أنا أم سورية لأربعة أبناء، نعاني أشد المعاناة بسبب الحرب، حالتنا النفسية جميعًا ليست على ما يرام، ابنتي الصغيرة تبلغ من العمر 10 سنوات، لاحظت على سلوكها في الأيام الأخيرة حالة متنامية من العدوانية والعنف

السؤال:

أنا أم سورية لأربعة أبناء، نعاني أشد المعاناة بسبب الحرب، حالتنا النفسية جميعًا ليست على ما يرام، ابنتي الصغيرة تبلغ من العمر 10 سنوات، لاحظت على سلوكها في الأيام الأخيرة حالة متنامية من العدوانية والعنف، سواء في حديثها معي ومع إخوتها، أم في ضربها لأخواتها وكسرها لألعابها بلا مبرر واضح، دائمة الصراخ واستدراج الآخرين للعراك، حتى إنها تستفز ابنة خالتها الوديعة حتى تبكيها، وتضربها، ولا أدري كيف السبيل لحل هذه المشكلة!

الجواب:

أختي الكريمة: حياك الله أنت وكل أهل سوريا الأحرار، وربط على قلبك وقلبهم، وفرج همهم، وأبدلكم بخوفكم أمنًا.

أختي العزيزة: أنا أفهم أنك تعيشين الآن خارج سوريا، ولكنك شهدت أنت وأبناؤك جزءًا من الحرب وعايشتموها، ولا شك أن مشاهدتكم للقتل والتدمير والخوف والهلع الذي عشتموه قد ترك آثارًا عليكم جميعًا، وليس فقط على ابنتك، ولكن يبدو أن التأثير النفسي كان أقوى على ابنتك، وتصرفاتها العدوانية هذه نتيجة متوقعة لما عاشته من خوف وهلع.

وإن الاختصاصيين النفسيين يحذرون من الآثار النفسية نتيجة مشاهدة الأطفال لصور العنف والمجازر، ويشيرون إلى أنها قد تتسبب لديهم في ظهور أمراض نفسية، وخصوصًا من كان لديه الاستعداد النفسي لذلك، فقد تتسبب الصدمة في معاناة الطفل من اضطرابات عصبية ونفسية، مثل: الكوابيس، والتبول الليلي اللاإرادي، والخوف، والحركات اللاإرادية، وقلة الشهية للطعام، والابتعاد عن الناس، والميل للتشاؤم واليأس، كما أنها ستعلم وتخرج جيلاً عنيفًا من الأطفال المتأثرين بهذه المشاهد؛ إذ إنها ستعلم الطفل تقبل العنف في الحياة، واكتسابه لسلوك العنف، واستخدامه في حياته اليومية، وهذا ينعكس جليًا في سلوك ابنتك.

ويشير علماء النفس إلى أن المشاهد التي يراها الطفل تشكل شخصيته، وتؤثر في سلوكه؛ من قتل ودمار، وجثث وقصف، ومنازل مهدمة، فيختزن تلك المشاهد في عقله الباطن؛ فتنغص عليه طفولته وعفويته، وإن الآثار السلبية لتلك المشاهد لا تنتهي بنهاية مرحلة الطفولة، بل تصير بمثابة النافذة التي يرى الطفل العالم من خلالها؛ ولأن الأطفال لا يفهمون مبررات الحرب كما يفعل الكبار؛ فيتولد لديهم شعور بالغضب، والإحساس بأن هذا العالم مليءٌ بالظلم والقسوة، ولا سبيل أمامهم للتعبير عن تأثرهم بما يعانون ويعايشون ويرون من تلك الحرب إلا الانطواء والتوجس، أو العدوانية.

والأطفال قد يختلفون بتعبيرهم عن مشاعر الصدمة، فبعضهم يميل للانطواء والعزلة، بينما يصبح سلوك البعض عدوانيًا نحو الآخرين، ويميلون إلى التعامل بالعنف، وسرعة الاستثارة الانفعالية، فقد يصرخون بلا سبب، أو يغضبون لأتفه الأسباب.

إن ما حدث قد حدث، وكان خارجًا عن إرادتك، ولكن لا بد من التدخل للحد من تفاقم المظاهر النفسية والانفعالية التي طرأت على طفلتك، ومن أهم استراتيجيات التعامل معها هو: طمأنتها، ومحاولة إعادة حالة الشعور بالأمان إليها؛ نظرًا لأن الأمان هو من الحاجات الفسيولوجية المهمة عند الإنسان، وإشعارها بالحب والحنان، وحضنها من وقت لآخر، وإشعارها بالأمان في أحضان والديها؛ فحب الوالدين غير المشروط كفيلٌ أن يرمم الكثير مما قد أتلفته الظروف، ويعيد إليها تدريجيًا الشعور بالأمن والأمان الذي تفتقده.

كما أن الحديث والتعبير عما يقلقها سيساعد كثيرًا في التخلص من مخاوفها وقلقها، فتقربي إليها، وحاولي جعلها تتكلم وتعبر عما تشعر به، ومناقشة ما جرى معها، وإقناعها بأنها الآن في مكان آمن، ولن يستطيع أحد إيذاءها، وأنكم اتخذتم كافة الاحتياطات لحمايتهم، مع ضرورة عدم منعها من البكاء أو السؤال عما يجري، والحديث عنه، فمن الضروري معرفة ما يدور في تفكير الطفل، وأن نترك لمشاعره العنان في هذه الأوقات؛ حتى لا تتراكم الصدمة، وهناك حاجة إلى التفريغ النفسي والانفعالي للمشاعر المكبوتة التي اكتسبتها وقت الحرب؛ حيث يعجز الكثير من الأطفال عن الحوار اللفظي للتعبير عما يجول في خواطرهم ويشعرون به، ويمكن تشجيعهم على الحديث عن مشاعرهم، مع اختيار الأسلوب والألفاظ التي يمكن للطفل استيعابها والتجاوب معها.

وإن كيفية تصرف الوالدين أمام الطفل تلعب دورًا كبيرًا في زيادة مخاوفه أو تقليلها، ومن الضروري أن تحاولي كبت مشاعرك الجياشة لما يجري، وضبط النفس، وعدم إظهار مخاوفك من الحرب أمام أطفالك، وعوضًا عن إظهار المخاوف أمام الأطفال، فمن الضروري التحلي بالأمل بزوال الحرب سريعًا، والتعبير عن القدرة على تجاوز الأزمة، وحاولي تلطيف الأجواء، وبث الثقة في نفوس أطفالك.

ومما يساعد في التفريغ الانفعالي لديها كذلك: اللعب، والرسم، وتمثيل الأدوار، وتقديم المبادرة إلى إجراء "محادثة" عن طريق ألعاب أو رسومات؛ عندئذ يستطيع الطفل التعبير عن نفسه، وهذه أدوات مهمة لتفريغ هذه الانفعالات، إضافةً إلى محاولة إخراج الطفل من دائرة الحرب، وتوفير الجو الملائم الذي يشبع فيه ميوله واهتماماته، وممارسة الأنشطة المثمرة والترفيهية، إضافة إلى الانخراط في الجو التعليمي الذي يشد الطفل للاهتمام بالمذاكرة.

ويحتاج أطفالك إلى الشعور بالراحة والاطمئنان، خصوصًا قبل الخلود إلى النوم، فعلميهم أدعية النوم، واقرئي عليهم بعض الآيات القرآنية، واحكي لهم قصصًا مسلية قبل نومهم.

ومن المهم جدًا التقليل من مشاهدة الأخبار ومشاهد الحرب، ويجب التشديد والرقابة على مشاهدة أطفالك للتلفاز، بحيث يمتنعون قدر الإمكان عن مشاهدة مواقف القصف والأمور المحزنة، والتي تذكرهم بمواقف الصدمة، والتركيز على مشاهدة البرامج الترفيهية؛ والتي تجلب التسلية لأطفالك، وتنقلهم من مرحلة الصدمة إلى مرحلة التعايش الطبيعي مع الحياة اليومية.

كما أن الحركة والنشاط الرياضي أمر ضروري، وتساعد كثيرًا في تبديد القلق النفسي والمخاوف من نفس الإنسان، وسيفيد اللعب خارج المنزل وممارسة الرياضة في إبعاد الأطفال عن أجواء الحرب، وفي تفريغ طاقتهم وتحسين مزاجهم، ويمكن أن تلعبي معها لعبة الريشة، أو تشاركي إخوتها لعب كرة القدم في الهواء الطلق لمدة ربع ساعة يوميًا؛ ما سيساعد بإذن الله في علاجها.

كما أن ابنتك في سن تستطيع فيه أن تتفهم الأمور إن شرحتها لها بطريقة مبسطة، فحاولي شرح ما جرى وما يجري الآن لها بأسلوب قريب إلى فهمها، مع إعطائها الأمل بالنصر، وتقوية معنوياتها، ولابد من زرع مشاعر حب الوطن والحرية في نفوس أطفالك،‏ وتعليمهم ألا يكونوا مستسلمين وضعفاء ويسهل قيادتهم، وأنهم هم جيل المستقبل الذين سيبنون البلد من جديد.

وعليك بتشجيعها على التعامل بلطف، ومكافأتها كلما أبدت سلوكًا حسنًا تجاه الغير، سواء كانت مكافأة مادية أم عينية، ولا تكثري من ذكر أنها عنيفة أمامها؛ كي لا تثبت هذه الفكرة في رأسها ويصعب التخلص منها.

ومن المهم تقوية الوازع الديني لديها، وسرد القصص الدينية في حسن المعاملة والإحسان إلى الناس، وحسن الخلق، وكيف أن حسن الخلق والتعامل هو الطريق إلى رضا الله وإلى الفوز بالجنة، والتزمي بالدعاء لها ولإخوتها ولأهلك في سوريا؛ لعل الله يحدث بعد ذلك فرجًا.

أصلح الله لك أبناءك، وعافاهم من كل سوء، وأقرّ عينك بهم.

ما الفرق بين خجل الطفل وضعف شخصيته ؟ كيف أوازن بين تربية ولدي على التسامح وعدم تضييع الحق؟! أفكار عملية لمختلف المراحل.. كيف نرسّخ عقيدة أبنائنا حول فلسطين والأقصى؟ انكفاء النُّخب والقيادات الدعوية معرفة أحوال المدعوين.. طريق المربي للدعوة على بصيرة