لا شك أن أكثرنا قد قرأ عن يهود التيه الذين تاهوا أربعين عامًا، ولا شك أن أكثرنا أيضًا قد قرأ عن الأجيال التي جاءت من أصلابهم، والتي منها جيل داود وطالوت. تُرى ما الفرق بين جيل التيه ذاك وبين هذه الأجيال التي جاءت بعده؟!
لا شك أن أكثرنا قد قرأ عن يهود التيه الذين تاهوا
أربعين عامًا، ولا شك أن أكثرنا أيضًا قد قرأ عن الأجيال التي جاءت من أصلابهم،
والتي منها جيل داود وطالوت.
تُرى ما الفرق بين جيل التيه ذاك وبين هذه الأجيال
التي جاءت بعده؟!
الفرق أن يهود التيه كانوا جيلاً انسحقت كينونته نتيجة
لأسباب عديدة؛ فأصبحوا جيلاً لا نفع فيه، ولا رجاء منه.
وأمّا أبناؤهم وأحفادهم -الذين منهم جيل داود وطالوت-
فإنهم لم يتعرضوا لتلك العوامل، فكانوا جيلًا سويًا قويًا واثقًا من نفسه؛ واستطاعوا
أن يحققوا ما لم يكن أسلافهم من يهود التيه يجرؤون على مجرد الحلم به.
فما السبيل إلى حماية أجيالنا القادمة من
أن يرثوا الانسحاق من أجيال التيه، ويكسروا قيد الخوف بداخلهم ليكون منهم جيل
النهوض؟!
"جيل النهوض" الذي يتعلم من الانحسار كيف
يكون المدّ الحقيقي متوازنًا؛ فيأخذ الوقت كل الوقت باحثًا ومتفكرًا قبل أن يبدأ
رحلة إخلاصه في العمل لما يؤمن به.
"جيل النهوض" الذي يدرك أن ليس كل ما يلمع ذهبًا، ولا كل ما يقال صدقًا وعدلاً، فينظر
في كل كلام بعين "النقد" التي ترى الفرق بين الحقائق والأوهام.
"جيل النهوض" الذي لا يمرر الأفكار دون مناقشة،
ولا يكررها دون تمحيص، ولا يبررها من خلال نظرة أحادية مريرة ترى الأفكار من خلال
لون واحد، وترى الإنسان إمّا طاهر مقدس أو دنس حقير، معنا أو ضدنا!
لا شك أن الخظوة الأولى في الطريق إلى هذا الجيل هي ميلاد
إنسان "يفكّر بسوية" و"يعبّر
بحرية".
"يفكّر بسوية" فيكون "انتقاؤه"
للأفكار مصحوبًا بالحكمة والاتزان.
و"يعبّر بحرية" فيكون "انتقاده" لغيره مصحوبًا بالنصح
والبناء.
فكيف نصل إلى هذا الإنسان؟! وما خطوات
تكوينه عمليًا؟!
أولًا: حوارات وتساؤلات:
يسير المربي في دروب نفس المتربي من خلال حوارات طليقة
يحاول فيها أن يعمق فهمه برسالته، ويطلق وعيه بالحياة وبالناس، حتى إذا اطمأن إلى
عقله فهمًا ووعيًا؛ أكّد له أننا بدأنا السير في هذه الحياة من يوم عمرنا الأول،
وسنمشي عمرنا كله دون أن نقدر علي القول أننا الآن اكتملت تجربتنا.
ومن ثم تكون دعوة المربي أن يسلك المتعلم يده في جيب
تجربة المربي، ليأخذ منها ما يجده من الخير، ويترك ما ما يراه عديم الفعالية؛ وذلك
من خلال التساؤلات التي تقوم بدور "العصف الذهني" للمتربي من مثل:
ما الإنسان؟! وما وظيفته؟!
وما دوره في الحياة؟!
وهو في كل التساؤلات يؤكد
للمتربي أنه لن يجد الإجابات إلا إذا أرقته التساؤلات، ولن تؤرقه هذه التساؤلات
حتى تكون تساؤلات حب للنفس ورغبة في إنقاذها، فإذا اعتذر المتربي بتغيّر الأحوال
والظروف، أكّد له المربي أن الأحوال الظروف لا تغيرنا وإنما "تكشفنا"،
لندرك أننا قد تحولنا إلى ممثلين يؤدون أدوارًا هي أقنعة يرتدونها بإدراك أو بغير
إدراك.
وأنه إذا أراد ألا يكون تحت
رحمة "الظروف"؛ وألا يكون في موقف "المنتظر" الذي يمارس دور "المفعول
به"، فلا بد له من الخروج من دائرة "الراحة" التي بناها طوبة طوبة
بسنين عمره، والتي تقاوم التغيير ولا ترى الجديد الذي يمدها بالخبرة من خلال
التجربة.
ولكي يخرج المتربي من منطقة
"راحته" لا بد له من مواجهة نفسه وبداية حربه الضارية لاستئصال ما ترسب
فيها مما لا يصح التعايش معه، ثم البدء فى اكتشاف آليات عمل النفس وإدخال التصحيح
على مسارها من خلال منهج القرآن في "التزكية" الذي يزحزح النفس من
"الأمارة بالسوء" حيث الفوضى وعدم المراجعة، إلى "اللوّامة"
حيث الانضباط والمراقبة، ثم الانتقال بها إلى "المطمئنة" حيث يسيطر
الإنسان على نفسه ليدخل عالم الرضا: (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) [التوبة:
100]، كل ذلك من خلال اليقظة المستمرة التي لا تفتر عن المراجعة والمحاسبة، ولا
تقف عند حدٍّ. وذلك من خلال:
ثانيًا: بوصلة
الحياة:
لا بد للمربي أن يؤكد للمتربي
على تذكر سؤالين في كل موقف من مواقف الحياة:
الأول: ما إرادة الله في كافة
مواقف الحياة؟!
والثاني: في أي ترتيب أضع هذه
الإرادة؟!
فأمّا السؤال الأول، فينقل
الوعي من دائرة الغفلة إلى دائرة الاختيار.
وأمّا السؤال الثاني، فيعرفنا
ترتيب مراد الله في أولوياتنا.
فإذا كانت إجابة السؤال الأول أن مراد الله هو ما يحكم
علاقته بنفسه والآخر، وأن الله هو الأول في حياته؛ فهو إنسان سوي نفسيًا، يسير وفق
منهاج الله الذي شرعه لعباده.
أما من اختار التمحور حول ذاته، وعاش حياة
"الأنا" ليضع مراد الله بعد مراد نفسه، فإن واقع حياته هو نسيان
"الله" أو تضييق سيادته على "كل" الحياة، لتصبح سيادة على
الشعائر والنسك فقط!
ومن ثم..
فإن من أراد ترتيب حياته باحثًا
عن مراد الله؛ فلا بد له من توجيه بوصلته إلى مركزية "الله"؛ لتصطبغ كل
مكونات الحياة بصبغة الله: (صِبْغَةَ اللَّهِ ۖ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ
صِبْغَةً ۖ وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ) [البقرة: 138].
وعندها تتخلص حياته من
أوثانها لتعود طريقًا إلى الله وفق النموذج المعرفي
القائم على مركزية "الله"، بدلًا من النموذج المعرفي القائم على مركزية
"النفس"، ذلك النموذج الذي يؤمن بأن الله ليس في حاجة أن يكون مركز حياة
الإنسان، بل الإنسان هو من يحتاج إلى ذلك، فإن كان الله في مركز الحياة لم يقابل
الإنسان النور في نهاية النفق، بل يصحبه النور في كل خطواته لأن "الله"
هو "الأول" في كل حياته ليصنع منه.
ثالثًا:
إنسان المبادرة:
لا شك أن من يرى الحياة من خلال واقعه
وليس من خلال أمانيه؛ سيدرك أن قصورًا فكريًا وضعفًا عمليًا يدفع الإنسان إلى
الاستسلام للعقل الجمعي والانقياد لحركة الأكثرية، فالمدارس
والمعاهد والكليات والكثير من الجماعات هي بمثابة "ماكينة البسطرمة"
التي تقولب ولا تعلّم.
ومن ثم نجد أناسًا
يتصدرون للتوجيه ولا يحسنون التفكير!! فهم في الحقيقة "أُمِّيون" وإن حمل
بعضهم شهادات عالية!!
ذلك أن هذه
"الشهادات" قد أعطته مجموعة "ضخمة" من المعلومات، ولكنها
معلومات مبعثرة لا يستطيع أن يصوغ منها فكرة نافعة أو يأخذ من خلالها قرارًا صائبًا
في الحياة.
ومن هنا تظهر أهمية أن يؤكد المربي على
معنى أن يكون المتربي "حنيفًا مسلمًا" وليس "مسلمًا " وفقط: (مَا
كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَٰكِن كَانَ حَنِيفًا
مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [آل عمران: 67]، فالحنيف في اللغة
تعني "المائل"، المائل عن الشرِّ إلى الخير، أو المائل عن الباطل إلى الحق، فالكلمة لا تعني أن أستقيم لأن بيئتي مستقيمة
وفقط، وإنما تعني أن أكون في حالةٍ دائمة من اليقظة التي تجعلني قادرًا على التمرد
على العقل الجمعي الفاسد والسباحة ضد تيار الباطل المحيط.
وهذا هو
"إنسان المبادرة" الذي لا يقف مكتوف اليدين فى مواجهة الخطر، بل يبادر
إلى فعل ما ينبغى وفى حسه أنه المعنِيُّ لا غيره.
إذا القومُ قالوا
مَن فتًى خِلتُ أنَّني *** عُنِيتُ فلم أَكْسَل ولم أتبلَّدِ
فـ"إنسان
المبادرة" لا ينتظر أن يبادر غيره فيريحه، بل يسرع إلى الصوت وكأنه ليس على
الأرض إلا هو!!
وهذه هي الفاعلية التي صاغها -صلى الله عليه وسلم- فيمن
حوله، حتى وصل كلُّ واحدٍ منهم إلى الاعتقاد بأنَّ أيَّ غفلةٍ أو سِنَةٍ منه تعني
أن يؤتى الإسلام من قِبَله، هكذا فهموا عنه -صلى الله عليه وسلم- قوله: "إنك
على ثغرة، فلا يُؤتينَّ من قِبَلِك".
بل إن حوادث السيرة تروي لنا أقصى ما يمكن أن تفعله
التربية بالإنسان في موقف الصحابي سعد بن الربيع -رضي الله عنه- في معركة أحد وهو
يفارق الحياة قائلًا: "لا عذر لكم عند الله إن خلص إلى نبيكم وفيكم عين
تطرف".
فإذا
واجه المتربي عواصف الحياة التي تحاول أن تسحب منه "بوصلته"، لتصنع منه خائفًا لا يَقْدُر نفسه ولا يثق في أحد؛
عَلِم المتربي أن هذه العواصف التي تواجهه إنما تستهدف
تماسكه الداخلي؛ فجعل هدفه الأول ألا يفقد تماسكه الداخلي، وأن يملأ نفسَه اليقينُ
بأنه قادر على عبور هذه الأزمة؛ فيلملم تَبعثُرَه، ويسيطر على اتّزانه؛ ليبدأ في
عبور منطقة الخطر؛ لأنه على يقين أن من يقبل أن يحيا بلا "اختيار"، أو "يسكت"؛ فإن غيره
يعتبر سكوته تفويضًا له ليتكلم عنه، ومن ثم يسرق إرادته وينقله من أن يكون
"فاعلًا" ومؤثرًا إلى أن يصبح "مفعولًا به".
ولذلك فإنه من الضروري أن يبث
المربي في المتربي روح الشجاعة والمقاومة، ويكون سعيه الدائم لدعم
المتربين بكُلّ ما يستطيع، وخاصّة الدعم النفسيّ والاجتماعيّ؛ لرفع تقديرهم
لذواتهم ولتحفيزهم لأن يَسعوا لتمكين أنفسهم من الصمود في المراحل الصعبة، ودفعهم
إلى التمسك بالأمل مهما بدا الواقع مخالفًا، والتأكيد على أنه من ذروة اليأس يبزغ
النور حين نتعلم أن التغيير ممكن، ونقلع عن مجرد تفسير الواقع، لنكتسب القدرة على
تغييره وسط موانع الأمل، ومصدات التغيير، وتكون مقاومة التصورات الخاطئة هي الخبز
اليومي.
ولا يمكن أن تبقى هذه المقاومة خبزًا يوميًا إلا من
خلال:
رابعًا: التفكّير بِسَويّة:
لقد منّ الله علينا؛ فأرسل إلينا رسله بمنهاج كامل
يفصّل لنا الطريقة المثلى لما أمرنا به من معرفته وعبادته وعمارة أرضه -سبحانه
وتعالى-، ومثلما هي الامتحانات التي يمكنك فيها اصطحاب الكتاب لتبحث فيه عن
الإجابة لأسئلة الامتحان أو ما يطلق عليه "امتحان الكتاب المفتوح"؛ فإن
كتاب الله معك يجيب كل منا عن كل تساؤل يعرض له في هذه الحياة.
ومن ثم يؤكد المربي للمتربي أنه يمتلك منهاجًا جميلًا شاملًا كل الحياة، ولكنه في حاجة إلى
"تطبيقات حياتية" لهذا المنهج، ومن ثم لا بد أن يبذل الجهد الأكبر
لتحويل هذه "النظرية" إلى تطبيقات حياتية يومية تبدأ من تعاملك مع جاره
الذي يقابله في طريقه إلى عمله صباحًا، مرورًا بعلاقته مع منافسيه في هذه الحياة،
وصولًا إلى القدرة على قبول الآخر والتحاور معه!
فإذا شكا المتربي
مشقة هذا الأمر؛ أفهمه المربي أنه حين يحوّل منهاج حياته إلى تطبيقات تحقق "مراد الله" منه؛ فإن
"حياته" ستكون في سبيل الله، فإذا توفاه الله وهو يحيا هذه الحياة؛ فإن
"موته" يكون في سبيل الله؛ لأن الموت عندها لا
يكون إلا "بوابة" يعبر منها بخطى الشوق إلى حياة جديدة فيها ما تشتهيه
الأنفس وتلذ الأعين: (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا
الْحَزَنَ ۖ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ غافر * الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ
الْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا
لُغُوبٌ) [غافر: 34، 35]، فلا ملل ولا ضجر ولا تعب ولا شقاء، بل حياة طيبة وعدها
الرحمن عباده بالغيب: (إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا) [مريم: 61].
خامسًا: التعبير
بِحُريّة:
الكلمة كائن حي، وفي الكائن الحي
هناك علاقة بين العضو والوظيفة؛ فالعضو الذي لا ينشط يضمُر، والجهاز الذي لا يعمل
يموت، فإذا تدربت عقول المتربين على النقاش والحوار؛ فإن العقل النقدي يعمل بكامل
طاقته، وأما حين يصادر التفكير لمدة طويلة؛ فإن العقل النقدي يقترب من الموت،
ويعيش صاحبه كنبات يتكاثر ويتنفس ولكن دون وعي.
ولأن الوعي هو الانفكاك عن
رتابة الطبيعة؛ فليس أمام العقل إلا التفكير، والتفكير يقود آليًا إلى التعبير ما لم
يصد بآليات القمع أو السخرية والتكذيب.
التفكير يقود إلى التعبير،
والتعبير ينعكس على التفكير فينميه ويصححه ويعمق مجراه، ومن خلال التعبير -سواء
بالنطق أم الكتابة- يتحول العقل الفردي إلى عقل جماعي عملاق يمثل تهديدًا لأفكارنا.
لقد أعلمنا الله تعالى عن حال المستضعفين فكريًا من
التابعين من أهل النار في تخاصمهم وهم يقولون لمتبوعيهم: (وَقَالَ الَّذِينَ
اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ
تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا) [سبأ: 33].
وأرشدنا للطريقة المثلى للتخلص من سطوة
الجماهير، وهي الاعتزال للتفكر بأنفسنا أو بمشورة واحد فقط نحاوره ونتدبر معه، فلا
يكون أثره إلا أثر السّائل الدّافع أو المجيب الداعم، (قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ
بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا)
[سبأ: 46].
وخلّد القرآن موقف التعبير عن
الفكرة في سورة كاملة أعطاها اسم "المؤمن" الذي لم يسكت فقال لفرعون: (أَتَقْتُلُونَ
رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن
رَّبِّكُمْ ۖ وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ ۖ وَإِن يَكُ صَادِقًا
يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ
مُسْرِفٌ كَذَّابٌ) [غافر: 28].
لقد نهانا القرآن عن الغوغائيّة، وسمعنا
قول رسولنا -صلّى الله عليه وسلّم- للكفّار في موضع ليس أحق منه بالقطع أنّ الحقّ
معه لا يفارقه: (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)
[سبأ: 24]! لنعلم أن قوة أي فكرة هي من
داخلها لا من خارجها، وأن الباطل يمكن أن ينمو فيصبح شجرة: (وَمَثَلُ كَلِمَةٍ
خَبِيثَةٍ...) [إبراهيم: 26]، ولكن مصيرها في النهاية أنها ستسقط
تحت ثقل أغصانها؛ لأنها لا تملك الجذور؛ فاجتثت من فوق الأرض مالها من قرار.
سادسًا: الصحبة الصالحة:
قد يبدو لك الخَلَاص الفرديّ حَلاًّ مُناسبًا، لكنّ
هذه النزعة الفردية هي في حقيقتها الخسران المبين.
وتأمل سورة العصر، وكيف جاء
الخسر بصيغة فردية: (إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ) [العصر:2]، بينما كان التغيير
لهذا الخسران عبر جماعة (إِلا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ)
[العصر: 3].
وتأمل أن طريق النجاة كان عبر: "التواصي"
بـ"الحق"، كما لو أن المؤمنين يناولونه واحدًا للآخر، ويسلمه كل واحد
لمن بعده كأغلى وصية!
و"التواصي" بالـ"الصبر" كما لو أن
هذا الحق والدعوة إليه هو مشروع العمر كله.
فإن بدأت خطواتك نحو التغيير؛ فابحث عن صحبة صالحة،
تهوّن عليك الشعور بالغربة في هذا العالم.
صحبة صالحة ترجو
رضا ربها وعفوه ومغفرته، تنظر إلى رحمات السماء لا خشاش الأرض، وتسعى لتعمير الأرض
لا تدميرها.. تحيا لفعل الخير ونفع الغير.
صحبة صالحة تقبل
على العلم الذي يرفعها إلى السماء، ويمكّن لدينها في الأرض، تحفها أخلاق ذوي
المكارم والمروءات، لا تغير جلدها مهما اشتدت الأزمات.
صحبة صالحة هي
نور يمشي بين الناس من كل لون وجنس لهداية الناس إلى طريق الله.
صحبة صالحة تدرك
وجهتها في الحياة، فلا تضيع أعمارها في سير بلا هدف لتكتشف في النهاية أنها أضاعت
العنوان؛ فأضاعت عمرها وعمر من وثقوا بها.
وبكلمة..
أيها السالك طريق النهوض..
ربما رأيتَ الدربَ طويلًا؛ فصرخت من داخلك:
"لم أعد أحتمل"!
ربما تعثرت خطواتك أحيانًا لتتعلم، ولكنك
منتصر ما لم تعلن الهزيمة!
لقد قطعتَ شوطًا طويلاً، وتوشك أن تصل إلى
هدفك.
تذكر كيف بدأت من نقطة تشبه العدم!!
كيف كنت تائهًا في دروب الحياة لا تعرف
هدفًا تسعى إليه!!
تذكر يوم قيل لك: لا فائدة من المحاولة!!
ثم..
أخذ الله بيدك ليجاوز بك ظلمات الباطل إلى
نور الحق..
واحذر غيوم النفس أن تحجب نور الله عن قلبك..
واجتهد في أن تترك خلفك ما ينفع الناس..
وكن رجلًا إن أتوا بعده *** يقولون: مرَّ
وهذا الأثر
الغريب
رائع يا دكتور و الله