من المهم حين نقوم بتوظيف القصص القرآني في التربية أن ندرك ما الزاوية المناسبة لترك أكبر أثر ممكن في نفس الطفل أو المراهق الذي نخاطبه؛ فلكل مرحلة عمرية مدخل مختلف وسمات محددة.
مما
لا شك فيه أن للقصص أكبر الأثر في نفوس البشر على اختلاف أعمارهم، ولهذا كان القصص
القرآني مصدرًا مستمرًا للإلهام لكل المسلمين في كل مرحلة من حياتهم؛ حيث يجد
الشخص في الأحداث نفسها زوايا وفوائد لم تخطر بباله من قبل، ولكن مع تغير حاله
وإدراكه يصير بإمكانه الاستفادة من القصص بشكل أكثر تطورًا وأكثر تواؤمًا مع
التحديات التي يمر بها.
ولهذا
كان من المهم حين نقوم بتوظيف القصص القرآني في التربية أن ندرك ما الزاوية
المناسبة لترك أكبر أثر ممكن في نفس الطفل أو المراهق الذي نخاطبه؛ فلكل مرحلة
عمرية مدخل مختلف وسمات محددة لو وُظِّفت جيدًا فستجعلهم أكثر تأثرًا بما يلقى
إليهم من كلمات ونصائح.
ويمتاز
القصص القرآني عن غيره بثرائه الشديد في طرح الأحداث والمشاعر والحوار بين الأشخاص
دون إملال أو إطالة تزيد عن قدرة المتلقي. وفي هذا المقال نلقي الضوء على كيفية
إيراد هذه القصص للأطفال في سن المرحلة الابتدائية بما يناسب قدرتهم على الاستيعاب،
وبما يشجع تفاعلهم مع القصص وارتباطهم به وجدانيًا.
خصائص
أطفال المرحلة الابتدائية:
ولنبدأ
باستعراض سريع لسمات الطفل في هذه المرحلة:
-
يميل طفل المرحلة الابتدائية للخيال والإثارة، ويحب المواقف الدرامية المشحونة
بالعاطفة والترقب، كما أنه يحب الحركة والتنقل المستمر ويصعب عليه أن يستقر كثيرًا
في مكانه، وهو ما يجب أن يراعيه المربي خلال إدارة حلقته أو جلسته معهم، تجنبًا
لتعويق الجلسة بالمشاكل التي تنشأ من تنفيس الأطفال عن كبتهم الحركي.
-
كذلك يميل الطفل في هذه المرحلة إلى تقسيم الأمور بشكل مجرد وواضح، فهو لا يحب
المناطق الرمادية. إنه يريد مفاهيم واضحة للخير والشر والصواب والخطأ.
-
ويحب الطفل في تلك المرحلة الفضول والاستطلاع والتفكير النقدي، ويميل لطرح الأسئلة
الكثيرة والحلول المختلفة للمشكلات، وهو ما يجب أن يستثمره المربي ويأخذ هذه
الحلول والأسئلة مأخذ الجد ومناقشة الطفل فيما طرحه دون تسفيه أو تقليل منه، (حتى
ولو كانت حلولاً طفولية).
-
ومن الملاحظ في تلك الفترة أن الطفل يكون أكثر تركيزًا وتذكرًا للمحسوسات
والمجسمات، فما يمر به من خبرات حسية يبقى معه فترة طويلة جدًا.
-
والطفل في تلك المرحلة يميل للأمور المباشرة والأهداف الواضحة، كما أنه يحتاج
لتوصيف المشكلة بشكل واضح ومحدد قبل طرح حلها، ومع تطور قدرته التعبيرية، فالطفل
يحب أن يعبر عن مشاعره ويناقشها ويقوم بتوصيفها بمساعدة المربي.
كيف
نحكي قصص القرآن؟!
والآن
بعد هذا الاستعراض السريع لسمات وخصائص الطفل في تلك المرحلة، فإننا ننتقل الآن
إلى مناقشة السؤال المهم: كيف أقدم القصص القرآني للطفل في هذه المرحلة؟! كيف أجعل
من القصص القرآني رفيقًا للطفل يتأثر به ويرجع له وينمو معه؟!
بداية
ينبغي على المربي أن يرسم صورة واضحة لخلفية الأحداث، فيمعن في وصف شرور المجتمع
الغارق في ظلام الكفر أو المعصية، وكيف أنهم لا يعبدون الله ويعصونه، وأن الله
غاضب عليهم. خلال هذا العرض يجب على المربي أن يركز على أفكار أساسية بشكل واضح:
1-
الله مطلع عليم، وهو قادر على إهلاك القوم، ولكنه رحمة بهم ولكي يعطيهم الفرصة
يرسل لهم نذيرًا ويقيم عليهم الحجة. يجب على المدرس أن يتقبل بصدر رحب أسئلة
الأطفال مثل: "ولماذا لم يقتلهم الله مباشرة؟"، أو "لماذا لم يرسل
لهم رجلاً قويًا خارقًا يضربهم حين يعترضون؟". فالطفل مقتنع أن الله قادر على
كل شيء، ولكنه يحب الحلول المباشرة، ولا يدرك أن هناك حكمًا أخرى من وراء اختبار
الحياة الدنيا.
2-
الكفر والمعصية أسباب كل شر، والمجتمع الذي يظهر فيه ذلك يصير مجتمعًا مظلمًا مليئًا
بالمشكلات. يجب على المربي أن يبين هذه المعاني بأمثلة عملية مثل: الظلم في البيع
والشراء والقضاء، أو غيرها من أشكال الظلم الواضحة المحددة، ويربط سببها بالبعد عن
طاعة الله ودينه، فالطفل يدرك هذه الأمثلة بينما لا يمكنه أن يفكر في أنها عاقبة
الكفر أو عاقبة السماح بتحكيم الهوى والظلم.
3-
يمر الرسل بأزمات ومحن يكون هدفها اختبار المؤمنين بهم وإقامة الحجة على الكفار
بتبيين قبائح أفعالهم وأفكارهم. يصعب على الطفل أن يدرك هذه الحكمة، ولهذا تجده قد
يبدي الاعتراض على هذه الصعوبات ويتساءل: لماذا ترك الله هذا يحدث للرسل؟! وينبغي
هنا على المربي ألا يبارد بقمع الطفل أو بوأد هذه الاسئلة، بل يستغل الفرصة
ليناقشه ويغرس هذه المفاهيم والفوائد في وجدان الطفل؛ بحيث تصير جزءًا من بنائه
العقدي.
كما
ينبغي على المربي عند طرح هذه الصعاب والأزمات أن يبرز الوقع العاطفي وما يمر به
المؤمنون من أزمات شعورية، فهذه تجعل الطفل يتعاطف ويندمج مع الأحداث ويتواءم نفسيًا
مع فريق المؤمنين؛ ما يزيد من تعلقه بالقصة ومعانيها.
4-
عند طرح لحظات الانتصار للرسل وإرسال العقوبة على الكفار يجب على المربي أن يبالغ
في وصف شعور المؤمنين بالرضا والسعادة والحمد لله، وأن يجعل منها لحظة تفرغ عن
الطفل كل ما انحبس في نفسه من خوف وحزن على فترة الأزمات في القصة، فالطفل في تلك
المرحلة العمرية يفرح بالانتصار ويسعى له، ويحب أن تكون لـ"فريقه"
الكلمة الأخيرة والنصر. فلكي يشعر بالفرح والفخر لانتمائه لحزب المؤمنين، يجب على
المربي أن يوظف لحظات التمكين والنصر كوسيلة لبث هذا الشعور في نفس الطفل؛ ما يجعل
انتماءه قويًا وثقته أكبر بعقيدته.
5-
عند طرح الحوار بين جانب المؤمنين والكفار، ينبغي ألا يغفل المربي التركيز على
المشاعر التي تحرك المتكلم من الجانبين، فمشاعر المكابرة والجدال والعناد في جانب
تقابلها مشاعر اليقين والاعتماد على الحق والإخلاص في النصيحة من الجانب الآخر.
يجب تبيين تلك المشاعر وكيف أنها تحرك ما يطرحه المتكلم من حجج أو ردود، فكما قلنا
يميل الطفل في تلك المرحلة أكثر إلى المشاعر الواضحة القوية والجوانب المميزة
(أبيض/أسود)، ولا يدرك كثيرًا المعاني المجردة أو الفلسفية في النقاش، ولا يهتم
بالإطناب والوصف الطويل بقدر اهتمامه بأفكار واضحة يمكنه التمسك بها عقليًا.
6-
إذا أمكن للمربي أن يقوم بتطوير أدائه ليتضمن التعامل بالمجسمات أو الأشكال
التوضيحية أو الخرائط أو غيرها من الأساليب فهو بذلك ييسر كثيرًا على نفسه وعلى
الأطفال في التذكر والاستفادة، فمثلاً يمكنه في شرح قصة سيدنا يوسف -عليه السلام-
أن يستعرض على الخريطة مكان معيشة أسرة يعقوب -عليه السلام-، ثم طريق الانتقال
لمصر، كما يمكنه أن يعرض لهم مجسمًا مقترحًا للجب الذي ألقوه فيه، أو يقوم بتنفيذه
معهم بالصلصال مثلاً، وهكذا يستغل ما أمكنه من وسائل تعليمية في تجسيم معاني القصة
لييسر على الطفل استيعابها والتفاعل معها وتذكرها لفترة طويلة.
وفي
الختام نذكركم أن المفتاح الأهم إلى الطفل هو العلاقة المتبادلة والقائمة على
المحبة والاحترام والثقة بينه وبين المربي، وأن الطفل يريد من يستمع له ويتقبل
كلامه ويناقشه ليصل معه للصواب خطوة بخطوة، دون تعنيف أو تقليل من رأيه، فقلب
الطفل هو أقصر وأيسر السبل للتربية القويمة، وقصص القرآن هو أحسن القصص الذي ينتفع
به كل إنسان في كل الأعمار، فلا يجب أبدًا أن نضيع هذا المصدر الثمين بسوء
الاستخدام أو العرض له.
إضافة تعليق