تبدو التربية الإيمانية هي الركيزة الأساسية في حياة المسلم في كافة مراحل عمره، وإن كانت مرحلة الطفولة هي أولى خطوات الغِراس التربويّ، تبقى المرحلة الثانوية أكثر مراحل العمر أهميةً على الإطلاق.

تبدو التربية الإيمانية هي الركيزة الأساسية في حياة المسلم في كافة مراحل عمره، وإن كانت مرحلة الطفولة هي أولى خطوات الغِراس التربويّ، تبقى المرحلة الثانوية أكثر مراحل العمر أهميةً على الإطلاق، وفيها تتبلور مجموعة القِيَم الأساسية لدى الإنسان، والمنطلقات، والأهداف، والتي يصعب تغييرها فيما يستقبل من مراحل العمر.

إن الإنسان في حياته يمر برحلتي وِلادة: أولها: من رَحِم أمّه، والثانية: من رَحِم طفولته؛ ليُدلف إلى مرحلة الشباب والنّضج؛ لذا فغياب الاهتمام بتلك المرحلة، أو ضعفها يُخرج إنسانًا يعاني من كثير من التشوهات القِيَميّة، والأخلاقيّة، والدينيّة، والتي تظل ملازمةً له.

وأولى الخطوات أمام الدعاة والمربّين للاهتمام بتلك المرحلة هي معرفة خصائصها، فأنت مع طالب الثانويّ لا تتعامل مع شخصٍ ناضجٍ، ولا طفلٍ طائعٍ، بل مع إنسانٍ في مرحلةٍ بين المرحلتين، يحتاج في التعامل معه منهجيةً عمليةً، وبرامج تربويةً خاصةً، تعبر به تلك المرحلة الاستثنائية بأقل الخسائر، وأعلى المكاسب.

خصائص المرحلة:

أولًا: الجانب العقليّ:

يتميز طالب المرحلة الثانوية بشكلٍ عامٍ باطّرادٍ في نمو الذكاء، وبروز القدرات، كما تتكوّن في تلك المرحلة الاتجاهات، وتتبلور بشكلٍ لافتٍ، وهي غالبًا ممتدةٌ، ويصعب تعديلها بعد ذلك.

كما تتغير أنماط التفكير لدى طالب تلك المرحلة، فيبدأ التفكير في أمورٍ جديدةٍ، ويثير أسئلةً لم يسألها من قبل، ومن هنا ينشأ التفكير في الكون، والحياة، والخَلْق، ومحاولة تحليل الأمور، وقد يناقش كثيرًا من الأمور التي كان يعدّها مسلَّماتٍ فيما مضى.

وبشكلٍ عامٍ؛ تتميز تلك المرحلة بالمثالية في التفكير.

ثانيًا: الجانب النفسيّ:

من أبرز السمات النفسية لطالب تلك المرحلة تغير مفهوم الذات بالنسبة له، وهي طريقة نظرته وتفكيره عن نفسه، والتي قد تكون سلبيةً، وقد تكون إيجابيةً، ويستقي كثيرٌ من الطلبة نظرتهم لأنفسهم من نظرة الآخرين لهم، فالحديث للمراهق بالأساليب السلبية تكرّس تلك الصفات السلبية، ولا تزيلها، بل تُؤصلها في نفسه، كما يتميز طالب تلك المرحلة بشدة الانفعالات، فهو يبالغ في محبته، وغضبه، وكرهه وغالب انفعالاته تصل للحدّ الأقصى.

ويستفاد من مفهوم الذات في علاج بعض المشكلات، فتعزيز الشعور الإيجابيّ لدى الطالب يحسّن من نظرته لنفسه، ويعدّل كثيرًا من المفاهيم، والقِيَم الإيمانية.

ثالثًا: الجانب الاجتماعيّ:  

الميل إلى الأصدقاء، والارتباط بهم، والثقة الكبيرة بهم، فهو يرتبط بأصدقائه ارتباطًا قويًّا، وتتسم مجموعة الأصدقاء هذه بمحدودية عددها، وشدة تماسكها، وقوة ضغطها على أفرادها.

رابعًا: الجانب الدينيّ:

وعلى عكس ما يظن كثيرٌ من المربّين أن تلك الفترة من العمر تتسم بالتمرّد، وبروز عامل الشهوة، والرغبة في التفلّت من القيود، خاصةً الضوابط الدينية، تشير التقارير الغربية أن هناك رغبةً قويةً لدى الشباب لتعلّم الدِّين، ومعرفة أحكامه، والسعي في تطبيقها، هذا في المجتمعات الغربية التي ترى الدِّين شيئًا هامشيًّا في الحياة، فما بالنا بالمجتمعات الإسلامية!؟ وتتوافق تلك الحالة مع متطلبات الشريعة، حيث بداية التكليف الشرعي في تلك المرحلة العمرية.

وسائل زرع التربية الإيمانية في حياة طالب الثانوي:

صنع النموذج:

ونقصد به أن يكون المربِّي نموذجًا لما يجب أن يكون عليه طالب المرحلة الثانوية، فإن المراهق غالبًا ما تحدث له عملية توحّدٍ شبه كاملةٍ مع مربيه في تلك المرحلة، فيقلّده بوعيٍ، أو من دون وعيٍ بكافة تفاصيل حياته التي يراها منه، وتحدث الصدمة الكبيرة عندما يكتشف الطالب أن هناك فِصامًا بين ما يطالبه به مربيه وبين حياته العملية، كما ينبغي على المربّي أيضًا أن يتبع الأسلوب العفوي ما أمكن، وبطرقٍ غير مباشرةٍ؛ إذ إن طالب تلك المرحلة يمتاز بتحسسٍ شديدٍ من الأسلوب الإملائيّ المباشر، ولديه اعتدادٌ بالنفس شديدٌ، قد يدفعه إلى العِناد.

البعد عن التنميط الشخصية:

وعملية التنميط هي محاولة إيجاد الصورة الذهنية، أو تصورات المربِّي لطلابه دون مراعاةٍ لتطلعات الطالب نفسه، فالمربِّي ذو الميول العلمية يريد طلابه كلهم على طريق طلب العلم، والمربِّي ذو الميول الخطابية يريد طلابه كلهم أصحاب فصاحةٍ، ولسانٍ طلقٍ، وهذا خطأٌ يقع فيه المربِّي بوعيٍ منه أو من دون وعيٍ، والقصد أن طالب تلك المرحلة يحتاج لمن يفتح له الأبواب جميعها، ويوجهه برفقٍ لما يتلاءم مع قدراته، مع مخاطبة عقله وأفكاره نظرًا لما يتميز به من تفتحٍ عقليٍّ، وقدرةٍ منطقيةٍ، وحيويةٍ فكريةٍ، تتوق للمناقشة العقلية الممزوجة بالمشاعر، واللين.

إحداث بيئة صالحة من الرفقاء:

        إذ إن الرفيق في تلك المرحلة من حياة الإنسان يلعب دورًا محوريًّا في تشكيل الاتجاهات، والقِيَم، والمفاهيم، والتي تتسم بالرسوخ إلا فيما ندر، وكما ذكرنا تنقسم بيئة الأصدقاء إلى نوعين: الرفيق أو "الأنتيم" وهو الصديق اللصيق، وهو أكثر الشخصيات تأثيرًا على الطالب في تلك المرحلة، بل إن الطالب في حال وقع في الاختيار بين صديقه "الأنتيم" وبين أحب مدرسيه أو مربّيه سيختار من دون تردد الصديق، كما أن حاجته في تلك المرحلة إلى مجموعة من الأصدقاء "الشِّلّة" تكون شديدةً.

ولمعرفة مدى تأثير مجموعة الأصدقاء علينا أن نعرف أن معظم تصورات الطالب في تلك المرحلة مستقاةٌ من الأصدقاء، ومن بيئةٍ صالحةٍ من الأصدقاء، فكل الغراس الإيمانيّ سيكون هباءً، ودور المربِّي في تلك المرحلة أن يصنع تلك المجموعة بمهارةٍ.

استخدام أسلوب الموقف:

من المهمّ أيضًا استخدام المواقف لإيصال المعاني الإيمانية، أو التربوية، فكثيرًا ما استخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم أسلوب التربية بالموقف، فعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه مرّ بالسوق، فمرّ بجدي أَسَكّ ميتٍ فتناوله، فأخذ بأذنه، ثم قال: "أيكم يحب أن هذا له بدرهم؟" فقالوا: ما نحب أنه لنا بشيء، وما نصنع به؟ قال: "أتحبون أنه لكم؟" قالوا: والله لو كان حيًّا كان عيبًا فيه؛ لأنه أَسَكّ، فكيف وهو ميت!؟ فقال: "فوالله للدنيا أهونُ على الله من هذا عليكم".

وغرس الإيمان من خلال المواقف الحياتية، والمشاهد البصرية أقوى بكثيرٍ في نفس طالب المرحلة الثانوية من سماع المواعظ المباشرة، وهي أبغض أسلوبٍ إلى نفسه على الإطلاق، وأضعفها استجابة لديه. 

القراءة في سير السلف:

وأثر مطالعة سير السلف وتراجمهم لها أكبر التأثير في نفس طالب تلك المرحلة، فهو لديه شغفٌ باتخاذ قدوةٍ ومَثَلٍ، سواء في الواقع أم في التصور الذهني، بجانب أن سير السلف هي النموذج العمليّ والتطبيقيّ للدِّين وأحكامه وعباداته ومعاملاته، وهي شاملةٌ كافةَ الجوانبِ الإيمانية والتربوية، وهي بالإضافة لكل ذلك تسدّ لديه رغبةً نفسيةً في التعرف إلى عالم الكِبار، وفهمه بدون شعورٍ منهم، ولا توجيهٍ مباشرٍ، والجانب القصصي في الأخير محببٌ للنفوس، وهو في تلك الحالة نمطٌ واقعيٌّ معاشٌ، وليس تخيليًّا.

وبعد؛ تبقى مرحلة طالب الثانويّ من أهم وأخطر المراحل، وتحتاج إلى مستوىً عالٍ من الفهم لدى المربِّين، بجانب القدرة على التعامل مع تلك المرحلة، وهو أمرٌ ليس باليسير، بل يحتاج إلى دُرْبةٍ ومخالطةٍ للواقع، وقراءةِ موسوعةٍ حول تلك المرحلة الخطرة، التي تحتاج إلى كثيرٍ من الاهتمام، وتسخير الجهود للحصول على ثمرة غراس الإيمان في صورة شبابٍ ينفع نفسَه وأمتَه، في حاضرها ومستقبلها.  

ما الفرق بين خجل الطفل وضعف شخصيته ؟ كيف أوازن بين تربية ولدي على التسامح وعدم تضييع الحق؟! أفكار عملية لمختلف المراحل.. كيف نرسّخ عقيدة أبنائنا حول فلسطين والأقصى؟ انكفاء النُّخب والقيادات الدعوية معرفة أحوال المدعوين.. طريق المربي للدعوة على بصيرة