أربعة مصائر شنيعة، يكفي الإنسان فشلاً أن تختم حياته بواحد منها: الانتحار، الإلحاد، التطرف، الجور. هذه المصائر الأربعة هي مصائر انتقامية، واحد منها انتقام من النفس، والثاني انتقام من الرب، والأخيران انتقام من المجتمع.

أربعة مصائر شنيعة، يكفي الإنسان فشلاً أن تختم حياته بواحد منها: الانتحار، الإلحاد، التطرف، الجور.

هذه المصائر الأربعة هي مصائر انتقامية، واحد منها انتقام من النفس، والثاني انتقام من الرب، والأخيران انتقام من المجتمع.

فـ(الانتحار) هو نتاج سخط جامح على النفس يحمّلها كل ما جرى في الحياة مما لا يرضاه المنتحر، ثم يصدر على نفسه حكمًا بالإعدام وينفذه.

و(الإلحاد) هو نتاج سخط جامح على القدر؛ لشيء جرى في الطفولة لا يستطيع الملحد تغييره ولا يستطيع أيضًا مواجهة من فعله به، فيحمّل مسؤوليته للرب ويعاديه ويصدر حكمًا بإعدام صفة الرب من الوجود، ليحيا مقنعًا نفسه بغياب هذا الرب من الأساس ويقول بلسانه: لو كان موجودًا لما رضي بما جرى، ولو كان موجودًا فهو غير عادل.

وأما (التطرف) فلا يكون إيمانًا حقيقيًا، لكنه اعتقاد انتقامي ينشأ في نفوس الساخطين على المجتمع ممن تعرضوا للظلم والجور، فيصدرون أحكام التكفير بغير وجه حق، ومن ثم أحكام الإعدام أو العزل المجتمعي على الناس بلا تمييز، وربما كان هناك تمييز يختص بالفئة التي جارت عليهم أو هم يعتقدون أنها جارت عليهم أو هي مصدر تهديد لهم من باب أولى.

و(الجور) هو نتاج تربية مترفة عكس الثلاثة السابقة، الجور هو نتاج (طفل ذهبي) كانت كل رغباته مجابة على حساب أساسيات حياة غيره، وهو من الفئة التي تعتقد في نفسها أنهم أبناء الله وأحباؤه، فيتألهون ويرون الناس عبيدهم يفعلون بهم ما شاؤوا متى شاؤوا وكيف شاؤوا.

فما بالنا لا نهتم بينما هذه المصائر الأربعة لها جذر ومنبت واحد متصل ينتجها جميعًا باستمرار على مدى الأزمنة ليدمر ويحرق ويبيد؟!

هذه المصائر الأربعة تنشأ من (بيت الأذى) أو دعنا نسميه (بيت الضرار)، وهو البيت الذي يديره والد أو والدة أو والدان نرجسيان، وبالمصطلح المحبب إلى نفسي فإني أسميه (بيت الغولة)!

فمن هم النرجسيون الذين يضيّعون من يعولون عن عمد ولذة! وإذا تولوا مسؤولية بيت حولوه لمفرخ انتحار وإلحاد وجور وتطرف؟!

من هم هؤلاء الغيلان في صورة بشر؟! من هم شياطين الإنس؟!

دعوني أسرد تعريفًا مختصرًا للنرجسية ثم أخوض في صفات تطبيقية وعلامات تعرفون منها هؤلاء الشياطين، فالنرجسية اختصارًا مرض نفسي، ليست اضطرابًا عقليًا، هي مرض نفسي لا يمحو الإرادة ولا يغطي الوعي، وهذا المرض ليس ذهانًا يعذر صاحبه ويرفع عنه القلم، بل اضطراب في الشخصية تسببه النشأة في بيت يقوده أب أو أم مصابان بالاضطراب ذاته، ثم يختار الناشئ بين خيارين: أن يكون مؤذيًا نرجسيًا، أو يكون مصلحًا طبيعيًا، فيختار هو بكامل إرادته أن يكون مؤذيًا!!

والنرجسية طيف واسع من الصفات إذا اجتمعت أكثرها كان صاحب الصفات (نرجسيًا خبيثًا)، وإذا اجتمع بعضها كان (نرجسيًا)، وإذا اجتمع أقلها أو واحدة منها كان المصاب (لديه سمات نرجسية)، وهي أشبه شيء بصفات الجاهلية: العنصرية، الأنانية، المن والأذى، استحلال الفواحش الظاهرة كالزنا والشذوذ، استحلال الفواحش الباطنة كالكبر والرياء، انتحال أفعال الآخرين الصالحة، نسبة الآثام الشخصية للغير... وهكذا. ومن كان فيه خصلة منها كما قدمنا كان فيه خصلة من النرجسية. والبيت الذي يديره المضطرب النرجسي هو بيت الضرار، وهو أشبه بمغارة غول أو غولة يعذب فيها الأطفال ويراد لهم أن يكونوا هم أيضًا في المستقبل: غيلان.

ثم دعوني -أخي المربي وأختي المربية- أحدثكم عن هذه الصفات، فإذا رأيتم أكثرها متحققًا في والد أو والدة فتأكدوا أن الطفل أو المراهق الذي تحملون أمانته بينما هو أسير في هذا البيت سيكون مصيره أحد المصائر الأربعة التي تحدثت عنها ما لم تتدخلوا تدخلاً واعيًا أمينًا قويًا، سأريكم صفات الوالدين في مرآة سلوك الفتى والفتاة، ومنها:

(1) الأنانية:

إذا رأيت أمانتك (متربيك) يعاني من عدم شراء احتياجات أساسية كالملبس والمأكل والمشرب، بينما أبوه أو أمه يشتريان لنفسيهما؛ فاعلم أن أمانتك في حال غير طبيعية، يعيش مع والد أو والدة قلوبهما ليست قلوب بشر، يحرمان فلذات أكبادهما، ويستأثران بضرورات الحياة لنفسيهما، وليس هذا بخلاً؛ فالوالد البخيل يحرم نفسه وأولاده، بينما النرجسي يحرم أولاده ويعطي نفسه. وكم وجدنا شكاوى من نوع: (أبي يأكل اللحم ولا يترك لنا)، (أمي تشتري الجديد ولا تتركنا نرتديه حتى يبلى عليها)!

(2) التنمر:

إذا رأيت أمانتك يشتكي من تنمر والده أو والدته عليه، وجدت الفتاة مثلاً تشتكي من معايرة والدتها لها بقلة جمالها أو خشونة شعرها أو سمنتها، أو وجدت الفتى يعاني من معايرة والده له بضعف بدنه أو شبهه بشخص من أقاربه لا يحبه الوالد وهكذا، فاعلم أن أمانتك يعيش في (بيت الضرار) أو (مغارة الغولة)؛ فالأصل في الوالدين حماية أولادهما من تنمر غيرهم والدفاع عنهم وتحسين صورتهم الذاتية، بينما الوالد والوالدة النرجسيان يصنعان في أولادهما (اضطراب كراهية الصورة الذاتية)؛ بحيث تنشأ عقدة نفسية لدى الأولاد تجاه مظهرهم، ويفقدون ثقتهم بأنفسهم بالتبعية؛ فالمظهر هو عنوانك حين تعامل الناس.

(3) العنف الأسري:

إذا جاءك أمانتك بإصابات لا يبررها تفاعله مع أقرانه، سواء كان منشأها الضرب المباشر من والديه ضربًا انتقاميًا ترى منه أنه ليس ضرب تأديب ولكن ضرب انتقام وتنفيس عن الغضب، أو رأيت إصابات لا يدري أمانتك نفسه من أين أتت، بمعنى أنها ربما تكون من أعراض (إيذاء النفس دون وعي)، أو هي (كدمات الحزن) التي يتحدث عنها المتخصصون، والتي تنشأ من انفجار الشعيرات الدموية السطحية نتيجة الضغط النفسي المستمر، فاعلم أن أمانتك لا يعيش مع والدين طبيعيين قد يضربان أو يتملكهما الغضب، ولكنه يعيش مع جلاديْن نرجسييْن يعذبان أبناءهما تمامًا كما يتم تعذيب المعتقل السياسي.

(4) الانتهاكات الجنسية:

لا يصدق الأسوياء أن أبًا أو أًما قد يخطر على بالهما اشتهاء فلذات أكبادهما، أنتم تقرؤون هذه الكلمات في صدمة تُعذرون فيها؛ فكل فطرة سوية تأبى ذلك، لكن النرجسي انتكس عن فطرته والنرجسية انقلبت فطرتها، ولا يوجد أي رابط نفسي بين الأب النرجسي وأولاده ولا بين الأم النرجسية وأولادها، لا يوجد أي رابط، تذكروا قول آزر لولده إبراهيم -عليه السلام-: (لأَرْجُمَنَّكَ) [مريم: 46]، فهل والد سوي يمكنه رجم ولده مهما فعل؟! وتذكروا ملوك الفراعنة إذ تزوجوا بناتهم وأخواتهم كشرط لاعتلاء كرسي الحكم، وتذكروا حاكم القدس إذ قتل يحيى -عليه السلام- لأنه أنكر علاقة الحاكم ذاته ببنت أخته!!

نعم نكاح المحارم من علامات النرجسية الواضحة، ونجد في عصرنا جرائم اعتداء الأب على بناته أو أبنائه، وكذلك جرائم إيقاع الأمهات أبناءها في حبائلها، نجدها موجودة ثابتة، فهي انحراف عن الفطرة والطبيعة، لكن النرجسي والنرجسية شياطين إنس، فلا تعاملهم -أخي المربي وأختي المربية- على أنهم منا! تابعوا العلامات على الأمانة التي استودعكم الله إياها، ولا تستبعدوا إذا رأيتم ولدًا منزويًا صامتًا ساكتًا، أو بنتًا يصيبها الهلع إذا اقترب منها رجل؛ أن يكون ذلك من آثار اعتداء محرم، فتابعوا ولا تتهاونوا -بارك الله فيكم-.

(5) الجوع العاطفي:

رغم حديثي عن انتهاكات جسدية إلا أنني أؤكد أن الآباء والأمهات النرجسيين لا يعرفون الحب، لا يفهمون مشاعر الحب ولا يشعرون بالرحمة التي تصاحبه، ولا يفتقرون إلى الحنان الذي يمنحه، هم يشعرون فقط بالغضب والحقد؛ لذلك يؤذون من حولهم عن وعي وتلذذ، حتى أقرب الناس إليهم وهم أبناءهم، فأبناء النرجسيين يقعون في علاقات عاطفية مبكرًا جدًا، وهم الأكثر عرضة للاستغلال الجنسي من غير آبائهم بسبب جوعهم عاطفيًا، والذي يكون مدخلاً لمستغلي الأطفال والمراهقين المعروفين بـ(البيدوفيل).

فإذا رأيت أمانتك يميل مع الهوى مبكرًا، أو يصادق الأكبر سنًا، وإذا رأيتِ أمانتك تميل في هوى الرجال الأكبر سنًا الذين نسميهم (شوجار دادي)؛ فاعلمي أن والدها لم يسعها حنانًا، وأنه منحرف: إن لم ينحرف معها فهو منحرف عنها. قد ينشغل الآباء انشغالاً ليس انحرافًا، لكنهم يعودون، وإذا ذكرناهم يذكرون، لكن الذي لا يستطيع الحب فليس طبيعيًا، ولذلك على المربي توفير البدائل.

(6) الوعود الكاذبة:

مع الأسف أكثر الآباء والأمهات لا يستطيعون دومًا الوفاء بما يعدون به أبناءهم، لكن الأسوياء منهم يعتذرون أو يعوضون أبناءهم بما في استطاعتهم، أو يوفون متأخرين بوعودهم، لكن إذا رأيت أمانتك دومًا في دوامة مَن (إذا وعد أخلف)، فكلما وعده أبوه أو أمه بكتاب أو رحلة أو مال أو جهاز جديد أو أي شيء لا يفون له إلا بشروط ربما هي مجحفة تخضعه تحت سيطرتهم بطريق غير طبيعية، يبدو من الفتى والفتاة أنهم يستشعرون أن (لكل شيء ثمنًا)، وأن (بقاءك في هذا البيت له شروط)، وأنه (لا بد لك من طاعتي لتحصل على ما تريد)، فاعلم أنه يعيش في سوق يساومه والداه الحياة ليل نهار، وأنه في مغارة غولة لابد له من عبادتها ليعيش في أمان وسلام. وبيوت البشر ليست كذلك.

(7) الأسرار المشينة:

ستجد أمانتك منزويًا، أو تجدين أمانتك باكية ذاهلة لا تستطيع الحديث، ومع خبرة المربي سيجد سيلاً من الشكاوى عن أب خائن لا عفة له، أو والدة تمارس السوء سرًا في الواقع أو على الإنترنت، الجميع ذو خطأ، لكن الله حليم ستير حيي لا يفضح إنسانًا إلا معتاد الفاحشة، ولا يبتلي بريئًا بأن يرى هذه الفضيحة إلا إنذارًا أن يهرب من عشرة هؤلاء الفجرة حتى لا يورطوه، اعلم إذا رأيت ذلك -أخي المربي وأختي المربية- أن الستر على الوالدين هنا ليس الواجب! ولكن الواجب هو حماية أمانتك من بطش أبيه أو أمه المؤذيين مخافة أن يفضحهم، وأن النبتة التي ما زالت طاهرة أولى بالحماية حتى من بيت محطم فاسد بالفعل.

(8) التدليل الزائد:

في بيوت الأسوياء يوجد التدليل نعم، لكنه على سبيل التعزيز أو إبداء المحبة، وليس على سبيل الإفساد، لكن بيوت النرجسيين ينقسم الأبناء فيها إلى ثلاثة أصناف لا رابع لها، الصنف الأول هو (كبش الفداء)، وهو الذي تلاحظ عليه أو عليها الصفات السبعة السابقة وغيرها، ويربيه أبواه ليحمل الهموم والمسؤوليات، ولا يأخذ من حقوقه شيئًا، يمكن أن يحرموه، يعذبوه، يتحرشوا به، يعدوه ويخلفون وهكذا. والصنف الثاني هو (الطفل اللا شيء)، لا يحبه أبواه ولا يكرهانه، لكن ينوبه من الأذى السابق الكثير. والثالث هو (الطفل الذهبي)، وارث عرش الأذى، وحفيد إبليس الذي يعده الأبوان المؤذيان أو أحدهما ليكون إله البيت من بعدهما، على أن يكون إخوته وأخواته له خدمًا طائعين. وهذا تمييزه أيسر من غيره لمظاهر البذخ المبالغ فيها، وعصبية الوالدين في التبرير له إذا أخطأ والدفاع عنه، وهذا مرشح للجور لا للانتحار ولا التطرف.

هذه الصفات وغيرها إذا اجتمعت -ولا أقول أبدًا إذا انفردت-، لكن إذا انكشفت واحدة منها فتَتَبَّع بقيتها وستجدها، هذه الصفات إذا اكتشفها المربي فمسؤوليته إيجاد الحلول؛ لأن هذه المعتقدات تتراكم في الروح تراكم السم في الكبد، وكما أن سم الكبد يقتل الجسد فإن سموم الروح قد تقتل الإيمان أو الأمل.

خاصة إذا كان البيت من تلك البيوت التي ظاهرها التدين وباطنها النفاق والأذى، تلك البيوت التي تكون بيوتًا طفيلية مزروعة عنوة بين بيوت المتدينين الحقيقيين، فكما نعلم: السارق الحاذق يختبئ في المسجد، وفي تلك البيوت التي تأخذ التدين ستارًا تظهر الآية: (وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا) [النحل: 94]، يعاني الفتى وتعاني الفتاة من عسف الوالدين، ويحتاجان الدعم والنصرة! ثم يطالبهما المربي ببر الوالدين على خلاف ما يحتاجان! يطالبهما المربي بالبر لأنه يتصور أن ظاهر البيت هو باطنه، ولا يتصور أن متدينًا في العلن يبطن قلة الدين في بيته ومع أولاده، فيسخط الفتى والفتاة لا على المربي لكن على الدين كله! وعلى الرب ذاته! المربي معذور لأنه لا يتصور النفاق بينما هو محاط بالصادقين! لكنه غير معذور في دقة بحثه، فبين النباتات اليانعة لابد من حشائش ضارة! وينشأ الإلحاد لأن بعض المنحرفين المنافقين قد اتخذوا الدين دخلاً لتبرير أذاهم لأبنائهم بينما الدين جاء عدلاً وحقًا ونورًا مبينًا على الجميع من والد وولد، أو يستمر العسف والقهر في بيت الضرار ذلك، ولكل فعل رد فعل، مساو له في المقدار، ومضاد له في الاتجاه، فينشأ التكفير المتطرف، أو يعجز الضحية عن الإيجابية وتغيير حياته للأفضل والهروب من بيت الضرار ذلك، فيجلد نفسه ويحملها فوق ما تطيق، ويعدم نفسه بنفسه منتحرًا!!

وبالطبع فإن (الطفل الذهبي) المصنوع إلهًا من صغره في ذلك البيت أو لنقل: في تلك المغارة؛ هو الذي يضمن استمرار هذا الأذى في الأسرة والمجتمع لجيل جديد ما لم يردعه ذلك المتطرف! أو لنتحمل مسؤوليتنا ولنقل: ما لم يردعه المربي السوي الذي أخاطبه بمقالتي هذه.

فلنمد أيدينا لنحمي أبناء الغيلان، ونكافح الغيلان أنفسهم، آملين الثواب والراحة في حياة سوية لنا جميعًا.. آمين.

ما الفرق بين خجل الطفل وضعف شخصيته ؟ كيف أوازن بين تربية ولدي على التسامح وعدم تضييع الحق؟! أفكار عملية لمختلف المراحل.. كيف نرسّخ عقيدة أبنائنا حول فلسطين والأقصى؟ انكفاء النُّخب والقيادات الدعوية معرفة أحوال المدعوين.. طريق المربي للدعوة على بصيرة