كثيراً ما نصبح أسرى لقيود نحن صنعناها بأيدينا، إنها أفكارنا السلبية عن ذواتنا أي برمجتنا السلبية عن الذات. وهي البرمجة التي تحطمنا وتوقعنا في أحضان الإحباط وتحد من الاستفادة من طاقاتنا وبالتالي من نجاحنا في الحياة الاجتماعية والعملية.

كثيراً ما نصبح أسرى لقيود نحن صنعناها بأيدينا، إنها أفكارنا السلبية عن ذواتنا أي برمجتنا السلبية عن الذات. وهي البرمجة التي تحطمنا وتوقعنا في أحضان الإحباط وتحد من الاستفادة من طاقاتنا وبالتالي من نجاحنا في الحياة الاجتماعية والعملية.

هذه الأفكار السلبية قد لا تكون صحيحة ولكنها مع الوقت أصبحت قناعات يصعب  التخلص منها والتحرر من قيودها بل سنصبح سجناء لها تتحكم في مواقفنا ورغباتنا وتطلعاتنا بل في أسلوب علاقاتنا مع الآخرين. لذلك قيل في هذا السياق: راقب نفسك لأنها ستصبح أفعالاً، راقب أفعالك لأنها ستصبح عادات. راقب عاداتك لأنها ستصبح طباعاً، راقب طباعك لأنها ستحدد مصيريك واتجاهاتك وعلاقاتك في الواقع المعيش.

ما هو التفكير السلبي؟ هو عبارة عن هاجس من الأفكار المتواصلة التي تسيطر على عقل وتفكير الإنسان والتي تمتاز بصفة التشاؤمية، مع العلم بأن هذه الأفكار التشاؤمية التي تسيطر على الإنسان مصدرها هو الإنسان المتشائم نفسه، أي أنها ليست حقيقة وهي من واقع الوهم والخيال، على عكس الإنسان المتفائل الذي ينظر إلى الحياة من منظور معاكس تماماً.

ومن الأمثلة الحيّة على طبيعة الأفكار السلبية عن الذات على سبيل المثال لا الحصر         ( أنا لا أصلح للخطابة. أنا لا أجرؤ على مواجهة الناس، أنا لا أصلح للإدارة، أنا لا استطيع إقناع الآخرين، أنا لا استطيع التفوق، أنا فاشل في الدراسة والتحصيل العلمي، أنا فاشل في علاقاتي الاجتماعية وتكوين الصداقات، أنا عاجز عن حل المشكلات التي تعترضني..... إلخ ). فالعقل الباطن لا يعقل الأشياء مثل العقل الواعي فهو ببساطة يخزن المعلومات ويقوم بتكرارها فيما بعد كلما تم استدعاؤها من مكان تخزينها. فلو حدث أن رسالة تبرمجت في هذا العقل لمدة طويلة ولمرات عديدة مثل أن تقول دائماً في كل موقف - كما ذكرنا سابقاً - فإن مثل هذه الرسائل سترسخ وتستقر في مستوى عميق في العقل الباطن ولا يمكن تغيرها, ولكن يمكن استبدالها ببرمجة أخرى سليمة وإيجابية.

يصنف الأطباء النفسيون التفكير السلبي على أنه حالة من المرض النفسي، حيث إنه حالة تصيب الإنسان ولا يستطيع التخلص منها إلا في حالة تم علاجها بصورة نفسية، وفيزيولوجية، كما أن التفكير السلبي يعتبر من أهم المعوقات التي تعيق عملية النجاح لأنه يقف حائلاً أمام أي نجاح قد يسعى الإنسان إلى تحقيقه والوصول إليه. ومن أهم الأسباب التي تؤدي للتفكير السلبي، التركيز على نقاط الضعف وتضخيمها فلا أحد منا ينكر وجود نقاط ضعف فيه ولكن الحكيم من الأشخاص هو من يحاول تسوية نقاط الضعف هذه وتقويمها، ثم الانطلاق لرؤية الميزات الإيجابية منها، فمثلاً الكثير منا يرى نقطة ضعفه أنه بطيء في تنفيذ الأمور فيتوقف عن فعل ذلك ويرفض أن يبدأ بأي عمل. بالإضافة إلى مقارنة نفسه مع الأفراد الآخرين المتفوقين مما يؤدي إلى الحد من إنجازاته التي يمكن أن يصل إليها بطريقة ما. ناهيك عن السلبيات في الصغر فربما تعرض أحدنا لأفكار سلبية نتجت عن توبيخ أو نقد له وهو صغير وهكذا كبرت معه وتضخمت حتى أصبحت تفكيراً مثبطاً، لا يلبث أن يتحول إلى حاجز بين الفرد وأي نجاح يمكن أن يحرزه. كذلك تعلب الحساسية تجاه النقد دوراً سلبياً في ترسيخ التفكير السلبي فلا ننكر أن الكثير منّا قد يكون لديهم بعض الحساسية تجاه النقد، فتجدهم سرعان ما ينفعلون ويعجزون عن إتمام أي عمل قد بدأوا فيه وينسحبون حتى قبل أن يفشلوا حقيقة. كما أن أوقات الفراغ الذي يمر به الإنسان ونعني هنا الفراغ بكل أشكاله، وكما قيل " نفسك إن لم تشغلها بالخير شُغلت بالشر".

وفي هذا السياق نجد أن الأصدقاء السلبيين يلعبون دوراً لا يستهان به في هذا السياق فكثيراً ما نجتمع في حياتنا مع أشخاص يكثرون من كلمة لن تفلح ولن تنجح ومن هذه الكلمات والأفكار السلبية التي تخلق جواً معاكساً للنجاح، فهي تحبط أي عمل وتدفعنا لتجنب المحاولات وإن أمكن القول استغلال الفرص التي يمكن ان تأتينا وتغيّر حياتنا تماماً.

وفي النهاية نجد أن القلق والتردد هما العدوان اللدودان للإيجابية، فما إن تبدأ بشعور القلق تجاه أي شيء ستبتعد عنه وتخافه وهكذا تتحول إلى الإنسان السلبي الذي يبتعد عن إحراز أهدافه وتحقيق النجاح. بالإضافة إلى زيادة حجم التزعزع الداخلي للإنسان أو كما يقال تزايد قلة شعوره بالثقة بالنفس، وهذا الأمر يعود إلى عدة أسباب والتي من أهمها كثرة تهميش العائلة للإنسان وعدم الأخذ برأيه أو إشراكه في اتخاذ القرارات الصعبة، كما أن كثرة الاستهزاء بالإنسان تسبب حدوث حالة من الشعور بالنقص والذي يؤدي بدوره إلى قلة الشعور بالثقة والنفس والقدرة على تحمل المصاعب. بالإضافة إلى أسباب وعوامل أخرى.

 لكن السؤال الذي يطرح نفسه علينا كيف يمكننا التخلص من حالة استلاب الذات وإعادة إنتاجها في سياقات اجتماعية مختلفة بنفس المضمون والجوهر؟ بمعنى آخر كيف يمكننا التخلص من البرمجة السلبية عن ذواتنا واستبدالها برمجة إيجابية ترفع من المعنويات وتقدير الذات؟

في حقيقة الأمر، لا بد لنا في هذا السياق من الرجوع إلى الإيمان، لأنه يمدنا بطاقة معنوية هائلة فهو القوة التي تجعل منا أبطالاً في أشد الأزمات التي نمر فيها.

قال الله تعالى في محكم كتابه العزيز: (وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ) [آل عمران: 146].  وأوصى نبينا الكريم محمد r تلميذه ابن عباس فقال: "يا غلام إني أعلمك كلمات احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، وأعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف" رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح، وفي رواية الإمام أحمد :"احفظ الله تجده أمامك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، وأعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك وما أصابك لم يكن ليخطئك، وأعلم أن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرا".

وقال ابن قيم الجوزية رحمه الله " كمال العبد مداره على أصلين: معرفة الحق من الباطل، وإيثاره عليه ". وما تفاوتت منازل الخلق عند الله تعالى في الدنيا والآخرة إلا بقدر تفاوت منازلهم في هذين الأمرين، وهما اللذان أثنى الله بهما سبحانه على أنبيائه بهما في قوله تعالى: (وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ) (ص: 45).

-      فالأيدي: القوة في تنفيذ الحق (العمل الصالح).

-      والأبصار: البصائر في الدين (أي العلم النافع والفهم الصحيح).

فوصفهم بكمال إدراك الحق وكمال تنفيذه، وانقسم الناس في هذا المقام أربعة أقسام:

القسم الأول: فهؤلاء أشرف الأقسام من الخلق وأكرمهم على الله تعالى.

القسم الثاني: عكس هؤلاء، من لا بصيرة له في الدين، ولا قوة على تنفيذ الحق، وهم أكثر هذا الخلق، وهم الذين رؤيتهم قذى العيون، وحمى الأرواح، وسقم القلوب، يضيقون الديار، ويغلون الأسعار، ولا يستفاد من صحبتهم إلا العار والشنار.

القسم الثالث: من له بصيرة بالحق ومعرفة به، لكنه ضعيف لا قوة له على تنفيذه ولا الدعوة إليه، وهذا حال المؤمن الضعيف، والمؤمن القوي خير وأحب إلى الله منه.

القسم الرابع: من له قوة وهمة وعزيمة، لكنه ضعيف البصيرة في الدين، لا يكاد يميز بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، بل يحسب كل سوداء تمرة، وكل بيضاء شحمة ، يحسب الورم شحما والدواء النافع سما.

وليس في هؤلاء من يصلح للإمامة في الدين، ولا هو موضع لها سوى القسم الأول، قال الله تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ) [السجدة: 24].

فأخبر سبحانه أن بالصبر واليقين نالوا الإمامة في الدين، وهؤلاء هم الذين استثناهم الله سبحانه من جملة الخاسرين، وأقسم بالعصر – الذي هو زمن سعي الخاسرين والرابحين – على أن من عداهم فهو من الخاسرين، فقال تعالى: (وَالْعَصْرِ % إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ % إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ( [العصر: 1 – 3]. ولم يكتف منهم بمعرفة الحق والصبر عليه، حتى يوصي بعضهم بعضا به ويرشده إليه ويحضه عليه.

وإذا كان من عدا هؤلاء فهو خاسر، فمعلوم أن المعاصي والذنوب تعمي بصيرة القلب فلا يدرك الحق كما ينبغي، وتضعف قوته وعزيمته فلا يصبر عليه، بل قد يتوارد على القلب حتى ينعكس إدراكه كما ينعكس سيره، فيدرك الباطل حقاً والحق باطلاً، والمعروف منكراً والمنكر معروفاً، فينتكس في سيره ويرجع عن سفره إلى الله والدار الآخرة، إلى سفره إلى مستقر النفوس المبطلة التي رضيت بالحياة الدنيا، واطمأنت بها، وغفلت عن الله وآياته، وتركت الاستعداد للقائه، ولو لم يكن في عقوبة الذنوب إلا هذه وحدها لكانت داعية إلى تركها والبعد منها، والله المستعان.

وفي سياق آخر، على صعيد العلوم التطبيقية (تطوير الذات) يقول أنتوني روبينز مؤلف كتاب " قدرات غير محدودة " إن المعتقدات هي قائد المخ فعندما تؤمن بصورة ملائمة بصحة شيء ما فإن ذلك بمثابة إشارة للمخ تخبره بكيفية تمثيل ما يحدث، إن شخصاً يتمتع بالإيمان له قوة تعادل تسعة وتسعين شخصاً لا يؤمنون، وهي على وجه التحديد السر وراء فتح الإيمان لباب التفوق، فالإيمان يرسل بأمر مباشر إلى جهازك العصبي ليصبح ما تعتقده واقعاً.

إنك لو تعاملت مع الإيمان بصورة فعالة فإنه من الممكن أن يصبح الإيمان أعمق قوة لخلق الخير في حياتك، ومن ناحية أخرى يمكن أن تكون المعتقدات التي تحد من قدراتك مدمرة بنفس قوة المعتقدات الباعثة على القوة.

أما الدكتور إبراهيم الفقي يقترح في كتابه " قوة التحكم في الذات " مجموعة من القواعد والبرامج العملية للبرمجة الإيجابية للذات، وبالأخص برمجة عقلك الباطن في خمس خطوات، وهي كما يلي:

الأولى: يجب أن تكون رسالتك واضحة ومحددة.

الثانية: يجب أن تكون رسالتك إيجابية (مثل أنا قوي، أنا سليم، أنا أستطيع الامتناع عن…).

الثالثة: يجب أن تدل رسالتك على الوقت الحاضر (مثال لا تقول أنا سوف أكون قوي بل قل أنا قوي).

الرابعة: يجب أن يصاحب رسالتك الإحساس القوي بمضمونها حتى يقبلها العقل الباطن ويبرمجها.

الخامسة: يجب أن يكرر الرسالة عدة مرات إلى أن تتبرمج تماماً.

والآن إليك هذه الخطة حتى يكون تحدثك مع الذات ذو قوة إيجابية في البداية دوّن على الأقل خمس رسائل ذاتية سلبية كان لها تأثير عليك مثال ذلك: (أنا إنسان خجول، أنا لا أستطيع الامتناع عن التدخين، أنا ذاكرتي ضعيفة، أنا لا أستطيع الكلام أمام الجمهور، أنا عصبي المزاج)، والآن مزق الورقة التي دوّنت عليها هذه الرسائل السلبية وألق بها بعيداً.

ثم قم بعد ذلك بتدوين خمس رسائل ذاتية إيجابية تعطيك قوة وأبداً دائماً بكلمة " أنا " مثل:    " أنا أستطيع الامتناع عن التدخين "، " أنا أحب التحدث إلى الناس "، " أنا ذاكرتي قوية "، " أنا إنسان ممتاز "، " أنا نشيط وأتمتع بطاقة عالية، " أنا استطيع مواجهة الآخرين".

اقرأ تلك الرسائل واحدة تلو الأخرى إلى أن تستوعبهم. ثم ابدأ مرة أخرى بقراءة أول رسالة عشر مرات بإحساس قوي، مع أخذ نفس عميق، لطرد أي توتر داخل جسمك، ثم أغمض عيناك وتخيل نفسك بشكلك الجديد ثم أفتح عينيك. كرر هذه المحاولة عدة مرات لتحقيق نتائج إيجابية. ويجب عليك أن تكون على حذر فيما تقول لنفسك، وما الذي تقوله للآخرين هذا جهة، ومن جهة أخرى احذر ما يقوله لك الآخرون، لو لاحظت أي رسالة سلبية قم بإلغائها بأن تقول " ألغي "، وقم باستبدالها برسالة أخرى إيجابية.

تأكد أن عندك القوة، وأنك تستطيع أن تكون، وتستطيع أن تملك، وتستطيع القيام بعمل ما تريده، وذلك بمجرد أن تحدد بالضبط ما الذي تريده وأن تتحرك في هذا الاتجاه بكل ما تملك من قوة، وقد قال في ذلك جيم رون مؤلف كتاب " السعادة الدائمة " : " التكرار أساس المهارات ". لذلك عليك بأن تثق فيما تقوله، وأن تكرر دائماً لنفسك الرسائل الإيجابية، فأنت سيد عقلك وقبطان سفينتك، أنت من تتحكم في حياتك، وتستطيع تحويل حياتك إلى تجربة من السعادة والصحة والنجاح بلا حدود.

وفي النهاية لابد للإنسان المسلم أن يتمتع بقوة الإنسان المتبصر، ويطبق ما أمر به الله تعالى وأن يقتدي بسنة رسول الله r حين يحصن نفسه من كل الشرور التي تحيط بالنفس الإنسانية وينجو بنفسه إلى بر الأمان في رحاب طاعة الله I، كما ينبغي له أن يكون على اطلاع ودراية بالمعرفة العلمية التي تحاول دراسة وتفسير النفس البشرية في محاولة منها لسبر أغوارها وخباياها فهذه المعرفة تساعده على تجنب الكثير من الأمراض والمشاكل النفسية والاجتماعية التي يمكن أن تعكر صفو حياته.

خلاصة القول، إن النفس البشرية هي أجمل مخلوقات الله I ، وهي التي كرمها الله عن سائر المخلوقات، فهي تجمع بين الروح والجسد وكلاهما نبض الحياة الحقيقية التي يجب أن نبحث عنها في أعماق أنفسنا ونحافظ عليها حتى لا تضيع بين ركام التعصب والتخلف والجهل.

والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل..

 

 

 

 

ما الفرق بين خجل الطفل وضعف شخصيته ؟ كيف أوازن بين تربية ولدي على التسامح وعدم تضييع الحق؟! أفكار عملية لمختلف المراحل.. كيف نرسّخ عقيدة أبنائنا حول فلسطين والأقصى؟ انكفاء النُّخب والقيادات الدعوية معرفة أحوال المدعوين.. طريق المربي للدعوة على بصيرة