في عالم السوشيال ميديا لا يمكن إبقاء الأولاد بمعزل عن أي فكرة أو تساؤل.. خاصة عن الكون والحياة.. فحتى إذا منعناهم عن الأجهزة الزكية لسن 13 عاما وهذا ما لم أقابل من أفلح فيه تماما بعد

في عالم السوشيال ميديا لا يمكن إبقاء الأولاد بمعزل عن أي فكرة أو تساؤل.. خاصة عن الكون والحياة.. فحتى إذا منعناهم عن الأجهزة الزكية لسن 13 عاما وهذا ما لم أقابل من أفلح فيه تماما بعد.. فيبقى تأثير البيئة وتبقى أجهزتنا الذكية وأجهزة من حولهم تبث أفكارا ومعتقدات.. جنبا إلى جنب مع أقل مقطع أنيميشن أو كرتون كما كنا نسميها صغارا..

وبالأساس فالله تعالى كلّف الوالدين بتعليم أبنائهم ما ينفعهم من أمر الدين والدنيا وهذا من أوجب واجبات البر بالأبناء.. ومن أراد بر أبنائه له كبيرا فليبرهم صغيرا.. سواء بسواء..

يكون الأب مشغولا بتفكير في أعماله التجارية أو وظيفته أو مشكلات عائلية.. وتكون الأم مشغولة بمجريات مشروعها الصغير أو بصناعة الطعام لأسرتها أو بترتيب البيت ثم يفاجئه أو يفاجئها سؤال حائر حاد ملح من أحد الصغار: هل هناك كائنات فضائية؟

ويبقى السؤال حائرا لأننا تعودنا إجابات قصيرة من نوعية: (نعم) و(لا) لكن الأطفال لا يكفون عن سيل هادر من مزيد الأسئلة حول الموضوع.. فنجد أنفسنا نهرب بالإسكات والنهي عن السؤال أو بإجابات خاطئة تماما لأننا لم نبنها على علم حقيقي تعلمناه حتى لو كانت إجابات حقيقية.. فكل ما نقوله وليد اللحظة وبغير دليل هو خاطئ لأننا انتحلناه فجأة دون تثبت حتى لو أصبنا به الحقيقة.. بينما كل كلمة نصبها في آذان أولادنا ستشكل وعيا ومنهجا يعيشون به وعليه ومن أجله..

فتعالوا نجيب في هدوء وثبات عن سؤال من هذه الأسئلة..

ما هو الكون؟ ما هو الفضاء؟

ثم بعد أن تستقر الإجابة في نفسك سأخبرك لاحقا عن الكائنات الفضائية..

الكون أوسع مما تراه!

بداية يا ولدي كل ما تراه في السماء بعينك أو يراه البشر خارج الأرض بالتليسكوبات الثابتة والسيّارة وبالمناظير فهو ليس الكون الكامل الذي نؤمن به! بل هو جزء منه.. هو الطبقة الأولى من الكون الحقيقي والتي جعلها الله منظورة لنا.. قال تعالى (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ) وقال تعالى (إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ) وفي الآيتين أن كل المصابيح: وهي النجوم، وكل الكواكب: وهي الأجسام المعتمة التي تدور حول النجوم.. كلها حصريا في السماء الدنيا فقط أي في السماء الأولى..وقد أخبرنا الله تعالى  أنه خلق سبع سماوات بعضها فوق بعض حين قال (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا) فنحن نرى بأعيننا وكل أجهزة الرؤية البصرية والأليكترونية.. نرى السماء الأولى فقط.. لكن البشر يطلقون عليها (الكون Universe) أو (الفضاء الكوني) أو (الفضاء الخارجي Outer Space) أو (الفضاء) بينما الكون أوسع من ذلك..

ولم يتركنا الله للناس يصفون لنا الخلق والكون بل أخبرنا هو سبحانه بما ينفعنا (مَّا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا) فتعال يا ولدي ننظر في كتاب الله وسنة رسوله لنعلم ونفهم (وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ)..

فما هو الكون يا أبي؟

الكون يا ولدي سبع سماوات وسبع أرضين وكرسيّ وعرش وجنة ونار.. وفوق كل ذلك الكون: ربُّنا سبحانه وتعالى هو الأكبر الأعلى..

الأرضين السبع..

الأرضين السبع طبقات بعضها فوق بعض في كوكب واحد.. وفي كل موضع في القرآن يقول تعالى (السماوات والأرض) فالسماوات جمع لأنها منفصلة عن بعضها متباينه بينما الأ{رض مفرد لأن طبقاتها داخلها مندمجة..

وهي أرض واحدة صالحة للحياة يا ولدي.. لا أرض سواها حيث عرفها الملائكة معرفة واضحة من بين كواكب السماء ومواضع الكون حين أخبرهم الله تعالى أنه يجعل فيها خليفة: (إني جاعل في الأرض خليفة) فمن قبل خلق الإنسان هي كوكب واحد معروف علم مشهور صالح للحياة.. عرّفها الله لهم بـ(ال) ولم يقل تعالى إني جاعل في أ{رض من الأراضي خليفة!

الأرض بيضة!

والأرض يا ولدي تشبه شكل البيضة (والأرض بعد ذلك دحاها) جعلها في شكل الدحية وهي البيضة ليست مسطحة قطعا قولا واحدا يشهد به كل مسلم لا يحتاج لذلك تأويلا ولا تفكيرا ولا شيئا وأي قول غير ذلك هو تلبيس إبليس.. وذلك من قبل (عصر الفضاء) وإمكانية رؤية الأرض من خارجها..

أين الأرض؟

وعلى ذلك فالأرض (تسبح في السماء الدنيا) وهذا تعديل لقول من يرون السماء المنظورة هي الكون فيقولون أن الأرض تسبح في الفضاء.. اللفظ الذي ينبغي لنا قوله يا ولدي وفق إيماننا هو أن الأرض تسبح في السماء الدنيا..

صلاحية الأرض للحياة..

والأرض يلتصق بها غلافُها الذي عبر الله عنه بقوله (ألم يروا إلى الطير مسخرات في جو السماء ما يمسكهن إلا الله إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون).. فالغلاف الجوي للأرض سماه الله (جو السماء) قبل 14 قرنا وشهد لنا أنه فيه الهواء لذلك يمكن للطيور أن تطير فيه ونحن الآن نطير فيه مثل الطيور.. لم نكن يا ولدي في حاجة لبشر يخبرنا أن الغلاف الجوي به هواء وقد أخبرنا بذلك الله قبل ذلك.. وهذا (الجو) هو ما يجعل الأرض صالحة لحياة كل ما يتنفس الهواء على سطحها وفوق سطحها حتى نهاية هذا الجو المحيط بها.

حجم السماوات السبع..

لم تصح أحاديث في تحديد حجم السماوات بدقة.. وليس القرآن كتاب فيزياء لكنه يعلمنا مفاهيم الأشياء ومعانيها وما ينفعنا منها.. وفي الأثر أن حجم كل سماء مقارنة بالتي تليها كحجم حلقة من حديد مقارنة بحجم صحراء شاسعة! فنسب الأحجام في الكون المنظور وغير المنظور هائلة مذهلة..لكن على كل حال فرسول الله صلى الله عليه وسلم قد قطع كل هذه المسافات ذهابا وإيابا في ليلة واحدة أثناء المعراج.. لأنه كان في صحبة جبريل عليه السلام وجبريل مخلوق من (نور) أي من طاقة صافية بلا مادة وفق مفاهيم عصرنا.. وعليه فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد انتقل في صحبة جبريل عليهما السلام  بسرعة أعلى من سرعة الضوء التي تبلغ 300000 كيلومتر في الثانية.

ترتيب السماوات السبع..

السماوات يا ولدي بعضها فوق بعض واستخدام القرآن كلمة (عَرْض السماوات والأرض) دائما بدلا من كلمات أخرى يدل على (القُطر) مما يعني أن السماوات تحيط بعضها بعضا.. كما أن طبقات الأرض تحيط بعضها بعضا لكنها أيضا فوق بعض.. والفرق أن طبقات السماء متفرقة وبينها مسافات واتساع بينما طبقات الأرض مندمجة ملتصقة.. وهذه الطبقات هي فوق بعضها البعض لمن يخترقها لأعلى باتجاه كرسي الله وعرشه تبارك وتعالى كما حدث في المعراج..

الكرسيّ..

وفوق كل ذلك (الكرسيّ) وهو أكبر من السماوات والأرض مجتمعه، والكرسيّ يحيط بالسماوات والأرض مجتمعة.. قال تعالى (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ) ولجلال الكرسي وعظمة مكانه من الله تعالى فإن الآية التي ذكر فيها الكرسي هي من أعظم آيات القرآن وأقواها أثرا في مقاومة شرور الدنيا ودفع عذابات الآخرة..

ومفهوم الإحاطة هنا والعلو يا ولدي واحد.. فطبقات الأرض تحيط بعضها ببعض لكن كل واحدة تعلو التي قبلها.. وطبقات السماوات يحيط بعضها ببعض لكن كل واحدة منها تعلو التي قبلها.. وكذلك الكرسيّ يحيط بالسماوات والأرض ويعلو عليها جميعا..

قال ابن القيم رحمه الله :

(ولهذا لما كانت السماء محيطة بالأرض كانت عالية عليها ، ولما كان الكرسي محيطاً بالسماوات كان عالياً عليها ، ولما كان العرش محيطاً بالكرسي كان عاليًا) [الصواعق المرسلة: ( 4 / 1308 )] .

أين الله؟

فوق الكرسيّ يا ولدي.. هناك ماءٌ منذ القديم قبل أن يخلق الله تبارك وتعالى السماوات والأرض (وَهُوَ اٱلَّذِى خَلَقَ اٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱالْأَرْضَ فِى سِتَّةِ أَيَّامٍۢ وَكَانَ عَرْشُهُۥ عَلَى اٱلْمَآءِ) سبحانه وبحمده.. والعرش فوق الماء تحمله ملائكة مخصوصة بحمل العرش.. والله تعالى فوق العرش (الرَّحْمَٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ).

وهناك سدرة المنتهى حيث لا مخلوق تجاوزها إلا رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج حينها تأخر جبريل وقدّم الله محمدا دليلا على أن البشر الصالح أفضل من الملائكة.. لأن البشر الصالح يجاهد نفسه بينما الملائكة يطيعون الله ولا يجاهدون أنفسهم (لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون)!

بين الجنة والنار!

وعند سدرة المنتهى نجد الجنة (عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى) .. الوطن المفقود الذي نزلنا منه ونحن كل يوم يا ولدي نسعى حثيثا لنعود إليه مكرمين! لنكون جوار الله هناك فالعرش هو سقف الجنة.. وللعرش قناديل معلقة به في سقف الجنة هي بيوت الشهداء حتى تقوم الساعة ففي الحديث الصحيح أنهم (أرواحهم في جوف طير خضر، لها قناديل معلقة بالعرش، تسرح من الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى تلك القناديل)..

والجنة عظيمة واسعة.. عرضها (قطرها)  كعرض السماوات والأرض مجتمعين (وَسَارِعُوٓاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍۢ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا اٱلسَّمَٰوَٰتُ وَاٱلْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ).. فالجنة فوق السماء السابعة العليا (إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ)..

أما النار فهي في الأرض السابعة السفلى (إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ) حيث الأرواح المحبوسة في أسفل السافلين لا تصعد إلى ربها..

هل سنرى الله؟

وفي الجنة يرى المؤمنون ربهم يا ولدي.. ختام رحلتنا الطويلة عبر الكون من الأرض إلى أعتاب العرش جعلنا الله من أهل الجنة.. آمين..

جعلنا الله من أهل الحسنى وزيادة يا ولدي..فقد قال صلى الله عليه وسلم:

(إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول الله تبارك وتعالى: تريدون شيئاً أزيدكم ؟

فيقولون: ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة؟ وتنجنا من النار؟

قال: فيكشف الحجاب،

فما أعطوا شيئاً أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل)

ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: (لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ)..

وختاما..

اعلم يا ولدي أن الله سبحانه وتعالى فوق الكون كله.. فوق الأراضين والسماوات والكرسي والجنة والعرش! الله فوق كل ذلك وأعلى من كل ذلك ومطلع وشاهد على كل ذلك ويخضع لملكه وقهره كل ذلك قال تعالى (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) فهو سبحانه فوق عرشه ولا تخفى عليه خافية..

وقد علمنا الله عن الكون في مواضع كثيرة من كتابه وسنة نبيه خاصة الإسراء والمعراج.. فالزم يا ولدي ما أخبرنا الله عن نفسه وما أخبرنا عنه رسوله ودعك من ضلالات المضلّين..

وإلى لقاء مع أسئلة جديدة بإذن الله.. 

ما الفرق بين خجل الطفل وضعف شخصيته ؟ كيف أوازن بين تربية ولدي على التسامح وعدم تضييع الحق؟! أفكار عملية لمختلف المراحل.. كيف نرسّخ عقيدة أبنائنا حول فلسطين والأقصى؟ انكفاء النُّخب والقيادات الدعوية معرفة أحوال المدعوين.. طريق المربي للدعوة على بصيرة