أمٌ تتجدد بها الحسرة كل صباح، تُؤَمّل في أن يعتقها هذا الصغير لتكون في جلسة خلوة مع ربها لتتقاطر على سجادة التوبة، لتحظى ببعض الإنابة والطاعة والعبادة. لكنها كل صباح هي على موعد مع أنغام الرضيع، وقطرات الحليب تنسكب من حولها، والحفاظ الذي اكتسى غرفتها
أمٌ تتجدد بها الحسرة
كل صباح، تُؤَمّل في أن يعتقها هذا الصغير لتكون في جلسة خلوة مع ربها لتتقاطر على
سجادة التوبة، لتحظى ببعض الإنابة والطاعة والعبادة.
لكنها كل صباح هي على
موعد مع أنغام الرضيع، وقطرات الحليب تنسكب من حولها، والحفاظ الذي اكتسى غرفتها ..
على موعد بلا نهاية
لروتين يحبسها عن رسالتها ودعوتها وعبادتها.
تتناوب بلا جزاء
لاستجابة سؤال هذا وصوت الجوع في صراخ ذاك ومشاركتها لحظات اللعب مع هذا أو تدريس
ذاك….
صوت البراءة يزين بيتها
لكنه يحبسها عن شغفها …
يزداد حزن الأمهات خاصة
مع بلوغ مواسم الطاعات وهنّ يصفن أوجاعهن
:
أشعر أني مكبلة عن
العالم، سيفوتني قطار الطاعة والحسنات، خرج رمضان وأنا المفلسة، ذهب الناس بالأجور
وبقيت بحسرتي.
عزيزتي الأمّ لم آتِك
اليوم لأجدد مواجعك، بل لأذكّرك بفضائلك، لتمسحي دمعة الحسرة وتجعلي قطرات الدموع لآلئ
تنساب على وجنتيك طمأنينة وسعادة وتهزي الرضيع بين يديك فخرا بهذا الدين العظيم
وهذا الربّ الكريم لترينه نعمة وفضل قبل أن يكون حبيسك ومكبلك …
فالله الذي حمّلك هذه
الأمانة هو وحده يعلم قيمتها وثقلها وحجمها فكيف سيضيعك وقد جعلك أنت من تربين
وتكبرين وتقودين وجعلك صورة الأمان وطعم الشبع لهذا المخلوق الصغير الذي يريد من
هذه الدنيا أن يكبر ويعيش في راحة وأمان وحرية…
لعل كلماتي هذه تطيب
خاطرك وأنا أذكرك بعبادة الوقت !
هل سمعت عنها يومًا؟
وأما عبادة الوقت فيقول
عنها الإمام ابن القيم في مدارج السالكين: (إن لكل وقت عبادته وإن أفضل العبادة
العمل على مرضاة الله في كل وقت بما هو مقتضى ذلك الوقت و وظيفته).
ثم يفصل رحمه الله
فيقول:
فأفضل العبادات في وقت
الجهاد :الجهاد وإن أدى إلى ترك الأوراد من صلاة الليل و قيام النهار والأفضل في
وقت حلول الضيف القيام بحقه و الاشتغال به عن الورد المستحب..والأفضل في أوقات
السحر الاشتغال بالصلاة و القرآن و الذكر و الدعاء..والأفضل في أوقات الصلاة :الجد
و النصح في إقامتها والمبادرة إليها....والأفضل في أوقات ضرورة المحتاج :الاشتغال
بمساعدته وإيثار ذلك على أورادك و خلوتك و الأفضل في وقت نزول النوازل و أذى الناس
لك :أداء واجب الصبر مع خلطتك بهم دون الهرب منهم..ثم الأفضل في كل حال إيثار
مرضاة الله في ذلك الوقت والحال والاشتغال بواجب ذلك الوقت و وظيفته و مقتضاه.
لذا وجب علينا ألا نغفل
عن عبادة الوقت..
فالفريضة مقدمة على
السنة والواجب مقدم على المستحب والأهم مقدم على المهم والعاجل مقدم علي الآجل
وفرض العين مقدم على فرض الكفاية.
إذن أفضل العبادة في كل
وقت هو الاشتغال بواجب ذلك الوقت.
فكيف وأنت تحملين أمانة
التربية وترعين بيتك وتفعلين واجبك تجاه هذا المخلوق الصغير.
فالله الله بالاحتساب
وتجديد النية يا رعاكِ الله …
عبادة الوقت الآن هو
صغيرك الذي ينتظرك فإذا تفرّغت فانصبي لفعل آخر، أما ذلك الوقت الذي يأخذه صغيرك
فاعلمي أنّك في عبادة فمتى ما جدّدت هذه النية واحتسبت رُزقت الأجر والثواب العظيم
.
في هذا المقام أيضا لا يفوتني
أن أذكرك لتحرصي على العبادة متى ما وجدت متسعا لذلك.
فأتمنى منكِ أختي
الحبيبة أن تستغلّي وقت فراغك ووقتك المتسع، لا أن تتحجّجي دائما بالتربية
والأمومة بل عليك أن توازني وتسترقي اللحظات بما فتح الله عليك من العبادات
القلبية والفعلية والاحتساب وغيرها خاصة في شهر رمضان المبارك … وأن تخططي بمرونة
وذكاء لتنتفعي بنفحات هذا الشهر الفضيل.
فمثلا لما تقرئي وردك
من القرآن احرصي أن تجمعي بين التلاوة وبين تفسير وتدبر بعض الآيات وقراءة القرآن
المفسر أو من كتب التفسير تساعدك على تطبيق ذلك
.
كذلك عند النهوض
للرضاعة أو لما تسهرين مع طفلك اغتنمي ذلك الوقت بالتسبيح والاستغفار والدعاء.
في كل عمل تبذلينه من
أجل بيتك وكل طبخة تطبخينها احتسبي ونوّعي
بين النيات لتظفري بأجور عظيمة :بين نية إفطار صائم وتقويتهم على العبادة وفي اللعب
مع الأطفال نيّة الرفق بهم والإحسان إليهم
إلخ…
هذا ما استطعت تدوينه
على عجالة الوقت آمل أن تجدي فيه ما ينفعك.
إضافة تعليق