يجب الحرص بشدة عند اختيار من يتعاملون مع الطفل في هذه الفترة الحساسة وخاصة من يتعامل معهم بشكل مكثف ومتكرر..

أجمع العلماء والباحثون على أهمية فترة الطفولة المبكرة في حياة الطفل, حيث تشكل السبع سنوات الأولى من الكثير من طريقة تفكيره وعلاقته بنفسه والآخرين, كما تحدد بيئة الطفل في هذه الفترة الكثير من معدل تطوره العقلي ونمو قدراته على التفكير وحل المشكلات والنمو اللغوي. ومن هذا المنطلق يجب الحرص بشدة عند اختيار من يتعاملون مع الطفل في هذه الفترة الحساسة وخاصة من يتعامل معهم بشكل مكثف ومتكرر. فما يلقاه الطفل من طريقة في التفاعل ستشكل لاحقا كيف يتفاعل هو مع المجتمع. وفي هذا المقال نستعرض عددا من أهم الخصائص والمؤهلات الشخصية والعلمية التي يجب أن يتحلى بها المربي الذي يناط به الإشراف على الأطفال وتعليمهم في بداية حياتهم.

 

مهارات التلقي: يقدم الأطفال دائما التواصل الغير لفظي بالإشارة والتلميح والتعبير بالفعل قبل القول, فمهاراتهم اللغوية لم تكتمل بعد, هذه اللغة الغير منطوقة يضاف لها القليل من الكلمات, والمربي الماهر هو من يحسن ملاحظة الطفل ويحسن تلقي هذه الإشارات وكذلك يقوم بالإصغاء لكلمات الطفل القليلة مشجعا إياه على مزيد من التعبير والتواصل, فالطفل حين يشعر أن ما يرسله من رسائل -لفظية أو غير لفظية- سيجد عند المربي أذنًا مصغية وعينًا تلاحظه فسيشعر عندها بقيمة التواصل ويثق في قدرة المربي على فهمه وتلبية احتياجاته مما يفجر فيه القدرة على التعبير ويجعله أكثر اهتماما وتقبلا لما يقوله المربي ويوجهه إليه.

 

مهارات الخطاب: إن مهارة الكلام مع الأطفال هي المهارة التالية في الأهمية, فيجب أن يتعلم المربي أن الطفل لم تكتمل لديه من القدرات العقلية ما يمكنه من اتباع التعليمات المعقدة أو المتتالية بسرعة, كما أنه لم يبلغ من النضج ما يمكنه من الاستماع للتوجيهات المباشرة واتباعها بشكل مستمر. فيجب على المربي أن يتقن مهارة الحديث مع الطفل, حيث يوجه له طلبات واضحة وبسيطة ويقوم بتعديل سلوكه وتوجيه تصرفاته من خلال لفت النظر الغير مباشر أو التوجيه بعرض البدائل عن السلوك, هذا في حالة طلب شيء من الممكن تحقيقه عمليا وحالا من الطفل, أما فيما يخص الوصايا العامة أو التحذيرات التي لا يراها الطفل مباشرة فلا يجدي النصح والوعظ شيئا, ويجب استبداله بضرب المثل بالقصة أو بالتقرير الغير مباشر للنصيحة وعرضها بشكل إيجابي محبب وليس كقيد على الطفل أو جملة موجهة لشخصه كما لو كان مذنبا, فمثلا لا تقل للطفل: "لا تلعب في الشارع لأن هذا خطر" بل قل له "سيخبرك والديك دائما بالأماكن الآمنة لتلعب فيها, ومن المهم الاستماع لهما".


يجب على المربي أن يتقن مهارة الحديث مع الطفل, حيث يوجه له طلبات واضحة وبسيطة 

 

مهارات الإبداع: كثيرا ما يجد المربي نفسه في مواقف غير متوقعة من الأطفال, فالطفل قد يكون يوما ما متبرما دون سبب, أو يشعر بالملل, أو غير سعيد وسريع البكاء, أو غير متوافق مع أقرانه, أو ربما يتشاجر طفلان ويسببا جوا من التوتر. حينها تبرز أهمية مهارة الإبداع عن المربي, فمثلا يكسر حدة التوتر بحركة مضحكة يستخدم فيها تعبيرات وجهه وحركات يديه المبالغ فيها ليخرج بالأطفال من دائرة البكاء,  أو ربما يحل مشكلة للطفل بطريقة مبتكرة تحقق رغباته دون أن تتسبب في مشكلة أكبر, أو ربما يحول لعبة موجودة إلى لعبة جديدة باستخدامها بطريقة لم تخطر للأطفال من قبل, أو يقوم بعمل نشاط جماعي مختلف يشارك فيه كل الأطفال سويا. هذه الحلول التلقائية التي تعتمد على قدرة المربي على الإبداع هي بمثابة الوقود الذي يحرك المربي خلال المواقف الغير متوقعة التي يواجهها. وقد يظن ظان أن الإبداع هو موهبة فطرية وأنه من الصعب البحث عنها في كل مربٍ, ولكن الأبحاث العلمية أثبتت أن الإبداع هو مهارة يمكن تطويرها وتنميتها بالتركيز عليها وتوفير البيئة المناسبة لها. ومما يعين المربي على تفجير طاقته الإبداعية أن يكون مطالعا دائما للأفكار والأنشطة والألعاب التي تقدم للأطفال من خلال المواقع المتوافرة على شبكة الانترنت, كما يجب ألا يكتفي بالمشاهدة بل يقوم بالتطبيق والتجربة والتعديل. 

الإبداع هو مهارة يمكن تطويرها وتنميتها بالتركيز عليها وتوفير البيئة المناسبة لها


مهارات القدوة الفعالة: الأطفال في السن المبكرة يكونون أشبه بكاميرات المراقبة التي تسجل كل لفتة وكل تعبير على وجه المربي, ولهذا يكون لتصرفات المربي وردود أفعاله أكبر أثر عليهم في تعريف الرد المناسب لكل موقف يتعرضون له. فضبط الصوت, وردود الأفعال المباشرة الصريحة, واتساق تصرفات وخلوها من التناقض أو اللامنطقية, كل هذا يثبت عند الطفل القواعد السليمة والمباديء الصحيحة للتعامل مع المجتمع. فيجب على المربي أن يحدد بوضوح ما يتوقعه من الأطفال, ثم يكون متسقا مع ما وضحه من توقعات, ويكون جاهزا للتصرف السليم في حالة مخالفة التوقعات. ويجب على المربي أن يحذر من أن يكون ألعوبة في يد الأطفال حين يعرفون أن نفسه قصير أو أنه سريع الغضب ويفقد السيطرة على نفسه أمام بعض حيلهم. فلكي يكون المربي قدوة جيدة يجب أن يكون ممارسا جيدا لما يطلبه منهم من أخلاق (كالتهذيب والبشاشة والمشاركة والمسامحة) وأيضا يكون منطقيا في ردود أفعاله فيبين لهم لماذا يفعل هذا التصرف وماهي عواقب أي سلوك يقومون به (سلبا أو إيجابا) كما أن يكون متسقا فيكون له ردود أفعال متشابهة في المواقف التي تشبه بعضها أو تكرر, فبهذا أولا يرسخ رد الفعل الصحيح, كما أنه يزرع الثقة في نفوس أطفاله كشخص يمكن اتباعه وتقليده باطمئنان. أما إذا رأوا منها ترددا او ارتباكا أو تناقضا أو -و هو أسوأ بكثير- كذبا وخداعا, فلا يأسف عندها إن لم يستمعوا له أو يثقوا بقوله.

 لكي يكون المربي قدوة جيدة يجب أن يكون ممارسا جيدا لما يطلبه

المعرفة بمراحل النمو والتطور عند الطفل: ولعل هذه المهارة المعرفية هي أهم ما يحتاجه المربي في رحلة تعامله مع الطفل, حيث يمر الأطفال بمراحل عامة من التطور المعرفي والسلوكي, وهذه المراحل تحدد تقريبيا ما يناسب الطفل من أنشطة وما يمكن توقعه منه من سلوكيات واهتمامات, فالمربي المطالع لطرق التربية الحديثة سيمكنه أن يعرف متى يبدأ في تقديم أنشطة التصنيف المختلفة للطفل, وما يحتاج إلى تركه ليلعب اللعب الحر الذي يختاره, متى يحتاج إلى أدوات العد والترتيب التنازلي والتصاعدي, ومتى يحتاج إلى ألعاب الحركة التي تعتمد على التوازن والقوة, ومتي يمكن إدراج الطفل في ألعاب جماعية...إلى آخر هذه الخيارات المختلفة والمهارات التي تنبني على بعضها, والتي لابد أن تقدم بتطور مدروس متبع لما قرره العلم عن مراحل تطور الطفل نفسيا وعقليا وبدنيا. 

 

وأخيرا نؤكد أن ليس المطلوب من المربي أن يكون شخصا مثاليا موهوبا لا مثيل له, ولكن ما يطلب منه أن يمارس هذه الجملة من المهارات والسلوكيات,فكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  «إِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ، وَإِنَّمَا الْحِلْمُ بِالتَّحَلُّمِ، وَمَنْ يَتَحَرَّ الْخَيْرَ يُعْطَهُ، وَمَنْ يَتَوَقَّ الشَّرَّ يُوقَهُ»(السلسلة الصحيحة). فبالتمرين والممارسة والمحاكاة تبدأ هذه الصفات في الترسخ حتى تصبح طبيعية عن المربي حتى ولو لم يتحل بها مسبقا. وهذا الجانب منوط بكلا من المؤسسات التربوية وبالمربي نفسه, حيث يجب عقد جلسات تدريبية وورش عمل للتدريب على هذه المهارات بحيث يتم أولا ترسيخ أهمية كل مهارة منها بسرد مزاياها من وجهة نظر المتدربين, ثم محاكاة هذه المهارات والسلوكيات بمطالعة المصادر المتعلقة بها وتمثيلها في مواقف تخيلية, ثم الانتقال بها للتطبيق العملي مع الأطفال.

 

ما الفرق بين خجل الطفل وضعف شخصيته ؟ كيف أوازن بين تربية ولدي على التسامح وعدم تضييع الحق؟! أفكار عملية لمختلف المراحل.. كيف نرسّخ عقيدة أبنائنا حول فلسطين والأقصى؟ انكفاء النُّخب والقيادات الدعوية معرفة أحوال المدعوين.. طريق المربي للدعوة على بصيرة