هذه هي خلاصة تجربة الإمام المجاهد والداعية العالم الشيخ "عبد الحميد بن باديس" -رحمه الله-، وأهم معالم ومنارات مشروعه الدعوي والتربوي الكبير الذي أحيا الله تعالى به الشعب الجزائري المسلم، واستنقذه من أسر أبشع مخططات التغريب والاحتلال الصليبي

إذا لم يتعرف الإنسان على حقيقة دائه، فحتمًا سيموت بالدواء الخطأ!!

وإذا لم يبصر الإنسان سبيل أعدائه، فسيظل طيلة عمره أسير أوهامه.

لا يجب الانشغال بالصراع على الجزئيات في زمان الصراع فيه على الأصول والكليات.

الأهداف الكبيرة تحتاج للكثير من الدراسة وعشرات الخطوات الصغيرة.

العدو الداخلي دائمًا أخطر وأصعب في المواجهة من العدو الخارجي.

تنقية العقيدة هي أولى محطات الإصلاح.

استعادة الهوية هي بداية طريق الحرية.

هذه هي خلاصة تجربة الإمام المجاهد والداعية العالم الشيخ "عبد الحميد بن باديس" -رحمه الله-، وأهم معالم ومنارات مشروعه الدعوي والتربوي الكبير الذي أحيا الله تعالى به الشعب الجزائري المسلم، واستنقذه من أسر أبشع مخططات التغريب والاحتلال الصليبي، بعد أن كان على شفا حفرة الهاوية والضياع، ويكفي أن تعرف أن آثار هذا الأسر والمخطط الصليبي مازالت باقية حتى كتابة هذه السطور، ممثلة في جماعات وكيانات ومنابر ثقافية مازالت تحنّ لأيام المحتل الفرنسي وتتحسر على خروجه من الجزائر، وشوارع وميادين وقرى مازالت بأسماء الجلادين والجزارين الفرنسيين، لتتأكد من عظم وقيمة مشروع الشيخ "عبد الحميد بن باديس" التربوي والدعوي؛ إذ كان مخطط العدو الفرنسي ضخمًا وبشعًا ومؤثرًا.

الجزائر تحت الاحتلال الفرنسي:

لا يُعرف على مستوى التاريخ المعاصر والحديث محتل جمع بين الاستعلاء العنصري والتعصب الديني والقسوة الوحشية والشره الكبير لثروات البلاد المحتلة؛ مثلما عرف عن المحتل الفرنسي!!

فالفرنسيون كانوا مزيجًا غريبًا من كل النقائص البشرية والجرائم الأخلاقية، مع قشرة سميكة من التعصب الديني والرغبة العارمة لطمس وتذويب الهوية والمجتمعات الإسلامية، ما أن يحطوا رحالهم المخيفة ويطؤون بأقدامهم الثقيلة بلدًا حتى تبدأ سلاسل المجازر الوحشية والإبادة الجماعية والتدمير الشامل، فهم تاريخيًا أقرب الأوروبيين شبهًا بالتتار في أسلوب الحركة والهجوم على الآخرين.

فرنسا احتلت الجزائر سنة 1830م لأسباب اقتصادية مغلفة ببواعث دينية؛ لتضمن سكوت باقي المنافسين خاصة إنجلترا وإسبانيا، وذلك بعد حصار بحري استمر ثلاث سنوات، ومما ساعد على فرض الحصار والاحتلال في النهاية أن الأسطول الجزائري كان قد تحطم في معركة نافارين في شبه جزيرة المورة باليونان عام 1827م. وما أن نزل الفرنسيون بالسواحل الجزائرية حتى أظهروا الوجه القبيح وبدأت المجازر الوحشية وحروب الإبادة التي لم يُعلم لها نظير في التاريخ المعاصر؛ إذ راح ضحية هذه المجازر الوحشية قرابة المليونين من مسلمي الجزائر.

لم يقف الجزائريون مكتوفي الأيدي أمام الاحتلال الفرنسي، بل قاوموه وتصدوا له في عدة محاولات كان أبرزها وأشهرها ثورة الأمير "عبد القادر الجزائري" التي استمرت 15 عامًا (1832م – 1847م)، ورافقها وتبعها عدد من المحاولات الجهادية لكنها لم تنجح في دحر الفرنسيين، وإنما إيقاع خسائر جسيمة بها. واستمر العمل الجهادي الصريح ضد الاحتلال الفرنسي أكثر من خمسين سنة، ولكن بسبب موالاة الطرق الصوفية للمحتل الفرنسي -وكان لها سطوة وحضور كبير بالجزائر-، وأيضًا بسبب الصراعات القبلية المذمومة بين قبائل الشرق والغرب، وأيضًا بسبب اللعب على وتر العرب والأمازيغ؛ بسبب كل هذا الافتراق والاختلاف المذموم لم تستطع الحركات الجهادية -رغم قوتها وانتشارها واستمرارها- تحقيق الانتصار الحاسم على المحتل الفرنسي، ومن ثم بدأت حركات أخرى في الظهور، بعضها سياسي وبعضها تربوي وتعليمي، والأخيرة هي التي وضع لبناتها وأسسها الشيخ "عبد الحميد بن باديس" -رحمه الله-.

التعريف والنشأة:

هو الإمام المصلح المجدِّد الشيخ "عبد الحميد بن محمَّد بن المصطفى بن المكِّي ابن باديس" القسنطيني الجزائري، رئيس جمعية العلماء المسلمين بالجزائر، ورائد النهضة الفكرية والإصلاحية، والقدوة والملهم لحرب التحرير الجزائرية.

وُلد بقسنطينة سنة 1889 ميلادية/ 1307 هجرية، وسط أسرة من أكبر الأسر الجزائرية، المشهورة بالعلم والفضل والثراء والجاه، والإمارة والولاية، عريقة في التاريخ، يمتدُّ نسبُها إلى "المعزِّ بن باديس الصنهاجي"، فهو في مقابل اعتزازه بالعروبة والإسلام لم يُخْفِ أصله الأمازيغي، بل كان يُبديه ويُعلنه؛ لما لجده من منقبة عظيمة وقدم صالح في الدفاع عن الدين بالشمال الإفريقي كله، وليس الجزائر فحسب أو المغرب الأوسط كما كان يُطلق عليها قديمًا، فقد كان جدُّه الأوَّل يناضل الإسماعيلية الباطنية، وبدع الشيعة في إفريقية، فصار خلفًا له في مقاومة التقليد والبدع والحوادث، ومحاربة الضلال والشركيَّات.

وكانت أسرة الشيخ معروفة بعملها في السياسة والولاية والقضاء؛ ما جعلها على اتصال بالمحتل الفرنسي وعلاقات اقتضتها حاجة تسيير الأمور وتحصيل حاجات الجزائريين الذين أنهكهم الاحتلال الفرنسي بصنوف كثيرة من الظلم والقهر والإفقار والتجهيل، ولكن لم يمنع ذلك الكثير من أبنائها من الانضمام للحركات الجهادية ضد الاحتلال، وهناك قسم من عائلة "ابن باديس" كانوا قادة كبار مع الأمير "عبد القادر الجزائري" وأسَرَهم المحتلون سنة 1263/ 1847 وأرسلوهم إلى فرنسا، وأودعوهم بالسجن في باريس، وقد تم الإفراج عنهم مع الأمير عبد القادر الجزائري في العام 1852م، وتم نفيهم إلى بلاد الشام تحت رعاية الأمير "عبد القادر الجزائري" في عدة مناطق في لبنان وفلسطين وسوريا، والغالبية العظمى موجودة في الأردن بمنطقة أربد بالأغوار الشمالية.

بدأ حياة التعلم في الكُتّاب القرآني على الشيخ "محمد المداسي" حتى حفظ القرآن عليه. ختم "عبد الحميد بن باديس" حفظ القرآن وهو ابن ثلاث عشرة عامًا على يد الشيخ "محمد المداسي"، ومن شدة إعجاب الشيخ بجودة حفظه، وحسن سلوكه، قدّمه ليصلي بالناس التراويح في رمضان بالجامع الكبير سنتين أو ثلاثًا، وتلقى مبادئ العلوم العربية والإسلامية بجامع سيدي "عبد المؤمن" على مشايخ أجلاء من أشهرهم العالم الجليل الشيخ "حمدان الونيسي القسنطيني" ابتداءً من العام 1903م، وهو من أوائل الشيوخ الذين كان لهم أثر طيب في اتجاهه الديني، ولا ينسى ابن باديس أبدًا وصية هذا الشيخ له: "ادرس العلم للعلم لا للوظيفة"، بل أخذ عليه عهدًا ألا يقرب الوظائف الحكومية الفرنسية.

وفي سنة (1327هـ - 1908م) التحق الشيخ عبد الحميد بجامع الزيتونة، فأخذ عن جماعة من كبار علمائها الأجلاّء، وكان الجامع زاخرًا بالعلماء، ويموج بحركة إصلاح فكرية قوية متأثرة بمدرسة الشيخ "محمد عبده" وتلميذه "رشيد رضا" وفكر "شكيب أرسلان" و"الكواكبي" وغيرهم من المهتمين بأحوال العالم الإسلامي ودراسة أسباب تخلفه. وقد سمحت له هذه الفترة بالاطلاع على العلوم الحديثة وعلى ما يجري في البلدان العربية والإسلامية من إصلاحات دينية وسياسية، في مصر وفي الشام وغيرهم؛ ما كان لهذا المحيط العلمي والبيئة الاجتماعية الأثر البالغ في تكوين شخصيته ومنهاجه في الحياة.

مكث الشيخ "عبد الحميد بن باديس" في القيروان خمس سنوات، ثم عاد للجزائر بقلب مفعم بالحماس والرغبة في نشر العلم، ولكنه واجه صعوبات بسبب توجس أرباب الطرق الصوفية من أفكاره ونشاطاته، فضيقوا على دروسه، فقرر السفر إلى بلاد الحجاز لأداء فريضة الحج وطلب العلم على يد مشايخ الحرمين، والسياحة في الأرض للتعرف عن قرب على أحوال العالم الإسلامي وحواضر الإسلام الكبرى في مصر والشام، لمزيد من تشكيل الوعي وتمحيص الأفكار وإنضاج الرؤى.

في رحلته التقى بالكثير من العلماء وأخذ عنهم العلم، وأعجبوا به لذكائه وغيرته على الإسلام والمسلمين، وقد مالت نفسه في هذه الفترة لمجاورة الحرم النبوي والاشتغال بالعلم والتعبد، ولكن نصحه بعض العلماء بأن يعود إلى الجزائر ويؤسس حركة وطنية إسلامية لتحرير الجزائر من الاحتلال الفرنسي الخبيث، فآثر الشيخ المنفعة العامة وقضايا أمته الكبرى على منفعته الخاصة وحظوظ نفسه، حتى لو كان هذا الحظ هو التعبد والتعلم ومجاورة الحرمين.

خلال تلك الفترة تقابل الشيخ "عبد الحميد بن باديس" مع رفيق دربه وشريك كفاحه وصنوه في جهاد الدعوة؛ الشيخ "البشير الإبراهيمي"، وكان قد سبقه في طلب العلم بالحجاز، فتلاقت أفكار الرجلين، ومكثا معًا الليالي الطويلة يخططان لحركة النهضة والدعوة لتحرير الجزائر، حتى اتفقا على الشكل النهائي لخطة الإصلاح والنهوض والتحرر، وعادا معًا إلى الجزائر سنة 1913م بطموحات كبيرة، وأفكار عظيمة، وتوهج فكري وعلمي ودعوي، ورغبة عارمة في التخلص من المحتل الفرنسي الصليبي.

عودة الشيخ إلى الجزائر ومواطن الداء:

عاد الشيخ "ابن باديس" إلى الجزائر وهو يحمل في قلبه وعقله أبجديات مشروعه الإصلاحي الكبير الذي يبدأ بالتربية والتعليم، وإثبات الهوية، وينتهي بالتحرر من أسر الاحتلال الصليبي الفرنسي.

دراسة الشيخ المستفيضة للواقع الجزائري رفقة صنوه الشيخ الإبراهيمي مكنته من وضع يديه على موطن الخلل وأصل الداء الذي استفحل واستشرى في الجسد الجزائري، حتى صار واهنًا للغاية أمام عدو محتل لا يرحم.

فقد وجد الشيخ -رحمه الله- أن الحالة الجزائرية تردّت إلى هذا الواقع البئيس بسبب عدة عوامل تضافرت فيما بينهما لصنع بيئة سهلة وخصبة للمحتل الفرنسي، من أهم هذه العوامل:

1-التجهيل المتعمد:

فقد عمل الاحتلال الفرنسي على ضرب التعليم في الجزائر؛ لأن الشعب المتعلم سيكون شوكة في حلق المستعمر والمحتل، ورغم أن الجزائريين كانوا يتفوقون على الفرنسيين بنسبة التعليم قبل الاحتلال الفرنسي لبلادهم، يقول الجنرال فالز في سنة 1834م بأن كل العرب (الجزائريين) تقريبًا يعرفون القراءة والكتابة؛ حيث إن هناك مدرستين في كل قرية، وكتب الرحالة الألماني (فيلهلم شيمبرا) حين زار الجزائر في شهر ديسمبر عام 1831م، يقول: "لقد بحثت قصدًا عن عربي واحد في الجزائر يجهل القراءة والكتابة، غير أني لم أعثر عليه، في حين أني وجدت ذلك في بلدان جنوب أوروبا، فقلما يصادف المرء هناك من يستطيع القراءة من بين أفراد الشعب".

وقد أُحصيت أكثر من 2000 مدرسة في الجزائر سنة 1830م، ما بين ابتدائية وثانوية وعالية. لكن الاحتلال الفرنسي عمل بكل قوة على محاربة العلم والمعرفة في الجزائر.

وكان التعليم في الجزائر يعتمد اعتمادًا كبيرًا على مردود الأوقاف الإسلامية في تأدية رسالته، وكانت هذه الأملاك قد وقفها أصحابها للخدمات الخيرية، وخاصة المشاريع التربوية كالمدارس والمساجد والزوايا. وكان المحتل الفرنسي يدرك بأن التعليم ليس أداة تجديد خُلقي فحسب، بل هو أداة سلطة وسلطان ووسيلة نفوذ وسيطرة، وأنه لا بقاء له إلا بالسيطرة عليه، فوضع يده على الأوقاف، قاطعًا بذلك شرايين الحياة التعليمية.

وبالفعل آتت هذه السياسة الآثمة أُكلها، وزادت معدلات الأمية والجهل بين الجزائريين، وتخلفوا عن ركب العلم والثقافة، وشاعت فيهم الخرافات والظلام. هذه السياسة المتعمدة للتجهيل جعلت التعليم في الجزائر يصل إلى أدنى مستوى له، فحتى سنة 1901م -أي بعد حوالي 70 سنة من الاحتلال- كانت نسبة المتعلمين من الأهالي لا تتعدى 3.8%، فكادت الجزائر أن تتجه نحو الفرنسة والتغريب أكثر من اتجاهها نحو العروبة والإسلام.

وفي المقابل عمد الفرنسيون لإنشاء مدارس مخصوصة لتخريج أجيال من المتغربين والمتفرنسين من أبناء الجزائر، وفرنسا لم تفتح هذه المدارس في حقيقة الأمر من أجل تعليم أبناء الجزائر، ورفع مستواهم الثقافي، بل كان الاستعمار يقصد من وراء ذلك عدة أمور، منها: تجريد الشعب الجزائري من شخصيته العربية الإسلامية، ومحاولة إدماجه وصهره في البوتقة الفرنسية بإعطائه تعليمًا هزيلاً يجعله أسهل انقيادًا لسياسته. ومنها قتل الروح الوطنية التي أدت إلى اشتعال الثورات المتوالية، وجعل الشعب أكثر خضوعًا للاحتلال. ومنها إيجاد قلة متعلمة للاستفادة منها في بعض الوظائف التي تخدم الاحتلال، وقد تصبح فيما بعد طابورًا خامسًا للمحتل، أو طبقة حاكمة يُعهد إليها بتسيير شؤون الحكم ولعب دور الوكيل للمحتل إذا اقتضت الحاجة لعودة المحتل إلى بلاده في أي وقت.

2-الطرق الصوفية:

فقد وجد المحتل الفرنسي في الطرق الصوفية خير سند ومعين في إحكام قبضته على الجزائر؛ فمعظم الطرق الصوفية -وليست كلها- انضمت للمحتل الفرنسي في محاربة الأمير "عبد القادر الجزائري"، وساهمت بجهد كبير وفعال في إجهاض ثورة الأمير!!

وقد ردّ المحتل الفرنسي الجميل للطرق الصوفية؛ فزادت عدد الطرق وأتباعها بشكل مخيف في الجزائر في عهد الاحتلال، حتى أصبح في العاصمة لوحدها 23 طريقة صوفية، لها 349 زاوية، فيها 57 ألف شيخ و6 آلاف مقدم، ويتبعها 295 ألف مريد.

هذه العلاقة الخبيثة الآثمة والتي تندرج مباشرة تحت خانة العمالة وخيانة الدين والعرق والوطن، يلخصها شيخ الطريقة التيجانية "محمد الكبير" في حديثه للكولونيل "يسكوني": "إن من الواجب علينا إعانة حبيبة قلوبنا فرنسا ماديًا وأدبيًا وسياسيًا، إن أجدادي قد أحسنوا صنعًا في انضمامهم إلى فرنسا قبل أن تصل إلى بلادنا، ففي عام 1838م كان أحد أجدادي قد أظهر شجاعة نادرة في مقاومة أكبر عدو لفرنسا "عبد القادر الجزائري"، وفي عام 1870م حمل سيدي "أحمد برهن" على ارتباطه بفرنسا قلبيًا، فتزوج من "أوريلي بيكار"، وهو أول مسلم جزائري تزوج بأجنبية على يد الكردينال "لا فيجري" على حسب الطقوس المسيحية". ولا نحتاج للتعليق على هذه الشهادة الصريحة في العمالة والخيانة.

3-التغريب وتذويب الهوية:

المحتل الفرنسي اعتبر أن الجزائر أراض فرنسية تابعة للدولة الأم في أوروبا، ومن ثم راح يطمس كل آثار الوجود الإسلامي، ليس في الواقع وعلى الأرض فحسب، ولكن أيضًا في النفوس والقلوب بالقيام بواحدة من أشد وأبشع عمليات التحريف والتغريب للهوية الدينية والوطنية لبلد ما.

فقد جعلوا اللغة الفرنسية هي اللغة الرسمية في التعامل والتعليم والحياة العامة، ومنعوا تدريس اللغة العربية، ما أدى لنشوء عدة أجيال من الجزائريين لا يحسنون التكلم بالعربية، وبالتالي لا يعرفون شيئًا عن دينهم إلا ما يتلقونه في الزوايا الصوفية من مفاهيم محرفة عن الدين والعقيدة والحياة. وهذه الحالة الدينية المشوهة وفقدان بوصلة الهوية والتغريب الذي استولى على العقول؛ أدى إلى ضعف الهمم وخور القوى الراغبة في التحرر، وبالفعل ركدت حركات الكفاح ضد الفرنسيين، وظهرت أجيال تجهر صراحة بالولاء إلى فرنسا، واعتبرها البلد الأم صاحبة الحضارة والمعارف والعلوم، ونُسيت دماء الشهداء، وطويت أخبار المجازر المروعة، وضاعت جرائم تحويل المساجد والجوامع إلى كنائس في واقع أصبح أشد مأساوية من واقع الاحتلال نفسه.

ومن ثم قرر الشيخ "ابن باديس" ورفاقه العلماء الشروع في طريق الحرية باستعادة الهوية بالعلم والعمل والتنقية والتحريك والإصلاح الشامل للمجتمع الجزائري على المستوى الفردي والجماعي، في نضال وكفاح استمر لسنوات طويلة تجلت فيها بنود مشروعه الدعوي والتربوي الكبير، كما سيتضح لنا في الجزء الثاني من المقال.

ما الفرق بين خجل الطفل وضعف شخصيته ؟ كيف أوازن بين تربية ولدي على التسامح وعدم تضييع الحق؟! أفكار عملية لمختلف المراحل.. كيف نرسّخ عقيدة أبنائنا حول فلسطين والأقصى؟ انكفاء النُّخب والقيادات الدعوية معرفة أحوال المدعوين.. طريق المربي للدعوة على بصيرة