ابني يبلغ من العمر عشر سنوات، وقد أنجبته وأنا صغيرة، ولم أدرك في صغره حجم الأضرار التي تترتب على اللعب بالألعاب الإلكترونية، فمنذ كان عمره عامين كان يلعب مع إخوتي وتعلق بها بشكل شديد جدًا
السؤال:
ابني
يبلغ من العمر عشر سنوات، وقد أنجبته وأنا صغيرة، ولم أدرك في صغره حجم الأضرار
التي تترتب على اللعب بالألعاب الإلكترونية، فمنذ كان عمره عامين كان يلعب مع
إخوتي وتعلق بها بشكل شديد جدًا، حيث اضطررت عند بلوغه خمس سنوات شراء جهاز خاص
به، ومن هنا بدأت المشكلة؛ كنت أنا وأبوه نحاول جاهدين تنظيم وقت معين للعب به
ولكن لا جدوى؛ يظل يبكي ويرجونا حتى نمل ونجعله يلعب، وأنا أعلم أن هذا خطأ، ولكن
بعد بلوغه سن السابعة أتت له قريبتنا بهدية آيباد، وحلّت علينا الكارثة، خصوصًا أن
جميع من حولنا من أهلنا يملكون الآيباد، فلم أستطع حرمانه منه، بل حاولت جاهدة أن
أسيطر عليه، وبالفعل كنت أحرز تقدمًا، ولكن منذ عام تقريبًا رحل أهلي إلى منطقة
أخرى بعيدة، وأصبح ابني وحيدًا، فكنت أتعاطف معه وأسمح له بالجلوس على الآيباد أو
البلايستيشن.
والآن
ما أن تختفي الأجهزة حتى يصبح كالمدمنين، ينتظر مرور الساعات حتى أسمح له؛ عيونه
تأثرت، وحتى عموده الفقري انحنى، مع العلم أنه ذكي جدًا، والأول على صفه، وحنون
ومتعاون، واجتماعي، ولا يكذب، ويصلي، وموهوب جدًا بالإلكترونيات، ومبدع فيها، ولكن
خوفي من أن يستمر هكذا وأفقد ابني، ماذا أفعل؟! ساعدوني جزاكم الله خيرًا.
الجواب:
لا
شك أن مشكلة تعلق الأطفال والكبار على حد سواء بالتكنولوجيا، وخاصة السمارت فون
والآيباد، وكذلك ألعاب الفيديو، قد أصبحت مشكلة يعاني منها المجتمع الحالي، خصوصًا
في ظل الاستخدام المفرط، أو ما قد يوصف بالإدمان عليها، إلا أن تأثيرها سيكون أكثر
ضررًا على الأطفال منه على الكبار؛ لأنهم ما زالوا في مرحلة النمو الجسدي والعقلي
والنفسي والعاطفي.
وبالنسبة
لطفلك، فمعك حق بوصفه مدمن؛ لأنه قد ثبت فعليًا من خلال الدراسات بأن التعود على
استعمال هذه التقنيات يؤدي إلى الإدمان؛ ذلك أن الطفل إذا ما أبعد عن هذه
التقنيات، فستظهر أعراض انسحابية تشبه أعراض الإدمان.
وهنالك
عوامل معينة قد ساعدت على تعلق ابنك بهذه التقنيات؛ منها: أنه قد بدأ يستخدمها منذ
سن مبكرة، وقد كان يستخدمها لأوقات طويلة دون أن يتم تحديد وقت معين له، وكذلك
كونه لا يتاح له فرص للاختلاط بالأطفال واللعب معهم.
والمشكلة
أن طفلك قد بدأ تعلقه بهذه التقنيات من عمر السنتين، واستمر على ذلك حتى الآن،
فأمضى بذلك أغلب طفولته وهو يقضي وقته باللعب عليها، وقد ثبت أن للاستخدام المطول
لهذه التقنيات أضرارًا متعددة على صحة الأطفال ونموهم السليم، ومن هذه التأثيرات
السلبية:
أنها
تؤثر على نمو الجسد بالمعدل الطبيعي، وعلى عضلات الطفل، وتؤدي إلى مشكلات في
العضلات وفي عظام الرقبة والكفتين والظهر.
وهي
كذلك تؤثر على القدرة على التركيز والانتباه عند الطفل، وتقلل من فترة التركيز،
وتؤثر كذلك على القدرة على القيام بالعمليات الحيوية للدماغ، كالتحليل والتركيز
والاستنتاج وغيرها، وقد وجد أيضًا أن السرعة الهائلة التي تتحرك بها الصور
والألعاب الالكترونية تؤثر سلبًا على الدماغ، وعلى العين أيضًا وتتعبها.
كما
أن استخدام هذه التقنيات لفترات طويلة يؤدي أيضًا إلى قلة الحركة، وبالتالي إلى
البدانة والخمول، وقد وجد أن الأشعة الكهرومغناطيسية الموجودة في هذه الأجهزة
كالسمارت فون والآيباد، لها تأثير ضار على صحة الطفل وعلى نموه وكذلك على نومه.
كما
أن بعض الدراسات التي أجريت على تأثير هذه الأجهزة على الأطفال خلصت إلى أنها تعلم
الطفل العدوانية، وتؤدي إلى ظهور مشكلات في السلوك؛ فيصبح الطفل سريع الغضب
والانفعال، هذا إلى جانب تأثيرها على تفاعل الطفل الاجتماعي، وعلى تطور اللغة
لديه، وعلى قدرته على فهم الانفعالات والمشاعر والتواصل مع الآخرين؛ فهي تعزله
تدريجيًا على ذاته، ويفقد القدرة على الاندماج، وهذا طبعًا يؤثر على النجاح في
الحياة بشكل عام، وعلى حياته العملية والاجتماعية، وكذلك على التحصيل الدراسي.
وقد
لوحظ أيضًا أن استخدامها له تأثيرات على الصحة النفسية للطفل، وقد تؤدي إلى القلق
والإحباط، وفي أحيان قد تؤدي إلى الاكتئاب.
كما
أن من أهم الأمور التي تساعد الطفل على النمو السليم جسديًا وذهنيًا وعاطفيًا
ونفسيًا خلال طفولته، هو اللعب، حيث يستخدم الطفل خياله، ويستكشف الأشياء والعالم
حوله من خلال الاحتكاك بها عن طريق اللعب، فعندما يحرم فرص اللعب والتفاعل
الاجتماعي، فهذا لا شك سيؤثر سلبًا على نموه وتطور قدراته في جميع النواحي.
ولا
شك أنك تدركين أضرار الاستعمال الزائد لمثل هذه الأجهزة على طفلك، وهذا هو سبب
استشارتك لنا، ولكن أنا أدرك أن سحب هذه الأجهزة منهم ليس بالأمر السهل، وأنه يشكل
تحديًا كبيرًا للأهل، وما يفعله زوجك أيضًا ليس بالحل الصحيح؛ فأنت لا تستطيعين أن
تسحبيها مرة واحدة من طفلك؛ لأن هذا قد يؤدي إلى ظهور أعراض انسحابية ويؤثر سلبًا
عليه، وأنا أيضًا لا أستطيع أن ألوم طفلك على تعلقه بها؛ لأنه ليس لديه بدائل
أخرى؛ فهو طفل بحاجة إلى اللعب والمرح، وبحاجة إلى أن يشغل وقته بشيء يجذبه؛ وهو
في شبه عزلة اجتماعية، وليس لديه أطفال وأصدقاء يخالطهم ويمضي بعض وقته معهم.
فإليك
أختي بعض النصائح التي ستسهل عليك تخليص ابنك من تعلقه الزائد بهذه الأجهزة، بإذن
الله:
-
أهم نقطة هي وضع حدود وقوانين تخص استعماله لهذه الأجهزة؛ فينبغي أن يتم تحديد وقت
محدد لاستخدامه إياها لا يتعداه، كأن يخصص له ساعة للعب يوميًا، ويحدد وقت هذه
الساعة، كأن تكون بعد أن ينهي واجباته المدرسية، ولكن حاولي أن يكون استخدامه لها
قبل موعد نومه بفترة؛ حتى لا تؤثر على نومه.
-
من المهم أن يتم تحديد نوع البرامج التي يستخدمها الطفل، بحيث يغلب عليها الطابع
التعليمي أو الترفيهي الذي يخلو من العنف والعدوانية.
-
لا تلبي رغباته باقتناء الأجهزة الأحدث، أو بشراء ألعاب الفيديو الحديثة، واكتفي
بما لديه، واثبتي على موقفك، وكوني حازمة في هذا المجال.
-
ولعل النقطة الأهم هنا هو: أن يتاح لطفلك فرص الاختلاط بالأطفال في مثل سنه؛
فشجعيه على اللعب مع أصدقاء المدرسة والخروج معهم إلى اللعب في أوقات أخرى من
اليوم، أو في نهاية الأسبوع، وعلى دعوة أصدقائه إلى بيته للعب معهم، وحاولي أن
تقوي علاقتك بالجارات أو بالصديقات اللواتي لديهن أطفال في مثل سنه، وتوفري له فرص
اللعب معهم ما أمكن.
-
قومي بتسجيل طفلك في نادٍ رياضي لتعلم رياضة معينة يحبها، كالكاراتيه أو المصارعة
أو أي لعبة، ومن الأفضل أن تكون لعبة جماعية ككرة القدم مثلًا، وشجعيه على ذلك،
ولا تستسلمي لرفضه.
-
اصطحبي طفلك معك إلى الأماكن العامة التي من الممكن أن يلتقي بها بأطفال في سنه،
ويلعب ويتحرك، مثل الحدائق العامة التي تحوي أماكن لعب للأطفال، وإن كان لديه
دراجة هوائية فشجعيه على ركوبها.
-
أعطي ابنك مسؤوليات معينة في البيت ينشغل بها، وكافئيه عليها، وتستطيعين أن تشجعيه
على كسب المال مثلًا من خلال قيامه بمهام معينة في البيت، وبهذا فأنت تشغلينه عن
الإلكترونيات وتعلمينه تحمل المسؤولية.
-
شجعي زوجك على اصطحاب ابنه معه إلى الصلوات الجماعية في المسجد، وأن يرافقه في
خروجه من حين لآخر؛ حتى يشغله عن الانكباب عن هذه الألعاب.
-
قومي باصطحابه معك إلى السوق، ودعيه يختار بعض الـ(Board
games – ألعاب الطاولة)، مثل المونوبولي مثلًا، أو
الشطرنج أو "احزر من"، أو غيرها من الألعاب التي تحتاج إلى تفكير وتفاعل
بينه وبين شخص أو أشخاص آخرين، وخصصي بعض الوقت أنت ووالده لكي تشاركيه اللعب بها،
وابنك طفل ذكي، ولا شك أن مثل هذه الألعاب ستجذبه.
-
ابحثي عن هواياته ومواهبه، وقد ذكرت أنه موهوب جدًا، وحاولي أن تنميها عنده، ووفري
الأدوات اللازمة له لكي ينميها ويمارسها، وكلما شغلته بأشياء يحبها، كلما سهل عليك
هذا تخليصه من إدمانه على الإلكترونيات.
أختي
الكريمة: إن الأمر يحتاج إلى جهد وصبر، ويحتاج إلى استخدام الحوافز والتشجيع
وتوفير البدائل، وإشغال وقته بالأمور التي يحبها ويستمتع بعملها بعيدًا عن
الإلكترونيات، والحمد لله فانشغاله بهذه الإلكترونيات لم يؤثر على دراسته وتفوقه
بعد، وربما أن هذا لأن طفلك يتمتع بمستوى
عالٍ من الذكاء، وهو موهوب كما ذكرت، لكنه قد أثر على ظهره وعلى نشاطه وتفاعله
الاجتماعي بلا شك، لكن وما زال في الوقت متسع لكي تصححي الأخطاء السابقة، وتساعديه
على أن يتخلص من هذا الإدمان، ويستثمر وقته في تنمية قدراته ومواهبه، وفي تطوير
تفاعله الاجتماعي الذي هو أمر مهم في صحته النفسية، والأم هي الأقدر على مساعدة
طفلها مهما كانت التحديات، فتسلحي بالإرادة والتصميم والحب الفطري الذي خلقه الله
في قلبك، وأكثري من الدعاء والاستعانة بالله تعالى على ذلك.
وفقك
الله وأصلح لك ابنك، وجعله من المتميزين المتفوقين والصالحين الأبرار، وزاده بسطة
في العلم والجسد، وجعله سببًا لسعادتك في الدارين.
إضافة تعليق