يحمل مدرس التربية الإسلامية على عاتقه مسؤولية غرس القيم الإسلامية الأصيلة في نفوس الطلاب، وتوجيههم نحو طريق الخير والصلاح، فهو أكثر من مُجرّد مُعلّم لمادّة دراسيّة، بل من أدواره المهمة بناء شخصية متوازنة متكاملة، تجمع بين العلم والإيمان، والأخلاق الفاضلة والسلوك الحسن، وتشكيل الوعي الديني، وتوجيه السلوك نحو الخير، وحل المشكلات وبناء مجتمع صالح يرتكز على القيم الإسلامية والأخلاق الفاضلة.
لذا فمن المضروري أن يتسم هذا المدرس بالعديد من الصفات، أبرزها تسلحه بالعلم الشرعي، وأن يكون قدوة حسنة لطلابه، ويتحلى بالأخلاق الإسلامية الكريمة، والحكمة واللباقة في التعامل مع الطلاب، وأن يكون محبًا لطلابه، ومهتمًّا بشؤونهم، وأن يكون على دراية بالتطورات الحديثة، وأن يستخدم أساليب تدريس مبتكرة وجذابة.
صفات مدرس التربية الإسلامية
وتتلخص صفات مدرس التربية الإسلامية في النقاط التالية:
- رباني الهدف: وذلك في التفكير والسلوك، مستهدفا “من كل أعماله التعليمية ودروسه أن يجعل طلابه أيضًا ربانيين، يرون آثار عظمة الله ويستدلون عليها في كل ما يدرسون، ويخشعون لله ويشعرون بإجلالِه عند كل عبرة من عبر التاريخ أو سنة من سنن الحياة أو سنن الكون أو قانون من قوانين الطبيعة”.
- الإخلاص: ويكون لله تعالى لقبول جميع الأعمال التي يقوم بها، ومهما تابع القائمون على الإدارة المدرسية، والمشرفون الإداريون، فإنهم لا يستطيعون متابعته متابعة تامة للوقوف على ما يقدمه لطلابه من علمٍ نافعٍ وتربيةٍ صادقة.
- الصدق: فالمعلم يكون صادقًا مع ربه- تعالى – أولًا بحسن التوكل عليه، والاستعانة به، ومع نفسه بتطويرها، وتزكيتها، ومطابقة قوله فِعله، ومع طلابه بمراقبة الله تعالى فيهم، وأداء مهامه معهم كما ينبغي، ومع زملائه والعاملين معه بالتعاون معهم، وتقديم النصح لهم بصدق.
- الصبر: والحاجة إلى الصبر عظيمة، لكنها في شأن المعلم أشد وآكد؛ إذ إن رسالة التعليم والتدريس والتعامل مع الطلاب بحاجة إلى حبس النفس على تحمُّل ما يلاقيه المعلم من عدم اهتمام المتعلم، أو عدم احترام وتقدير للمعلم، وما يقدمه من علمٍ نافعٍ.
- الأمانة: لا شك أن الأمانة عظيمة وفي شأن المعلم أعظم؛ لذا هو مؤتمن على تعليمهم وتربيتهم، وعدم غشهم، أو القيام بعمل من شأنه الغش، وعدم المصداقية معهم.
- البَشَاشة: طلاقة الوجه وبشاشته مطلب شرعي للمسلم عامة، وللمعلم خاصة؛ إذ إنه يتعامل مع عدد كبير من الطلاب والمعلمين وغيرهم، مع البشاشة يجذب انتباه الآخرين، ويوجد نوعًا من المودة والمحبة والوئام بين الجميع.
- التواضع: لين الجانب والتواضع من الأهمية بمكان للمعلم بوجه خاص، لِمَ لا وهو القدوة لطلابه يَغْرِسُ فيهم هذا الخلق العظيم بامتثاله وتطبيقه عمليًّا قبل الحديث عنه نظريًّا ليقتدي به طلابه.
- الحِكْمَة: القدرة على اتخاذ القرار، وحضور البديهة، ومهارة حَلِّ المشكلة بصورة صحيحة، كل ذلك من الأهمية بمكان للمعلم؛ لما يُجَابه من تحديات كثيرة في محيط عمله من طلابه والعاملين معه.
- العدل: من الصفات الطيبة التي حَرِي بالمعلم أن يَتَمثَّلها في حياته “العدل”، فيكون عادلًا بين طلابه في الاهتمام بهم، وعدم التفريق بينهم في الثواب والعقاب.
- كظم الغيظ: التحديات التي تواجه المعلم كثيرة من جميع مَن يعمل معهم ويحيطون به؛ مما يتطلب كظم الغيظ لما يحدث له، وما يُجَابه من أحداث؛ حتى ينجح في أداء مهامه.
- الرحمة: وخُلق الرحمة من الأخلاق الإسلامية عظيمة الأثر، تتضح تلك العظمة أكثر مع المعلم من حنوه على طلابه، ورحمته بهم، والتودد إليهم قولًا وفعلًا؛ ما يقوي العلاقة بينه وبين طلابه، ويجعلهم يقتدون به، ويُحبونه، ويُقبلون عليه، ويحرصون على تلقي العلم عنه برغبة مُلحَّة؛ ما يجعله ناجحًا في عمله قائمًا بمهامه على الوجه المطلوب.
- الفِراسة: وهي من الصفات المهمة للمعلم التي يجب أن يتحلى بها؛ وذلك بدراسة نفسية طلابه، والدراية بما يُحبون وما يكرهون، وكيفية التعامل مع حالاتهم النفسية، ورغباتهم وميولهم، ووقت نشاطهم وفُتورهم، وما يُحبون وما يكرهون، والأوقات المناسبة لما يُقدمه لهم.
- الاهتمام بالمادة العلمية: ويُعدُّ اهتمام المعلم بالمادة العلمية ضروريًّا؛ إذ هي الأداة الأولى والمهمة، والركيزة الأساسية لنجاح المعلم في أداء رسالته، ومن لا يملِك هذه المهارة “كالساعي إلى الهيجا بغير سلاح”، وفاقد الشيء لا يعطيه، ومِن ثم مُعلمٌ لا يمتلك ثقافةً غزيرةً لا يحقق الثمرة المرجوة كما ينبغي.
- مهارة التأثير في الآخرين: وتتحقق مهارة التأثير في الآخرين بشد الانتباه، وقوة الجذب، بالإضافة إلى حسن المنطق والأسلوب وطيب المظهر؛ لما في ذلك من قوة التأثير في الآخرين.
- مهارة استراتيجيات التدريس: ويُعدُّ اهتمام المعلم باستراتيجيات التدريس من الأهمية بمكان، بالإضافة إلى الاهتمام بالمادة العلمية، لا نريدُ معلمًا مُلِمًّا بالمادة العلمية، لكنه في انفصام عن اكتساب مهارة استراتيجيات التدريس؛ ما يؤثر سلبًا على أداء مهمته، لكننا نريد معلمًا يمتلك استراتيجيات ووسائل وأساليب حديثة متنوعة في عملية التدريس؛ حتى تتحقق الغاية المنشودة.
- النزاهة: ومن المهم للمعلم أن يُؤدّي عمله بنزاهة، وعزة وكرامة، ولا يحمله أي سبب على قبول إغراءات مهما كانت، فيحمله اهتمامه وحِرصه على قيامه برسالته التربوية، على عدم تحقيق مكاسب مادية غير مشروعة، بعيدًا عن سفاسف الأمور، وعن كل ما يجرح كرامته، أو يقلِّل من قدره، فيعمل على حفظ هَيبته بين الجميع.
- الإبداع والابتكار: ولا يتأتى الإبداع والابتكار إلا بعد الحب العميق للتدريس والاهتمام به، واعتبار ذلك رسالة لا وظيفة، حينئذ يُبدع المعلم في أداء مهامه؛ مما يعود على جودة العمل بإيجابية كبيرة وتقدُّم ملحوظ.
- مهارة الإقناع: ومن المهم للمعلم أن يكون مقنعًا لطلابه بأسلوب مميز يحصل من خلاله على إيصال المعلومة بأيسر الطرق، وشتى الوسائل.
- مهارة التقويم: ومن المهم لمعلم التربية الإسلامية إتقان مهارة التقويم لطلابه بشتى أنواعه، بدءًا بطرح أسئلة صفية متنوعة؛ من حيث مستوى العمق المعرفي، وانتهاءً بإعداد اختبارات دقيقة فنيًّا ولغويًّا وتربويًّا، مع الإلمام التام بالتقويم بالتواصل، التقويم بالملاحظة، التقويم بالورقة والقلم… إلخ.
مقومات مدرس التربية الإسلامية
ويحتاج مدرس التربية الإسلامية إلى توافر عدد من المقومات الضرورية، أبرزها ما يلي:
- التربية الروحية والخلقية: وهي الحلقة الأساسية في سلسلة التربية الإسلامية التي تبدأ بمعرفة الله- عز وجل- وصولا إلى طاعته وتقواه، وهي تعني “زيادة الإيمان بالله- سبحانه وتعالى- والتقرب إليه ومحبته وخشيته والتعرف إليه بآلائه وفضله، والطمع في رحمته والخوف من عقابه والإيمان بكتبه ورسله وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره”.
- الإعداد الثقافي والأكاديمي والتربوي: وبعد إعداد المعلم روحيا وخلقيا يوجه الاهتمام إلى إعداده ثقافيًّا وأكاديميًّا وتربويًّا، ويتضمن الإعداد الثقافي تزويد المعلم بمعرفة شاملة وعامة في الجوانب الأساسية للنشاطات البشرية وبالمَعلومات الضرورية التي يحتاج إليها في ميادين المعرفة المختلفة، وتسهم الثقافة العريضة للمعلم في فهم جوانب التقدم الإنساني المختلفة ومعرفة العلاقة بين مادة تخصه والمواد الأخرى، فضلا عن الإسهام في تكوين علائق اجتماعية طيبة بين المثقفين والمهنيين.
- كفايات: وهي تتعلق الجوانب النفسية والمعرفية، والتخطيط للدروس وإعدادها، و١والقدرة على تدريب الطلاب على الالتزام بآداب التلاوة، وتطبيق أحكام التجويد وأحكام التلاوة عند قراءته الآيات القرآنية، وإتقان شرح ومناقشة معاني الآيات المتعلقة بموضوع الدرس، وتدريب الطلاب على استنتاج الأحكام الشرعية والآداب والقيم والمبادئ الإسلامية من الآيات القرآنية ومناقشتها، وأن يكون قادرا على توجيه الطلاب إلى تأمل وتدبر الآيات الكونية ومظاهر الخلق المختلفة التي تدل على قدرة الله- عز وجل- كالملاحظة والمشاهدة والتفكير.
- مهارات: القراءة الصحيحة للقرآن والأحاديث، وإخراج الحروف من مخارجها الأصلية، والفهم الكامل للمَعنى الإجمالي للآيات القرآنية والأحاديث النبوية، وبيان علاقة المفردات، الجمل بعضها البعض، وربط الآية بسبب نزولها، والقدرة على توجيه الأحكام في الآيات، وبيان سر المفردات، والجمل ومعانيها، والقدرة على التوفيق بين الآيات التي يتوهم أن بينها تعارضا، والتوفيق بين الأحاديث التي يتوهم أن بينها تعارضا، والتمييز بين الأحكام الشرعية، والمعايير الخلقية وغيرها، وربط العقيدة بالآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، وربط العبادات والمعاملات بالناحية العملية.
لا يقتصر دور مدرس التربية الإسلامية على نقل المعرفة الدينية، بل يتعداه إلى بناء الشخصية وتشكيل الوعي وتوجيه السلوك، لذلك، يجب علينا جميعًا أن نُقدّر هذا الدور الحيوي، وأن نسعى إلى دعمه وتوفير كل ما يحتاجه لأداء رسالته على أكمل وجه.
مصادر ومراجع:
- عبد الرحمن النحلاوي: أصول التربية الإسلامية وأساليبها في البيت والمدرسة والمجتمع، ص 155.
- محمد جميل بن علي خياط: الإعداد الروحي والخلقي للمعلم، ص 60.
- إبراهيم محمد عطا: طرق تدريس التربية الإسلامية، ص 31-33.
- علي بن عبدالعزيز الراجحي: دور معلم التربية الإسلامية في تربية الطلاب.
- محمد قطب: منهج التربية الإسلامية، ص 47.
إضافة تعليق