علاقة المربي بالمراهق لها أثر كبير في تقبله للتوجيه وفي نظرته لما يرضي المربي وينصحه به.

مما لاشك فيه أن علاقة المربي بالمراهق لها أثر كبير في تقبله للتوجيه وفي نظرته لما يرضي المربي وينصحه به. وتزداد الحاجة إلحاحا لبناء علاقة طيبة مع أبنائنا المراهقين في هذا العصر الذي كثرت فيه الجهات التي تريد أن تختطفه من أحضان أسرته وتعزله عنها لتوجهاتها الفكرية؛ ولهذا كان لا بد لكل أب وأم ومربٍ أن يعرف كيف يكتسب المراهق إلى صفه، وكيف يبني معه علاقة قوامها الثقة والاحترام المتبادلين. وفي هذه النقاط نستعرض عدة أسس واستراتيجيات يجب على المربي وضعها في حسبانه؛ ليكسب احترام المراهق ومودته:


 1- أعطه الاختيار:

يحب المراهقون أن يشعروا بالتقدير من الكبار، وخاصة من له الأمر عليه، فقد جاء وقت تحررهم من السلطة، وشعورهم بأنهم هم في مقعد القيادة؛ لتشبع عندهم هذه الرغبة في السيطرة والإمساك بزمام القيادة، لا تجادلهم أو تختلف معهم بلا داع، بل ادخر لهم مجموعة من القرارات التي تشعر أنهم لن يُحدثوا من ورائها ضررا كبيرا.

لا يجب أن تكون اختياراتهم سليمة أو موفقة أو أفضل اختيار، ولا ينبغي أبدا أن تلومهم أو تسفه اختياراتهم. إن ما يهمك بالأساس أن تترك لهم الاختيار والقرار في جزء من النشاطات اليومية؛ مما يحقق عندهم شعورا بتقدير الذات. اسأله عن رأيه واستمع له وناقشه، وخذ بما يمكنك من اقتراحاته في كل الأمور، فهذا يشعره أنه صاحب رأي مسموع وله قيمة في أسرته؛ مما يزيد من ثقته بنفسه ومن قبوله للكلام معك.

2- لا تنتقد:

لا يحب أحد أن ينتقده الآخرون، والمراهق بخاصة يكون حساسا جدا تجاه النقد؛ ولهذا ندعو المربين دوما إلى كبح رغبتهم في تبيين الصواب أو نقد الخطأ بطريقة مباشرة وواضحة. ادخر هذه الانتقادات للأمور الأخلاقية الصريحة، أما في غير ذلك فعليك التدرج مع المراهق حتى يصل هو بنفسه إلى المشكلة في تصرفه. وأفضل طريقة لتحقيق ذلك هو فن إلقاء الأسئلة: هل تحب ذلك؟ ترى كيف شعر فلان حين سمع كلامك؟ هل توجد طريقة أخرى لتفعل كذا؟ ولنذكر دائما أن طريقة التدرج هذه أكثر فاعلية بكثير من النقد والرفض المباشرين. ولنا في رسول الله --صلى الله عليه وسلم-- أسوة حسنة حين جاءه الشاب يريد أن يستحل الزنا! فألقى عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- سؤالا هادئا: "أترضاه لأختك؟" فلما أقر بعدم رضاه، أتبعه بسؤال: "أترضاه لأمك؟" وهكذا تدرج معه حتى رسّخ في نفسه قناعة ذاتية توصل لها الشاب بنفسه حين أجاب تلك الأسئلة الحكيمة.

3-  أعطه متنفسا:

يتوهج المراهق بطاقة هائلة لا يدري كيف يتصرف فيها، فبينما كان يكفيه في طفولته أن يقفز ويتحرك ليفرغ طاقته الجسمانية، فإنه الآن ما بين النضج والطفولة يريد أن يستهلك طاقته التي تفجرها الهرمونات في جسده، ولكن اللعب والحركة لا يكفيان ولا يشبعان ما يواكب نموه من طاقة نفسية ورغبة في تحقيق الذات؛ ولهذا يجب ألا تحاصره بالمهام التي ترغمه على الجلوس طويلا أو التي تصيبه بالملل. يجب أن يفرغ طاقته في أنشطة تجمع بين الحركة وبين تحقيق الشعور بالإنجاز والتفوق. شجعه على المشاركة في عمل تطوعي أو مجموعة علمية أو كشفية، اسمح له بتجربة أشياء جديدة ومثيرة، فكِّر معه وخطط لأنشطة تستهلك طاقته وتشعره بالتميز.

4-  استمع جيدا:

حين يتحدث إليك المراهق، استمع له بإنصات، ولا تقاطعه كثيرا. لا تحاول محاكمة كل كلمة يقولها على أنها صواب أو خطأ، ولا يجب أبدًا أن تسخر من أي رأي له. حاول أن تسأله عن كل ما يتكلم عنه: لماذا يقول ذلك؟ ما شعوره؟ هل يمكنك أن تشرح لي كذا؟ ماذا لو حصل كذا؟ أشعره باهتمامك بالموضوع ولكن دون رقابة أو وصاية. فأكثر ما يكرهه المراهق أن يشعر أنك تريد أن تفرض سلطتك على سير المناقشة.

5- لا تقارن:

من أشد الأمور على نفس المراهق أن يشعر بأنك تقارنه بأحد أقاربه أو زملائه. فثقته بنفسه لم تكتمل بعد، وقد يميل لتعميم مقارنتك ويصل في قرارة نفسه إلى أنك تحب فلانا أكثر منه مطلقا، أو إلى أنه هو نفسه منبوذ أو غير مرغوب فيه! استبدل المقارنة الصريحة الثناء على فعل معين أو مهارة معينة، وحاول ألا تكون مباشرا قدر الإمكان. مثلا حين يكون ولدك قد أتى بدرجات غير جيدة فلا تقل: "انظر إلى فلان جاء بدرجات حسنة"، ولا تقل أيضا "درجات فلان جيدة"، ولكن قل في معرض الكلام "سمعت من أبي فلان أنه يذاكر كل يوم ساعتين بتركيز"، فبهذا تحول الكلام من الشخص إلى الفعل الذي تريد تشجيع المراهق عليه، وتفتح له بابا لتغيير وضعه الحالي دون أن تريق ماء وجهه.

6- شارك وشجعه:

مهما بدا على المراهق من تمرد ورفض لآرائك، فإن رأي المربي المسؤول عنه مهم جدا عنده. وشعوره بالقرب الوجداني منه هو أساس ثقته بنفسه وبالمربي أيضا؛ ولهذا فإن من أنجح الطرق في كسب المراهق إلى صفك أن تشاركه وتشعره بالزمالة وأنكما رفاق في نشاط معين، وأن تشجعه وتمدحه خلال عملكما معا. ولكن ينبغي أن يكون التشجيع منفذا بطريقة صحيحة، فلا تجعله مديحا لشخصه أو لذكائه، ولكن لأفعاله وتصرفاته. فبدلا من أن تقول له: "كم أنت ذكي" أو "كم أنت لطيف" قل له: "لقد أعجبني أنك حللت هذه المشكلة بذكاء" أو "ما أحسن هذا التصرف الخلوق الذي قمت به" فبهذا يكون مديحك وتشجيعك واقعيا من وحي اللحظة وفي نفس الوقت موضوعيا مبينا لما أعجبك بالضبط.

7- أضحكه ولاعبه:

إن للمرح والفكاهة أثرًا كبيرًا في نفس المراهق، والمربي الحكيم يحرص على ألا تغيب الفكاهة من جو المجلس، فلا ينبغي أبدا أن يكون أصدقاؤه هم المستأثرون بضحكه وشعوره بالمرح. وقد بينت الدراسات أن الضحك يشحذ الذاكرة ويزيد المناعة، كما أن اللحظات المرحة تقوي الروابط وتعمقها. فينبغي ألا تكون العلاقة دائمة الوجوم والصرامة مع المراهق، كما ينبغي ألا يكون المزاح مخلا بهيبة المربي ومكانته. ويمكن استغلال المزاح في إيصال رسائل مباشرة أو التوجيه لخطأ معين، ولكن دون جعل المراهق محلا للسخرية والاستهزاء.

8- التمس له العذر:

قد يكون من السهل أن نلتمس العذر للأطفال في أخطائهم؛ لعدم معرفتهم الصواب من الخطأ، ولكون مفهوم الذنب عندهم غير متضح، ولكننا غالبا ما نميل لتقريع المراهق بدلا من التماس العذر له. ويرجع تشددنا في ذلك إلى أن المراهق قد أدرك الصواب والخطأ وعرفهما، وهو ما ندركه من النقاش معه وسؤاله. ولكن لا ينبغي أن نغفل ما جاء في دراسات العلم الحديث، تلك الدراسات التي تؤكد أن الجزء المسؤول عن التحكم في النفس وتقييدها هو آخر ما يكتمل في عقل الإنسان؛ ولهذا فإن المراهق بالرغم من معرفته الصواب إلا أنه يقع في الخطأ ليس لجهله، ولكن لعدم قدرته على كبح جماح نفسه. يشبه الأمر كما لو أن هناك سائقا يقود سيارة بلا مكابح، فبالرغم من معرفته لقواعد المرور السليمة إلا أنه لا يمكنه أن يلتزم بها؛ مما يوقعه في الحوادث. لا يعني هذا ألا نحمل المراهق مسؤولية أخطائه، ولكن يجب أن نلتمس له العذر، ونعلم في قرارة أنفسنا أنه لا يمكنه منع نفسه من الخطأ؛ ولهذا يجب أن ينصب جهدنا على تعديل سلوكه وتعويده على الصواب بدلا من الغضب من تصرفاته باعتباره متعمدا للخطأ.

9- كن محددا:

صحيح أن المراهق لا يحب القواعد ولا الأوامر، إلا أنه بالتأكيد لن يشعر بالراحة إذا كان الصواب والخطأ غير محددين بوضوح. كن حازما في تحديد الخطوط الفاصلة والالتزام بها، واجعل لتجاوزها عواقب واضحة. تجنب عقوبات الضرب والإهانة واستبدلها بعمل بعض الأعمال تطوعية في بيئته أو الحرمان من أمور يحبها واعلم أن العقاب ليس هدفه كسر المراهق أو إهانته، ولكن هدفه أن يتعلم أن هناك عواقب لأفعاله، ويجب عليه تحمل مسؤوليتها. كن محددا وواضحا والتزم بما تتفق عليه مع المراهق؛ لكي لا يفقد ثقته بكلمتك وحكمك.

وختاما نذكركم دوما بقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إن الله يحب الرفق في الأمر كله، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف). فلا يجب أبدًا أن تسوء العلاقة بيننا وبين أبنائنا، ولا أن نخسرهم ونتركهم بلا رباط متين مع المربين المسؤولين عنهم فيصيرون فريسة سهلة لتيارات الأهواء والشهوات.

ما الفرق بين خجل الطفل وضعف شخصيته ؟ كيف أوازن بين تربية ولدي على التسامح وعدم تضييع الحق؟! أفكار عملية لمختلف المراحل.. كيف نرسّخ عقيدة أبنائنا حول فلسطين والأقصى؟ انكفاء النُّخب والقيادات الدعوية معرفة أحوال المدعوين.. طريق المربي للدعوة على بصيرة