل إصلاح المجتمع وبخاصة الشباب الغالي والنفيس، ولذا نجد العديد من البرامج العلمية التربوية التي تنشأ تباعًا، وتتنافس فيما بينها بتقديم الأفضل والأكمل، ويتفاوت المقبِلون عليها من الشباب بحسب مقدرة هذه البرامج على الوفاء باحتياجاتهم وتقديم الجديد والمفيد لهم.

برامج التربية بين النقد والعداء:

لا يخفى أن مثلَ هذه البرامج البِنائية الهادفة كثيرة التفاصيل، متعدّدة الجهات، متعاقبة المراحل فلا يعدو ترتيبُها، واختيارُ مفرداتها ومراحلِها، وتحرير محتواها ومادتها أن يكون جهدًا بشريًا قابلاً للخطأ والصواب، وتتفاوت في بعضه وجهاتُ النظر، ويقبل كثيرٌ مِن تفاصيله النقدَ والتصحيح، والأخذَ والردّ.

والواجب هو النّظر إلى المحصلة العامة لهذه البرامج والأثر الكلي والغالب على نتائجها بملاحظة ما تحقِّقه مِن المصالح العظيمة في حفظ الهوية، وبناء الجيل، ونشر الجدّية، وتحفيز العاملين في الساحة، وما تدفعه مِن شرور عن المنتمين إليها، والمفاسد التي يوشك أنْ تصيبَهم لو لم يلتحقوا بركاب قافلتها، ويصعدوا إلى عربات قطارها.

هناك مَن يعارض هذه البرامج وهم من أصحاب الشهوات والانحرافات الذين يأنفون مِن كلِّ داعية للفضيلة، ويتذمّرون مِن كلّ جهدٍ لإعادة صقل الشخصية الإسلامية، ويعادون كلّ برنامج لإطلاق طاقات شباب الأمة بما يخدم رسالتها ودينها ومكانتها، ﴿‌وَاللَّهُ ‌يُرِيدُ ‌أَنْ ‌يَتُوبَ ‌عَلَيْكُمْ ‌وَيُرِيدُ ‌الَّذِينَ ‌يَتَّبِعُونَ ‌الشَّهَوَاتِ ‌أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا﴾ [النساء: 27].

وقد يُعارضها أيضًا بعضُ مَن ضاقت صدورُهم أن يروا النجاح والشهرة منسوبةً إلى غيرهم، أو إلى غير أبناء مدرستهم ومذهبهم، فلم تطِب نفوسهم أن تتشكَّل رموزٌ في الأمة لها أثرُها وحضورُها دون أن يكون لهم بها صلة أو لاتجاههم مصلحة أو تمكين ﴿‌أَمْ ‌يَحْسُدُونَ ‌النَّاسَ ‌عَلَى ‌مَا ‌آتَاهُمُ ‌اللَّهُ ‌مِنْ ‌فَضْلِهِ ‌فَقَدْ ‌آتَيْنَا ‌آلَ ‌إِبْرَاهِيمَ ‌الْكِتَابَ ‌وَالْحِكْمَةَ ‌وَآتَيْنَاهُمْ ‌مُلْكًا ‌عَظِيمًا﴾ [النساء: 54]. وهذا مستلزمٌ لمراجعة النيّة، وتجريد القصد، وتحقيق الإخلاص، وقد ثبت عن الإمام الشافعي أنه قال: “وددتُ أنّ الخلقَ تعلّموا هذا العلم على ألّا يُنسب إليَّ حرفٌ منه”[7].

وقد نجد مَن يختلف مع القائمين عليها، سواء كان الاختلاف في البيئة التي انطلقوا منها، أو الاختلاف في المذهب أو الانتماء الحزبي؛ فنجده يتعامل معها بالريبة والتوجّس، بل ويشترط لقَبولها أو لمجرّد السكوت عن نقدها أن تُحقِّق المواصفات التي يرضى عنها ويرى أنّها هي الحق ولا شيء سواها! وإلا فإنّه سيتَّجه إلى التحذير والتشغيب، وتثبيط الشباب عن الاستفادة من تلك البرامج، حتى لو لم يجد أولئك الشباب بديلاً مقنعًا، وبرنامجًا مثمرًا؛ ومَن يتخذ مثلَ هذا الموقف يصطفّ -مِن حيث عَلِمَ أم لم يعلم- مع أعداء هذه البرامج الهادفة، وهادمي هذه الجهود التي باتت ضروريةً أو على الأقل في رتبة الحاجة الملحّة لمقاومة السيل الجارف لمكونات الهوية، وتقليل آثار طوفان وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام الجديد الذي بات مهدِّدًا باقتلاع الكثير من الجذور والأسس التي يقوم عليها بناء الشخصية الإسلامية.

ولا ينفع هنا التبرير بحماية الجيل مِن أراءَ جزئيةٍ قد تؤدي إلى تفويت مصالحَ كلية، ولا التبرير بمحاولة إيجاد البدائل التي قد لا تُقارب تلك البرامج الناجحة التي بُنيت عبر سنين متعاقبة، وجهود متواردة، ولا تسدُّ عُشرَ معشار ثغرها لما حالفها من التوفيق، وكُتب لها مِن القبول في البلاد وبين العباد.

وإذا كانت الشريعة الإسلامية قد جاءت بجلب المصالح وتكثيرها، ودرء المفاسد وتقليلها؛ فلا يسوغُ إطلاقُ القذائف المؤدية إلى تصدُّع بنيان هذه البرامج، والسعي في هدمِها والتخذيل عنها ما لم يتحقّق أمران، ويتوفر شرطان:

أولهما:

وجود السبب الوجيه الداعي إلى تلك الهجمات والمتمثّل في النقص الخطير، والانحراف الكبير في تلك البرامج، كأن تتبنّى المبادئَ الهدّامةَ التي لا يختلف في فسادها شخصان، ولا ينتطح عليها عنزان، ويكون مِن أهداف دعوتها وأسسها: الترويج للأفكار الضالّة الخارجة عن المدارس المعروفة لأهل السنة والجماعة، ثم يستغلق إصلاحها، ولا يمكن تداركها، ويتعذّر تغييرها وتخفيفها بتعنّت القائمين عليها من خلال إغلاق باب الإصلاح، ورفض النقد بالكلية، والاستنكاف عن النصيحة.

والثاني:

أن يوجد البديل الذي يقوم مقامها كمًّا وكيفًا، ويسدّ الثغور التي وقفت عليها، ويحمي المنتسبين إليها مِن المفاسد التي تزيد على ما يخُشى من أخطائها ونقصها.

فإذا لم يتحقّق الشرطان، وكان خيرُها غالبًا على شرِّها، ومصلحتُها تزيدُ على مفسدتها، وما تُقدمه مِن أثر وصلاح وخير لا بديل له؛ فلا مناصَ مِن ترك مهاجمتها ومحاولة تقويضها، والتوجه إلى إصلاحها، والتعاون مع القائمين عليها لتكثير خيرها، وتقليل شرها. “فقد يتعذّرُ أو يتعسّرُ على السالكِ سلوكُ الطريق المشروعة المحضة إلا بنوعٍ مِن الـمُحدَثِ لعدم القائم بالطريق المشروعة علمًا وعملاً. فإذا لم يحصل النورُ الصافي بأن لم يوجد إلا النورُ الذي ليس بصاف وإلا بقي الإنسان في الظلمة فلا ينبغي أن يعيب الرجلُ وينهى عن نورٍ فيه ظلمة إلا إذا حصل نورٌ لا ظلمة فيه، وإلا فكم ممّن عدَل عن ذلك يخرج عن النورِ بالكلية إذا خرج غيرُه عن ذلك؛ لما رآه في طرُقِ الناس مِن الظلمة”[8].

همسةٌ في أذن المربين:

الواجب على القائمين على هذه البرامج أن يُكملوا طريقهم، ويتوكّلوا على ربهم في إنجاح مقاصدهم، وأن يفتحوا باب التعاون على البرّ والتقوى، وقَبول ما يظهر لهم من حق ممّن جاء به، وفتح باب النصيحة والنقد، والسعي لتقويم المسار، وتطوير العمل، وتركيز المقررات العلمية والمنطلقات الدعوية على قواطع الدين، وثوابت الملّة، وقواعد الشريعة، والإعراض عن مواضع النزاع قدر الإمكان، والبعد عن مواطن الخلاف بين الاتجاهات الإسلامية المعتبرة، وتوجيه النقد إلى الشبهات القادحة في أصول الإسلام، والعمل على تحقيق الأخوة الإيمانية قولاً وعملاً، وبناء الجسور مع أصحاب المشاريع والبرامج العاملة في الساحة، وأن لا يفتّ في عضدهم قلةُ المعين، وخذلانُ القريب، وتجهّمُ البعيد، وأن يصبروا ويصابروا على الثغور التي يرابطون عليها، وأن لا يبرحوا جبل رماتهم اغترارًا بالغنائم العارضة، ﴿‌وَقُلِ ‌اعْمَلُوا ‌فَسَيَرَى ‌اللَّهُ ‌عَمَلَكُمْ ‌وَرَسُولُهُ ‌وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ [التوبة: 105].

[1]أخرجه مسلم (2948).

[2]أخرجه أحمد (20311).

[3]أخرجه أحمد (20298).

[4]عارضة الأحوذي (9/53).

[5]لطائف المعارف، ص (238).

[6]حلية الأولياء (9/24).

[7]المجموع شرح المهذب، للنووي (1/12).

[8]مجموع الفتاوى (10/364).