البيئة التي أتينا منها بيئة ملتزمة متدينة، ولا أدري سبب شخصيتها المختلفة عنا أو عن أخواتها، ولا أدري إن كانت ولادة أخيها الأصغر منذ سنتين قد أضافت شيئًا إلى المشكلة! أفيدونا، جزاكم الله خيرًا.

السؤال:

أنا أمٌ لخمسة أطفال، ابنتي الصغرى ولدت في بريطانيا، وقضت فيها أول ثلاث سنوات من حياتها، ثم عُدنا إلى سوريا، لنقضي فيها بضع سنوات، ثم غادرنا السنة الماضية إلى مصر.

عمر ابنتي اثنا عشر عامًا، في كثيرٍ من الأحيان أجد نفسي عاجزةً عن التصرف معها بالطريقة المثلى أو الفضلى؛ فهي ذاتُ شخصيةٍ قوية، قيادية، محبة للجدل والسؤال والنقاش، وقدرتها على طاعتي أو طاعة والدها قليلةٌ جدًّا، واستجابتها لطلباتنا غالبًا ما يسبقها جدالٌ ونقاشٌ حاد، وتكره الدراسة، وتنظيم الوقت، أو وضع البرامج، ولا تُحب حفظ القرآن أو تلاوته، ولا تصلي إلا إذا ذكرناها، فتقوم تصلي كنقر الديكة، وتسأل في بعض الأحيان أسئلةً توحي بضعفٍ في العقيدة، وبعدم تقبلٍ لأحكام الشرع، وأخشى عليها أن تقع في مصيبة دينية أو إلحادية والعياذ بالله.

كل هذه الأمور تخلق جوًا من التوتر في كثيرٍ من الأحيان، ولو أردت أن أمنعها أو أناقشها في كل الأخطاء أو المحظورات التي تقع فيها، لتحولت حياتنا إلى ساحة معركة، وما زاد الطين بلة أنها الآن في مدرسةٍ إنكليزية مختلطة، وخوفي عليها يتعاظمُ يومًا بعد يوم؛ حيث لم يتوفر لنا بديلٌ عن هذا البلد، وهذه المدرسة.

البيئة التي أتينا منها بيئة ملتزمة متدينة، ولا أدري سبب شخصيتها المختلفة عنا أو عن أخواتها، ولا أدري إن كانت ولادة أخيها الأصغر منذ سنتين قد أضافت شيئًا إلى المشكلة! أفيدونا، جزاكم الله خيرًا.

الإجابة:

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

الأخت الفاضلة: نسأل الله أن يهدي ابنتك لكل خير، وأن يصرف عنك وعنها وعن كل مسلم كل أذى.

وبخصوص ما ورد في سؤالك؛ فإننا متفهمون تمامًا لمثل هذا الموضوع، ولكن قبل أن نُجيب على تساؤلك نحب أن نضع بين يديك جملةً من الأسئلة، ونرجو منك الإجابة عليها بينك وبين ونفسك، وما كان منها قائمًا عليك أن تقومي بمعالجته:

1- هل أنت عصبية المزاج في بيتك، أو عنيدة الطباع؟!

2- هل هناك خلافاتٌ بينك وبين زوجك يعرفها الأولاد؟! أو بمعنى أدق: خلافات ظاهرة لهم؟!

3- هل تواصلك مع زوجك مستقرٌّ، أم تجدين صعوبةً في التحاور معه، ما ينعكس سلبًا على الحياة الزوجية؟!

4- هل كان الاهتمام بالفتاة وهي صغيرة على نحوٍ معتدل، لا إفراط فيه ولا تفريط؟! وهل اهتممت في صغرها بزراعة الأخلاق والآداب والفضائل؟!

5- هل تشعر ابنتك أنها منبوذة من الأسرة، أو أنها أقل درجة من إخوانها؟! وهل تعاملك معها كتعاملك مع بقية إخوتها، أم الأمر مختلف؟!

والآن نعود إلى المشكلة:

لا شك -أختنا الفاضلة- أن الفتاة في مثل هذه السن ستدخل عالم المراهقة إن لم تكن بالفعل قد دخلته، وهذه السن مع هذه الشخصية التي تتسم بالقيادة والمجادلة لا تحتاج إلى تصادم بقدر ما تحتاج إلى تفهم وتحاور، واعلمي -أختنا- أن الفتاة تُجادلك أحيانًا لإثبات الذات فقط، أو لفرض رأيها، أو لمجرد مخالفتك، وهذا الأمر يمكن زواله أو التقليل منه إذا تفهمت حالتها، وصادقتيها.

أختنا الفاضلة: إن كثيرًا من الآباء لا يعرفون طبيعة أبنائهم؛ لأنهم دائمًا يرونهم بعيونهم لا بعيون الأبناء، والأولاد كبصمة العين يختلف كل منهم عن الآخر، ويستحيل تطابقهم في كل شيء، وعلى الوالدين تفهم هذا، وترك مساحة للأولاد للتعبير عن آرائهم، وحين نتحدثُ عن الوالدين فنعني الأب والأم كشريكين لا يُكتفى بأحدهما عن الآخر، نقول ذلك لأننا لاحظنا غياب دور الأب في رسالتك، ونرجو أن يكون قد سقط سهوًا من الرسالة؛ لأن وجوده مهمٌّ جدًّا، والتنسيقُ بينكما في التعاطي مع الفتاة من الأهمية بمكان.

ونوصيك بعدة أمور:

أولًا: الصداقة والمحبة:

أظهري لها محبتك، وأبرزي لها شدة شفقتك عليها، فالولد لا يشعر بدفء العلاقة بينه وبين والديه إذا كانت مستترة، وأسمعيها كثيرًا: "إني أحبك"، وأشعريها بأن لها دورًا في البيت لا يمكن الاستغناء عنه، وأظهري اهتمامًا برأيها حتى لو كان تافهًا، وقوِّمي الخطأ الموجود عندها بالمشاركة، كقولك: ما رأيك لو قلنا كذا، أو فعلنا كذا؟!

ثانيًا: تجنبي الجدال معها قدر الاستطاعة:

وإن كان ولابد فعليك بما يلي:

- احتفظي بهدوئك وثباتك الانفعالي أثناء المناقشة؛ حتى لا تشعر الفتاة أنها نجحت في إثارتك.

- استمعي إليها بلطف، وأكثري من الثناء على ما صحّ من قولها، وأظهري الأخطاء في ألفاظٍ قليلةٍ وسريعة.

- لاحظي أنكِ إن أحسنتِ الاستماع إليها أحسنت هي أيضًا الاستماع إليك، أو على الأقل حاولت.

ثالثًا: لتجنب الجدال عند كل أمرٍ أو طلب منك: اجتهدي في التقليل من الأوامر والنواهي قدر المستطاع، ويمكنك استخدام بعض العبارات الأكثر تلطفًا، كقولك: هل يمكن أن تساعديني أو تفعلي كذا؟!

رابعًا: اجتهدي في زراعة القيم والأخلاق بطريقٍ غير مباشر؛ كتشغيل محاضرة عن بر الوالدين في البيت، أو عمل مسابقة عن كتابٍ في الأخلاق، وتكون له جائزة محببة لديها، أو عن طريق محاضرةٍ دينيةٍ أو تربويةٍ، أو خطبة جمعة.

خامسًا: ابحثي في صديقاتها -بطريقةٍ لا تُثيرها- عن واحدةٍ لها دينٌ وخلقٌ وسمتٌ صالح، ويمكنك عن طريق زميلاتها أن تزرعي فيها ما شئت من الأخلاق الحسنة، فتأثير الصديق واضحٌ على صديقه.

سادسًا: أكثري من الدعاء لها أن يهديها الله، فالقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف شاء، والدعاء سهمٌ صائبٌ لا يخيب.

نسأل الله أن يوفقك لكل خير، وأن يهدي ابنتك للحق والرشاد، والله الموفق.

مقالات ذات صلة
التعليقات
  1. 8 يناير 2022
    أم عبد الله

    من المهم التفكير فيما تشاهده الصغيرة على التلفاز والنت الإنمي والأفلام والبلوجرز الذين يعرضون حياتهم كلها وسائل تدفع الضجر والرغبة في الحياة السهلة والهروب من الالتزامات ويجب منعها تماما لكن برفق

إضافة تعليق
ما الفرق بين خجل الطفل وضعف شخصيته ؟ كيف أوازن بين تربية ولدي على التسامح وعدم تضييع الحق؟! أفكار عملية لمختلف المراحل.. كيف نرسّخ عقيدة أبنائنا حول فلسطين والأقصى؟ انكفاء النُّخب والقيادات الدعوية معرفة أحوال المدعوين.. طريق المربي للدعوة على بصيرة