ابني الكبير في الصف الثالث الثانوي، لا يجيدُ تحمل المسؤوليات، ومهمل، ولا يذهبُ للمدرسة، ويكذب، ويدخن، ويؤثر سلبيًا على أخيه الصغير ذي السنوات الست، وأختيه أيضًا اللتين عمرهما عشرون وأحدَ عشرَ عامًا، وقد أصبت بارتفاع الضغط بسبب تصرفاته،
السؤال:
ابني الكبير في الصف الثالث الثانوي،
لا يجيدُ تحمل المسؤوليات، ومهمل، ولا يذهبُ للمدرسة، ويكذب، ويدخن، ويؤثر سلبيًا
على أخيه الصغير ذي السنوات الست، وأختيه أيضًا اللتين عمرهما عشرون وأحدَ عشرَ
عامًا، وقد أصبت بارتفاع الضغط بسبب تصرفاته، وتعبت أنا ووالده، فماذا نفعل؟!
الجواب:
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم، والصَّلاة
والسَّلام على سيِّد المرسلين محمَّدٍ، وآله، وبعد..
عزيزتي الأم الفاضلة: حيَّاك الله،
ونشكر لك تواصلك معنا، كما نرحب باستشارتك وثقتك الثَّمينة بنا، نسأل الله أن
نقدِّم لك النَّفع والفائدة المرجوَّة.
عزيزتي: نقدِّر لك ما تواجهين من صعوبة
وتحدٍّ في تربية ولدك المراهق، والذي من الواضح أنَّه يمر بمرحلة من التَّخبُّطات
السُّلوكيَّة التي لا يعي خطورتها وضرورة الإقلاع عنها، ومن المؤكَّد أنَّ مرحلة
المراهقة هي من المراحل الخطرة التي تطرأ خلالها الكثير من التَّغيرات
الفسيولوجيَّة والجسديَّة على الشَّباب؛ ما يدفعهم إلى خوض تجارب وخبرات جديدة
مصاحبة لطبيعة هذه المرحلة.
لكن من غير المنصف إلقاء اللَّوم
كافَّة على طبيعة المرحلة والتَّغيرات الفسيولوجية والجسديَّة والنَّفسيَّة فحسب،
بل عامل البيئة التَّربويَّة، ونشأة الابن منذ طفولته، والمفاهيم، وكذلك القيم
الدِّينيَّة التي تغرس في نفوس الأبناء على مراحل عمرهم التَّطوريَّة المختلفة؛
لها عظيم الأثر في بناء ركائز تربويَّة قويَّة تعمل عمل الكوابح التي تردع الشَّاب
المراهق، وتعيده إلى جادَّة الصَّواب عند كل كبوة.
تلك القيم والمبادئ التَّربويَّة تبقى
قائمة ومحافظة على استمراريتها، ولا تنقطع مطلقًا، بل تنمو لتحاكي طبيعة كل مرحلة
من مراحل عمر ولدك -حفظه الله-، ونقدِّر بلا شك حرصك على تقويم سلوك ولدك وتوجيهه،
لكن لعلاج مشاكل المراهقة لابد من النَّظر في السيرة التَّربويَّة الطويلة للابن،
هل مشكلاته وليدة هذه المرحلة، أم هي مشكلات تصاعديَّة وتراكميَّة لمراحل عمريَّة
متوالية؟!
وكما هو متعارف عليه، فإنَّ ما يميِّز
هذه المرحلة شعور ابنك بضرورة الاستقلال الاجتماعي عن الأسرة؛ ما يجعله يواجه
تكوينًا جديدًا في كافَّة سمات شخصيته، إضافة إلى رغبته الخاصَّة بالتَّعبير عن
تلك المظاهر الرُّجولية الانتقاليَّة بنوع من التَّمرُّد السُّلوكي اللاإرادي، ومن
أصعب التَّحديَّات مع الشُّبَّان في مرحلة المراهقة مواجهة ذلك الحسِّ الذي
يتملكُّهم، مع متطلبات الأسرة التَّربويَّة ومخاوف المربِّين المتصاعدة تجاه تلك
الشَّخصيَّة المضطربة.
وتحت أيٍ من الظروف والمؤثِّرات
البيئيَّة، فالعلاج والتَّخلُّص من تلك السُّلوكيات متوفر، مع الحاجة إلى الصَّبر
والحلم في المواجهة، إضافة إلى الوقت الكافي للتسلسل التَّدريجي في العدِّ
التنازلي لانخفاض حدَّة تلك السُّلوكيَّات، وبلوغ ولدك رشده، وشق طريق الرُّجولة
السَّويَة والبلوغ الواعي.
نعينك بخطوات جادَّة تحتاج للعمل
الواعي المكثَّف في تحقيق السَّلامة لمستقبل ولدك، وجذبه من عالم الضَّياع إلى
عالم الوعي، نسأل الله أن يكتب له الفائدة:
أولاً: لا تعتقدي بأنَّ الأساليب
التَّربويَّة في التَّوجيه لكافة مراحل عمر ولدك السَّابقة لا زالت مجديةً في هذه
المرحلة، فالأمر لهذه المرحلة مختلفٌ تمامًا؛ لأن ولدك بدأ يشعر باستقلاليته، وعدم
حاجته للرِّعاية السَّابقة؛ لذلك لا مفر من أن تتوجهي إلى صداقة خاصة على كافَّة
الأصعدة، وقائمة على ثقة تامَّة.
ثانيًا: استقطاب ولدك إلى حياة الأسرة
من خلال الوقوف إلى جانبه لا ضده؛ فالأبناء في هذه المرحلة لا يدركون مدى خطورة
أدائهم السّلوكي، وقد يُوحى إليهم بأنَّهم على حق، وأنَّهم يقعون تحت ضغوط أسريَّة
ظالمة؛ لذلك حتى تتمكَّني من استقطاب ولدك عليك بخلق بيئة جاذبة، من خلال نشاطات
عائليَّة واجتماعيَّة تناسب شخصيِّته، وتبعده عن إحساسه بالغرق في عالمه السُّلوكي
الخاص.
ثالثًا: عليك تفهُّم حقيقة المرحلة،
والشُّعور بالمعاناة التي يعيشها ولدك، هو بلا شك يريد لنفسه التَّفوق والانضباط،
ويريد كل خير بنفسه، لكنه يتخبَّط وينصاع للظروف اليسيرة التي لا تكلِّفه الجهد،
وتوفِّر عليه العناء، وتدفعه ذاته لا إراديًّا للانسياق خلف رغباتٍ دنيويَّةٍ لا
يستطيع ضبطها، فدعيه يشرح لك وجهة نظره، وتفهَّمي ميوله ورغباته الخاصَّة
وتوجُّهاته؛ حتى تتمكَّني من إرشاده.
رابعاً: تأكَّدي بأنَّ أمامك رحلة ليست
قصيرة لجذب ولدك، من خلال عطفك ورضاك عنه، وتطويقه بمشاعر الأمومة الصَّادقة،
وإحاطته برغبتك القويَّة في مساعدته والأخذ بيده لا محاكمته، وهذا الإيحاء
المغلَّف بمساندته سيجعل مشاعره الخاصَّة تجاهك تحاسبه ذاتيًّا؛ ما سيزيد من
دوافعه الذَّاتيَّة للتَّغيير من سلوكه غير المرضي لتحقيق السَّعادة لك، وأنت الأم
الباحثة عن سعادته وراحته.
خامسًا: قيمة الوالد التَّربويّة قيمة
عظيمة لهذه المرحلة، وأهميَّة وجوده بجانب ولده كصديقٍ ومربٍّ متفهِّم لمشاعر
ولده، ومحتضن لأخطائه، ومدرك لحاجته الماسَّة لمن يمدُّه بالثِّقة، ويعزِّز رغباته
الخاصَّة في الإحساس برجولته، وكذلك مدِّه بخبراته السَّابقة وتجاربه الخاصَّة في
نفس عمره، سيجعل ولدك مفعمًا بالأمل والرغبة الذاتيَّة في التَّعديل للوصول إلى
مستوى الثِّقة التي أشبعه الوالد بها.
سادسًا: إطالة الحوار والنِّقاش مع
ولدك؛ ما سيفتح له قنوات خاصَّة للتَّفكير في حقيقة ما يؤدِّيه من سلوك، وإدراك
مدى الآثار السَّلبيَّة على مستقبله، والعواقب الهادمة لترك المدرسة.
سابعًا: تحمُّل المسؤوليَّات عند الأبناء
يكون أمرًا ممتعًا عندما تكون تلك المسؤوليَّات توائم شخصيَّاتهم وتحاكي ميولهم،
ففي مرحلة المراهقة غالبًا ما يرغب المراهق في فرض شخصيَّة جديدة ذات إمكانيَّات
خاصة؛ لذلك قدِّمي له عبارات المديح والثناء، وبعدها اطلبي منه بعض المهام، مثل
مساعدة أخيه الأصغر في أداء مهمَّات يسيرة، أو استقبال بعض الزَّائرين، أو
التَّصرُّف بمبلغ مالي وإدارته في تحديد ميزانيَّة خاصَّة لمدَّة أسبوع مثلاً، من
توزيع مصروفات إخوته، وشراء احتياجات البيت لذلك الأسبوع.
ثامنًا: التَّعرف على طبيعة الأصدقاء
في هذه المرحلة أمر شديد الأهميَّة، ويكون ذلك من خلال تقديم دعوات خاصَّة لأصدقاء
ولدك لضيافتكم في المنزل؛ لأنَّ بناء مثل هذه العلاقة وربط الصَّداقات بالأسرة
يجعل القابليَّة للسيطرة على نوعيَّة الأصدقاء أكثر يسرًا.
تاسعًا: تنمية الوازع الدِّيني وتحفيزه
من خلال رحلات عائليَّة جماعيَّة لأداء شعائر دينيَّة مثل العمرة، والصلاة
الجماعيَّة في مساجد مباركة، مع أجواء أسريَّة مفعمة بالمرح والتَّقارب الرُّوحي؛
يساعد على جذب ولدك تربويًّا ودينيًّا، ويساعده في الوصول إلى سكينة وطمأنينة
مصاحبة لرغبات دينيَّة بالتَّوجه لله والانصياع لشريعته في طاعة الوالدين، وحفظ
النَّفس من المهالك.
عاشرًا: اصطحاب ولدك من قبل الوالد أو
شخصٍ ثقة ينوب عنه لأماكن مهنيَّة مختلفة، واستعراض معاناة البعض، وجمعيَّات
خيريَّة، وإطلاعه على بعض الجوانب الاجتماعيَّة السَّلبيَّة لمن سبق له التَّفريط
بأهميَّة العلم والدِّين؛ سيزيد من دوافع ولدك الذَّاتيَّة لمقاومة رغباته
الاندفاعيَّة، وتخليصه من ضعف المسؤوليَّة، وتغيُّب الإرادة في تطوير الذَّات.
حادي عشر: ابحثي في العائلة وبين
الأقارب والجيران، عن شخصيَّات مؤثِّرة إيجابًا في حياة ولدك، واسعي إلى تكثيف
النَّشاطات برفقتهم، مثل رفقة إلى نادٍ رياضي، أو زيارة اجتماعيّة، وغيرها؛ بحيث
يكتسب ولدك من خلالهم قناعات إيجابيَّة تدعم تطوير سلوكه.
ثاني عشر: رغِّبي ولدك بفعل الخير تجاه
الآخرين من المستضعفين، قبل ترغيبه بتحمل مسؤوليَّات خاصَّة بتفوُّقه ونجاحه
وتحسين أدائه، والتزامه السُّلوكي، فمن اعتاد حبَّ الخير للآخرين وغرس ثمار العطاء
تجاه أبسط الكائنات، سيثمر قلبه أملاً في إحياء ذاته ومستقبله الذَّاتي، واحرصي
على ذلك من خلال حثه على شراء وجبة لفقير في مطعم، أو إطعام قطَّة بقايا الطَّعام،
أو الإمساك بيد رجلٍ عجوز، وحمل عبءٍ ما عنه.
ثالث عشر: قد تكون ظروف بيئيَّة غير
جاذبة متعلقة بالمدرسة تجعل ولدك غير راغب بمواصلة الحضور والالتزام، يتوجَّب
عليكم التَّواصل مع المدرسة والاختصاصي النَّفسي لشرح تلك الظروف ومعالجتها، ودعم
ولدك نفسيًّا من خلالهم، ودمجه في أنشطة وأدوار قياديَّة تساعده على ضبط سلوكه،
والعودة عن الإهمال في تحمُّل المسؤوليَّات.
وأخيرًا..
ارفعي الأكف بالدُّعاء العريض، وأكثري
من الصَّدقات وقراءة القرآن، والتَّوجُّه الخالص لله، سائلة إيَّاه -عزَّ وجل-
بكلِّ ما أمدَّك من طاقات الأمومة بأن ينير طريق ولدك، ويهدي بصيرته، ويجعله من
الذُّرِّيَّة الصالحة، وإنَّه على ذلك لقدير.
إضافة تعليق